تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

قضايا

رهوينغيا اركان.. رؤية مغايرة

في فترة بسيطة خلال شهري أغسطس وسبتمبر، تلقى اكثرنا الكثير من الرسائل، تحفزنا دينيا، وتوجهنا نحو احداث العنف التي اندلعت في إقليم اركان في بروما او ميانمار، وصلتنا شعارات تحمل هاشتاج #بورما_قضيتي، كثير من الصور العنيفة، الفيديوهات الدموية، المقالات الباكية، تصرخ كلها يا مسلمون انقذوا اخوانكم في بروما . الكثير من الرسائل تحمل التنديد، والشجب للصمت العربي، الدولي، لماذا هذا الصمت أيها الانذال ؟، انظروا ماذا يرتكب البوذيون من مجازر بحق اخوانكم في بورما . من هنا كان اختياري الحديث عن هذه القضية بعد توقفي عن مقالاتي هنية .

أولا وقبل ان ابدأ أؤكد انني لن اتخذ من #بورما_قضيتي . دائما اكرر يجب ان نترفع عن النقاش العاطفي في قضايا إنسانية، لان الاندفاع العاطفي سيؤدي الى اضرار بالقضية، او جعلها سهلة الاختراق، ومتى اخترقت استطاع الطرف المضاد ان يستفيد منها لمصالحه، وتضيع المصلحة الأساسية من هذه القضية، هذا ما كان في اغلب قضايانا العربية والإسلامية، وتستمر الحكاية . سأسعى معكم في خلال هذه المقال بالبحث في قضية بروما بالتحديد، او بالأصح ماهي القضية التي يجب ان نقف معها؟

1365 minmar

في احدى ولايات الهند البريطانية على خليج البنغال، منطقة تحدها الصين شرقا والهند وبنجلادش غربا، تحدها أيضا لاوس وتايلند و خليج البنغال والمحيط الهندي، عرفت في فترة الحكم البريطاني بـ (بورما) وهي نفس اللفظ الذي يمثل الأغلبية العرقية من البوذيين (بوميين)، حتى اقر المجلس العسكري الحاكم لبروما في 1989 باللفظ البرومي لبورما بدلا من الإنجليزي فعرفت باسم (ميانمار) وكلا اللفظين لنفس المنطقة. تلك المنطقة لها تاريخ طويل ضمن ممالك متعددة شملت مناطق أوسع من مساحتها الحالية، الا ان الشكل الحالي للمنطقة تشكلت تقريبا مع 1784 م مع حكم الملك باداوبيا الذي يعتبر موحد لميانمار، من بين المناطق التي تم ضمها امارة اراكان وما تعرف اليوم بإقليم (راخين) . تم ضم ميانمار للهند البريطانية باسم ولاية بورما 1886 م، يمكن اعتبار هذه بداية المشكلة، كما يراها الطرف الحاكم في ميانمار .

