قضايا

الإستبداد وآثارهُ الكارثيةُ في الوطن العربي

jafar almuhajirالاستبداد كلمة كريهة منبوذة تستهجنها كل النفوس التواقة إلى استنشاق نسيم الحرية. ورب العائلة إذا كان مستبدا ظالما بحق أسرته ولم يكسب ودها ويعاملها بالعدل والخلق العالي في والحسنى دون تمييز بين فرد وآخر في جميع الأمور المادية والمعنوية فإ نه يحول حياة الأسرة إلى جحيم. وكذلك رئيس المؤسسة أو الوزير فإن أفراد المؤسسة والوزارة يضيقون ذرعا بهذا الشخص الذي تسلط عليهم. ويتمنون الخلاص منه ومن تسلطه واستبداده. فكيف إذا كان حاكما مستبدا يتحكم برقاب الملايين، ويسومهم سوء العذاب ويجعل من نفسه شبه إله على الجميع وعليهم أن يرضخوا له، ويقبلوا يديه ورأسه وأنفه، وينقادوا لمشيئته الفردية الاستبدادية دون أن يتأوهوا أو يشكوا من ظلمه وجبروته مهما طال حكمه. وإذا تململ فرد أو جماعة فالويل لهم   والسيوف جاهزة لقطع الرقاب . والسجون مفتوحة لابتلاعهم   وخنق العدالة في دهاليزها المظلمة مادام الحاكم وأجهزته القمعية قادرة على قلب الحقائق. وكلما طال عهد الاستبداد طالت معاناة الشعوب، وكثر الفساد، وتعطلت الطاقات الخلاقة، وانحسرت القيم الفاضلة،وعم الخراب الروحي، وازداد عدد الفقراء، وانتهكت الحرمات والقوانين. وتبقى الأجهزة القمعية والدعائية التابعة للحاكم الفرد تصول وتجول في الساحة وتطلق مايحلو لها من معسول الكلام لتجميل وجه الحاكم القبيح. ولو غرق الوطن في مأساة لها أول وليس لها من آخر.ولا يتم الخروج من هذه الطاحونة المهلكة إلا بزوال الفرد المستبد وأجهزته القمعية عن طريق الكفاح المرير للطلائع المؤمنة بحرية الإنسان وحقه في الحياة الحرة الكريمة التي سلبها ذلك الحاكم المستبد منه وليست القوى الإرهابية الإجرامية المتعطشة للقتل وروح الإنتقام والتي تدعي إنها ضد الحاكم لكن أفعالها تدل إنها لاتقيم وزنا لقيمة الإنسان.    

ويصف الشيخ عبد الرحمن الكواكبي في كتابه المعروف (طبائع الاستبداد) المستبد بقوله:

(المستبد يتحكم في شؤون الناس بإرادته لابإرادتهم ويحكم بهواه لابشريعتهم، ويعلم نفسه أنه الغاصب المعتدي فيضع كعب رجله على أفواه الملايين من الناس يسدها عن النطق بالحق والتداعي لمطالبته. والمستبد عدو الحق، عدو الحرية وقاتلها، والحق أبو البشر، والحرية أمهم والأمة لاتجد لها مكانا تحت الشمس إلا بزوال الاستبداد السياسي وتفرعاته.)

فلا حياة للشعوب مع هذه الرموز الصنمية التي زيفت كل شيء في الحياة، ومنحت لنفسها حق التحكم برقاب الملايين بالنار والحديد لكي تبقى في السلطة ألى آخر رمق من حياتها. وكل إنسان واع ومتابع لحالات الإستبداد في العالم يجد الوطن العربي وكأنه تحول إلى غابة للمستبدين يمارسون فيها أعتى حالات القهر والظلم وأخطرها وشعارهم العلني (أما أنا وإلا فليأت من بعدي الطوفان.) ولا أدري أية (شرعية) دستورية تسمح لحاكم أن يبقى أعواما طويلة في الحكم دون أي دستور أو برلمان يحاسبه ؟ وأية شرعية دستورية تعطيه الحق بشن الحروب وهي من أخطر القررات حين يقررمع عدد من أفراد العائلة بسلب أرواح الناس وقتلهم دون خجل أو وازع من ضمير أو وجدان؟

وهاهم آل سعود يقومون بكل هذا الإستبداد الطاغي بشنهم الحرب على جارهم الفقير اليمن وقبل هذه الحرب تم غزو البحرين لقمع شعبها الذي رفض إستبداد حكم آل خليفة الفاسد، ثم بذله الأموال الطائلة لتدمير سوريا بحجة إسقاط حاكمها.فآل سعود يثبتون بالدليل القاطع إنهم رأس الأفعى في المنطقة العربية.وهل يصدق عاقل إن هذا النظام الملكي الاستبدادي الوراثي المطلق الذي يحكم بعقلية القرون الوسطى، ويحرم المرأة من أبسط حقوقها وهي قيادة السيارة يسعى لنشر الحرية والديمقراطية في الدول المجاورة.؟

إن هذا النظام له تأريخ أسود في سلب الحقوق الشرعية للبشر. وفي سجونه المظلمة يقبع المئات من الأبرياء من سجناء الضمير وعلى رأسهم الشيخ النمر الذي رفض الإستبداد بفمه فضُرب بالرصاص ، وأهينت كرامته، وزُج به في أحد السجون الرهيبة وجراحه تنزف ، ثم حكم عليه بالإعدام من قبل إحدى محاكمه الصورية.

