قضايا

شهادات لمفكرين غربيين بحق رسول الإنسانية محمد (2)

jafar almuhajir2بسم الله الرحمن الرحيم: (ياأًيّها الناسُ قًدْ جاْء كمْ بُرْهانٌ مِنْ رَّبٍكُمْ وَاَنْزَلْنا إٍلَيْكُمْ نوْرأ مُبيْنا.) النساء-174

غوته وجوهرته الخالدة (الديوان الشرقي للمؤلف الغربي)

قال أمير البيان العربي الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام:

(وأشهد أن لاإله إلا الله، شهادة ممتحنا إخلاصها، معتقدا مصاصها، نتمسك بها أبدا ماأبقانا، وندخرها لأهاويل مايلقانا، فإنها عزيمة الإيمان، وفاتحة الإحسان، ومرضاةُ الرحمن، ومدحًرُةُ الشيطان، وأشهد أن محمدا عبد ه ورسوله، أرسله بالدين المشهور، والعلم المأثور ‘ والكتاب المسطور، والنور الساطع، والضياء اللامع، والأمر الصادع، إزاحة للشبهات، واحتجاجا بالبينات، وتحذيرا بالآيات، وتخويفا بالمثُلات، والناس في فتن انجذم فيها حبل الدين، وتزعزعت سواري اليقين، واختلف النجر، وتشتت الأمر، وعمي المصدر، فالهدى خامل، والعمى شامل) نهج البلاغة ص33

(تعليق وفهرسة الدكتور صبحي الصالح)

ونبي وصفه ربه سبحانه وتعالى بأنه على خلق عظيم وبعثه نورا أزليا للبشرية لابد أن يستثير الهمم العاشقة للنور، والعقول الباحثة عن النعيم الأزلي، والنفوس المتعطشة للطهر والنبل والصفاء والعصية على التلوث الفكري مهما بعدت المسافات، وتوالت العصور، وأحد هذه النفوس المتعطشة للنور، والمتأثرة بعظمة القرآن الكريم، ونبوة رسول البشرية محمد ص هو المفكر الألماني والشاعر والأديب الكبير (يوهان فولفغانغ غوته.)

johann wolfgang von goethe

 لقد كتب غوته أجمل القصائد والعبارات عن القرآن الكريم والرسول محمد ص. وقصيدته الخالدة بحق النبي محمد ص رد بليغ آخر على أعداء هذا الدين الطاهر المتكامل الشامل الذي يحمل في محتواه كل عناصر الخير والمحبة والصفاء، وسرالبقاء. 

نبذة تأريخية عن غوته:

ولد غوته في 28 آب عام 1749 م في مدينة فرانكفورت التي تقع على نهر الراين وهي من أقدم المدن الألمانية وتعتبر مركزا كبيرا للتجارة والمال. وتوفي في 22 مارس 1882م، وقد بدت عليه علائم النبوغ والذكاء الحاد وهو في بواكير صباه فاستطاع أن يكتب بأربع لغات أجنبية عدا لغته الأصلية ولما يتجاوز الثامنة من عمره.

ترجم غوته من التوراة (نشيد الإنشاد) وعكف على دراسة القرآن فقرأه في ترجمة (هيجرلن) عام 1781 ثم قرأه مرة أخرى في ترجمته اللاتينية التي قام بها (ماراتشي) وأعجب به كل الإعجاب وترجم منه آيات . ومن هنا بدأت عنايته بالأدب العربي فقرأ (المعلقات) في ترجمة (جونز اللاتينية).

