قضايا

فخري مشكور: التسسلسل العقائدي في الاسلام

fakhry mashkorيمتاز الاسلام بالاعتماد على العقل والمنطق، وتفعيل موهبة التفكير التي منحها الله للانسان كشرط للدخول في هذا الدين.

ويرى الاسلام ان التفكير المنطقي كفيل بقبول الانسان به، وهي ميزة خاصة بالاسلام لا يشاركه فيها أي دين آخر، فالاديان الاخرى تشترط وضع العقل جانباً قبل التسليم بمقولاتها بحجة ان الدين وظيفة الروح لا وظيفة العقل، بينما يرى الاسلام ان الدين الذي لا يقوم على العقل لا يستحق الاحترام فضلاً عن الالتزام.

يكفي لادراك هذه الحقيقة مراجعة سريعة لمئات الايات التي تدعو الى التفكير وكثير منها يبدا أو ينتهي بعبارات قريبة من: افلا يتفكرون؟ افلا يعقلون؟ افلا يتدبرون؟ افلا يبصرون؟ افلا يسمعون؟

كما يطالب القران من يؤمن بافكار اخرى بالبراهين على صحة تلك الافكار في عملية معيارية تعتمد الدليل العقلي مقياساً لقبول ورفص العقائد.

ويعطي القران للعقل منزلة غاية في الاهمية عندما يقرر ان من يستطيع البرهنة على وجود اله آخر غير الله فله الحق ان يعبده... يقول تعالى.

[ومن يدعُ مع الله الهاً آخر لا برهان له به، فإنما حسابه عند ربه]، فالاية تشير – بمفهوم المخالفة- الى ان جواز عبادة أي إله تملك دليلاً  على كونه الهاً. يفعل الاسلام هذا لأنه واثق ان العقل لن يجد الها حقيقيا غير الله، ولو كان يخاف من التفكير لما طرح هذا التحدي على العقلاء.

                           ***

من العقل يبدأ الايمان، وبالعقل ينتهي، فكل ما خالف العقل فهو مخالف للايمان، ولا ايمان بلا عقل، ولا تكليف بلا عقل. وقد ورد في الحديث عن الامام الصادق (ع):

[أول ما خلق الله العقل فقال له اقبل فأقبل، ثم قال له ادبر فأدبر. قال الله عز وجل: وعزتي وجلالي ماخلقت خلقاً أحبَّ إليَّ منك، ولا أكملتك إلا في من أحب...أما وإني إياك آمر، وإياك أنهى، وبك أثيب، وبك أعاقب]. والحديث لوحة تصويرية تنطوي على معاني رمزية راقية لا تخفى على القارئ اللبيب.

                                ***

يرسم القرآن مسيرة العقل في رحلة الايمان على شكل خارطة طريق تمر بالمحطات التالية:

1. المرحلة الاولى: التفكير في خلق السماوات والارض، وفي خلق الانسان لاكتشاف القوانين التي تحكم الوجود والتوصّل – من خلال التفكير – الى وجود قوة مطلقة العلم مطلقة القدرة أبدعت هذا الكون ونظّمت قوانينه. تنتهي هذه المرحلة بمحطة الايمان بالله

2. المرحلة الثانية: التفكير في العلاقة بين الله وبين الانسان من خلال الاستماع الى اشخاص يدّعون ان الله ارسلهم لهداية الناس، ويحمّل الاسلامُ للانسان مسؤولية تمحيص هذه الادعاءات لمعرفة حقيقتها، فان تبيّن انها حقيقة فالمفروض ان يؤمن بها الانسان. يجب على هؤلاء المدّعين ان يثبتوا – بالمنطق- انهم فعلاً مرسلون من قبل الله وليسوا دجالين، والدليل على صدقهم هو: ان يحملوا من الله الشفرة السرية للقوانين التي تحكم السماوات والارض فيكسروا بعض هذه القوانين بإذن من الله (وهذه الشفرة السرية تسمى بالمعجزة)، فعندما يقوم النبي بالمعجزة يعرف العقل ان خرق القوانين التي وضعها الله للكون لا يمكن ان يحصل لأحد الا بإذن الله الذي يكشف شفرته لانبيائه لاثبات صحة رسالتهم...تنتهي هذه المرحلة بمحطة الايمان بالنبوة، أية نبوة.

