قضايا

رأي يوسف زيدان بصلاح الدين الأيوبي حق ام باطل.. وجهة نظر معمارية؟

ali thwayniقال أحد كتاب مصر ويدعى يوسف زيدان بأن صلاح الدين الأيوبي: (احقر شخصية في تاريخ الانسانية)!.. وقد أثار هذا الرجل زوبعه من اللغط والسجال، وحري مناقشة ما قاله برفق، بعيدا عن دعاوى نصرة لمذهب إسلامي بعينه، التي لم تعد تعير أي أهمية لدى الواعين، رغم أهميتها لمن مازال يعيش ضمن المحنطات، رأيي بالتسنن والتشيع سيان، كونهما وسيلتين جدليتين حمالات أوجه، يمكنهما أن يوظفا بغرض التقرب للمولى بصدق أو العكس أي سرقة الناس والتسلط عليهم وتأليب الناس على بعضها لتأجيج فتنة يسير وراءها حمير البشر. لذا حري التركيز على حقيقة أن تأريخنا المكتوب جله مزور، بعدما كتب تحت تهديد السيف أو إغراء بريق الدراهم السلاطيني، فبين العصا والجزره أو الترغيب والترهيب، امتلأت الكتب الصفراء بنزعات التطرف والإفتراء وزورت معالم الحقيقة وضاعت إبانها المصداقية التي أمست سبب في مانتناحر من أجله اليوم بين فريق وآخر وحسبي انهم جميعا مخطئون.

سوف لن أعود للتأريخ وأنبش ما لم أترعت به الكتب التي أستنسخت وتناقلت من بعضها، وحري إسقاط حداثتنا على تأريخنا وليس العكس، حينما أصبحنا شعوب تعيش بالماضي وتقرأ حداثتها من خلال سياقات تأريخها، فمازالت حرب الجمل تؤجج المشاعر وثورة الحسين تخدر الشيعة من طرف سلطاتها (العراق وإيران نموذجا). أتسائل في هذا المنحى الحداثي: من كان من العراقيين يجرأ خلال حقبة البعث خلال أربعة عقود (1963-2003) أن يكتب عن الحرس القومي بأنهم قتلة وسفله وسقط متاع مجتمع صاعد واعد، أو القول بأن صدام إبن شارع وعاهر ومجرم وإن حزب البعث تأسس على يد ميشيل عفلق اليهودي الروماني والماسوني . لقد كان الأمر وكأنه ضرب من المستحيل، لكن، وبعد إنقشاغ غمتهم وجاء الإحتلال الأمريكي بغمة جديدة، طفق الناس بكتابة التأريخ من جديد وبصيغة معاكسة لما كان، فقد ألصقت بالبعثيين كل المثالب حتى التي لغيرهم وعرت شخوصهم حتى الصالح منهم، ورفضت محاسن شحيح شخوصهم أو نتف أفعالهم. ومن المضحك أن العرب مازالوا يترحمون على صدام ويتأسون على إعدامه يوم العيد وهو الذي كان قد أعدم ليس أقل من مليون عراقي بعيد أو غير عيد .و كل ذلك الحنين والتعاطف أشبهه بالقط الذي يحب خانقه، أو (متلازمة ستوكهولم) بتعاطف الضحية مع الجلاد لابل تقمصها روحه .فقد تاجر صدام بالعرب و(الأمه) وتعاون مع رفسنجاني وتقاسم الكعكة المؤامراتيه مع خميني لتأجيج صراع ديني طائفي، ها نحن نحصد زرعه اليوم، ولكن أكثر الناس لايعون.

مكث ديدن التأريخ المكتوب، أن الغالب يكتب مايروق له ويزوق الكتابة لصالحه أصحاب المآرب والإنتهازيين والمرتزقه، أما المغلوب فيلوي الفرار، فهل شاهدتم أحد اليوم يخرج ليتحدث عن فكر البعث ..لقد توارى جميع البعثيين وفسحوا المجال لقوارض وجراد جديد يكتب رأي الغالبين والشامتين..وهذا ما حدث لصلاح الدين بالتمام حينما قتل الفاطميين وذبح عشرات الآلاف من المصريين والشاميين والحجازيين، وكتب التأريخ لصالحه، وجاء المماليك بعد شجرة الدر ليترحموا عليه كونه من فتح الباب لهم ليحكموا مصر والشام والحجاز واليمن (1250-1517م) خلال 267عام، ولم يراجعوا تأريخه أو ينقدوه، والذي وصلنا سالما دون تحقيق أو دحض أو نقد .

