قضايا

كتاب وكباب.. من ينقذ العلم والثقافة في ايامنا هذه؟

waleed kasidalzaydiربما هذا العنوان يذكر القارىء بالفلم الناقد والساخر للفنان عادل امام (إرهاب وكباب)، ولعل ما سأتحدث عنه هو أكثر سخرية من مضمون ذلك الفلم .

فعندما تحدث القاضي وائل عبد اللطيف في أحد البرامج التلفازية عن قيام محافظ البصرة المتهم بالفساد والهارب من وجه العدالة بصرف مبلغ 7 مليار دينار عن قيمة شراء وجبات كباب لسنة واحدة !!! تبادر الى ذهني - رغم انه لم يغب عنه مطلقا - سؤال مفاده: كيف أن ميزانية واحدة من اكبر المؤسسات العلمية في العراق " بيت الحكمة " التي ترتبط في اطار هيكليتها بمجلس الوزراء، قد خفضت الى أدنى حد بعد حملة التقشف الحكومية التي بدأت منذ منتصف عام 2015. هذه المؤسسة العريقة التي استمدت اسمها وشخصيتها المعنوية من الدار التي أُنشئت في العصر العباسي بإسم بيت الحكمة أو خزائن الحكمة، وذائع صيتها في جميع أرجاء العالم، تحت تبرير عدم توفر الأموال نتيجة لانخفاض أسعار النفط.

بالتأكيد هذه الأزمة دفعت بالحكومة الى تقليص موازنة مؤسسات الدولة ورواتب الموظفين وغيرها ولكن جرت بعد دراسة وتصنيف حسب الأهمية والاسبقيات، فما هو ضروري لا يمكن تخفيض الإنفاق عليه ومثال ذلك صرفيات القوات الأمنية أشخاصا ومعدات، ولعل الثقافة والعلم والتعليم ينبغي أن تكون لهم حصة أقل في تخفيض ميزانياتها لأنها أساسيات وليس كماليات لدى الدول التي تريد أن تبني أوطانها وتتقدم في كافة المجالات من خلال بوابات العلم المتعددة، ولكن ما يجلب الانتباه ويثير الدهشة هو أن الإنفاق على مجالات طباعة الكتب ومكافآت نشر المقالات والبحوث والمشاركة في الندوات والمؤتمرات قد أُوقفت تماماً في مؤسسات الدولة العلمية ومن بينها بيت الحكمة. أتوقف أمام مسألة إيقاف طباعة الكتب، ولكي أعطي مثالاً حقيقياً وواقعياً، فإنني سوف أتحدث عن مخطوطة كتاب كنت قد قدمتها الى هذه المؤسسة وتم قبولها من قبل اللجنة العلمية فيها نهاية عام 2014 وارسلت الى خبير علمي مطلع عام 2015، فتمت التوصية بقبولها مع اجراء بعض التعديلات البسيطة، ثم أعيدت بعدها الى لجنة اخرى داخل مؤسسة بيت الحكمة فوافقت على نشرها، ولم يتبقَ سوى إحالتها الى المطبعة لطباعتها، ولدى متابعتي لها بعد هذه المراحل المتعددة تم إبلاغي بأن الصرف على طباعة الكتب قد توقف لجميع المخطوطات المجازة وذلك لعدم توفر المبالغ بسبب تعليق بند (طباعة كتب) ضمن موازنة المؤسسة من قبل الجهات العليا المرتبطة بها، وربما شمل هذا الإجراء بقية المؤسسات المعنية بطباعة الكتب العلمية في عموم العراق.

 ليس مهماً بالنسبة لي عدم طباعة الكتاب من قبل هذه المؤسسة لأنني أحلته الى دار نشر وهو في مرحلته الطباعية الاخيرة الآن، ولكنني تكلمت عن هذا الأمر لكي أعطي مثالاً لحالة واحدة وهنالك آلاف المخطوطات التي كانت تنتظر دورها للنشر في مختلف المؤسسات العلمية في العراق قد أوقفت طباعتها ونشرها بسبب وقف صرف الأموال اللازمة لها، وهو أمر مؤلم أن تكون من أولويات سياسة التقشف خفض ميزانيات المؤسسات العلمية والبحثية المعطاءة بدلاً من أن تكون الاولويات لوقف أو تقليص ميزانيات مؤسسات وجهات أخرى لا تزال تعيش حالة البذخ والتبذير على أمور تافهة، وما الحالة التي تطرقت اليها في بداية المقال المتعلقة بتصريح السيد القاضي عبد اللطيف الا خير إلا خير مثال على ذلك، فالمبلغ الضخم المصروف في مجلس محافظة البصرة لشراء وجبات طعام (كباب) لمدة سنة والبالغ سبعة مليارات دينار - بحسب تصريح السيد القاضي- هي تكفي لطباعة ما يقارب 3000 آلاف نوع كتاب في مختلف المجالات، وبواقع 1000 نسخة من كل كتاب، علما انها ليست الوحيدة بل قبل عدة اشهر جرى الحديث ضمن الاعلام عن صرفيات لوجبات طعام تكلف كل منها اكثر من مليوني دينار تنفق بشكل شبه يومي في وزارة الكهرباء..    

نعم، نحن نعيش في منطقة هي الأقل قراءة للكتب في العالم، وهي المنطقة العربية، اذ ان متوسط معدل القراءة فيها لا يتعدى ربع صفحة للفرد سنوياً، وذلك بحسب نتائج خلصت إليها لجنة تتابع شؤون النشر، تابعة للمجلس الأعلى للثقافة في مصر، ففي عام 2003، وبحسب تقرير التنمية البشرية الصادر عن اليونسكو، كان كل 80 عربياً يقرأ كتاباً واحداً، بينما كان المواطن الأوروبي يقرأ 35 كتاباً في السنة، والمواطن الإسرائيلي يقرأ 40 كتاباً، ورغم الفارق الكبير في نصيب القراءة للمواطن العربي مقارنة بالأوروبي، إلا أنه يعتبر أفضل من الوقت الحالي، حيث تراجع إلى ربع صفحة فقط، وهو معدل كارثي.

إلا أن العراق كان يعد قبل عقود طويلة من بين أكثر البلدان التي تقرأ، فمقولة (القاهرة تكتب، وبيروت تطبع، وبغداد تقرأ) لا تزال ترددها الالسن وتؤمن بها العقول.

نعود الى كارثتنا، لنختم بالقول: من هو المسؤول في بلدنا عن وقف صرفيات الكباب لصالح طباعة ونشر الكتاب، هذا إذا ما وجدنا أحداً يقدر ويفهم قيمة العلم والثقافة والكتاب في زمن نرى فيه العجب العجاب.

 

د. وليد كاصد الزيدي

 

 

في المثقف اليوم