إن الكتابة عن شاعر ألمانيا وفيلسوفها ومفكرها ومؤرخها غوته متشعب وواسع ولا يخلو من خطورة، لكنه في نفس الوقت ممتع وشيق ومبهر وهو موسوعة عجيبة قلما يجود بها الزمن، فقد ألف الروايات والمسرحيات والملاحم والكوميديات والتراجيديات والدواوين الشعرية والمذكرات الفلسفية، والرسائل العلمية مايضيق المجال لذكرها ولم يدع نوعا من الأنواع الأدبية إلا عالجه، وتفوق فيه، وأنشأ من الثقافة الألمانية والثقافات الأخرى جسورا قربت بعضها من البعض الآخر وشجع التفاعل والتبادل بينها فبوأ الأدب الألماني بما جاد به قلمه مكانا عليا فكان لايكتب لنفسه ولا لقومه فحسب بل كان يكتب للبشرية جمعاء، وكان بحق إنسان الإنسانية قبل أن يكون مواطنا ألمانيا ومن أهم كتبه (فاوست) ويليه في الأهمية (الديوان الشرقي) و(آلام فارتر) و(أيجمونت) و(من حياتي) و(تاسو) و(نزوة العاشق) و (الشركاء) و(الأنساب المختارة) و (الحقيقة والخيال) في ثلاثة أجزاء وغيرها الكثير وقد تناولت الباحثة (كاترينا مومزن) في كتابها القيم (غوته وألف ليله وليله) وأوضحت إن أم المفكر الكبير كانت تقص عليه في صغره قصصا من ألف ليلة وليله وكانت تتبع طريقة شهرزاد في التشويق حتى انطبع الشاعر منذ نعومة أظفاره بـ (الطابع الشهرزادي) فلم يفارقه فيما بعد أبدا وهذه نتيجة بالغة الأهمية .)

والذي يهمني في هذا البحث هو الكتابة عن ديوانه المعروف (الديوان الشرقي للمؤلف الغربي) الذي ينقلنا من خلاله إلى مساحات إنسانية واسعة في أجواء الشرق، وعالم الرؤى الخضراء،عالم دين الفطرة الإسلام ونبي الإسلام محمد ص . هذه العوالم الإنسانية النقية الدافئة المشرقة التي أخذت بلب هذا الفيلسوف والمفكر والشاعر العالمي فامتزج بها إمتزاجا روحيا أخاذا يفوق التصور وعبر عنها من خلال هذا الديوان العظيم الذي رأى النور في عام 1814م والذي يظهر فيه تأثره الكبير بالقرآن والإسلام، وأفكار الشاعر الفارسي العرفاني (حافظ الشيرازي.) رغم المسافة الزمنية الطويلة بينهما والتي تقدر بأكثر من ثلاثة قرون حيث ولد شمس الدين حافظ الشيرازي في مدينة (شيراز) مدينة العلم والثقافة والعلماء عام 1315م وتوفي عام 1390م ومعظم أشعاره في المناجاة الإلهية والعرفان والغزل وقد دخلت تلك القصائد إلى قلب غوته وروحه وكتب عنها أجمل الرسائل والتعليقات وخاطب حافظ بكلمات حية رقيقة دافئة وقال عنه (ليس كمثل حافظ أحد) وكأنه عاش معه كل دقائق وأسرار حياته حيث يخاطبه في ديوانه قائلا:

أي حافظ! إن أغانيك لتبعث السلوى.

إبان المسير في الشعاب الصاعدة والهابطة .

حين يغني حادي القوم ساحر الغناء.

وهو على ظهر دابته.

فيوقظ بغنائه النجوم في أعالي السماء .

ويوقع الرعب في نفوس الأشقياء .

ويكتب في مذكراته سنة 1815م:

(إستطعت أن أحصل على ترجمة (فون همر) لديوان حافظ كله وقد أثرت مجموعة أشعاره في َّ تأثيرا قويا وعميقا حملتني على أن أنتج وأفيض بما أحس وأشعر لأني لم أكن قادرا على مقاومة هذا التأثير القوي على نحو آخر . لقد كان التأثير حيا قويا فوضعت الترجمة الألمانية بين يدي ووجدت نفسي أندفع إلى مشاركته في وجداني وإذا بكل ماكان كامنا في نفسي يشبه مايقوله حافظ سواء في موضوعه وفي معناه يبدو ويظهروينبعث مني بقوة وحرارة .)

فيخاطبه مرة أخرى بهذه الأبيات العذبة الأخاذة الآسرة وكأنه يعيش معه لحظة بلحظة:

قل لي يامحمد شمس الدين .!

لم سماك شعبك المجيد حافظ؟

حافظ !

لإني دائم الذكر للإرث المبارك العظيم.

وبتقواي ووعيي.

