تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

قضايا

أوهام أيديولوجيا حركة التحرر العربية (4-4): مشروع الأيديولوجية الإسلامية

adnan oayeed2أما بالنسبة للأيديولوجيا الإسلامية، فلها حديث آخر هنا. لا شك أن لحضور الفكر الديني على الساحة العربية مكانته الواسعة والعميقة في وعي المواطن العربي بشكل عام والمسلم بشك خاص، فالدين وتعاليمه موجودة في كل مسامات حياتنا...في أوقات صلاتنا، وفي أكلنا وشربنا، وفي تفكيرنا وممارساتنا اليومية المباشرة، فمن منا لا يذكر الله يومياً عشرات المرات في قيامه وقعوده، في أكله وشربه، في حديثه وعلاقاته مع الآخرين في السراء والضراء. فالقيم الدينية (الأخلاقية) والوعي (الفقهي) تفرضا نفسيهما علينا فكراً وممارسة بشكل دائم، بل هما قيم ووعي معياريان ثابتان في حياتنا، تحددا لنا صحة أو عدم صحة تفكيرنا وسلوكياتنا. هذا إذا ما أضفنا مسألة أخرى في هذا الاتجاه وهي، أن الأقليات الدينية من الديانات الأخرى غير الإسلامية في مجتمعاتنا كثيراً ما تتمثل قيم الاسلام في سلوكياتها الاجتماعية، إما من باب احترام هذه القيم، أو لكون الحضارة الإسلامية قد طبعت مجتمعاتنا بميسمها تاريخياً بكل مكوناتها الاجتماعية والثقافية، وفي مقدمة هذه المكونات الأقليات الدينية.

إن إشكالية الوعي الديني وقيمه لا تكمن حقيقة في هذا الاتجاه القيمي والثقافي أو الحضاري فحسب، بقدر ما تكمن أيضاً إشكاليتها في البعد الأيديولوجي ذاته، وخاصة عندما حاولت بعض القوى الاجتماعية تسييس الدين، والعمل على طرحه كمشروع نهضوي لتجاوز عوامل تخلف هذه الأمة كما تدعي. فهذا المشروع الذي راح يُطرح منذ الربع الأخير للقرن التاسع عشر، مشروعاً إصلاحياً على يد الأفغاني وعبده والكواكبي وغيرهم من المفكرين الإسلاميين الذين اطلعوا على الحضارة الغربية ولمسوا ذاك الفارق النهضوي بيننا وبين الغرب، الأمر الذي دفعهم لطرح رؤى وأفكار دينية حداثوية حاولوا من خلالها استلهام قضايا العصر التي لا تتعارض والعقيدة الإسلامية والسماح بالانفتاح على الحضارة الغربية الكافرة، من باب أسلمة وشرعنة هذه المستجدات الحضارية واعتبارها قيماً حضارية لا تسيئ إلى الإسلام والمسلمين من باب أن بضاعتنا قد ردت إلينا. هذا في الوقت الذي وجد فيه أيضاً الكثير من رجال الدين المفرطين في سلفيتهم، (المتنطعين)، ممن وقف وبقوة ضد هذه المستجدات الفكرية الحضارية معتبرها بدعة، حيث وجدنا مع نهاية القرن التاسع عشر من رجال الدين المتزمتين هؤلاء، من راح يحارب لبس (الطربوش أو البيريه)، ويصرخ بأعلى صوته متكئاً على حديث موضوع : (تعمموا فإن الملائكة قد تعممت.(20).

نقول: إن الفكر الإصلاحي الديني قد ُطرح في تلك الفترة كمشروع ثقافي نهضوي، ثم راحت تتداخل فيه الأبعاد السياسية شيئا فشيئاً بعد إعلان نهاية الخلافة الإسلامية بصيغتها العثمانية عام 1924. ففي عام 1928 تشكل تنظيم (الاخوان المسلمون) كتنظيم سياسي بدأ يطرح ضرورة إعادة الخلافة الإسلامية برؤية أيديولوجية – بغض النظر هنا عن الدوافع الحقيقية لتشكيل هذا التنظيم ومن كان وراءه -، وقد أخذت هذه الأيديولوجيا تتبلور مع ظهور كتاب سيد قطب (معالم في الطريق) في منتصف ستينيات القرن الماضي، هذا الكتاب الذي اعتبر أيضاً في رؤاه منهجاً فكرياً وعملياً لتحقيق هذه الخلافة الإسلامية من قبل تنظيم الإخوان، حيث حدد فيه سيد قطب متأثراً بكتابات السلفي التكفيري "أبو أعلى المودودي" الطريق الذي يجب على المسلمين سلوكه لتحقيق الدولة الإسلامية وفقاً للحاكمية التي يقرها النص الديني المقدس، وأبرز ما جاء فيه:

