قضايا

ملف: نازك الملائكة بين البحث عن السعادة والخوف من الموت

وهي بهذا العمر الصغير نسبيا والذي يكون فيه الإنسان مقبلا على الحياة بكليتها تؤشر استباقا زمنيا على مستوى الخبرة والتجربة مطلقة أسئلتها الوجودية الخالصة والمدهشة بما يضارع ما يفكر به القلة القليلة من الناس ، ليس هذا فقط بل إنها تقوم بشعرنة هذه التساؤلات من خلال رحلات خيالية مجهدة لإيجاد أجوبة لها، وكأنها بفعلها هذا قد مدت يدا لتقطف لؤلؤ الوجود من محارته الشاهقة ولتشيد عالما خاصا بها هو عالم السكون والليل ولتكون نجمة هذا الليل المتلئلئة وبالتالي لتحتاز عظمة ومكانة فريدة في تأريخ الشعر الحديث .

إن رحلة "الملائكة "تلك امتدت لتشمل بقعة زمنية مقدارها عشرون عاما وبالضبط من عام 1945 وحتى العام (1965 م )...وهذه الرحلة الوجودية قد تكون متقطعة ولكنها كانت تعمل وتحفر في لاشعور  الشاعرة رويدا رويدا، وإذا كانت نازك قد بنت مجدها الشعري من خلال دواوينها الأولى الثلاثة وريادتها لحركة الشعر الحر(شعر التفعيلة) إلا أن تلك الفترة من حياتها يبدو لي لم تستكشف جيدا بالرغم من وفير شعرها الذي يبلغ أكثر من ألفي بيت، وتمثل فترة لم يكن ليضمها أي من دواوينها (عاشقة الليل، شظايا ورماد ، قرارة الموجة)، حيث أبانت عن هذه الرحلة في المجلد الأول من أعمالها الكاملة .

لا شك أن قراءاتها الفلسفية واطلاعها على الشعر الإنكليزي هما من ألهماها وفتحا عينيها على جوانب مهمة من الحياة المضيئة منها والمظلمة، وبالتالي فإن تلك القراءات هي من جعلها تعشق الليل الفيزياوي وتنحاز إليه ليكون معادلا لليلها الروحي المعتم ولأسئلتها الكونية والوجودية والتي كانت تشكل وتنسج شبكة عنكبوتية حولها في المستويين الزمني والمكاني، حيث تقول نازك عن فلسفتها في تلك الفترة إنها ضمن رؤيا شوبنهاور الفيلسوف الألماني حين يقول(1):-( لست أدري لماذا نرفع الستار عن حياة جديدة كلما أسدل على هزيمة وموت ، لست أدري لماذا نخدع أنفسنا بهذه الزوبعة التي تثور حول لاشيء؟ حتام نصبر على هذا الألم الذي لا ينتهي؟ متى نتذرع بالشجاعة الكافية ونعترف بأن حب الحياة إكذوبة وأن أعظم نعيم للناس جميعا هو الموت.)

إن روح التشاؤم الذي يطفح به المقطع أعلاه كان بالنسبة للشاعرة شعارا، وهو الذي اتخذته في كتابة مطولتها الأولى التي اسمتها(مأساة الحياة)، هذه المطولة ذات الألف والمائتي بيت شعري هي التي نجد فها أسئلة الشاعرة وتفاصيل رحلتها في البحث عن السعادة، وهي تقول أيضا عن تلك الفترة(2):- والواقع أن تشاؤمي قد فاق تشاؤم شوبنهاور نفسه، لأنه -كما يبدو- كان يعتقد أن الموت نعيم لأنه يختم عذاب الإنسان ،أما أنا فلم تكن عندي كارثة أقسى من الموت، كان الموت يلوح لي مأساة الحياة الكبرى، وذلك هو الشعور الذي حملته من أقصى أقاصي صباي إلى سن متأخرة .

وتلخص الشاعرة الملائكة المواضيع التي اختارتها في كتابة المطولة(مأساة الحياة) وترى أن موضوعها كان فلسفيا بحتا ويدور حول الحياة والموت، وكذلك فهي تشعرن المآسي التي خلفتها الحرب العالمية الثانية وفيها دعوة صريحة للسلام وانتقاد حاد لتجار الحروب وكذلك تتحدث عن السعادة وتتساءل فيما إذا كان لها وجود في هذا العالم، وهي تفصل في موضوعة البحث عن السعادة..وتقول إنها كانت تعتقد بوجودها في بيوت الأغنياء، ولم تجدها لأن المال لايدفع عن الإنسان وحشة القبر والأكفان وهي برؤياها تلك إنما تتكئ على مرجعية إسلامية واضحة، حيث نقرأ (3):-

 

قد بحثنا عن السعادة لكن

ما عثرنا بكوخها المسحور

أبـــدا نـسأل الليـالي عنــها

وهي سر الدنيا ولغز الدهور

طالما حدثوا فؤادي عنهــا

في ليــالي طـفـولتي وصـبايا

طالما صوروا لعينيّ لقيا

ها وألـقـوا أنـبـاءهـا فــي رؤايــــا

فهي آنـــا ً ليســت سوى العطر والأ

لوان والأغــنــيــات والأضــواء

ليس تحيــا إلا على باب قــصــر

شيدته أيـدي الغنــى والرخــاء

إن رحلة الشاعرة في البحث عن السعادة بين القصور، كانت رحلة خائبة حيث لم تجد الشاعرة هناك أية سعادة(4 ):-