أحمي نفسي وأصون.

من عوادي الدهر الغشوم.

كنز مبعوث كريم.

سموني حافظ الذكرالحكيم.

لقد نفذت روح الشرق في أعماق غوته واتحدت بكل عنصر من عناصره فتفاعلت رؤاه تفاعلا قويا تمخض عنه هذا الأثر الرائع والخالد (الديوان الشرقي للمؤلف الغربي) الذي طفح بالصور الوجدانية التي تجسد الحياة العربية في ظل الإسلام وبأقوال وأوصاف ونماذج ثرة وغنية ومتدفقة من سور القرآن الكريم والأفكار العظمى التي حملها نبي الإنسانية وهاديها ومنقذها محمد بن عبد الله ص للعالم.

لقد اعتبر العديد ممن ترجموا الديوان الشرقي وأهمهم الدكتور عبد الرحمن بدوي بـ (أنه أعظم وثيقة عَبَرً بها غوته إلى الشرق وعاش سماحة الإسلام،وعبّر بحسه الرقيق المرهف، ووجدانه المتألق، عن عظمة كتاب الله، واعتناقه فلسفة وحدة الوجود Pantheism)) التي تتلخص بوحدة الكون والألوهية بعبارة القرآن (وسع كرسيه السماوات والأرض)، و (لله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثمة وجه الله إن الله واسع عليم .)فيقول في إحدى المقطوعات من الديوان :

لله المشرق.

لله المغرب.

هو الواحد الأحد العادل.

يأمر بالعدل.

فتهجدوا بهذا الإسم من أسمائه الحسنى.

وارفعوه مكانا عليا آمين.

يريد الغبي أن يضلني.

ولكنك يارب تهديني.

فأسألك لي سواء السبيل.

وأحمد الله في العسر.

وأحمد الله عندما

يجعل بعد العسر اليسر.

لقد كتب غوته قصائده في الديوان الشرقي بتأثير إسلامي وبفهم موضوعي عميق. حتى القصص التي وجدت أصولها في المسيحية ووردت في القرآن لم يشأ غوته أن يأخذها من أي مصدر آخر كقصة أهل الكهف، وقصة النبي إبراهيم والنبي سليمان والنبي عيسى والنبي موسى ع وغيرها من القصص القرآنية واعتبر الإسلام هو الدين المميز للشرق ودستوره القرآن أنزله الله على نبي الإسلام الأعظم محمد ص إنه الكتاب الوحيد في هذه الدنيا الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وهو القائل عبارته المعروفة :

(إذا كان الإسلام معناه التسليم لله فعلى الإسلام نحيا ونموت .)

ويصف غوته القرآن فيقول :

شاهدت بدهشة وسرور.

ريشة طاووس في القرآن.

فمرحبا بك في هذا الموقع المقدس.

ياأثمن كنز على الأرض.

فيك وفي نجوم السماء.

تدرك عظمة الله من الأمور الصغيرة.

فهو ينظر إلى العوالم.

وعينه متركزة هنا.

ونظم غوته رباعية ضمنها كلمات من سورة الفاتحة قائلا فيها :

يريد الضلال أن يضللني .

ولكنك تعرف كيف تهديني.

فإن سلكت، أو نظمت شعرا.

فاهدني الصراط المستقيم .

وهذه رباعية أخرى من هذا الديوان الخالد حيث ضمنها غوته الآية 97 من سورة الأنعام:

(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۗ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ.)

فقال :

هو الذي جعل لكم النجوم.

لتهتدوا بها في البر والبحر.

ولكي تنعموا بزينتها.

وتنظروا دائما إلى السماء.

ومن عقيدة التوحيد القرآني ينطلق للكتابة عن سيرة الأنبياء فيقول:

لقد اختار إبراهيم سيد النجوم.

إلها لنفسه.

وموسى في تيه الصحراء.

صار عظيما بفضل الواحد الأحد.

كذلك داود.

إستطاع أن يبرئ نفسه بقوله:

لقد عبدت الواحد الأحد.

وهو ينفي صفة الألوهية عن المسيح ع أو الإعتقاد القائل بأنه (إبن الله) منطلقا من الآيتين الكريمتين :

(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۖ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۖ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ.) المائدة-72.

(وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ.) التوبة -30.

حيث يقول:

ويسوع كان ظاهر الشعور.

ولم يؤمن في أعماقه.

إلا بالله الواحد الأحد.

ومن جعل منه إلها.

فقد أساء إليه .

وخالف إرادته المقدسة.

وهكذا فإن الحق.

هو مانادى به محمد.

فبفكرة الواحد الأحد.

ساد الدنيا بأسرها.

وتبلغ قمة الوجدانية والحضور المحمدي في نبراته الشعرية حين يحتفي بحوار ثنائي بين الزهراء البتول وزوجها الإمام علي ع يناجيان فيه سيد البشر محمد ص حيث يقول :

علي وفاطمة.

في صوت واحد إلى أبيهما.

ذلك البحر العظيم الذي ينتظرهما.

ليضمهما إلى صدره.

وهو يسمو زاخرا بالفرح العظيم.

وحين بلغ السبعين من العمر أعلن عن رغبته بأن يحتفل بخشوع بليلة القدر التي نزل فيها القرآن .!

وقصيدته بحق رسول الإنسانية ص والتي سماها (أغنية محمد) تمثل إبداعا شعريا رائعا في وصف شخصية النبي العظيم محمد ص، وهي تتحدث عن جسامة مسؤولياته الإلهية الكبرى في إنقاذ البشرية من الظلم والظلام، حيث نشر الإسلام وتعاليمه السمحاء في كل بقاع الأرض بالحكمة والموعظة الحسنة والإقناع والدليل لا بالسيف والقوة والبطش كما يصور أعداء الإسلام ونبيه الكريم ص وقد رغبت أن أختم بها بحثي الفقير هذا عن هذا المفكر والفيلسوف العالمي وجوهرته الخالدة (الديوان الشرقي للمؤلف الغربي) والذي يحتاج إلى مئات الصفحات لإعطائه حقه. وإني أدرك تماما بأن غوته وعوالمه أكبر من أن يتناوله بحث بسيط كهذا الذي أدونه هنا وقصيدة (أغنية محمد) أو (نشيد محمد) عبرة لأولي الألباب، وتذكرة لكل ناكر وجاحد لعظمة نبينا محمد ص ورسالته الإنسانية الكبرى . والقصيدة تعتبر بحق جوهرة داخل جوهرة بروعتها وانسيابيتها، وفحواها الإنساني حيث يصل غوته إلى ذروة القصيدة واشتعالها وعنفوانها في المقطع الأخير الذي يملأ النفوس المؤمنة بالإسلام طمأنينة وزهوا وسموا، ويدمغ كل من تطاول على شخصية النبي العظيم المشرق بالنور الأزلي والقصيدة بوحدتها الموضوعية لوحة فريدة الصور تتناول صفات الرسول الأعظم المثلى ص .

(أغنية محمد)

نظرة إثر أخرى.

بملء السنى والسكينة ماضية.

نحو كل الينابيع.. حتى كأن سناها.

اسارير نجم دنت من ثنايا السحاب.

هكذا راح يبعثها.

نظرة نظرة.

يا صباه الذي كل روح الهية

أودعت فيه مرضعة

جل آمالها.

في مدى كل حزن بعيد هناك.

وهو في الغار مرتحلاً-

إذ يفر وحيداً إلى الله-

عن أعين الآخرين.

يالهذا الفتى.

هابطاً من عروش السحاب.

وكالموج، في عنفوان الشبيبة، مسترسلاً.

فحتى إذا ما استقلت خطاه.

صخوراً من المرمر انبسطت في مداه.

راح يلهج بالحمد ثانية.

نحو باب السماء.

خطوة خطوة

يا لمعراج روح وقلب معاً في اتحادهما.

نحو اعلى سماوات.

وهو يعرج من ردهة في العلا.

يسابق مدّاً موشّى من الكائنات الصغيرة .

ماض

وفي خطوة الملهم الفذ

من منهل واحد للأخوة ها إنه .

يترع القلب نخب الأخوة كأساً فكاساً .

ويمضي بها .