 1940 م استعان الرفاق او جيش تحرير بروما باليابان لمساعدتهم في التحرير، هذا ما جعل من ميانمار منطقة التحام بين القوات المتحاربة في الحرب العالمية الثانية، و لذا رغم ان بريطانيا كانت تعد العدة لتسليم السلطة في ميانمار 1938 م، أدى هذا الحادث أدى الى استمرار ضمها كمستعمرة حتى 1948م، خروج بريطانيا لا يعني ان الأمور سلمت للاستقرار، فقد بدأت سلسة من الحروب الأهلية، ابتداء من جماعات التأييد لبريطانيا ضد جماعات اتلأييد لليابان . الدولة التي تم تشكيلها كانت (فيدرالية) / الا انها كانت حمالة مشكلة عميقة عن المواطنة ومن يحق له ان يكون مواطنا برومياً، هذه الإشكالية سببت تحول الحروب الاهلية المتنوعة بين الأطراف الى حروب عرقية وعنصرية ودينية، مجموعات مسيحية، مسلمة، بوذية، استمر الصراع الأهلي . في ظل غموض أي معلومات يمكن الاستناد اليها لتقرير ما الذي حدث الا ان الصورة اتضحت مع استلام الحكم العسكري 1989 م، الذي اقر اسم ميانمار بدلا من بروما، ثم بدأ يصف من لهم الحق في المواطنة، وعندها برزت المشكلة بشكل أوضح، اقر المجلس العسكري القومية البورمية وديانة تيرافادا البوذية للبلد، وتعزز موقفه اكثر بعد الاحداث التي تعرض لها البوذيون في أفغانستان من قبل طالبان، التالي لم يغير منهجه من ان كل اقلية لا تنتمي للبروميين دخيلة، او مهاجرين غير شرعيين، او بدون ! . من أولئك الأقلية الصينية، الا ان الصين الشعبية بما تمتلك من تدخل استطاعت أن تؤثر مع مصلحة القومية الصينية في ميانمار، أيضا استطاع المسيحيون ان يكونوا جزءا من النسيج، ربما لان اغلبهم من البورميين . بدأت إشكالية الأغلبية المسلمة في اراكان (الرهوينجا)، حيث لم يعترف المجلس الا بـ 4 % منهم باعتبار انهم من العرقية، حيث يؤكد الرهوينغيا انهم يمثلون 20% من البلد، واعتبر الراخين الأغلبية في (اراكان) ولذا تم تغيير اسم اراكان الى راخين، اغلبيتهم من البوذيين، فهو يعترف فقط باقل من المليون ونصف من المسلمين، والبقية يعتبر انهم نقلوا الى البلد ابان الحكم البريطاني، هذه الأغلبية المسماة (رهوينغيا) او الرحمانيون حسب تفسير البعض لهذه الكلمة، هذه الأغلبية حرموا من التعليم، من الجنسية،من كل حقوق المواطنة او الإقامة، واستمرت معاملتهم كـ (بدون). اذن صارت الصورة أوضح، هؤلاء لا يمتلكون تعليما جيدا، وبالتالي لا يعرفون عن دينهم سوى كونهم مسلمين، اذن الإشكالية الأساسية هنا ان الحكومة العسكرية صنعت (عنصرية) نتنة، ظلت تنمو حتى مرحلة الإصلاحات الدستورية، والانتقال الديمقراطي 2010 م، كان هناك امل بأن الأمور ستؤول الى تقدم ورخاء . صيحة الراهب البورمي آشين ويراثو المتعصب ضد الإسلام و الرهوينغيا، أنه يعتبر المسلمين كالاسماك التي تتكاثر بسرعة، حيث يوما ما سيجد ان المسلمون هم الأكثرية وسيصبح البوذيون هم الأقلية وهم اهل البلد، وربط بأن كل المشاكل في العالم ناتجة عن عرقية وعقلية المسلمين . جاءت العبارات بشكل صادم أيضا من حاصدة جائزة نوبل للسلام (1991) وهي تستحقها ذاك الوقت، حيث اشارت الى أنها لا تعلم ما إذا كان من الممكن اعتبار الروهينغيا مواطنين بورميين ؟ . اذن ما ان جاء العام 2012 حتى اندلعت موجة العنف، من قبل القومية الراخين ضد القومية الرهوينغيا تطالبهم بمغادرة البلاد، ولان موجة النزوح لم تكن الأولى ولم تكن الأخيرة، كانت بانغلاديش الملجأ الأول، منها من ناله نصيب الهجرة الى الخليج، وامريكا وغيرها، الا ان الأغلبية العظمى في بانجلادش . كالعادة العرب يتقدمون الميدان في العمل الخيري، وصك الملك عبدالله رحمه الله تعالى خمسين مليون دولار لرعاية النازحين . الا انه لا احد اهتم كيف يعالج قضيتهم، ربما محاولة غير مكتملة قادتها لجنة اممية شكلها كوفي عنان، وما فعلته تهدئة. وما زال الجمر تحت الرماد، فالحلول المؤقتة مؤقتة .