سرتُ بين القصور وحدي طويلا

أسأل العابرين أين الطروب؟

فــإذا فــتـنـة الـقـصـور سـتـــار

خادع خلفه الأسى والشحوب

والغنى لن ينجي الغني من الأحزان ولا الكبرياء الذي يجلبه المال لهم ينجيهم من الموت فهم سواسي في ذات المصير مع باقي عباد الله(5):-

ليس ينجيهم الغنى من يد الأش

جان ليست تنجيهم الكبرياء ُ

ليس يعفو المماتُ عنهم فهم حز

نٌ وصـمـت وحـيرة وبــــكاءُ

 

وهذا ما جعل الشاعرة تنأى عن قصور الأغنياء  فهي أكثر حزنا وشجنا، والمهم للشاعرة أن ساكني هذه القصور ليسوا بمنجى من يد الموت لذا نسمعها تقول (6):-

يا طـــريقــي ملْ بــي العشية ما عا

دَ جمال القصور يحلو لعيني

لم أ جدْ ومـضة الســعـادة فـــيـــها

لم أجدْ غير ظل يأس وحزن

 

كانت الشاعرة تظن أنها ستجد السعادة عند صوامع الزهاد والرهبان، وبالتالي نراها قد وجهت دفة شراعها نحو أعلى الصخور حيث تقام المعابد هناك متلئلئة وهي تلثم السماء (7):-

ســرْ بـنـا نحو ذلــك المـعبـد القا

ئم فوق الصخور بـــيــن الجبال

سـرْ بــنــا لــعـــل لــــــدى الرهــ

بـان ســـرّ النــعــيـــم والآمــــــال

هــــؤلاء الزهــاد في القــنـة البي

ضاءَ حـيث الصــفاءُ مـلئ الوجـود

عـلـهم يـعـرفـون ما قـد جـهلـنا

عــن شــهــاب الــســعــادة الـمـفقود

إلا أن ما تبحث عنه الشاعرة قطعا غير موجود هنا، حيث يبدو لي عصيا عليها أن تفهم أن سعادةالزهاد الخالصة هي التقرب من الله بأجسام عارية وجائعة، وعصيا عليها أيضا أن تعرف أن الرياضات القاسية والجوع هو من يوصل المؤمن الحقيقي إلى الله، لذا فأن سعادتها هو غير سعادتهم، وما ينشدوه غيرما تنشده هي، وبالتالي ترجع خائبة من عالمهم وهي أكثر شك مما كات حتى أنها تشك في انتمائهم الفيزياوي للبشر وتتساءل عما إذا كانوا آدميين  أو غير ذلك !(8):-

لـم أجـد فـي تلك الصوامع غير ال

أوجه الــشــاحــبــات والــديــجــور ِ

لم أجـد غـيـر وحــشــة ٍ تـبعـث اليأ

سَ وصـمـت ٍ كـمثل ِ صــمت الـقـبور ِ

هــؤلاء الأشــبــاح مــاذا تـــراهم؟

آدمــيــــون أم بــقــــــايــا طــــيــوف

فــيـم جــاءوا هــنــا وأيــة ســلــوى

وجــدوهــا ما بــين هـــذي الكــهــوف

 

وعندما تسأل الشاعرة هؤلاء الزهاد عن سعادتهم، يأتها جوابهم على غير ماتشتهي، أو على غير ما كانت تتوقع، وهذا بسبب أن الشاعرة ينطوي في داخلها النقيضين، كأنها واقعة تحت تأثير قوتين وسعادتين الأولى دينية والثانية دنيوية، فهي تريد الخلود وهو مطلب لن تناله الأجساد الترابية لأنه مختص بأهل السماء، وتريد السعادة وهو مطلب أهل الأرض، وبالتالي فهي لن تنلها، لأن سعادتها هو حصد عشبة الأبدية، وهذا مايفسر لنا سرحزنها المفرط(9):-

ماالذي عندكم من البشر والأف

راح ؟ مـاذا يــا أيها الزاهــدونا

ليس إلا عــمرٌ يــمرّ ُ حــزيــنــا

يــتــهــادى كــآبــة وٍســكــونـــا

حدثــونـي عــنكم فقالوا :قلوبٌ

نــُسجــتْ مــن نــقــاوة ٍ وثــــــراء

ونـــفـوس صيغــتْ من الزهـر والعط

ر ِ وهــامـت مــع الـسـنـا والنقاء

 

وإذ لا يسعفها جواب الزهاد والرهبان، لإتسامه بالمثالية المتكلفة تجد أن ضالتها هي أبعد من أن تكون موجودة في هذا العالم الغريب، هي تنشد الخلود وهؤلاء ينشدون الله وشتان مابين الطريقين لذا نجدها تخاطبهم قائلة (10):-

