قضايا

المعلومة وأهميتها ونقاط الضعف

بعيداً عن نظرية المؤامرة التي يؤمن بها أكثر العراقيين، وبغض النظر عن حقيقتها أو زيف إستعمالها من بعض السياسيين للمزايدات، يعد السقوط غير المتوقع لمدينة الرمادي على أيدي تنظيم داعش الإرهابي مؤشر خطير على وجود خلل أساسي في الاستخبارات العراقية والأمريكية، فالعراق والولايات المتحدة لا تعرف عن خصومها المتشدين ما يكفي لقتالهم بنجاح .

فلقد أصيب كل من القيادة العراقية، ووكالة الاستخبارات، والأمن الوطني العراقي، وغيرها من الأجهزة الأمنية العراقية، بخيبة كبيرة لهذا الخلل الاستخباراتي (بعيداً عن نظرية المؤامرة)، والتي بلا شك سيقف عندها المسؤولين (الشرفاء) في هذه الأجهزة لعقود قادمة، ولا أظنّهم سيعرفون الأسباب بسهولة .

إن في تجنيد المزيد من الجواسيس، وتطوير قوات العمليات الخاصة مخاطر كبيرة، وجاء مثال حي على الفجوة في المعلومات خلال مقابلة مع الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، ظهرت في «فرانتلاين» على موقع «بي بي إس». حين سأله المراسل الصحافي مارتن سميث عما إذا كان لدى الولايات المتحدة وشركائها (ويقصد العراقيين) أي خطط في حال خسارة الموصل في يونيو (حزيران) الماضي، وأجاب ديمبسي: لا، لم يكن .

حدثت عدة مفاجآت تتعلق بتنظيم داعش بالمنطقة، وبمدى قدرته على إقامة تحالف داخل سوريا وفي شمال غربي العراق، وإمتداده لشمال أفريقيا، وما أظهره من قدرة عسكرية مقرونة بصدمة انهيار قوات الأمن العراقية الغير مبرر والمقبول .

لكن السؤال الواجب الوقوف عنده . . . .

هل تمت الاستفادة من الدروس؟

لا يبدو هذا . فبعد مرور نحو عام على إحتلال الموصل من هذا التنظيم الإرهابي فوجئ العراقيون مرة أخرى بسقوط مدينة الرمادي.

ما الخطب إذن؟

الإجابة الأولى هي أنه يجب على الاستخبارات العراقية والأجهزة الأمنية التعاون مع شركائها ومثيلاتها بالمنطقة من أجل بناء شبكات تجسس داخل تنظيم داعش، ولا يعد تجنيد جواسيس «مهمة مستحيلة»، فتنظيم داعش مجرم ودموي، ويصنع أعداء أينما يذهب، ومع ذلك فمن أجل تحقيق ذلك على القيادة العسكرية والإستخباراتية تغيير ممارساتها والمخاطرة بشكل أكبر في العمليات بالمنطقة، والحد من تركيزها غير المتوازن على الهجمات الجوية لقوات التحالف، التي تتم أكثرها بطائرات من دون طيار، وغيرها من الوسائل التي أثبتت أنها لم تعد ذات جدوى لإنهاء التنظيم الإرهابي .

لقد بدأت المشكلة الاستخباراتية في أجهزة الأمن الأمريكية في التكوّن قبل هجمات سبتمبر (أيلول) عام 2001، بحسب تصريحات مايكل موريل، المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية حيث يشير في كتابه الجديد الذي يحمل عنوان «الحرب الكبرى في عصرنا»، إلى الإخفاقات التي بدأت بمحطة (أليك)، وهي وحدة تم تكليفها بملاحقة أسامة بن لادن في نهاية التسعينات، واستمر عملها خلال الحرب العراقية، والربيع العربي .

وبحسب رواية موريل، لم يكن لدى الاستخبارات المركزية الأميركية ما يكفي من المعلومات، حيث يذكر في كتابه :

«من العواقب التي تسببت فيها طريقة إدارة محطة أليك خلال السنوات الأولى عدم اختراقنا لتنظيم القاعدة بجواسيس إلى الحد اللازم».

وذكر في معرض تقييمه للمعلومات الاستخباراتية المضللة ووصفها بالكارثية بشأن أسلحة الدمار الشامل العراقية حيث قال:

«أعتقد أن أحد أسباب فشل الاستخبارات المركزية على مستوى جمع المعلومات.. كان تركيزنا على العمل السري في العراق» .

وفي النهاية، يصف موريل كيف مثّل الربيع العربي مفاجأة بالنسبة للاستخبارات المركزية، حيث ذكر :

«لقد فشلنا لأننا كنا نعتمد إلى حد كبير على حفنة من القادة الأقوياء في مساعدتنا في فهم ما يحدث في الشارع العربي . ولقد تراخينا في تكوين مصادرنا الخاصة».

ولازالت الوكالة الأمريكية تشعر بالقلق من إرسال مسؤولي شبكات التجسس ليجوبوا الشوارع في مناطق الحروب من دون حرس شخصي من فريق الاستجابة العالمي شبه العسكري .

ومع ذلك يقول جون ماغواير، أحد العاملين القدامى في الوكالة، الذي نفذ الكثير من المهام الخطيرة، إن العاملين بالاستخبارات المركزية قد فهموا التعليمات التي تشير إلى أنه «لن يتم أسرهم» بشكل تقليدي .

وظلت الاستخبارات المركزية والجيش الأميركي يحاولان لعقود حل المشكلات الاستخباراتية، من خلال الاعتماد على المراقبة التي تقوم بها وكالة الأمن القومي .

مع ذلك درس المتشددون التسريبات الخاصة بقدرات الولايات المتحدة، وتعلموا كيفية إخفاء عملياتهم .

إن من المفارقات العجيبة أن يحتاج جمع المعلومات الاستخباراتية في مواجهة الخصوم المتشددين في القرن الحادي والعشرين عمليات تجسس ومقاومة قديمة الطراز، كان يقوم بها الجيل المؤسس لوكالات الاستخبارات بالعالم في مكاتب الخدمات الاستراتيجية العالمية .

للتاريخ دروس علينا نحن العراقيين الإستفادة منها ...

فلنكن صادقين مع أنفسنا بالعمل لبلدنا بشأن معنى حل المشكلات الإستخبارية، ولنستفيد من تجارب الآخرين وعملياتهم، بل لنتشارك معهم بالمعلومات والعمليات، بطريقة علمية ومدروسة، لنصل لنتائج أحسن لخدمة إنتصاراتنا على الإرهاب بالعراق، وعلى العاملين في الاستخبارات والأمن الوطني والمخابرات بالعراق، الخروج من مخابئهم ومكاتبهم المحصنة بالخضراء، للعثور على العملاء الأساسيين، وتجنيدهم ليستطيعوا بدورهم العثور على مصادر في صفوف الإرهابيين، فالبقاء داخل القواعد والمكاتب ليس فقط غير فعال، بل أيضا خطير .

والله من وراء القصد

 

د. نبيل أحمد الأمير          

 

في المثقف اليوم