قضايا

فخري مشكور: تفكيك الاسلام بين الماضي والحاضر

fakhry mashkorيقوم الدين على ركنين: شهادة ان لا اله الا الله، وشهادة ان محمدا رسول الله. الله والرسول هما الركنان اللذان لا يقوم الدين الا بهما، فمن ترك ركناً واحداً فقد خرج عن الاسلام.

صحيح ان التوحيد اساس الدين، لكن التوحيد بدون النبوة يبقى معلقا في الهواء لا يثمر علما ولا عملا.

بدون النبوة يبقى التوحيد معنى عاما شاملا تهدي اليه الفطرة لكنها لا تحيط بتفاصيله ولا بتطبيقاته، فالتفاصيل (معلومات الغيب) والتطيبقات (الشريعة) مهمة النبي الذي يتصل بالله وينقل للبشر علوما واوامر يتلقاها من الله ليبلغها الى الانسان.

النبي وحده هو مصدر الغيبيات التي يخبره الله بها، والنبي وحده هو مصدر التشريع الذي يأمره الله به.

اذاَ هما ركنان: لا اله الا الله محمد رسول الله، توحيد ونبوة، الله والرسول، القرآن والسنة .

***

القران والسنة ركنا الاسلام واساس الدين ومصدر العقيدة والتشريع، ومنبع علم الغيب...وكل غيب ياتينا من غير هذين المصدرين فهو خرافة، وكل تشريع ياتينا من غير هذين المصدرين فهو شرك، وكل من يأخذ قضايا الدين من خارج هذين المنبعين فهو مشرك، وكل من يضيف لهذين المصدرين فهو مدعي للربوبية.

لذلك رفض الامام علي (ع) الخلافة بعد عمر لانهم ارادوا منه ان يلتزم بسيرة الشيخين، رفض اي التزام بغير كتاب الله وسنة رسوله حفاظاً على نقاء الاسلام من الشوائب التي تاتي من خارج القران والسنة النبوية.

الخلاصة: المصدران الوحيدان للدين هما: القران والسنة، وكل أخذٍ من خارجهما ضلال وانحراف يتراوح بين البدعة والشرك.

 

تفكيك الاسلام في الماضي

لأن الله  تولى حفظ القرآن، فقد تولى الطواغيت تحريف السنة التي لم يتعهد الله بحفظها، فالسنة هي ملعبهم الوحيد بعد حفظ القرآن.

بدأ تفكيك الاسلام مبكراً وتجلّى في محاولة فك الارتباط بين الكتاب والسنة، وكانت اول محاولة صريحة لنقض عرى الاسلام ما قيل في مرض النبي  (حسبنا كتاب الله) وهو قول أريدَ به نقض الركن الثاني من ركني الاسلام  (الكتاب والسنة)، فاذا تخلّص من السنة اصبح التلاعب بتفسير القران سهلا... ودُعمت تلك المؤامرة بحيلة ماكرة تزعم ان النبي يهجر، وهي قباحة قولٍ تحكي وقاحة القائل الذي يريد اسقاط  السنة النبوية من الاعتبار.

***

كان التخلص من السنة النبوية باباً لادخال الاراء الشخصية كمصدر للدين. فالسنة النبوية ضمان لسلامة الدين ونقائه، ولا يمكن للمتلاعبين بالدين ان يُدخلوا فيه شيئا مادامت السنة النبوية موجودة، لذا كان لا بد من القضاء على السنة النبوية تمهيدا لاستلام زمام السلطة.

كان لابد من تفكيك الاسلام  عن طريق فصله عن السنة النبوية لكي يخلو الجو لمن يريد ان يستلم القيادة السياسية.

لكن المحاولة فشلت يوم الخميس فانتقل جهد القضاء عل السنة النبوية الى المرحلة الثانية: مرحلة منع تدوين السنة النبوية.

في المرحلة الثانية طوردت كل النصوص المكتوبة من السنة النبوية واحرق المكتوب منها، ونُفي رواتها الى اماكن نائية، ومُنع كل مسلم من تدوين ما يحفظ من احاديث النبي (ص)....مؤامرة ظاهرها مقدس (لكي لا يختلط القران بالحديث)! كان التقديس – كما هو شان التآمر على الدين- غطاءً للتحريف، فمن يتمسك باحاديث النبي ويدونها يُتّهم بالطعن بالقران! لانه يحتفظ باحاديث قد تختلط بالقران فيضيع القران من ايدي المسلمين!