لن تــذوقــوا شـهد السعادة ما دمـ

تم أنــاســيَّ مـــن تــراب ٍ ومــاء

كــتــبــت هــذه الطــبـيـعـة للأحـ

يــاءِ أن يــكــرعــوا كــؤوس الشقاء

إذن فالشاعرة تنكر عليهم أن يحصلوا على السعادة لأنهم من تراب وماء، وهي بهذا إنما تعكس شقاءها على عالم الرهبان وهو ليس بالضرورة متشاكلا مع احساساتها وإذ تفشل في أن تحصل على ما تريده في عالمهم فهي تتجه بقاربها نحو جهة مغايرة تماما، وهي جهة العوالم الشريرة والتي يعيش فيها الأشرار والطغاة وغيرهم من المجرمين(11):-

قــد رقـبـت الأشرار حــيـنـا فلم أعـ

ثرُ لديهم على سنـاك الحبـيـب

فـهـم الـبـائـــســون تـطــحـنـهـم أيـ

دي الــلـيــالي بـمـا جـنـوا من ذنوب

ورأيـت الطــغاة يــحــيــون مـحـزو

نـيـن بــيــن الأوهـــام والأشـــبـــاح

لــيــس يــشـــفيهم من الــحــزن واليأ

سِ دواءٌ فــالــــــداء فـــــي الأرواح

يستوي لدى الشاعرة الأشرار من(لصوص وقتلة ومجرمين)مع الطغاة من السياسيين، فهم برأيها في ذات المنزلة، وإذا كان الأشرار معذبي ضمير جراء جرائمهم، إلا أن الطغاة خائفون من أوهامهم أولا ومن الأشباح التي تطاردهم، وإذا كان الضمير الإنساني فعلا هو ما يؤرق الأشرار بمختلف مشاربهم حسب ما تقول به الشاعرة فنحن نتساءل على عكس الشاعرة فيما إذا كان حقا لهذا النوع من البشر ضمير أو وازع يردعهم فلم يمارسون هذه الأعمال ولم لم يتوقفوا عن جرائمهم ويتوبوا ؟مما يدل على أن السعادة لدى هؤلاء الناس هو الإيغال بالجريمة تلو الأخرى، وليس هنالك ما يردهم، ولا شك أن الكتب مليئة بأخبار الكثير من هؤلاء المجرمين أو السياسيين الطغاة، والمصائر التي آلوا إليها لهو دليل على ما نقول وهذا بالطبع يجعلنا نتساءل لماذا أصرت الشاعرة على ولوج هذا العالم.

إن الشاعرة هنا تتكلم عن العوالم التي تلجها بصيغة السارد الكلي العلم والذي يعرف أكثر مما تعرف الشخصيات، وهو يعلم المخفي والظاهر في الروح الإنسانية،حيث نقرأالشاعرة وهي تقول(12):-

فـإذا أخـمدوا هــتـافـات مـظلـو

مٍ فـما يخمدون صوت الضمير

ذلــك الــراقـب الإلهي في النفـ

سِ لسان الهـدى وصوت الشـعور

أبـدا سـاهـرٌ يـراقــب أقــــدا

ر الـلـيـالي وســطــوة الأيــــــــــــــام

أبدا  يرمق الحياة من الأعـ

ماق، مــســتهــزئأ من الأعـــوام

فإذا حادت القلوب عن الخيـ

رِ علا صـوت ذلــك الــجبـــــــار

فهو الناقم النبيل على الشر

و قــاضــي الطـــغــاة والأشــــرار

وإذ تخيب الشاعرة وترجع مثبطة الهمة من عالم سعادته هي سعادة الأرواح الشريرة، وهو غير عالم نازك بالمرة، والذي هو عالم الروح المرهفة والروح الشاعرة، نجدها تتجه نحو عالم آخر هو عالم الريف حيث تنشد مكانا وادعا وآمنا قد تجد مبتغاها فيه، وهو عالم مختلف لا يمثل عالم أشخاص بعينهم مثلما لاحظنا سابقا في رحلاتها الثلاث الأولى(الأغنياء،الزهاد والأشرار) بل تتجه إلى عالم الطبيعة الفاتن(13):-

عند هذي الأكواخ شاعرتي ألـ

قي المراسي تحت الفضاء الصاحي

أنـظري أيُّ عــالم فاتــن المجـ

لى بـعيدٍ عن ضـجة الأتــراح

أنظري عــلـنا بلغــنا أخـــيــرا

ذلك الشـــاطئ الــذي نــتــمنــى

بــعــد ليل مــن الــمسيـــرطــويــل

ضاع فـــيه عــمري كــلالا وحـــزنا

ولكن عالم الريف الجميل يحتضن الرعاة والفلاحين، وهؤلاء تبادرهم الطبيعة برعودها وثلوجها وذئابها، فهي أشد وطأة عليهم من جمال الريف، فليس هنالك منأى لراع ٍمن ذئب مفترس، وليس هنالك منجى لحقول القمح من أن يغمرها الثلج ويقتلها، حتى أن الرعاة والفلاحين يودون مغادرة أكواخهم إلى القصور والمدن، فهي أكثر أمنا لهم من الريف (14):-

