تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

قضايا

في عيد المرأة المصادف للثامن مارس 2016

eljya ayshالمرأة في مجتمع ذكوري .. ودورها في بناء مجتمع حضاري

للمرأة يوما تحتفل به وهذا اليوم يوافق الثامن من مارس من كل سنة، والاحتفال بهذا اليوم يشعرها بوجودها داخل مجتمع يطبعه طابع رجولي أو ذكوري إن صحَّ القول، وجدير في هذا اليوم أن يعاد النظر في ما يتعلق بدور المرأة في المجتمع، من زاوية  المعالجة التحليلية النقدية لما حققته المرأة وما لم تحققه، وما هو منتظر منها في المستقبل ، كونها اللبنة الأولى في النهوض بالمجتمع وترقيته وحمايته من كل المخاطر، في ظل "العولمة"، وما أفرزته التكنولوجية من تغيرات على الحياة البشرية بأبعادها الإنسانية العميقة أو المسكوت عنها، والتقدم الذي حققته في تقريب المسافة بين الأمم، حيث أصبح العالم عبارة عن قرية صغيرة، ومن الصعوبة بمكان النهوض بمجتمع حضاري دون إشراك المرأة فيه، لأن الدور الأولي والأساسي للمرأة يبدأ من الأسرة، فهي التي تدير شؤون البيت، وتسهر على تربية الأجيال، وتقوم بمسؤوليات لا يقوم بها الرجل ، ما يجعلها مؤهلة للتكفل بالمسؤوليات الأخرى، ومن هذا الباب أردنا الولوج والمشاركة في هذا اليوم الذي تحتفل به المرأة بمداخلة موسومة بـ: " المرأة في مجتمع ذكوري.. ودورها في بناء مجتمع حضاري"، نحاول  من خلالها إبراز رؤية الرجل للمرأة، وماهي الرهانات التي رفعتها هذه الأخيرة؟

فما نقف عليه اليوم نجد صورة مناقضة لدور المرأة في المجتمع، جعل المرأة تواجه الكثير من الضغوطات، فما تريده المرأة سوى تحقيق إنسانيتها، داخل مجتمع يقر بضرورة وجودها داخله ، وبناء  شراكة فكرية تضع اعتبارات جنس الفرد جانبا، فقد اتخذت المرأة في علاقتها مع الرجل في المجال السياسي طابع التكامل والانسجام  في تحقيق التنمية الوطنية، لكن مع اختلاف نظرة الرجل إليها والتي اتسمت في بعض الأحيان بالسلبية غيرت من نظرتها لهذه العلاقة وأعطتها طابع "الندية" كتعبير عن قدرتها في تبني القضايا التي تهم المجتمع ، وإيجاد الحلول لمشاكله وتاريخ  المرأة  في الجزائر حافل بالنضال والكفاح والعطاء،  لنيل حقوقها المشروعة التي كفلها لها الدستور وكافحت حتى حصلت على حقوقها السياسية فنالت حق الانتخاب والترشح ووصلت إلى أعلى المناصب المهنية والقيادية ، وافتكت لها مقعدا في مراكز صنع القرار.

فهي مربية وطبيبة ومهندسة، وهي أديبة وشاعرة وإعلامية، ووزيرة وقاضية، وقائدة طائرة، وضابطة في الجيش وفي كل الأسلاك الأمنية،  وزعيمة حزب ونائبة في المؤسسات التشريعية، وقد تجاوزت المرأة في الجزائر حدود مهمتها كأنثى ، بحيث نجدها اليوم تقود الحافلة وسيارة الأجرة،  بل أصبحت امرأة أعمال،  تسيّر مؤسسات ودور نشر، ولو أجرينا مقارنة بين الرجال والنساء في الأداء الوظيفي لوجدنا أن أغلب الأماكن في الإدارة تشغلها النساء، وهذا يُعَبِّرُ عن المستوى الذي بلغته المرأة في مختلف مجالات الحياة، بحيث لم يعد وجودها في البيت فقط أو في المدرسة أو العيادة، بل في الحقل والمصنع، ونسمع عن نساء اقتحمن عالم الميكانيك وإصلاح السيارات، ويمكن القول ان المرأة استطاعت في بعض المجتمعات العربية ( تونس)  أن تغير من ثقافة المجتمع "الذكوري" الذي ينظر إلى المرأة على أنها خلقت لأشغال البيت والإنجاب، ولا يُرَاع وجودها ككائن يفكر ويشارك في صنع القرار.