***

بعد ان نجحت مؤامرة منع تدوين الحديث دخل التحريف مرحلته الثالثة وهي: الكذب على رسول الله، كما تنبّأ النبي نفسه حين قال: (ستكثر الكذابة من بعدي). في هذه المرحلة عملت الماكنة الاعلامية الاموية على وضع الاف الاحاديث على النبي حتى اصبح لدينا ركام هائل من "الاكاذيب المقدسة" التي اصبحت جزءاَ لا يتجزأ من الدين، دخلت لاحقاً في كتب الصحاح وصار من ينكرها مُنكراً للسنة النبوية وانتهى الامر اخيرا الى داعش....خلافة على منهاج النبوة!!

***

لبُّ المؤامرة على الاسلام وجوهرها: اسقاط الحديث كمصدر للدين بعد القران.

حاولوا في المرحلة الاولى حذف الحديث و الاكتفاء بالقران (حسبنا كتاب الله)، فلما لم يتمكنوا انتقلوا الى المرحلة الثانية: وضع الحديث لاجل تحريف الدين.

هدف التحريف سياسي بحت: الاستحواذ على السلطة.

وغطاء التحريف مقدس: الحفاظ على القران، ثم الحفاظ على الصحاح.

***

هذا ما حدث في الماضي.

اما ما حدث في الحاضر فكان تكراراً للماضي: القضاء على السنة النبوية وباستخدام المرحلتين معاً:

• استخدام الاحاديث الموضوعة (وهي مدسوسة ضمن  الاحاديث الصحيحة في المجاميع الحديثية الشيعية)

•  واسقاط القران والسنة والاستعاضة عنهما بالاحلام والقصص الخالية كمصدر للغيب بدل القران والسنة النبوية.

الغطاء الحديث نفس الغطاء القديم: القداسة

كان الغطاء المقدس القديم: من يريد تدوين الحديث مجرم لانه يخلط القران بغيره !

اليوم اصبح الغطاء المقدس: من يدعو الى تحقيق الحديث (أوغربلته) منحرف لانه يطعن في احاديث اهل البيت، ومن يكذّب قصص المحرّفين واحلام المخرّفين منحرف لانه لا يؤمن بالغيب!!

والهدف في الحاضر نفس الهدف في الماضي: الاستحواذ على السلطة ....وكما تمكن الامويون من استلام السلطة بعد تحريف الدين، يتم اليوم تحريف الدين لتسهيل الاستيلاء على السلطة من عواصم غربية، باموال خليجية وبعمائم شيعية.

والادوات الجديدة هي الادوات القديمة: احاديث موضوعة، غيبيات لا اساس لها، احلام مزعومة، قصص بلا توثيق، ومعاجز بلا تفكير.

الامر لا يتطلب الا خطة استبدال العلماء بالخطباء، واستبدال التحصيل العلمي بالوجه النوراني، واستبدال المراجع باشباه المراجع (ممن يصبحون مجتهدين بدون اساتذه، ويتقنون سبع لغات ثم يفقدونها بالتهاب الحنجرة).

التحريف الخطر و الهادئ يتم اليوم باستبدال المنهج العلمي في التعامل مع حديث النبي واهل البيت بالمنهج السني السلفي في اعتبار كل ما في كتب الحديث صحيحا.

جريمة منع كتابة الحديث تتكرر اليوم في منع تحقيق الحديث.

وجريمة استبدال رواة الحديث بالقصاصين تتكرر اليوم في استبدال القران والسنة بالاحلام والقصص الغيبية المستقاة من خارج الكتاب  والسنة.

هكذا تسير خطة تفكيك عرى الاسلام واستبدال ركنيه الاساسيين بنفس الوسائل المقدسة ولنفس الاهداف السلطوية.

المنفذون لهذا المخطط قد لا يعلمون ما يفعلون، لكنهم يقتلون الاسلام بهذا العمل، وعندما تقتل احداً فلا فرق للمقتول ان يكون القتل خطأً او عمداً.

العاملون في هذا المخطط ، يساهمون في تحريف الدين من خلال وضع بدائل للحديث الصحيح، وبدائل للاجتهاد الصحيح، وبدائل للغيب الصحيح، وبدائل للعقيدة الصحيحة، وبدائل للمؤسسة الدينية الصحيحة.

بهذه البدائل سوف نجد دينا جديدا يحتل فيه رجاله مقام الربوبية يعبدهم الغوغاء دون ان يعرفوا معنى الحديث الشريف: من أصغى إلى ناطق فقد عبده، فإن كان الناطق عن الله فقد عبد الله، وإن كان الناطق ينطق عن لسان إبليس فقد عبد إبليس

 

 

في المثقف اليوم