قضايا

الطفل اليتيم وجع البشرية على الأرض

jafar almuhajirالطفل اليتيم هذه الكلمة المؤلمة والتي تحمل في طياتها الكثير من الأسى والحزن لايشعر بوطئتها الثقيلة والمؤلمة إلا من ذاق طعمها المر . فما معنى أن يفقد الطفل أباه ويجد نفسه فجأة قد أصبح وحيدا في مهب الريح دون قلب حنون وبلا تلك الشجرة الوارفة الظلال التي كان يلجأ اليها ويتفيأ بظلالها ويأكل من ثمرها الشهي حتى يشتد عوده وينمو عقله وتكبر معه آماله وطموحاته ويصبح عضوا نافعا في مجتمعه الذي هو بأمس الحاجة أليه.؟

ربما لايرقى عقل الطفل في بداية فقده لوالده بأنه قد فقد سندا عزيزا وكبيرا وركنا هاما في حياته. لقد ذاقت اليتم الرهيب وأنا في العاشرة من عمري فأحسست بعد ذلك الفقد الكبير وكأن غيلانا سوداء أخذت بخناقي وهي تحاول الانقضاض عليً في كل لحظة. بعد ذلك الحدث الرهيب ولعدة سنين .

ولابد لهذا الإنسان الذي وجد نفسه بين الأمواج المتلاطمة في بحر لاحدود له أن يجد يدا حانية تمتد إليه في مجتمعه لتنقذه من هذه الأمواج العاتية التي تعصف به لتوصله إلى شاطئ الأمن والأمان قبل أن يتحول إلى معول للهدم والتدمير في المجتمع.     فالطفل اليتيم يعتبر بحق وجع البشرية على الأرض، وهذا الوجع بحاجة إلى علاج لإنقاذه من الإستفحال.

ومن المؤلم أن نرى دولا أجنبية تهتم كل الاهتمام باليتيم وتهيئ له جميع متطلباته المادية والمعنوية ،وترعاه رعاية كاملة وأطفال الوطن العربي من الأيتام الذين يتزايدون يوما بعد يوم نتيجة للحروب وهم يبحثون في المزابل عن كسرة خبز عفنة ، ويتسكعون في الأزقة وفي الكراجات أو يعملون في أعمال شاقة لاتتناسب وأجسامهم الغضة لكي يعيشوا وهي إحدى المآسي الكبرى التي يشهدها هذا الوطن الكبير الذي ينعم بالكثير من الخيرات ولا يفكر حكامه بمعالجة هذه المأساة معالجة حقيقية.

إن الطفل اليتيم له كل الحق على مجتمعه أن ينظر إليه كانسان يحتاج ألى رعاية كبرى من هذا المجتمع قبل فوات الآوان. وهو حق أنساني وديني وأخلاقي مفروض على الحكومات التي تدعي الإسلام في الكلام وتخالفه في العمل.

لقد ذكر اليتيم ثلاث وعشرون مرة في القرآن الكريم وهذا دليل قاطع على أن الله جل وعلا قد أوصى باليتيم وأمر المجتمع برعايته والاهتمام به، وتلبية حاجياته المادية والمعنوية لكي يشعر هذا اليتيم شعورا حقيقيا بأن المجتمع قد وقف إلى جانبه ولن يتخلى عنه بعد تلك المصيبة التي ألمت به.

يقول الله في محكم كتابه العزيز:

(أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ. فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ. وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ.) الآيه 1- 2- 3 من سورة الماعون.

ودع اليتيم أي تركه وحيدا دون رعاية والتخلي عنه وعدم الاهتمام به. وقد اعتبر الله هذا الإهمال والترك بمساواة عدم الأيمان والتقيد بأمر الله تعالى. ويقول تعالى في آية أخرى: (فَأَمًا آليَتِيْمَ فَلا تَقْهَرْ) وهي صيغة أمر ونهي عن قهر اليتيم وإهانته.بل يجب إكرامه ورعايته لكي يشعر بالأمان في مجتمعه  

ويقول عز من قائل في آية أخرى:

(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.) البقره 220  

حيث يطالبنا ربنا في هذه الآية الكريمة أن يُنتشل هؤلاء اليتامى من وهدة الذل والألم والمعاناة والانكسار بتقديم الرعاية لهم وتوجيههم نحو القيم الإنسانية العليا وإبعادهم عن طريق الشر والرذيلة لأنهم مازالوا يافعين وفي طور النمو وهم كالأزهار اليانعة لاتنمو بصورة سليمة إلا بتقديم الرعاية لها وغرسها في تربة صالحه تتوفر فيها كل عوامل الرعاية .