و لكونها تعيش في مجتمع ذكوري فهي تواجه عقبات عديدة ، وتلاقي صعوبات كثيرة وسط عالم من الرّجال، الذين ما زالوا ينظرون إلى المرأة على أنها كائن ضعيف لا يقدر على تحمل المسؤوليات وأعباء الحياة، أو ينظر إليها من زاوية تخدش كرامتها وإنسانيتها، وخير دليل المظاهر السلبية التي نراها في عصرنا الحالي، من تحرش جنسي، واعتداءات لفظية أو جسدية، حتى داخل الأسرة،  بل أصبحت موضع استغلال، خاصة في الظرف الراهن الذي تواجه فيها الشعوب والمجتمعات  موجات من العنف والتطرف ، والتي أثرت على الجانب الأمني والاقتصادي ، اقتحمت المرأة عالم الإجرام من أبوابه الواسعة، بحيث أصبحت تقود شبكات إجرامية،  وامتد نشاطها إلى الانخراط في جماعات إرهابية، وقد استخدمت هذه الجماعات النساء في عمليات التفجير، وأصبحنا نسمع عن وجود "انتحاريات"، أَعْطَيْنَ لـ:"الجهاد" مفهومًا خاطئا، حيث أخرجوه عن إطاره الشرعي والقانوني، في حين نجد أخريات فهمنا الحرية والاستقلالية من زاوية تعكس طبيعة المجتمع التي تعيش فيه المرأة وتمسكه ( أي المجتمع) بالعادات والتقاليد، فمن التدخين إلى تعاطي الشيشة والمخدرات، واتسمت سلوكات هذه الفئة من النساء بالعنف والعدائية، والانتقام من المجتمع.

و الحقيقة أن هذه الظواهر تخدش أنوثة المرأة وتفقدها حياءُها، ويمكن القول أن بعض "الكتابات"  الدّاعية إلى التخلص من المجتمع "الذكوري" ، ساهمت في خروج المرأة عن الخط المرسوم لها كفاعل أساسي  في المجتمع، على أساس أن الرجل مُتَخَوّفٌ من تقدّم المرأة وتفوقها عليه، وقد لا يجد من يخدمه في البيت في حال خروجها للعمل، بل بعض النساء رأين في " التحرر" و"الاستقلالية" التخلص من "عقدة الجسد" بحيث نجد جمعيات ( جمعية فيمن)،  ترى في العُرْي على أنه حق طبيعي، وترى ان جسدها ملكا لها وحدها ولها الحق في التصرف فيه كما تشاء، وترى أن هذه التقاليد انقرضت، ولم يعد النظام "الأبوي" قائما في مجتمعات  فتحت الباب الواسع لحرية المرأة،  وظهور القوانين الخاصة بالأسرة التي ألغت مفهوم "الوليّ" وأعطت للمرأة الحرية في أن تزوج نفسها بنفسها،  وبالتالي  لا حقّ لأيّ كان أن يحاسبها، بل أضحت تطالب بتقنين هذا الحق.

 

دور المنتخبة والنائبة في البرلمان

ففي مجتمع ذكوري يرى الرجل نفسه أنه وحده القادر على قيادة المجتمع دون الاعتراف بكيان المرأة وحقوقها ودورها الفعال في المجتمع، سواء  في الأسرة أو في ميادين العمل وحتى في ساحات النضال،  ما يجعلها ترفع التحدي الكبير  لتحقق إنسانيتها ، ونشير هنا أن "القيادة" كمفهوم تقني يختلف عن القيادة في جانبها السياسي،  ولهذا وجب النظر إلى المسؤولية السياسية وما يقع من أحداث مهمة، خاصة في أوقات الاهتياج عندما يكون الاندفاع نحو التغيير الجذري مصحوبا بالنزاع، حيث تكون المسؤولية جماعية في تنظيم الوجود البشري، ونشير هنا إلى دور المرأة المنتخبة والنائبة في البرلمان في تجسيد رغبات الناس والمهمة المنوطة بها في المصادقة على الخطط السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

وإذا عدنا إلى مفهوم "القيادة" فهي تختلف عما ذكرناه آنفا، فالقيادة بمفهومها السياسي تعني أن تتبنّى هموم الأمة ، وهذا لا يعني أن تمثل الأمّة في قضية من القضايا، بل تبنيها وتساهم في النهوض بها، وقد تأخذك المسؤولية إلى التضحية من أجل أمنها وسلامتها،  والقيادة لها شروط ومواصفات، من بينها أن يكون ممثل الشعب أو القائد، إنسان متفهم متفتح على الآخر ، وأن تكون له ثقافة من التسامح وأسلوب في التحاور والإقناع، ولكي تكون المرأة قائدة فإن تحديات كبيرة تنتظرها في البناء السياسي والقضاء على كل أشكال الفوضى القائمة، وتفعيل حركة التنمية المستدامة وتحقيق التوازن الاجتماعي.

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم