قضايا

نظرة الإسلام للبيئة

jafar almuhajir2البيئة بتعريفها المبسط هي الأرض ومياهها وغلافها الجوي. ومن خلالها تستطيع الكائنات الحية أن تقوم بنشاطها الطبيعي للحفاظ على بقائها. وكلما كانت البيئة صالحة لوجود هذه الكائنات كلما كانت فيها الحياة أكثر نشاطا وحيوية وسلامة.

 ومنذ بداية القرن العشرين بدأت الدول المتقدمة تدرك أبعاد إعتداء الإنسان على البيئة عن طريق الاستخدام الجائر لخيراتها الكثيرة  الضرورية  للحياة. وأخذت تنظر إلى هذه الأخطار نظرة جدية لإنقاذ هذا الكوكب من التلوث الذي اخذت المخاطر فيه تدق جرس الإنذار. فعينت المختصين  وخصصت الأموال اللازمة لمعالجة الأمر. وتكونت أحزاب سميت باسمها تراقب حالتها مراقبة  صارمة وتعقد الندوات الأسبوعية والشهرية والسنوية في وسائل الإعلام، وتصدر المجلات المتخصصة التي تعالج كل مايتعلق بالبيئة. وقد عقدت مؤتمرات دولية عديدة إبتداء من مؤتمر ستوكهولم عام 1970 وحتى مؤتمر باريس عام 2015 وحظيت هذه المؤتمرات باهتمامات دولية كبيرة ونتجت عنها قرارات هامة دخل بعضها حيز التنفيذ وظل بعضها الآخر ينتظر التطبيق. 

وقد أثبتت التجارب العلمية التي يقوم بها المختصون في مجال البيئة بأن مستقبل الأجيال القادمة سيتعرض لأفدح الأخطار مالم تتخذ إجراءات حاسمة  للحد من خطورة ما تتعرض له الأرض من تلوث خلال الأعوام القادمة.  

فانبعاث الغازات من المصانع ووسائل النقل المختلفة ، والنفايات الهائلة التي تخلفها المصانع. وتلويث مياه البحار والأنهار ببقع البترول الهائلة المتسربة من الناقلات ،والحروب التي تستعمل فيها مختلف أنواع الأسلحة ويحتوي العديد منها على الأشعة واليورانيوم المنضب، وتجريف الغابات والتصحر والجفاف، واستعمال المبيدات في مكافحة الآفات الزراعية ،وانتشار الورش الصناعية بين المدن بصورة  عشوائية، وقلة الموارد المائية  والهدر الحاصل فيها من الأسباب الرئيسية في إرتفاع درجة حرارة الأرض، وتلويث غلافها الجوي وانتشار الأمراض والأوبئة التي تحصد مئات الآلاف من البشر.

وربما يستغرب البعض من هذا العنوان حين يراه لأول وهلة ويقول في قرارة نفسه ماعلاقة الإسلام بالبيئة ؟وهذا ناتج عن ضعف الثقافة البيئية لدى الغالبية العظمى من شعوب المنطقة نتيجة لإهمال حكومات هذه الشعوب لموضوع البيئة . 

ولو أمعنا النظر في آيات القرآن الكريم وبحثنا عن الأحاديث النبوية الشريفه لعلمنا إن الإسلام هو أول الداعين إلى نظافة البيئة. ولا يختلف إثنان في إن الدين الإسلامي هو دين النظافة والطهارة والحفاظ على البيئة. فالنظافة بمعناها الواسع هي نظافة جسم الإنسان وكل شيء حوله حتى أبعد نقطة من هذه الأرض التي سخرها الله  للإنسان والحيوان وغمرها بكنوز وخيرات لاتعد ولا تحصى، وأمر من جعله خليفة عليها بأن يكون راعيا لها،رؤوفا بها  لكي تمنحه المزيد من الخيرات. حيث قال الله في محكم كتابه العزيز:

(وأن تعدوا نعمة الله لاتحصوها)

فالبيئة هي هبة الله الكبرى الزاخرة بالنعم للكائنات الحية منذ أن خلق الله الأرض.   

والإسلام الذي أهتم  ببناء الإنسان روحيا دعاه إلى نظافة جسمه وبيئته   التي يعيش فيها من بيت وشارع ومصنع ومطعم وكراج وجامعة ومدرسة ودائرة وحقل وسوق ومسجد . وجعل  من الماء شرطا لطهارة الجسد والملابس والمكان حيث قال الله في محكم كتابه العزيز:

(وجعلنا من الماء كل شيء حي).