مرت احداث 2012 الا ان العنف والعنصرية ضد الرهوينغيا لم ينته ابدا، وجاءت رسالة الظواهري 2014 (لم ننس ميانمار)، ليبرز اسم جماعة اليقين او جيش تحرير اراكان، ظهوره كان في بلاغات الحكومة، ضد من تسميهم جماعات إرهابية تستغل الوضع المضطرب في الولاية. حادث جديد يؤكد القضية العنصرية 2015 اندلعت مواجهات كادت ان تؤدي لاضطراب الحدود الصينية الميانمارية، انفجر الصراع بين القوات الحكومية وجماعة "كوكانج" العرقية الصينية في ولاية شان، فر على اثرها اكثر من 40 الفا الى الحدود الصينية . ربما هذا الملف تم معالجتها كما يبدو سريعا مع الصين، الا ان العنصرية لم تعالج بعد . ها هي الاحداث تندلع من جديد 2017 ضد الرهوينغيا، وموجات النزوح تتضاعف بلا توقف .

للترويج لهذه القضية، يستخدم شيوخ وافراد ومجموعات، صورا تعرف بحجم المأساة في هذا البلد ضد المسلمين، للأسف كل او اغلب الصور ليس لها علاقة بالموقع او القضية، ولا افهم ماذا نستفيد من تناقل مجموعة من الصور الدموية والمستفزة، هل يعتقد من ينشر الصور ان (العرب) سينشدون (وامعتصماه) وتتحرك جيوشهم لنصرة المسلمين في ميانمار . بالتأكيد لن يحدث، واذن من يستفيد من تشويه صورة القضية لأبناء الروهينغيا . لن يستفيد منها الا عدوهم . دعوني امر على بعض التساؤلات التي مرت معي في تلك المراسلات:

اين القاعدة وداعش من كل هذا؟

- اصبح الموضع للقاعدة وداعش واضحا للجميع، انها جماعات بغض النظر عن خفايا أعضائها، يحصلون على تسهيلات من حكومات ومخابرات كبرى للتحرك واجتياز الحدود، ليس لهم ان يتحركوا الا بتصريح، ربما البعض يتذكر او يعرف عن حرب الشيشان وهي احدى الدول التي سعت للاستقلال بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، الا ان موسكو لم ترغب في استقلال هذا البلد عن الاتحاد، واستمرت الحرب، وظهر رجال القاعدة في صفوف مقاتلي الشيشان، وفجأة اختفوا عن المشهد، واستقرت الشيشان محافظة على ارثها وقوتها كدولة ضمن الاتحاد الروسي وانتهى الصراع . رغم ان السوفيت في فترات مضت، سعوا الى الغاء الميراث الشيشاني او اذابته الا انه صمد وبرز وازدان، ها هي اليوم لم تغير حتى مذهبها الصوفي التي تعتز به، وتدافع عنه ضد أي مذاهب قادمة اليها من الجزيرة العربية . ربما تشبه القضية الشيشانية القضية الرهوينغيا، الا انها تختلف في ذات الوقت فليست نقطة تقارب، فانتشار الجهل، والفقر، والمرض، يجعل من الوضع في رهوينغيا حالة عصية ومستعصية .

تحركات العالم الغربي تجاه القضية؟

- أولا (غير المسلمين) من المجاهدين الصحفيين الذين بدأوا في نقل الصورة الظلامية، والتي بهم صنعوا قضية رأي عالمي، ومن خلالهم وصلنا خبر ما يحدث في اراكان، هذا التحرك الأول، الثاني السياسي الغربي، لن يتحرك الا ان كانت هناك مصالح تمسه او تتعلق بدولته او شعبه، الا انه يخشى غضب الرأي العام، لذا تحرك الغرب اول من تحرك ضد هذه القضية، وسعيا للوصول الى حلول مؤقتة، ربما الاطالة، المساومة، الا انهم لن يصنعوا حلولا كاملة بدون ان يكون هناك من يتحمل كلفة الحل، فلكل حل كلفته، بالتالي علينا إعادة النظر في الامر بدقة، الإشكالية ليست لديهم وانما لدينا . من يتحمل كلفة الحل .