بصدد شخصية صلاح الدين (532 - 589 هـ / 1138 - 1193 م) الملتبسة فأنه تركماني سلجوقي ولد بتكريت بالعراق وليس كردي كما يختلط على البعض، وأن إبن عمه (قرقوش) (معناه بالتركي النسر الاسود)، صاحب المثالب والمعروف بنزق حكمه وترهات تسييره للسلطة ولاسيما بعد أن عينه واليا على طرابلس (كما صدام وقذافي بالتمام) فشاعت (أحكام قرقوش) مثال يضرب في طغيان الحاكم وغباءه .وتنقل التواريخ أن إبن صلاح الدين ذهب وأنخرط مع قوات الصليبيين، لكن محبيه لايرغبون كشف ذلك.

وتشير الحقائق بأن صلاح الدين لم يكن يحمل تلك الحمية الدينية التي يتشدق بها البعض، بل الرجل طموح ومغامر وأشبهه بصدام بالتمام ذو الأصول المجهولة والمغامر المقامر بروحه كونه لا يفقد أكثر مما سيكسب، أي أنه بلغة اليوم جبلي مرتزق أو (بندقية للإيجار)، فقد تبرقع بالورع (السني) كونه يحارب الفاطميين الشعة، وبؤرة الصراع الإستيلاء على نصف أرض السرق القديم. ويتطابق الأمر مع صراع الصفويين والعثمانيين رغم أنهم من أرومة تركمانية واحدة قدمت من منغوليا، لكنهم لجأوا للتبرقع بالتسسن الذي كان لابد أن يقابله تبرقع بالتشيع كي يكون مبرر للنزاع والصراع.ومن المحزن أن صلاح الدين الغى 10 مذاهب سنيه محضه ضمن 14 مذهب سني باق، وأكثرها واقعية المذهب الأوزاعي للإمام عبدالرحمن الشامي البيروتي والمذهب الأباضي للإمام عبدالله إبن أباضه التميمي البصري.

إن من المفارقة بأن من كتب عن أمجاده وأطنب المديح له هم الصليبيين أنفسهم أكثر من المسلمين، لا بل أننا أعدنا إكتشاف سيرته من خلال كتبهم، ولم نبحث أونشترط أنها مستلة من المصادر الإسلامية، حيث أن تواريخنا مكثت متحفظه على سيرته الملتبسه والغامضه لكننا في حداثتنا نفخنا بها كوننا نبحث عن أبطال في التأريخ يرفعوا هاجسنا الإنتقامي والمعنوي، ولاسيما بعد إحتلال اليهود لفلسطين عام 1947.وتلقفته التوجهات الإسلامية المحافظه ونفخت به حتى أصبح من يعترض على شخصيه صلاح الدين كافر رغم أن الرجل ليس فقيه ديني ولا صاحب مذهب وهو دخيل على الإسلام تأريخيا. لكن ثمة حقيقة بأن أدبيات الشيعة عموما كانت وقد وجهت النقد له من قرون مضت، كونه قضى على دولة شيعية كبيرة(رغم أنها إسماعيلية وليس إثناعشرية)، ولم يلتفتوا لبعض مناقب الرجل وأثره الإيجابي.وكنا نسمع الحديث عن محض مثالبه من معممي الشيعه حينما يسردوا التأريخ.

حقيقة الرجل يمكن أن تشرحها العمارة والفنون في رأينا دون العودة إلى الكتب الصفراء وغيرها، سيرا على منهج (تحليل الخطاب) المعماري. نقرأ من آثاره بأنه كان مرعوب ممن أغتصب أرضهم ويخشى سطوة المصريين دائما، لذا فأنه بنى القلعة على جبل المقطم في القاهرة خشية إسقاط سلطته لو سكن في مدينتهم. وهذه سنة معمارية آشورية تقمصها الرجل من البيئة العراقية الشمالية التي ولد فيها، حيث كانوا يخشون أهل البلاد المفتوحه، فيختارون ربوة ويتم إنشاء قلعة يسكنها الحاكم الآشوري وعسكره وبطانته وعسسه ليجوبون الضرائب ويجمعون المال والغلة من فقراء أكباش القوم مقابل حمايتهم من ذئب آخر يلتهمهم. وعادة ما تشرف تلك القلعة على المدينة التي يطوقها قوم يناصبو المحتل العداء، وهو يرصدهم من الأعالي ويرقب تحركاتهم بتوجس وعدوانية. ونجد الامر قد تجسد في قلاع تكريت وأربيل وكركوك وحلب، التي أقتبس اليونانيون هيئتها لاحقا وأطلقوا عليها أسم (أكروبوليس) من مفردة (أكرا-عقره) وتعني الأرض أو الأرض المرتفعه، وتعني المدين المرتفعة.