فالماء شريان الحياة على وجه الأرض،ولولاه لانعدمت الحياة من على وجه الأرض خلال فترة قصيرة. والإستخدام الجائر لإكسير الحياة تصيب البيئة بأفدح الأضرار .

 وقد أراد الله أن تكون الأرض زاخرة بالخيرات لساكنيها حيث قال الله في محكم كتابه العزيز:

بسم الله الرحمن الرحيم:

(وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ.)الرعد-4 

(وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾

الأعراف-85.

(وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا ۚ كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ.) الأعراف- 58 .  

(والأرضُ وًضًعًها للأنامْ . فيها فاكٍهةٌ والنًخلُ ذاتُ الأكمامْ . والحًبُ ذو العًصْفٍ والرًيْحانْ) الرحمن- 10-11- 12 .

(وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ.) ق-7 

وقد أقسم سبحانه وتعالى في سورة التين بالتين والزيتون لأهمية  هاتين الشجرتين وثمارهما للإنسان،وقيل إنها من ثمار الجنة.(وقيل التين: هو إشارة إلى شجرة التين التي راح آدم وزوجه يخصفان من ورقها على سوآتهما في الجنة التي كانا فيها قبل هبوطهما إلى هذه الحياة الدنيا. وقيل الزيتون : إنه إشارة إلى طورزيتا في بيت المقدس وقيل : هو إشارة إلى بيت المقدس نفسه وقيل : هو إشارة إلى غصن الزيتون الذي عادت به الحمامة التي أطلقها نوح  من السفينة لترتاد حالة الطوفان . فلما عادت ومعها هذا الغصن عرف أن الأرض انكشفت وأنبتت وقيل الزيتون أشير إليها في موضع آخر بجوار الطور: (وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين). كما ورد ذكر الزيتون : (وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا) .

المصدر :الموسوعة الحرة https://ar.wikipedia.org/wiki 

وقال بعض العلماء أن شجرتي التين والزيتون هما من أقدر الأشجار على تحمل قسوة الطبيعة. وكلما كانت البيئة صالحة للنبات كان إنتاجه  أفضل وبالعكس.  

إن الفساد ليس فساد الأخلاق فقط وإنما يشمل تخريب هذه الهبة الربانية وإيذائها حيث يقول الله تعالى في آية أخرى:

بسم الله الرحمن الرحيم:

(كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ) البقرة-60.

لقد زان الله كل شيئ في هذه الأرض ولم يخلق فيها ما يخل بتوازنها  وأمر الإنسان أن يهتم  بهذا التوازن عن طريق الحفاظ على البيئة.

بسم الله الرحمن الرحيم:

(وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ.)الحجر-19.

فالأرض هي أم رؤوم خلقها الله للبشر لتحتضنهم جميعا على اختلاف لغاتهم وألوانهم وعقائدهم. والشجر والطير والدواب والرياح والجبال وكل شيء على سطحها وفي محيطها يسبح باسم خالقه إكراما له على  نعمه الكثيرة فيها:

بسم الله الرحمن الرحيم:

﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ (النور/41. 

وهناك عدد كبير من الأحاديث النبوية الشريفة التي يحث فيها رسول الله ص على نظافة الجسم والبيئة حيث يقول ص:

(تنظفوا فأن الإسلام نظيف) و(النظافة من ألأيمان) و(وإن الله يبغض الوسخ الشعث) و(من أحيا أرضا ميتة فهى له) و(ما من مسلم يغرس غرسًا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة.)

كل ذلك من أجل أن يعيش الإنسان سعادة دائمة على هذه الأرض . 

ولو ألقينا نظره على قطرنا العزيز العراق لرأيناه من أكثر الدول تلوثا في العالم  حسب تقارير المنظمات الدولية.وتكاد تكون الحكومات المتعاقبة عليه في معزل عن موضوع البيئة. وأحيانا يكون وزيرها شخص لاعلاقة له بالبيئة ولا يعرف ماذا يعمل نتيجة للمحاصصة البغيضة. وتكاد تكون ميزانيتها معدومة . وفي الآونة الأخيرة تم دمجها بوزارة الصحة لعدم وجود المال . وإذا كانت مستشفيات العراق اليوم عبارة عن أبنية تحمل عناوين بارزة وتفتقر إلى أبسط المتطلبات فماذا سيكون حال البيئة ؟