خيــبتْ هـذه القـرى حـلو أحـلا

مـي فــلا رســم للسعـادة فـيها

ليس يدري الراعي المعذب مأوا

ها ولا كان مــرة مــن بــــنيها

يتمنى أن لو تـبدل بـيـت الط

ين قــصــرأ عــلى حــفــاف المدينة

ويريد الحــياة لهوا فلا أغـ

نـام تـثـغـو ولا نــفــوسَ حــزيـنــة

إذن عالم الريف مخيب للآمال أيضا كالعوالم السابقة مما يجعل الشاعرة تقصد عالما آخر هو عالم الفنانين والشعراء(15):-

أنشري يــا سفينُ أشرعة السيـ

رِ وشقي عبـــاب هــذه الــحيــاة

ثم أرسي بنا على شاطئ الفن

وبيــن الأشــعــار والأغــنــيــات

عــلــنا واجدون في ذلك الشا

طئ ظــل الســعــادة المتــمنــى

علهم قد ترشفوا شهدها السا

حر حتى صـاغـوه شـعرا وفنــا

ولكن للشاعر عالمه، وله مأساته أيضا، وقد تكون سعادته من نوع آخر.. ونفترض نحن بوصفنا قراء أن العالم الذي تغزوه الشاعرة هو عالمها الأصلي، وهي أعرف من غيرها به، وبالتالي فهي شاءت أم أبت تتكلم عن عالمها هي حيث تقول(16):-

طالما بات ساهد الطرف حيرا

ن يسر الظلام أحزان شــاعــر

لا يــرى في الحــياة إلا وجـودا

ظللته يد الشــقــاء الــعــاصـــر

أبدا لا يرى سوى مســرح المــأ

ســـاة بـيــن الدموع والتــنــهيد

وســتـــارا مــن الــدجى يــتــجـلى

كل يـــومٍ عــن مــيـت وجــديــد

الشاعرة هنا ليس لها ثقة بما يحيط بها، فالحياة لا تنطوي إلا على شقاء مستديم وليس هنالك سوى الدموع ولعبة الحياة والموت هو ما يدور في أرجائها، وهذه اللعبة هي لعبة الوجود بامتياز، وكأن الشاعرة وهي تتعمق في الإنصات إلى لغة الكون ترى ما لايراه الآخرون، حيث تساق المخلوقات إلى الموت كما تساق الأنعام للمقصلة، فلكل نهايته ولا خلاص من هذا القدر، ولذا فالشاعر في نص الملائكة معتكف في صومعته ولا تظلله سوى نجوم العزلة منصتا للحفيف والهديل ودوي الرعود الذي ينساب إليه من البعيد البعيد، فأية حياة هذه يعيشها الشاعر(17):-

هـي عـمـر ظـمـآن تـعصـره العـز

لة ُ عصراً، يمرُّ ، كالآزال ِ

في سكون ٍلا صوتَ يـُسـمعُ فيــه

غير صوت الصرار تحت الليالي

غير همس الحمام في الجبل المو

حش أو لحن بلبل مهجور

وحـفـيف الأشــجار في قبضـة الر

يح وصوت الرعود في الديجور

ليس هذا فقط، بل إن الشاعرة يؤرقها أيضا حياة الناس البسطاء وجهادهم في الحصول على قوتهم اليومي وهي تذكر الشاعر أن أرقه لن يوقف نواميس الحياة، بل حتى الناس الذين يؤرقه عذابهم يكادون لا يشعروا بما يجري لهم فهم نيام وهو ساهر(18):-

عجبا كيف تسهر الشاعرَ الملـ

همُ أحزانُ من عن الحزن ناموا

كيف ترقــا مدامع الورد في الحقـ

ل ِ ويبكي على أساها الحمــــام ُ

في واقع الحال نقرأ في ثنايا هذا النص سمفونية شاهقة تخطها أنامل الشاعرة عن مأساتها ومعاناتها في الوصول لقطف الشعر من مكامنه القصية، إنها تصف آلامها وأشجانها وهي تطأ تخوما غير عادية لتصطاد جواهرها ولقاها الثمينة(19):-

فــإذا جــاش قلــبه بمعاني الـ

يأس ألــقى أحــزانــه في النــشيــد

لائــذاً بـالــيراع يـسكـب فـيه

مـا يــعــاني من الــعذاب الشــديــد

ســاكـباً روحــه علـى كل بيت

نــاحــتــا مــــــن فــؤاده الألــحــانــا

راضياً بالــشحوب والسقـــم حبا

لأبــولــو مســتــسهــلا مــا كــانـــا

إن المجد الذي يناله الشاعر لن يكون مجدا مجانيا بأية حال من الأحوال، بل على الشاعر أن يسعى إليه، ويدفع ثمنا مقابل ذلك من راحته وصحته، فالأرواح لن تسمو إذا لم تغتسل بالدموع والشاعر لن يعلو إذا لم تسوطه الحياة بآلامها(20):-

ليس تــعطي الحياةُ للشاعر المجـ

دَ إذا لم يـذقْ هـموم الحـياة

ليس تسمو الأرواحُ إن لم تطهرْ

ها مــعانـي الـدمـوع والآهات

أما مصير الشاعر فهو قاتم عند "نازك الملائكة"، فهذا الشادي الذي ملأ الكون غناء ونشيدا، والذي يبكي على الآخرين، لا يعره أذنا أحد، ذلك الرحّال الأبدي الذي أدمت أقدامه الأشواك، ستلقيه الحياة أخيرا في حفرة موحشة، وفي مكان مقفر لا تصفر فيه إلا الريح منسيا، غريبا وحزينا (21):-

