قضايا

اللـعب والتلاعب بـورقـة التوت .. عمّار الحكيم نموذجاً!!

haytham alqaimقبلَ سنة أو أكثر .. لا أتذكّر بالضبط .. طلعَ علينا مختار العصر / رئيس الوزراء السابق نوري المالكي بتصريح جاء في فحواه: (أن هناك مؤامرة على المشروع الأسلامي ..!) والرجل موّلع بنظرية المؤامرة ويكاد لا يخلوا لهُ خطاب أو تصريح دون أن يُخفي رأسهُ خلف سِتار المؤامرة ..!!

 في حينها كتبتُ منشوراُ قلت فيه: أن كلام المالكي أفرَحني كثيراً، رغم ما فيه .. لأن السياسي / الأسلامي عندما يلعب أو يتلاعب بأخطر و(أثـمَن) ورقة توت لديه تـستُر ما تبّـقى من عوراته وهي (الخوف على الدين) .. معناه أنه أسـتنفذ كل أوراقـهِ التي ممكن أن يُناور بها وأستنفذَ كل (انجازاتهِ) التي ممكن أن يحتجّ بها لتلميع صورتهِ .. فلم يبقى سوى ورقة (الخوف على الدين) يُشهرها بوجه مُناصريه ومُعارضيه معاً ..! مُناصريه لشحنهم وجذبهم اليه، ومُعارضيه لتهديدهم وأرعابهم ..! وهو هنا كمن يقول بأنهُ يُشهِر أفلاسـهُ ولم يتبقى في جُعبتهِ سوى السهم الأخير يُحاول أستثمارهُ للفوز وهو سهم (الخوف على الدين)، مُتلاعباً على وتر عواطف الناس ومشاعرهم الدينية ..! وهي في الحقيقة لعبة أصبحت مفضوحة وقـميئة في نفس الوقت ..!

 بالأمس أتحفنا عمار الحكيم – رئيس التحالف الوطني الشيعي - بتصريح ناري ضمن نفس المسار وبالعزف على نفس الوتر .. يُهدّد فيه: (بالضرب بيد من حديد على داعمي الأفكار الألحادية وتعرية الأساليب التي يتبعونها في نشرها ..!)

أرى من المُناسب أن أستغل هذه الـفرصة للحديث بشكل موجز عن الألحاد .. ثم أعود لتأشير مضامين ما صرّح به عمّار الحكيم ..!

 الألحاد من الناحية اللغوّية هو: مِن الفعل (أَلـحدَ) أي وضع الجثّة في اللحد من الجنب .. وهو يعني المَيل عن الموضع أو القصد، ولَحدَ القبر = حفرهُ وعملَ لهُ شقاً .. ولحدَ السهمُ عن الهدف = مالَ عنهُ ..!

وكما وردَ في النص القرآني، في الآية: (أن الذينَ يُـلحِدونَ في آياتنا لا يخفون علينا أَفـمَن يُلقى في النار خيرُّ أم مَن يأتي آمناً يوم القيامة .. أعملوا ما شئتُم أنهُ بما تعملون بصير) فُصّلت / 40 ..!

أو الآية التي تقول: (لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) النحل / 103 ..!

و الملاحظ هنا تأكيد للمعنى اللغوي ألذي ورد أعلاه ..! والمفارقة أنهُ لا توجد أي عقوبة دنيوية أو حدّ بأي مستوى أو معنى لـ (اللذين يُلحدون) .. بل تهديد ووعيد بألقائهم في النار يوم القيامة ..؟

في المعنى الأصطلاحي: وبعد أن تلاعبَ الفقهاء والمفسرين بالمعنى اللغوي والقرآني لمفهوم (الألحاد) تحوّل المعنى ليُصبح كُفراً ونكراناً للخالق يستوجب القتل أو السجن أو على الأقل تهمة الـزندقة ..! وطغى هذا المعنى على الخطاب والموروث الديني، ألى أن وصلنا بالمعنى الشائع حالياً ..!

الألحاد واقعياً: هو موقف فكري / عقلي .. مِن الدين والتديّن، يعتمد على رؤية أن للكون والحياة (خالق) مجهول الماهيّة والكينونة لحد الآن ويخضع للفحص والدراسة والبحث والتجارب مِن قبل العلماء والمُفكرين والفلاسفة .. وهذا الخالق ليس (الله أو الآله) الوارد في الأديان جميعها .. لأن هذا ألـ (الله) يمتاز بصفات بشرية وفق الكتب المقدّسة، وهو ما لا يتفق مع فكرة الخالق للكون والحياة ..! فهو يغضب ويكره ويمكر ويرضى ويزعل ويُعطي ويأخذ ويبيع ويشتري ويرمي ويُقاتل مع المسلمين ويُكافئ ويعذب ويجلس ويقوم .. ألخ . في جانب آخر الملحد ليس مُفخخاً بأدوات القتل أو التفجير .. ولا يُـهدّد أحد ولا يتوّعد أحد بالويل والثبور .. ولا يسرق أو ينهب المال العام ولم نشهد أن مُلحداً أتُـهمَ بسرقة اللقمة من أفواه الفقراء .. ولا رأينا مُلحداً فاسداً يتعاطى بالعقود الوهمية أو الرشاوي أو الفساد الأداري ..!

فالمُلحد شخص أنساني بالضرورة .. ومُسالم يُحب الناس بمختلف أديانهم وطوائفهم وقومياتهم .. يتعامل مع المُقابل بأعتباره أنسان قبل أي شئ .. كلّ أسلحته هي العقل والفكر والقلم ..!

عودُّ على بدء ..

في تصريح عمار الحكيم بالضرب بـيد من حديد على داعمي الأفكار الألحادية .. ألخ أود تثبيت هذه الملاحظات:

1- ركّـزَ الحكيم عبارتهُ بـ الضرب بيد مِن حديد على الألحاد فقط .. لكنهُ لم يشمل الضرب بيد من حديد للفاسدين وتجار المخدرات ..؟؟ ربما لأنهُ لا يستطيع أن يضرب نفسهُ أو أتباعهُ أو مَن هُم على شاكلتهِ .. فذهب الى الحلقة الضعيفة ..!!

2- دعوته للضرب بيد من حديد على ظاهرة الألحاد .. تعني تحريض على القتل ومنح شرعية (دينية) للقتلـة .. وبالتالي أطلاق يد المجرمين لـتصفية مَـن يعتقدون أنهم ضمن ظاهرة الألحاد ..! وهذه وحدها جريمة تحريض على القتل، يُعاقب عليها القانون ...!!

3- عودتـهِ للتمسّـح بأذيال المرجعية .. عندما أشاد بنفس الخطبة بـفتوى المرجعية بخصوص الجهاد الكفائي .. وهي بالطبع ضرورة انتخابية صِرفـة ..!!

4- تكلّم عن محاربة الـفقر والحرمان .. في الوقت ألذي يمتلك هو مساحات واسعة من مناطق الجادرية والكرادة .. ناهيكَ عن القصور والمواقع التي أستحوذ عليها .. أضافة لـ حماياتهِ وهمراتـهِ وأموالهِ والتي لا نعرف من أين وكيف مُنحت له أو جناها، خصوصاً وهو لا يمتلك أي منصب رسمي ...؟؟

5- اطلاق هذه الدعوة وفي هذا التوقيت .. هو وسيلة لأشغال أذهان الناس بموضوع مُثير للجدل والتداول، حتى يتناسى الناس وينشغلوا عن خنازير وحيتان الفساد ونهب المال العام .. والظهور بمظهر الحريص على الدين .. في الوقت الذي هو وأمثالهُ قدّموا أسوء النماذج وأحقرها في السلوك والأداء كنماذج أسلامية تـتمسّح بالدين وبالرموز الأسلامية التاريخية ..!!

6- هذا التصريح وما شابههُ .. هو وسيلة لتكميم أفواه النقد والأنتقاد لكل ما هو سلبي وشاذ في سلوك الطبقة المتنفذة وبالخصوص طبقة المُلتحفين برداء الدين، بأعتبارهِ مساس بالدين وكأنهم الأوصياء أو القيّمين على الدين ..!!

هذا الخطاب المأزوم يؤشّـر حالة الأختناق والفشل التي وصل أليها الأسلام السياسي ورموزهُ .. والحكيم واحد منها ..! ويؤشّر أيضاً الرُعب مِن أنفضاض جماهيرهم عنهم، وكشفها لدجل وكذب هذه الأحزاب ومتاجرتها بالدين .. لذا ليس هناك وسيلة لـ أستثمار مشاعر الناس وعواطفها الدينية، وتجييش الأتباع والمُناصرين .. سوى ورقـة (الخوف) على الدين ..!

تقول الحكمة: أذا كنتَ غارقاً في الوحل .. فـمن الأفضل أن تُـغلق فـمَك ..!

 

هيـثم القـيـّم 

 

 

في المثقف اليوم