ويمكن أن نعد إنشاء بغداد المدوره في (الكرخ - الجرخ)عام 762م هي سياق متواتر مكاني من خشية ابو جعفر العباسي من سطوة أعداءه ولاسيما العلويين والأمويين والخوارزميين والعراقيين (الموالي). وهكذا كانت مدينته على شكل قلعة وسط أناس يناصبوه العداء، وجيش من الرهائن يغلق عليهم الأبواب الأربعة عند الغرب، حيث يمكث في قصره متحفز ومتوجس من بحر بشري عدواني يطوقه.

وهذه نفس ظاهرة القلاع المحصنة التي بناها الصليبيين بالشام (الكرك مثالا) ثم البرتغاليين ومستعمراتهم في آسيا والخليج ولاسيما بعمان، وأخذها الأقطاع بأوربا من العرب وبنوا بيوتهم على شكل قلاع فسموهم الناس (برجوازيه) بالفرنسية أي سكان ألأبراج كون بيوتهم تقع على ربوه-برج، وعم في قلاع العثمانيين بالبلقان والمغول في الهند (القلاع حمراء) و(بيت الحجر) في اليمن، وحتى مشايخ وإقطاع الأمس بنوا قلاع سموها (كوت) وكان أصغرها (الكويت). وتواتر الأمر اليوم بما دعي (القصور الملكية أو الرئاسية) وعندنا سموه الأمريكان (المنطقة الخضراء) التي هي قلعة تحمي عملائها وسفارتها داخل بغداد الرافضة واللافضة لهم..وحري الإشارة إلى أن تلك المنطقة أنشأها أول مرة صدام حسين وسماها (منطقة القصور الرئاسية) كونه يعلم أن أهل العراق وبغداد يمكن أن ينقلبوا عليه لو ترك بيته وسلطته دون اسوار.

ومن ناحية اخرى فإن الحقبة الايوبيه في مصر والشام هي الأفقر إبداعا معماريا وفنيا ولايمكن مقارنتها بأي وجه مع أعدائهم الفاطميين الذين وصلوا الذروة في الإبداع والمنجز المعماري والفني وكذلك الثقافي، والدليل المكتبة التي حوت حوالي مليون مخطوط والتي أحرقها صلاح الدين، لا وحتى بالمقارنة مع من خلفهم في الملك من المماليك. ويمكن أن تكون الحقبة الأيوبية صحراء حضارية بين عدنين خصبين اي منتج الفاطميين وكذلك المماليك. والأمر متواتر فأن السلطات التركية العثمانية لم تترك في مصر أي أثر معماري وفني يعتد به، بل أن الحقبة العثمانية (1517-1805) صحراء بين حقبة الماليك وحقبة محمد علي الألباني اليانعه(1905-1952).

كل تلك الدلائل تؤكد بأن صلاح الدين لم يكن رجل دولة حضاري بل شمولي العقلية،ويشابه (الضباط الأحرار) الذي حكموا البلدان العربية بعد إنقلابات، ولم يبنوا أو يؤسسوا لمشروع حضاري، لا بل أنهم ألتهموا ما بنى وتصاعد من منتج سابقيهم كما لدينا حقبة الضباط الأحرار في مصر والبعثيين في العراق مثالا مشابها، وأن الرجل كان منتهز للفرصه ورام مجد لنفسه واضر الدين الإسلامي المحمدي وليس السلاطيني التركي، أكثر مما نفعه.

أقول بالختام بأن كلام يوسف زيدان فيه من الحقيقة الشئ الكثير، ولا يمكن أن نرفضه بل نبني عليه أساس نحتاجة في إعادة كتابة تواريخنا على مناهج أخلاقية مجردة من الإنحياز والتزلف والرياء والإفتراء، لا بل أن ندخل كل تأريخنا في مرشح البحوث الإجتماعية والنفسية والمعمارية والفنية الحديثة ليخرج لنا تأريخ آخر يختلف عن الرأي السائد عليه..

 

د. معمار علي ثويني

 

 

في المثقف اليوم