اين المسلمون والعرب؟

- لن يرفع المسلمون صوتهم و صياتهم الا على بعضهم البعض للأسف، لن يغيب عن البال قضية (فلسطين) التي يستخدمها سياسيو العرب في كل شاردة و واردة، الا انهم لن يقدموا حلا، او يفرضوا حلا، كل قضية جديدة سيتم بهرجتها لصناعة رأي عام في بلدانهم فقط، وللأسف يعتقد حكام العرب تحديدا، ان شعوبهم مغفلة او لا تقرأ، ولا تعلم (عبيطة!) او ربما لا يعنيهم الامر، لذا يستمرون في الكذب فقط، حتى اذا حلت القضية، تصايحت قنوات الدولة الغنية منهم، بأن مولانا حفظه الله كان الداعم الأول، بل الوحيد في حسم القضية وإعادة الحقوق لأهلها، لن ادندن كثيرا، قضايانا كثيرة، ان استطاعوا حسم واحدة منها فسنقول لهم اليكم التالية، انهم مشغلون بقضية أعظم اهي خلافة قريش ام غدير الإمام . ولا حول ولا قوة الا بالله . الامر الآخر ان كان العرب انفسهم، الذين يعيش بينهم البدون، بل لا يعترفون بعرب عاشوا بينهم سنوات، وسنوات، منهم من لا يعرف انتماءه الا الأرض التي ولد فيها، فجأة يقال له (انت مغترب - ارحل)، فاقلها لا نقول يعطى الجنسية وهي حق، بل إقامة دائمة له ولبنيه . احبتي لا زالت دول عربية تتعامل بنظام العبودية تحت مسميات كالكفيل، الوجع عظيم ...

دعونا من هذا ولنعد للقضية (رهوينغيا اراكان) ليست لأنها قضية مسلمين وكما ذكرت معرفتهم عن الإسلام، لا تتعدى الطفل الامي الذي يعرف من ابويه انه مسلم، فهي قضية إنسانية يتعرض فيها مجموعة من الناس للتنكيل والاذلال والطرد، من بلادهم التي لا يعرفون غيرها الى بلاد يقال لهم هذه بلادكم عودوا اليها، اننا نحتاج الى الادراك الذي وصل اليه نيلسون مانديلا في حربه ضد المحتل الأبيض بدلا من محتل الى شريك وطن الى: نحن شركاء في الوطن فأوقفوا التمييز العنصري .

 في الصفحة الرسمية للاركانيين (http://www.arakanonline.com) هم لا يتحدثون عن رغبتهم في الاستقلال، قدر تحدثهم عن رغبتهم في الحصول على الانتماء للوطن، انه حق يبحثون عنه، انه الانتماء وهو حق من حقوق الانسان التي اقرتها الأمم المتحدة :

(الحق في الجنسية حق من حقوق الإنسان الأساسية. وهو يعني حق كل فرد في اكتساب جنسية وتغييرها والاحتفاظ بها.)

لذا قلت في بداية مقالي لست مع بورما_قضيتي، فالقضية ليست بورما، وانما، حق رهوينغيا اراكان في المواطنة والأرض والانتماء، فقضيتهم تتمحور حول حرمانهم من الحق في المواطنة، وكل النقاشات اليوم تدور مع الحكومة في عودة النازحين الا ان الحكومة تقول انها ستقبل عودة من يحملون بطاقات هوية، وبالتالي فلن يعود الا من منحتهم الحكومة الجنسية من قبل، وبالتالي لن يعود احد، فمن يحمل الجنسية قد غادر الى دول أخرى ليعمل بها بعيدا عن التعصب في بلده، لن تكفيهم المعونات، ولا ينبغي ان تكرر مأساة، التغريبة الفلسطينية، لا تصنعوا مأساة تستمر عشرات السنين، الحل اما بمواطنة لكل أبناء اراكان، او توطين أبناء الرهوينيغيا، او تأسيس دولة على حدود إقليم اراكان . اما اليوم يطلب او يستجدى غدا، واغنية حدود 67 وعودة اللاجئين .

 خلاصة كل ماساتهم انهم بحاجة لوطن، فهل من المانيا ثانية تستقبل أبناء الرهوينغيا، ام ان الفقراء لا مأوى لهم .

اصلح اللهبالكم، محبتي الدائمة

 

احمد مبارك بشير

 

 

 

في المثقف اليوم