خطوة إثر أخرى.

فترفض زاهية إثرها واحة من زهور.

ويخضل حباً بانفاسه.

كل مرج على الواد.

خطوة خطوة.

ليس من لوحة للسكينة إلا وراحت

تميس بافيائها نحوه.

إنما..

لم تكن - إذ يمر - ليتسع الفيئ منها إحتواء له.

لا ولا وردة.

وهي تمضي معانقة منه كل الخطى.

أن تملقه في عيون المحبة زلفى إليه.

إذا

فليكن سيره انجماً يستدل بها

نحو كل البلاد.

خطوة خطوة

والجداول جذلانة ذاب في لحنها كل لحن.

لكم تشتهيه إئتناساً.

وأنفاسها في دلال الناغية .

وهو ماض بزهو اللجين اليها.

الى كل ماء وارض..

الى حيث كل البلاد..

بملء المدى راح يزهو..

فيزهو به كل ماء وأرض

وكل البلاد.

جداولها في الجبال

وانهارها في السهول ..

احتفاء به.

كلها اجمعت زهوها.

في هتاف الزغاريد صوتاً سخياً.

الا أيها الترب.. يا ترب ارواحنا .

خذ بنا إخوة.

نحو منهلك العذب،

ذاك المحيط الذي لا يزول .

الذي في ذراعين مفتوحتين

لا زال ينظرنا من دهور.

كانهما في انتظار هنالك مفتوحتان.

جل شوقهما الآن ان يحتوينا عناقهما .

قم.. فسافر بنا!!

آه إن الرمال استشاطت بصحراء قاحلة.

تنهش الأرض من تحتنا.

والشموس هوت فوقنا.

تستجم وترضع من دمنا.

وتلالا تحول بنا والوصول.

نحو ذاك المحيط..

آخانا.

اليك الأخوة من كل سهل.

ومن كل فج عميق.. فخذنا.

اصطحبنا الى حيث تلقى اباك!!

صرخة إثر أخرى.

(لتأتوا جميعاً!)

يقول الفتى في حماس العظيم (جميعاً!)

فيا للفتى.

كان جيل من الناس يهتاج في قلبه .

وشموخ يطال السماء ارتقاء.

على كل ملك.

بعيداً .. بعيداً هناك.

ثم في ظفر تلوه ظفر.

راح يعطي لكل البلاد البعيدة اسماءها.

والمدائن.

كل المدائن تأتيه صاغرة.

تحت أخمصه.

كلما راح يمضي هناك.

صرخة إثر أخرى.

فكانت بيوت من الارز ترفع محمولة.

فوق اعناق من شاءهم .. يرحلون بها كل أرض.

يهبون يسرون من قلبه.

والبيارق.

آلاف آلاف تصطف عبر الهواء.

تسافر سامقة عنه في كل شبر.

تشير اليه عظيماً.

عظيماً.

محمد .

صرخة صرخة.

هكذا

كان يحمل في قلبه .

كل ماء على الارض..

كان يحمل اخوته .

كان يحمل خيراته.

كان يحمل ابناءه.

موغلاً

نحو نور السموات والارض.

في فرحة غامرة..

بعد 177 عاما على وفاة المفكر الكبير غوته إنشغل الباحثون عن سيرته وعلى شفاههم يتردد السؤال الكبير هل اعتنق غوته الإسلام بعد كل هذا الدفاع الفكري العظيم عن القرآن ونبي الإسلام محمد ص؟ وقد نسب إليه أحد الباحثين بأن غوته كان يصوم رمضان، ويتلو القرآن ويصلي، ويعتكف في العشر الأواخر من رمضان، ويحتفل بليلة القدر، كل هذا يرد في باب التساؤلات، ولا يمكن إصدار رأي قاطع فيه . لكن من البديهي القول إن غوته قدم خدمات جلى للإسلام، ودحض الكثير من الأضاليل التي شنها ويشنه أعداء الإسلام ضد رسول الإنسانية الأعظم محمد بن عبد الله ص.