 

نبذته الأيام في قبره المو

حش تحت الرياح والظلمات

حيـث لا آهـة يصـعدها قلـ

بٌ ولا دمعةٌ على المــأسـاة

هكذا في العذاب تمضي حياة الشـا

عر الملهم الرقيق وتنسى

هــكذا يمــلأ الوجــود جــمــــالا

ويذوق الآلام كأسا فكأسا

أليس هذا هو مصير نازك الملائكة في منفاها، ومصير السياب والجواهري والبياتي، إنه مصيرنا كافة، على أية حال سوف نغادر عالم الشعراء والفنانين مع نازك الملائكة إلى عالم آخر هو عالم العشاق والحب، لنبحث معا عن السعادة، وإذا كانت سعادة الملائكة هوالخلود وعشبة الأبدية فهل في هذا العالم سعادة ترتجى(22):-

ربــما كــان فــي حـياة المحبيـ

نَ رجــاءٌ أو دفــقــةٌ من ضياء

ربــما كـان عنــدهم ذلـك الإكـ

سيرُ بــيــن الخــيــال والأهــواء

شــاطئ الـحــب أيــها اللامع الخا

دع هــات الــحديث عــن أبــنائك

صف مناهم وبشرهم وأساهم

صف لنا مااختفى وراء صفائك

ولا شك في أن عيون الغيد الحسان تكوي القلوب وتلسعها كما لا تلسع نار مثلهن،وجفاءهن يترك أثرا داميا في القلوب لايندمل بسهولة حتى مع جارف الأيام، إذن عن أية سعادة تبحث الشاعرة في هذا العالم المسكون بالتأوهات والحشرجات(23):-

وتمرُّ الحياة والعاشق المهـ

جورُ قلبٌ دامٍ ووجهٌ شاحب

أبدا يرجع الخيال إلى الما

ضي ويبكي على الغرام الذاهب

إن العاشق يعيش على ذكرى الحبيب، فهي التي تحيي غرامه كما أن الذكرى عقاره الوحيد ليس غير،  ولا تنفع معه شكوى(24):-

يا لقلب المسكين تلذعه الذكـ

رى وتحيي غرامه وأساه

هكذا قد قضى عليه كيوبيـ

ـد فــمــاذا تـفـيد شــكــواه؟

ثم تعرج الشاعرة على أمير الشعر العربي"قيس بن الملوح"حيث نقرأ(25):-

 

كيف مات المجنون؟ هل سعدت ليـ

ـلـى ؟ســلــوا الــصــحــاري الــحــزيــنه

إ ســألوها مــا حــدث الريح قيسُ الـ

أمس لـــيــلاً وكــيــف عــاش ســنــيــنــه

وهي تحاول أن تذكرنا أن عالم العشق لا سعادة فيه ترتجى، وهو أيضا لن يحمي العاشق من الموت، وهي ترسم لقيس صورة مأساوية حين تقول(26):-

ثـم جـاء الصـبـاحُ يــوما وقـيسُ

في يد الموت ذاهل مصروعُ

ليس تبكيه غير تنهيدة الريـ

ـحِ وصوت البوم الكئيب دموعُ

إن سعادة تبحث عنها الشاعرة في واقعها هروب من عالم الموت، وهي تذكرنا بالبطل"جلجامش" وبحثه عن عشبة الأبدية، وإذا كان البطل الأسطوري قد احتاز العشبة عند اجتيازه لبحر الظلمات، إلا أنه قد أضاعها سريعا عندما سرقتها منه الأفعى، ولكن الشاعرة وبرغم من مرورها بكثير من المرافئ وعبورها الكثيرمن البحار إلا أنها لم تحصد سوى قبض ريح، وكأننا نتذكر تحذير سيدوري فتاة الحان لجلجامش وهي تقول له:-إرجع أوروك فالحياة التي تبغي لن تجدها.

 

التطور في شعر نازك الملائكة

لو راجعنا ما أضافته الشاعرة نازك الملائكة وما حذفته من نصوصها المتعلقة بموضوعة السعادة سنمسك خيطا أو رأس خيط يعرفنا على مدى التطور الحاصل في أسلوبها ورؤاها الشعرية وهو ما صرحت به الشاعرة في مقدمة أعمالها الكاملة الجزء الأول كما أسلفنا، ولننظر بعض الأبيات التي حدث فيها بعض التغييرات كما في هذا البيت(27):-

قد بحثنا عن السعادة لكنْ

ما عثرنا بكوخها المسحور

ثم عادت بعد عشرين عاما لتقول (28):-

كم بحثنا عن السعادة لكن

ما عثرنا بكوخها المسحور

ونلا حظ أن الشاعرة قامت باستبدال الحرف (قد) بأداة الإستفهام (كم)، ولما كانت الأداة (قد) تفيد التأكيد عند دخولها على الفعل الماضي وتفيد الشك عندما تدخل على الفعل المضارع(29)، إلا أن الأداة (كم) تفيد التكرار وعدد المرات(30) ، وهذا ما يفسر سبب إختيار كم لتكون بديلا ناجحا لأنها تريد أن تخبرنا عن عدد المرات وليس التأكيد على عملية البحث فقط.