لقد لوث آل سعود الأرض التي يعيشون عليها جراء ماآقترفت أياديهم الآثمة من جرائم. وشعار وعاظهم الذي يرفعونه بوجوه الناس هو:  

(عليك السمع والطاعة لولي الأمر وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك )

إنها عبودية القرون الوسطى تطبق في هذه المملكة بآسم الإسلام   ولايقرها دين ولا قانون يؤمن بكرامة الإنسان وهو مخالف لآيات الله البينات الواضحات مخالفة صريحة بصورة لاتقبل الشك والتأويل وكتاب الله العزيز وسنة رسوله ص الطاهرة يرفضان الظلم رفضا تاما والآيات والأحاديث كثيرة وتحتاج إلى بحث طويل. وأورد آيتين كريمتين ترفضان مايدعيه وعاظ آل سعود:

بسم الله الرحمن الرحيم:

(وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ.) هود- 113

(لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ( البقره 256.

وهل يعقل أن هذا الدين العظيم الذي كرم الإنسان وجعله أفضل من الملائكة وخلقه الله ليكون خليفة في الأرض وجادل الله سبحانه الملائكة من أجله يرضى بأن يكون مهانا خاضعا ذليلا يضربه الجلادون والظالمون على ظهره ويسرقوا ماله ويقول لهم سمعا وطاعة أنا عبدكم بين يديكم أفعلوا بي ماتشاؤون بأمر الله!!!. فأي عاقل يرضى بهذا المنطق الغريب .؟

إن هذا الكلام الذي يتفوه به وعاظ سلاطين آل سعود ودعايتهم الإعلامية من أجل أن يبرؤا حكامهم من الفواحش التي غرقوا فيها حتى الثمالة وهم الذين يتحكمون بكل شيئ في الوطن. ويحتقرون المواطن البسيط ويمارسون طائفيتهم البغيضة ضد مناطق معينة في مملكتهم أمام مرأى ومسمع من حلفائهم الأمريكان الذين يدعون كذبا وزورا بأنهم مع الشعوب المضطهدة ولم نسمع أية إدانة صريحة من الأمريكان اليوم لهذا النظام الاستبدادي مثلما نسمع   من لهجة حادة ضد أنظمة أخرى في المنطقة . فهل الإستبداد يختلف من منطقة إلى أخرى .؟ لقد درج الأمريكان والغرب   على هذه الازدواجية الصارخة منذ زمن طويل .ومصالحهم المادية والإستراتيجية مع نظام آل سعود هو الذي يسكتهم سكوت أبي الهول على جرائمهم الكثيرة.

ولا أدري كيف يعد فقهاء الاستبداد كل معارضة وتململ تحت وطأة أعتى أنواع الاستبداد (بغيا وخروجا عن طاعة الحاكم عقوبتها قطع رؤوس المعارضين !!! ) ألا فالويل لكم مما تصفون. وأعود لما قاله عبد الرحمن الكواكبي في طبائع الاستبداد:

(أشد أنواع الاستبداد التي يتعوذ بها من الشيطان هي حكومة الفرد المطلق، الوارث للعرش، القائد للجيش، الحائز على سلطة دينية.) وهذا ينطبق تماما على سلطة آل سعود الاستبدادية الجائرة.

إن المنطقة العربية برمتها تغلي كالبركان ضد الاستبداد الذي يمارس فيها من عقود طويلة من السنين. ولا يظن آل سعود ومن يسير في ركابهم من مشايخ الخليج الذين يتوارثون الحكم منذ مئات السنين خلافا لشرع الله وسنة الكون بأنهم في مأمن من النار التي سيشتد سعيرها في المنطقة نتيجة هذا الاستبداد الذي استشرى وتوسع وتفاقم وستحرق بعون الله وبهمة الشعوب الناهضة كل الأنظمة المستبدة بنيران ظلمها وجبروتها إن لم يراجع حكام الظلم والاستبداد حساباتهم، ويغيروا من نهجهم الاستبدادي . ولا يمكن للشعوب أن تنام على مهد الأذى ،وتتوسد خد الرغام ،وتذيقها آلهة الطغام ألوان العذاب والقهر والاستبداد إلى الأبد كما يرغب السلاطين ووعاظهم . فاصحوا من سكرتكم أيها المستبدون في منطقتنا العربية قبل فوات الأوان.

 

جعفر المهاجر./ السويد

26/4/2015.

في المثقف اليوم