3. المرحلة الثالثة: التسليم بصحة الاخبار والاوامر التي يأتي بها هذا النبي من الله. فالأخبار اغلبها من عالم الغيب الذي لا سبيل لمعرفته الا بالاخبار من النبي الذي يوحى اليه من الله، والاوامر هي الاحكام الشرعية التي يحدد الله فيها كيف يجب ان يعبد الانسانُ ربَّه كما يحب الله لا كما يحب العبد.

                               ***

من هذا يتضح لنا:

• ان أي غيب لا يأتي من الله عن طريق النبي لا قيمة له على الاطلاق، لان الله وحده عالم الغيب فلا يُظهر على غيبه احدا  الا من ارتضى من رسول. أما نحن فتصلنا معلومات الغيب عن طريق الرسول ومن اخبره الرسول من خلفائه، وهؤلاء يخبرون اصحابهم الثقات بتلك المعلومات الغيبية فينقلونها الينا بطرق قابلة للاثبات العلمي.

وأن كل من يدعي علماً غيبيا لا يستطيع ان يثبت صدروه عن النبي فهو كاذب

•  وان خرق القوانين الطبيعية ( المعجزة) لا يمكن ان يفعله غير الله، وهذا الخرق يأذن به الله للانبياء لاثبات نبوتهم، او يفعله الله في حالات اخرى مذكورة حصراً في كتبه او يصرّح بوقوعها حصراً انبياؤه واوصياؤهم.

وكل من يدعي وقوع معجزة لم يصرّح بها قرآن او نبي او وصي نبي فهو كاذب.

• وان الايمان هو وظيفة العقل لا وظيفة النقل، وأن التسلسل المنطقي في مسيرة العقل في رحلة الايمان هو: التوحيد ثم النبوة ثم الامامة وليس العكس، وأن حرق المراحل غير وارد اطلاقاً. فلا يمكن ان يبدا الايمان بالامامة ثم ينتهي الى النبوة فالتوحيد، لان الامامة هي فرع من النبوة وقائمة عليها، فاذا لم تكن هناك نبوة فلا معنى للامامة. كذلك لا يمكن ان يبدا الايمان بالنبوة ثم ينتهي بالتوحيد، لأن النبوة بدون التوحيد لا معنى لها، فلابد ان يكون هناك اله ارسل نبيا لتكتسب النبوة معناها.

وهنا نفهم الخطأ الذي يقع فيه البعض حين يعتبر الايمان بالله او بالنبوة متوقفاً على الايمان بالامامة.

                                    ***

تبقى هناك مسألة تحتاج الى توضيح فيما يتعلق بالعلاقة بين العقل والايمان وهي:

يحب التفريق بين  امرين :-

1- قيام الايمان على اساس العقل (وهي قضية صحيحة)

2- وبين قدرة العقل على علم الغيب، او معرفة علل الاحكام الشرعية، او معرفة الذات الالهية  (وهذه قضايا غير صحيحة).

العقل لا يستطيع معرفة الغيب، ولا ادراك كنه الذات الالهية، ولا الاحاطة بعلم الله....الخ

دور العقل في العقيدة هو دراسة المعطيات الربانية في الكون والانسان وفق الطرق العقلية (المتفق عليها بين جميع البشر) للوصول الى التوحيد ثم التصديق بنبوة الانبياء بعد الاطلاع على معجزاتهم. فاذا تعرّف العقل على النبي فانه يسلّم بكل ما يخبره به النبي (بشرط ان يعرف ان مصدر الخبر هو النبي فعلا وليس راوية مجهولا أو مطعونا). واذا اخبر النبي بوجود اوصياء له يرثون علمه فانه يصدق بكل ما يخبره به الاوصياء بنفس الشرط (أي بشرط ان يعرف ان مصدر الخبر هو الوصي فعلا وليس راوية مجهولا أو مطعونا).

                             ***

هذه هي الاسس العقلية التي يحتج بها الله على عباده يوم القيامة حسب الايات القرانية والروايات الصحيحة عن النبي واهل بيته (لم نسردها خوف الاطالة) اضعها للنقاش العلمي والحوار المنطقي.

 

في المثقف اليوم