وفي مقطع آخر نقرأ ملمحا آخر من التطور حيث تقول الشاعرة(31):-

 

فهي آنا ليست سوى العطر والألـ

ـوان والأغنيات والأضواءِ

ليس تحيا إلا على باب قصر

شيدته أيدي الغنى والرخاءِ

ثم عادت لتصوغ نفس المعنى بكلام آخر(32) بعد خمس سنوات:-

فهي للأغنياء تبسط من أهـ

ـدابها الناعمات ألف خميلِ

وعلى شعرها العبيري يقضو

ن ليــاليهمو كحــلم جميـلِ

ولكن بعد عشرين عاما أي في العام 1960م نجد البيت الأول وقد حدث فيه تغييرليس بالقليل، ولم يكن هنالك تغييرفي البيت الثاني(33):-

فهي آنا ربيبة اليسر والثر

وة بنت الألوان والأضواءِ

ليس تحيا إلا على باب قصرٍ

شيدته أيدي الغنى والرخاءِ

في واقع الحال فإن المقطع الأوسط كان أكثر شعرية من المقطعين السابق له والتالي بعده، حيث صورت الشاعرة السعادة بوصفها فتاة حسناء، غدت أهدابها خمائل غناء، وشعرها الطافح بالشذى فراشا للأغنياء، أما عن المقطع الأخير وبرغم التغيير البسيط إلا أنه بات أقوى، حيث أدى استخدام ملفوظي (ربيبة) و(بنت) إلى تقليل حروف العطف، وحدث تناظر بين الشطروالعجز فضلا عن التكثيف في موضوعة البيت المقصودة وهي هنا قصور المترفين والأغنياء.

ولو تناولنا مقطعا آخر، وهو خاص في البحث عن السعادة في بيوت الزهاد والرهبان نقرأ في "مأساة الحياة"ما يلي(34):-

وهي آنا في الصوم عن متع الدنـ

ـيا وعند الزهاد والرهبانِ

ليس تحيا إلا على صخر المعـ

بد بين الــدعــاء والإيـمـــان

ولكن في نص "نداء السعادة" عام 1950 تعيد صياغة المقطع قائلة(35):-

ثم قالو جنية تتبع الرهـ

ـبان والزاهدين حيث أفاءوا

مثلهم تعشق السكون ويرضيـ

ـها مكانُ النعيمِ خبزٌ وماءُ

وهنا تتحول السعادة إلى جنية، وهذه الجنية هي من يتبع الزهاد إلى محاريبهم، وكأن السعادة تجد سعادتها عندهم وليس العكس، و هذا برأينا تحول جميل ومدهش في رؤى الشاعرة، إلا أنها في العام 1960 ترفع ملفوظ (الصوم)وتحل محله ملفوظ (الزهد) حيث نقرأ(36):-

 

وهي آنا في الزهد عن متع الدنـ

ـيا وعند النساك والرهبان

وبالطبع فالتغيير له ما يبرره على مستوى الدلالة، إذ إن ملفوظ الزهد أكثر ملائمة من الصوم، فالصوم كما هو معروف في الديانة الإسلامية بوصفه ركنا هاما من أركانها، وله وقته المعلوم وطقوسه، بينما الزهد يمثل رغبة ذاتية عند الإنسان تطول أو تقصرفي مستواها الزمني وليست متطلبا دينيا خالصا، وقد يكون هذا ما جعل نازك أن تغير الملفوظ، علما أن الشعر في البيت غير موجود إذا استثنينا الموسيقى والإيقاع.

وفي مقطع آخر وهو البحث عن السعادة في الريف نقرأ(37):-

وهي في شرع بعضهم عند راعٍ

يصرف العمر في سفوح الجبالِ

يـتـغـنى مع الـقـطـيع إذا شــا

ء ويـغـفو تـحت الشـذى والظلالِ

ولكنها بعد خمسة أعوام وفي نص "نداء إلى السعادة" تعيد صياغة المعنى بكلمات أخرى(38):-

وسـواهم يـظـنـها ربة الـريـ

ـفِ وبنتَ الذرى وأخت الوهادِ

ليس يروي إحساسها غيرُ جوٍ

أثـقـلتْ عـطره أغـاني الحصادِ

وبالرغم من شعرية المقطع إلا أن الصيغة الإخبارية (وسواهم يظنها) قد أضرته بدلا من أن تضيف إليه شيئا، وبرأينا فالشاعرة تبحث عن التراكم الحركي دون دس الزمن ليفعل فعله ليهيئ لها بناءً فكري المعنى لا يتشارك فيه الزمن مع الحركة(39)، وهو ما يمكن قراءته عند شعراء المهجر ومنهم إيليا أبو ماضي في قصيدته العنقاء والتي يبدو أن الشاعرة تكرر ذات الأجواء.

