قضايا

اشكالية الروح

اعاصير ومد وجزر وموج يعلوه موج وظلمات فوقها ظلمات وتقلب على الدوام بلا ثبات ولا راحه فالبحر اللجي  خداع شديد الانتقام يعلوه سواد وظلام فلا نور ولا بصركما يقول الله يخرج يده لا يكاد يراها تلك هي تقلبات الروح التي لا تهدأ بأمواجها واعاصيرها وظلماتها ونورها عندما يلوح البدر في الافق تتشعشع الشمس ..

متقلبة يقلب ادوارها العقل والفؤاد والناس والطاغوت والشهوات والدنيا  فتهجع رقدتها وسكينتها فالروح بكل امتداد بحرها الهائل يؤدبها رسول العقل فيجز عشبها ويقص اضفارها ويبكيها على قارعة طريق التأدب فتشقى الروح لجل وقادة عقلها فرحم الله المتنبي حين قال (ذو العقل يشقى في النعيم بعقله واخو الجهالة في الشقاوة ينعم)

ويركنها الى بعض الزوايا القلب فمرة يأخذها الطاغوت في غمار دهاليزه ومرة يخرجها الرحمن الى النور فالله ولي الذين امنوا يخرجهم من الظلمات الى النور والذين كفروا اوليائهم الطاغوت يخرجونهم من النور الى الظلمات 

فهذا البحر الكبير يعيش بين جنبي لا يشاركني في هدوته احد كما في غليانه ايضا ..

لم تترك الروح سدى تهيم على وجهها في الصحراء وتنجرف مع السيول وتسيج مع الاودية فقد رباها من هو اعلم بها منها ومنا فملاء الكتب والرفوف بفلسفات أبياتها وركز في كبكبة جماحها على العقل والقلب فمرة خاطب القلب فقال الذين امنوا تطمئن قلوبهم الا بذكر الله تطمئن القلوب) فالقران العظيم نزل على فؤاد نبي كريم فقال (نزل به الروح الامين على قلبك لتكون من المنذرين) فمكان نزول الهداية الاول هو القلب وباب مدرسة تربية الروح هو القلب فمنها يسير الدرس مسير الدم في الاوردة ومنها يتدفق عشقا وشغفا وانغماسا في الذات العليا التي تدركها الافئدة دون الابصار  (ولقد ذرانا  لجهنم كثيرا من الجن والانس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم اعين لا يبصرون بها ولهم اذان لا يسمعون بها اولئك كالأنعام بل هم اضل اولئك هم الغافلون) فتقدم القلب كما قيل في الدعاء مستسقيا وابل طولك وكيف ترد ضمانا ورد الى حياضك شاربا. فالعين والاذن مدخلان بعد ان يفشل القلب في قيادة عنان الروح الى الهداية وشم النسيم الالهي وهما من مدخلات العقل وهي الجهة العميقة في الفهم والتحليل والاستدراك ولا تعمل الا بمدخلات اعمق من مدخلات القلب الذي يرشف الايمان الفطري دون ان يحتاج الى فلسجة وتحليل وتجزئة وادراك ولهذا فمن يفشل في ايجاد روحه بعد ذلك فما حاله الا كمن شبه بالحمار فقال الحمار لقد ظلمتني . فهذا اضل واحقر مني وهذا الانسان الذي مرغ بروحه وعقله وقلبه التراب ما هو الا غافل!!

فسكان النار ما هم الا الغافلون!!

ومرة خاطب العقل فقال (قل لمن الارض ومن فيها ان كنتم تعلمون سيقولون لله قل افلا تتقون) فهذه البديهية التي يعرفها كل سكان الارض من خريجي مدرسة الانبياء كلهم منذ ادم يعلمون ان الله خالق وهو من ابتدع الارض ومن فيها واوجدها من العدم فما من شيء الا والله خالقه ومالكه وما من ذرة الا الله موجدها واخبر بما فيها ويروى ان احد شيوخ الدين قد اختبر طلبته لكي يعرف الاعلم بينهم فقال لهم ليذبح كل احد منكم طير دجاج في مكان لا يراه فيه احد واتوني بذبائحكم في اليوم التالي فجاء الجميع بذبائحهم الا احدهم جاء بذبيحته حيه ومعه جواب لأستاذه ان لا يوجد مكان لا يراني الله فيه وانت طلبت ان أذبحه في مكان لا يراني فيه احد  اذ لا يخلو مكان من وجوده !!