إن الأمراض السرطانية تفتك اليوم بآلاف من البشر في العراق نظرا  للتلوث الكبير الناتج عن الحروب الثلاثة التي حدثت فيه وما نتج عنها من انتشار اليورانيوم المنضب في كل مكان منه وعلى الأخص في  المناطق الجنوبية منه. وقد قدر الخبراء أن القنابل والصواريخ التي سقطت على العراق تفوق مئات المرات القنبلة التي وقعت على هيروشيما في اليابان أثناء الحرب العالمية الثانية . وعمليات تجريف البساتين وغابات النخيل  والأراضي الزراعية، وحركة  الآليات الحربية الثقيلة التي زعزعت قشرة الأرض السطحية مما تولد عنها إثارة العواصف الترابية على طول العام. ودخول أعداد هائلة من السيارات إلى العراق بعد الاحتلال الأمريكي حيث إن عدد السيارات في بعض المحافظات فاق عدد السكان. حيث تنبعث منها الغازات وتؤثر على الصحة العامة. وكذلك السيارات المفخخة التي يفجرها الإرهابيون في التجمعات السكنية وما ينتج عنها من تدمير للمباني وتراكم أنقاضها لمدد طويلة. ورمي أنقاض الآليات الحربية دون رفعها ومعالجتها  وعدم وجود شبكات للصرف الصحي في معظم المدن العراقية.   واستعمال المولدات الكهربائية على نطاق واسع نتيجة انقطاع التيار الكهربائي ، ودخول الأغذية الفاسدة نتيجة ضعف الرقابه عليها، وانعدام الوعي البيئي لدى معظم السكان وعدم اهتمام وسائل الأعلام بهذه القضية الخطيرة  والتجاوزات على  مياه الأنهار برمي القمامة ومخلفات المصانع فيها. وتسرب مجاري المياه الثقيلة إليها  مما جعلت من العراق مستودعا كبيرا لتلوث بيئي رهيب  يتطلب حشد الجهود لدرء هذا الخطر الداهم والحد من مخاطره المتفاقمة على الأقل .

لقد تلوثت الأرض وما فيها في العراق. وبات المسؤولون يدركون هذا الخطر لكنهم لايبالون بذلك. وتحول دجلة الخير والبساتين إلى ساقية  فتحت في وسطه شوارع ترابية تدخلها السيارات ،ورقدت في وسطه بيوت من صفيح يسكنها مزارعون يطلق عليهم إسم (الحواسم)  والكلاب السائبة حولهم .والمياه الثقيلة تدخل إليه من هنا وهناك  وأصحاب المعامل يرمون مخلفات معاملهم على جرفه دون أن تدخل يد لتوقف الكارثه . وأنا أتأمل هذا المشهد المأساوي بعيني تذكرت قصيدة الجواهري العظيم يادجلة الخير حين خاطب هذا النهر الخالد الذي تتراكم عليه اليوم أحزان ثقيلة كثقل الجبال:

حييتُ سفحكِ عن بعدٍ فحَييني

يادجلة الخير  يا أمَّ  البساتين ِ

حييتُ سفحَك  ظمآناً  ألوذ به

لوذ الحمائِم بين الماءِ والطين.

هذا هو حال دجلة الذي كانت البواخر تشق عبابه في الستينات والسبعينات ناقلة مختلف البضائع من البصرة إلى بغداد وكان ماؤه من أنقى مياه الشرق الأوسط وهو اليوم لايصلح حتى للبناء. إنه اليوم يعيش محنته الحقيقية.ولا أظن أن شقيقه الفرات أسعد حالا منه.  

إن المواطن العادي في العراق يتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية  الملقاة على عاتقه وهناك مثل يقول:

(لاتبصق في الإناء الذي تشرب منه).

وكمواطن عراقي لمست الحالة المزرية بأم عيني أقول أين الحكومة والبرلمان من هذه الكارثة البيئية ؟ 

إن الأمر يتطلب من أصحاب الشأن أن  يقوموا بحملة توعية شاملة  تشمل المدارس والمناطق الشعبية لنشر ثقافة البيئة التي أصبحت كالماء والهواء وأن يتم الاتصال بالدول التي لها تجارب رائدة  في القضاء على تلوث البيئة. وأن تخصص مناهج لذلك للقيام بهذه الحملة  

 وأخيرا أقول أيها العراقيون حكومة وبرلمانا وشعبا أنقذوا بلدكم وأنفسكم من الكارثة التي صنعتها أياديكم قبل فوات الأوان. حيث قال الله في محكم كتابه العزيز.

بسم الله الرحمن الرحيم: 

(وًأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ.) البقرة/195.

 

جعفر المهاجر.

26/11/2017

 

 

في المثقف اليوم