وآعتبر الله في آية أخرى التجاوز على حقوقهم بمثابة النار التي تدخل في البطون.

بسم الله الرحمن الرحيم:

(إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا.)

وهنك العديد من الآيات الكريمة الأخرى التي ذكرالقرآن الكريم فيها اليتيم لايسعني ذكرها جميعا في هذا المقال.

إن عراقنا العزيز الذي زجه الطغاة في حروب عبثية لاطائل من ورائها وتعرض الكثير من الآباء إلى الإعدامات والهجمة الإرهابية منذ سقوط الصنم عام 2003 وهذه الهجمة الداعشية الوحشية الحالية تركت جيشا من هؤلاء الأيتام يكاد يكون أكثر بلدان العالم في عدد الأيتام. وقد قدرت المنظمات الدوليه هذا العدد بحوالي أربعة ملايين يتيم . وما تزال هذه المشكلة الاجتماعية الكبرى تزداد تفاقما، والعراق الذي شهد أكبر عمليات الفساد المالي والإداري في العصر الحديث حيث أهدرت مليارات الدولارات سدى وذهبت إلى جيوب المتخمين والسراق ولو صرف جزء من هذه الأموال الطائلة لمعالجة مشكلة الأيتام   لوضعت على طريق الحل .

إن نظرة اللامبالاة ودفن الرؤوس في الرمال من قبل السلطات المختصة يجعل من هذه الشريحة فريسة سهلة للوقوع في شباك القوى الظلامية والإرهابية الشريرة، وعصابات الجريمة المنظمة والمافيات .وأخاطب المسؤولين وكل الخيرين في عراقنا الجريح وأقول لهم باسم الإنسانية المعذبة في العراق أنقذوا أيتام العراق من غول التشرد والضياع ولا تحولوا هذه الزهور الفواحة العطره ألى أشواك تتقاذفها الرياح وتدمر نفسها وتدمر المجتمع معها . فاليتيم العراقي يرنو بعينيه أليكم عله يجد من يعوضه عن ذلك الشعاع الذي كان ينير حياته .قال رسولنا الكريم محمد ص:

( أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنه ) وأشار بأصبعيه السبابه والوسطى وفرج بينهما.

وقال ص :

(كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)

وقال ص:

(مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد أذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).

فياأيها المسؤولون لا تدعوا هذا الجسد يدب فيه المرض وتذروه الرياح الهوجاء وأنتم تتفرجون عليه. ومن العيب أن نجد دولا غير مسلمه تسن التشريعات والقوانين لرعاية أيتامها وفي والعراق لايرقى فعل مسؤوليه إلى جزء بسيط مما تفعله هذه الدول .ومنها إنشاء دور رعاية للأيتام تتوفر فيها كل شروط الراحة وبرعاية مشرفين تربويين مختصين .وتخصيص رواتب خاصة بهم لتلبية حاجاتهم ورغباتهم المادية. وتكريم المبدعين منهم في كافة المجالات . وربما هناك من هو أقدر مني على عرض مقترحات أخرى.

إن هذه الغصون الغضة والزهور الملونة لو أحيطت بالرعاية فأنها ستتحول ألى عناصر إيجابية في مجتمعها والعكس بالعكس وكما قال الشاعر:

إن الغصون أذا قومتها اعتدلت - ولا تلين أذا كانت من الخشب. هؤلاء هم أولادنا وأكبادنا وأمانة الله في أعناقنا جميعا وخسارتهم هي خسارة كبرى للوطن.

حيث يقول الشاعر:

وإنما   أولادنا   بيننا   - أكبادنا   تمشي   على الأرض.

لوهبت الريح على بعضهم - لأمتنعت عيني عن الغمض.

وأخيرا أختم مقالي ببعض الأبيات قالها شاعر في حق اليتيم عسى أن تؤثر في النفوس التي لها القدرة في تغيير واقع الأيتام نحو الأحسن في عراقنا العزيز.      

أنظر إلى وجه اليتيم ولا تكن -   الا   صديقا لليتيم   حميما.

وامسح بكفك رأسه سترى على- كفيك زهرا بالثنا   مفعوما.

ولسوف تبصر في فؤادك واحة - للحب تجعل نبضه تنعيما .

ولسوف تبصر ألف ألف خميلة - تهديك من زهر الحياة نسيما.

ولسوف تسعدك الرياض بنثرها - وتريك وجها للحنان وسيما .

 

جعفر المهاجر/ السويد.

10/4/2015م.

 

في المثقف اليوم