وروي ان احد احبار اليهود جاء الى الخليفة ابي بكر رضي الله عنه فقال له اانت خليفة نبي هذه الامه؟

فقال له: نعم

فقال له: انا نجد في التوراة ان خلفاء الانبياء اعلم اممهم فاخبرني اين هو الله سبحانه افي السماء ام في الارض

فقال له ابو بكر رضي الله عنه: هو في السماء على العرش

فقال له الحبر اليهودي : فأرى الارض خالية منه واراه على هذا القول في مكان دون مكان

فقال له رضي الله عنه : هذا كلام الزنادقه اعزب عني والا قتلتك

فولى الحبر متعجبا مستهزئا بالسلام  فاستقبله علي رضي الله عنه فقال له يا يهودي لقد عرفت ما سئلت عنه وما اجبت به وانا نقول ان الله عز وجل اين الاين فلا اين له (يعني من اين الاين اوجد الزمان والمكان والحيز والوجود) وجل ان يحويه مكان وهو في كل مكان بغير مماسة ولا مجاور يحيط علما بما فيها ولا يخلو شيء من تدبيره واني مخبرك بما في كتاب من كتبكم يصدق ما ذكرته لك فان عرفته اتؤمن به؟

قال نعم فقال له الستم تجدون في بعض كتبكم ان موسى ابن عمران كان ذات يوم جالس اذ جاءه ملك من الشرق فقال له موسى من اين اقبلت

فقال الملك : من عند الله عز وجل ثم جاء ملك من المغرب فقال جئت من عند الله ثم ملك من السماء السابعة فقال من عند الله عز وجل ثم ملك من الارض السفلى فقال من عند الله عز وجل فقال موسى سبحان من لا يخلو منه مكان ولا يكون الى مكان اقرب من مكان .

فيا رب ملئ كل شيء وجودك وكنت في كل مكان دون ان يمنع عنك مكان عن مكان او ان يحتويك حيز من مكان او زمن او اين او متى او قبل او بعد

ومن بين هذا وذاك خلقتنا  في بيئة فيها اكثرهم جاهلون واكثرهم لا يعقلون وبنتيجة اكثرهم مجرمون ووحوش لا يرحمون وقتلة سفاحون ومردة متشيطنون !

وخلقت لنا الخيل والبغال والحمير والمرسيدس والبورش وما نحن ليس له بمالكين  والمال والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة وحلية مما يلبسون واغدقتها على قارون فنصب نفسه بكل خيلاء فتبطر وتبختر ودغدغتني نفسي  بالنقص لتقول لماذا ليس لي ما لقارون؟

وفرعون بكل الجنود وتحت يده هامان وغيره من الرجال الشداد وفي هذا المشهد وحدثتني ما الفرق بيني وبين فرعون !!

وعندما تتمايل الحسناوات وتضطجع على ارائك مذهبه وتدور حول المكان بكؤوس مذهبه تتمنى علي ان تكون في هذا المكان او لا تكون مع الرشيد هارون !

في هذه المتلازمات والمترادفات والالهيات والشرور الجسام والناس المشيطنون عن اليمين والشمال ومع ملك الحفل الشيطان الرجيم الذي اخرج من النعيم بذنبة العظيم كل هذا في دنيا انا فيها مقيم احمل فوق راسي خبزا يأكل الطير منه!!

فهل سأكون مثل يوسف الحكيم  الملك العظيم الذي سجد عند قدمية المجد والكواكب والشمس والقمر وجعل يتبوا من الارض حيث ما شاء واتى باهله من البدو الى روح الحياة !

فهل تصنع من نفسك يوسف فترفض الدنيا لتعانق المجد كما يقول سيد الحكمة علي ابن ابي طالب (أخرجوا من الدنيا قلوبكم قبل أن تخرج منها أبدانكم ، ففيها اختبرتم ولغيرها خلقتم والدنيا دار المنافقين وليست بدار المتقين ، فلتكن حظك من الدنيا قوام صلبك ، وإمساء نفسك ، وتزود لمعادك)

هذه الدنيا يريد منا من اوجدها ان نترك حابلها على غاربها فهل نغطي وجوهنا بغطاء الجهل الاسود المظلم ان نعمي ابصارنا عن كل دقائق وكبائر الجمال فيها وكيف نقدر وفي دوائرنا شياطين تتراقص وفي دواخلنا عرين شيطان امرد!!

هل نكون علويون ناكل كسر الخبز واللبن ونعطي لضيفنا اللحم والسمن لنعيش يومنا بتقوى الله هل نقدر ان نجالد هذا المحيط المظلم وهذا الكون المتشيطن!!

هذه اشكاليتي العصماء التي تؤرقني فانا رجل كل ما شم عطر جميل مرغ انفه بتراب

حتى اتذكر رحلتي الاخرى التي لا اعرف منها شيء ولا ابطن من اخبارها سمعا تلك الحفرة اراها مخيفه كلما زففت احدا اليها اراها موحشة اذ لا مكان للهرب ولا مكان للنجاة من طبقات الارض اذ التفت وعصرتك ما اشد خوفي وما اشد قسوتي وجبروتي وطاقتي ورجولتي الان !!

 

 

في المثقف اليوم