الكلمات الأخيرة لغوته:

في آب عام 1831م كانت الحفلة قد أعدت من أجل ميلاد شاعر ألمانيا ومفكرها الأكبر غوته . وفرارا من هذه الحفلة ذهب غوته إلى الميناء ليقضي مدة يسيرة ريثما تنتهي الضجة التي كان لايرغب بسماعها وحين وصل صعد إلى تلك المرتفعات المجاورة وعيناه متجهتان صوب السماء وقد اغرورقتا بالدموع، ونزل بالكوخ الصغير الذي قضى فيه مع أصدقائه أياما سعيدة، وحين دخل الكوخ رأى مكتوبا على جدرانه قد خطها بقلمه منذ سنين وهي :

في ذرى الأطواد صمت شامل.

وسكون غشى الليل الفسيح.

خيم الصمت على الغاب.

فلا طير يصدح فيه.

أو نسمة ريح.

كل شيئ هادئ هنا.

وقريبا ستستريح.

طالع غوته تلك السطور والحزن يملأ قلبه الرقيق المرهف، ووجدانه الحي المتوقد، فاغرورقت عيناه بالدموع مرة أخرى، دموع أثارتها ذكريات قضاها مع أصحابه وكتبه فأطرق مليا وردد السطر الأخير :

وقريبا أنت أيضا تستريح.

لقد اقتربت نهاية الشاعر والمفكر الكبير غوته ففي ظهر اليوم الثاني والعشرين من آذار عام 1832م حيث قضى نحبه في داره ب (فيمار) بعد أن لازم الفراش أياما قلائل وقد دفن إلى جنب صديقه الشاعر الواقعي الكبير (شللر) . لقد مات غوته لكنه ترك خلفه جواهر ولآلئ خالدة هي شهادات حق ناصعة بحق الخالق العظيم والقرآن الكريم ونبي الهدى والرحمة محمد بن عبد الله الصادق الأمين. منطلقا من داخل أمة بعيدة آلاف الأميال عن جزيرة العرب ولم تؤمن بالإسلام منهجا في الحياة وكأن لسان حاله كان يقول لها بالإسلام ستجدون سعادة الدارين أيها البشر في كل أنحاء الأرض . ولم يكن غوته ذباحا، ولا خطيبا طائفيا تابعا لتوجيهات مشايخ وملوك وأمراء البترول تجار العهر والضلالة عربان أمريكا والصهيونية من الذين باعوا دينهم ودنياهم في قصور السلاطين وهم يذرفون دموع التماسيح على الإسلام زورا وكذبا ودجلا في هذا الزمن الرديئ لكنهم يتبارون في حربهم المذهبية التي وضعت الأمة الإسلامية على شفير الهاوية، وتنذر بحرب كارثية مدمرة لاتبقي ولا تذر، وأجزم لو كان هذا المفكر الكبير حيا حتى هذه الساعة لاستنكر تصرفات هؤلاء الوعاظ المارقين أشد الإستنكار، وحشد كل طاقاته الفكرية لفضحهم وكشف نواياهم الخبيثة التي تتعارض تعارضا تاما مع أهداف الإسلام السمحاء ونبي الهدى والتقوى والرحمة والفضيلة والصدق سيد البشرية محمد بن عبد الله ص.

 

جعفر المهاجر.

......................

 مصادر البحث:

1- (الديوان الشرقي للمؤلف الغربي) ترجمة الدكتور عبد الرحمن بدوي / المؤسسة العربية للدراسات والنشر 1980.

2- من مقدمة لمسرحية (تاسو) ترجمة الدكتور عبد الغفار مكاوي بعنوان (لوحة عن حياة جوته وعصره) روائع المسرحيات العالمية / القاهرة 1975م.

3- (غوته طليعة الإنطلاق) لـ(توماس مان) ترجمة يوسف عبد المسيح ثروة / تراجم ودراسات عربيه / منشورات الرواد.

4- غوته حياته وأعماله . للدكتور مصطفى ماهر . القاهرة / 1966م.

5- الشاعر الألماني غوته / مرتضى الشيخ حسين / مجلة آفاق عربيه العدد 11 1976م

6- غوته والعالم العربي ترجمة للدكتور عدنان عباس علي / سلسلة عالم المعرفة العدد 194.

 

في المثقف اليوم