ولكن الشاعرة تعود في العام 1965 لتحل ملفوظ (آخرين) محل ملفوظ (بعضهم) حيث نقرأ(40):-

وهــي فــي شــرع آخرين لراعٍ

يصرف العمر في سفوح الجبال

وهنا برأينا تريد أن تعطي ملفوظا يحيل إلى الكثرة بدلا من ملفوظ (بعض) الذي يدل على القلة من(2-3)، وقد تريد أن توصل للمتلقي قدرتها العروضية الفذة، إذ ان تغيير الملفوظ سيتبعه حتما تغييرا عروضيا ليستقيم الوزن.

ولو انتقلنا إلى مقطع آخر وهو السعادة عند الشعراء والفنانين نجد ما يلي(41):-

وهي في شرع آخرين ابنة العز

لةِ والفن والجمال الرفيعِ

ليس تحيا إلا على فم غرّيـ

ـدٍ يغني أو شاعرٍمطبوعِ

ثم تعود مرة أخرى لقول نفس المعنى بصيغة أخرى(42):-

ويقولون إن مسكنها الأعلـ

ـلى خيالاتِ شاعرٍ مسحورِ

ظللتْ روحَهُ جدائلها الشقـ

ـرُ وأسرارُ طرفها البلوري

ولو اسثنينا (يقولون) فالمقطع طافح بالشعر، وسبب الإستثناء من جانبنا هو أن الكلام كلام شاعر ويقولون لا تحيل على شعراء فقط بل على الكثير من الناس، وبالطبع فالسردية هنا متغلغلة والشاعرة تمارس علينا دور شهرزاد، ولكن لو انتقلنا إلى ما أصاب البيت من تغيير بعد عشرين عام نقرأ ما يلي(43):-

وهي في شرع غيرهم في حمى العـز

لةِ والفن والجمال الرفيعِ

حيث حلت كلمة(غيرهم) محل كلمة(آخرين) واستبدلت ملفوظي(إبنة العزلة) بالمقطع(في حمى العزلة)، وقد ينطبق ما قلناه أعلاه هنا أيضا، ويبدو لي أن تواجد حرف الجر(في) مكررا قد أثقل البيت، وكأنها كانت متسرعة بتغييرها ذلك.

أما المقطع الخاص في البحث عن السعادة عند العشاق والمحبين فنحن نقرأ(44):-

وهي حينا في الحب يلهمها سهـْ

ـمُ كـيــوبـيـد قلبَ كلِ محبِّ

ليس تحيا إلا على شفة العا

شق يشدو حيــاتَه لــحـن حـب

وذات المعنى نقرأه ثانية وقد نسج بكلمات أخرى في العام 1950 (45):-

وقلوبٌ تظنــها ربةُ الحبِّ

تصـــبُّ الرحــيق للعشـــاقِ

ويقولون إنهم شهدوها

تسكبُ الظلَّ في هجير الفراقِ

برأينا ،إن مجيء ملفوظ (يقولون) في البيت الثاني من المقطع أكثر قوة من مجيئه في البيت الأول، حيث يمكننا إحالة القول على العشاق وليس لآخرين أو لبعضهم ومن هنا استمد شعريته.

في المقطع المكتوب بصورة متأخرة نجد الشاعرة قد غيرت كثيرا في المقطع حتى ليظن المتلقي أن الشاعرة قد قالت نفس المعنى بكلمات أخرى إلا أن القافية قد بقت كما هي(46):-

وسواهم يرى السعادة في الحب

وفي أغنيات كل محب

ليس تحيا إلا على شفة العا

شق لحنا من الوداد العذبِ

 

 

 

إستخدام بحر الخفيف والقافية في هذا النص

تقول الشاعرة حول استخدامها لبحر الخفيف في هذا النص (47)لأنه أكثر ملاءمة للمطولات فهو يسمح بالعبارة الطويلة على صورة تريح الشاعر الحديث وهويساعد أيضاعلى إيراد جمل طويلة دون تقطع،وهو أي البحر برأيها بحر عروضي مرن يجري بين يدي الشاعر كما يجري نهر عريض في أرض منبسطة(48)،أما نحن فنعتقد أن هذا البحر مع بحور دائرته دائرة المشتبه هومن البحور الناقصة وحدة إيقاعية هي إيقاع الوتد المجموع في هيكله الإيقاعي ‘فمثلا بحر المنسرح الذي معه في نفس الدائرة ما هو إلا بحرالبسيط وقد نقص منه وتدا مجموعا(49):

1-   مس تف علن فا (علن )مس تف علن فا علن       (بحر البسيط)

2-   مس تف علن فا (      ) مس تف علن فا علن

3-   مس تف علن( فا مس تفع) لن فا علن

4-   مستفعلن مفعولات مستفعلن                         (بحر المنسرح)

 

أما بحر الخفيف فيكون اشتقاقه كما يلي(50):

1-فا علا تن( فعو) لن فا علا تن فعو لن

2- فا علا تن(    ) لن فاعلا تن فعو لن

3- فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن               ( بحر الخفيف)

بالطبع أن نقص وتد ألغى تكرار التفعيلة ولكن صداها بقي هومن يقود الشاعر والنتيجة كانت التفعيلة طويلة جدا ولربما هذا ما أوحى للشاعرة بأنه يمكن كتابة جمل طويلة على هذا البحر، لكن الملاحظ هنا أنه كثيرا ماتتحول مستفعلن إلى مفاعلن وفاعلاتن إلى فعلاتن مما يجعل البحر عبار عن اصطفاف ثلاث وحدات إيقاعية هي السبب الخفيف والوتد المجموع والفاصلةالصغرى ىكما يلي:

فعلا تن مفا علن فعلا تن

وهذه الوحدات باصطفافها هذا لا تشكل نظاما متكررا بل نظاما في مجموعته الأولى تشد وحدة خفيفة وحدتين إيقاعيتين ثقيلتين(فعلن فا مفا) ووحدة ثقيلة تشد وحدتين خفيفتين(علن فعلن تن) وقد يكون هذا هوسر بحر الخفيف.

أما بالنسبة للقافية فالشاعرة تقول عنها :إن القافية بقيت ملكة تتحكم في الشعر فلم يخرج عنها شاعر معروف(51)ثم تعود وتقول في موضع آخر: بدأ العرب يتخلصون من عبء القافية الموحدة ذات الرنين العالي من عصور بعيدة فنشأ الموشح والبند وفنون الشعر الشعبي، وإذا كان تجربة الشعر المرسل لم تتسع إلا أن العرب نجحوا في الخروج على القافية نحو ما أسمته الشاعرة تعدد القوافي. وهو بالفعل ما غلب على نصوص هذه المطولة، فالشاعرة عمدت إلى تنوع القوافي واتبعت نظاما خاصا بها وهو اكتفاء كل بيتين بقافية واحدة، إذ سرعان ما تعلق القافية في أذن المتلقي حتى تغادرها إلى قافية أخرى جديدة، ولا شك فإن لذلك أسبابه على المستوى الفني والنفسي ، ففنيا يطلق هذا التعدد الشاعرة ويعطيها حرية المعنى والإختيار على مستوى الملافيظ المطلوبة التي بالتأكيد  ستقل لو كانت الشاعرة قدعمدت لقافية موحدة وخصوصا أنها تكتب مطولة شعرية بمئات الأبيات وليس قصيدة بعدد يقل كثيرا عما خططت له.

أما على المستوى النفسي فهو برأينا أن القافية بوصفها نظاما موسيقيا وضربة مرنة في نهاية البيت تنتظره أذن المتلقي فهي تعلن موت البيت وإنغلاق معناه في نفس اللحظة ليبدأ الترقب لمرحلة أخرى وإنتظار آخر لموت آخر يجلبه ولادة بيت آخر، ولما كانت الشاعرة في تلك المرحلة تبحث عن السعادة وسعادتها هو قطف عشبة الخلود وتعطيل الموت والإكتفاء بلحظة الولادة، إذن تعدد القوافي لن يميت الأبيات بل سيحييها وبالتالي فالمتلقي ستستهويه لعبة ولادة القوافي وعدم موتها مع كل نهاية بيت وبالتالي فهي ستبقى في حالة بحث عن سعادتها المفقودة من خلال بعث القوافي وبالتالي ينطبق شكل القصيدة مع موضوعها.

ذياب شاهين

أبو ظبي 13/08/07

 

 

الهوامش والمصادر:-

1- الأعمال الكاملة/ديوان نازك الملائكة- المجلد الأول – دار العودة – بيروت – عام 1997 – (ص6)

2- م ن- ص7

3- م ن – ص 66

4- م ن – ص -70

5- م ن – ص 76

6- م ن – ص 78

7- م ن – ص 79

8- م ن – ص 80

9- م ن – ص 82

10- م ن – ص 84

11- م ن – ص 87

12- م ن – ص 88

13- م ن – ص 91

14- م ن – ص 107

15- م ن – ص 110

16- م ن – ص 113

17- م ن – ص 115

18- م ن – ص 118

19- م ن – ص 127

20- م ن – ص 119

21- م ن – ص 129

22 – م ن – ص 131

23- م ن – ص 135

24- م ن – ص 135

25- م ن – ص 140

26- م ن – ص 143

27- م ن – ص 66

28- م ن – ص 397

29- المعجم الوسيط – مطابع الأهرام ـمصر – ص 491

30- م ن ص 540

31- الأعمال الكاملة – ص 67

32- م ن – ص 321

33- م ن – ص 398

34- م ن- ص 67

35- م ن – ص 321

36- م ن- ص 398

37- م ن – ص68

38- م ن – ص322

39- قضايا الشعر المعاصر- دار العلم –للملايين – ص 241

40- الأعمال الكاملة – ص 399

41- م ن –ص 68

42- م ن – ص323

43- م ن – ص 399

44- م ن- ص 68

45- م ن – ص323

46- م ن – ص399

47- م ن –ص 17

48- م ن –ص 7

49- العروض العربي بدلالة الرمز والنظام – دار الكندي – 2004 – ذياب شاهين – ص 271

50- م ن- ص 271

51- قضايا الشعر المعاصر - ص 171

 

...........................

خاص بالمثقف

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (عدد خاص: ملف: عاشقة الليل ابتداء من: 16 / 6 / 2010)

 

 

في المثقف اليوم