إن الإسلام جاء ليرد الإنسان إلى ربه، وليجعل الحاكمية هي السلطة الوحيدة التي يتلقى منها معايير علاقاته الاجتماعية وقيمه المادية والروحية، أي منها يتلقى وجوده وحياته، والتي يرجع إليها بروابطه ووشائجه. كما أنه من إرادتها صدر وإليها يعود. وإن هناك حزباً واحداً لله لا يتعدد وأحزاباً أخرى كلها للشيطان وللطاغوت يجب محاربتها. وهذا الموقف الفكري الوثوقي يعود لتفسير الآية الكريمة التالية: ( (الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله، والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت، فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفاً) (النساء – 76). فالطريق إلى الله كما يقول سيد قطب واحد، وكل طريق لا يؤدي إليه هو خارج الصراط المستقيم الذي رسمه الخالق لنا بقوله العزيز: ( وإن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن السبيل.).(الأنعام – 15). كما يقول: إن هناك حكماً واحداً هو النظام الإسلامي : ( أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون.).(المائدة – 50). ويقول أيضاً: هناك شريعة واحدة هي الشريعة الإسلامية: (ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون.). (الجاثية- 18).

أما وطن المسلم كما حدده سيد قطب في معالم هذا الطريق، فهو الوطن الذي تقوم فيه شريعة الله، حيث تقوم الروابط بينه وبين سكانه على أساس الارتباط بالله، ولا جنسية للمسلم إلا عقيدته التي تجعله عضواً في الأمة المسلمة، أي في دار الإسلام، ولا قرابة للمسلم إلا تلك التي تنبثق من العقيدة في الله، فتصل الوشيجة بينه وبين أهله في الله. والمسلم في نهاية المطاف يجب أن لا يمنعه مال أو أب أو أخ أو ابن أو أي شيء عن التمسك بحبل الله، حتى ولو اضطره ذلك على ترك ماله وأهله.

هذه هي أهم منطلقات المشروع الإخواني والإسلام السياسي عموماً، اتي تقف ضد الأهل والوطن والأمة طالما هم يتعارضون مع القيم التي جئنا عليها أعلاه. وإن المشروع السياسي الإسلامي منذ سبعينيات القرن العشرين راح يطرح نفسه وبقوة في الساحة السياسية العربية والإسلامية عموماً لأسباب كثيرة يمكننا الإشارة إلى أهمها هنا وهي:

1- الدور السعودي الوهابي في الاشتغال على المشروع الإسلامي السياسي التكفيري مع المعسكر الغربي والأمريكي والصهيوني خارج السعودية لضرب حركة التحرر العربية في مصر وسورية والعراق وليبيا والسودان واليمن وغيرها من حركات وقوى اجتماعية وسياسية وجدت في الاشتراكية والقومية طريقاً لتحقيق النهضة والتقدم، هذا إضافة لمحاصرة المد السوفياتي والفكر الاشتراكي بشكل عام.

2- وفاة عبد الناصر وانهيار المشروع القومي في مصر العربية، واستلام السادات السلطة ودعمه للقوى الاسلامية، التي اغتالته فيما بعد.

3- انهيار المنظومة الاشتراكية والقومية وفشلها في تحقيق نهضة الشعوب المتخلفة والمضطهدة في العالم العربي والإسلامي.

4- قيام الثورة الاسلامية في إيران وتأثيرها على الخطاب السياسي الاسلامي في الدول العربية، حيث راحت تتشكل في هذه الدول عشرات الأحزاب السياسية ذات التوجه الإخواني والجهادي الطامحة في إقامة الخلافة الإسلامية بصيغة سنية من جهة، وخوفا من المد الشيعي بعد نجاح الثورة الإيرانية إلى العالم العربي ومنها دول الخليج بشكل خاص من حهة ثانية.

5- تحول الأنظمة السياسية العربية التي كانت تتبنى المشروع القومي والاشتراكي في الساحة العربية إلى أنظمة أكثر شمولية وشعبويّة، بعد أن فقدت مشروعيتها الأيديولوجية القومية والاشتراكية التي وصلت إلى السلطة من خلالها، الأمر الذي جعل هذه الأنظمة تبحث عن مشروعية أخرى لحكمها، فوجدت في الدين تلك المشروعية، حيث راحت تغذي هذا الفكر الديني بصيغته الشعبوية البراغماتية لدى شعوبها، وخاصة نشر الفكر الصوفي والسلفي الجبري عموماً، وهذا ما جعل القوى السياسية المناوئة لهذه الأنظمة، والمؤمنة بالأيديولوجية الدينية أو فكرة (الحاكمية) أن تجد في هذا التوجه السياسي مجالاً لاختراق هذه الأنظمة عبر مؤسساتها الدينية الرسمية ذاتها بإسم الدين، وذلك بالعمل سراً عبر الكثير من أئمة المساجد والدعاة والداعيات الذين راحوا يبشرون بهذا الفكر الديني السلفي التكفيري المعادي لهذه الأنظمة أو الأحزاب الحاكمة، في الوقت الذي حوصرت فيه القوى التقدمية ومثقفيها.

6- استمرارية تخلف وجهل و(تجهيل) وفقر واستبداد وحصار الشعوب العربية من قبل أنظمتها، إن لم نقل استفحال كل هذه القضايا التي تنال من كرامة الإنسان وحريته وإرادته، مما جعل هذه الشعوب تجد في المشروع الإسلامي، المشروع الأيديولوجي البديل الذي يحقق لها حريتها وعدالتها وتقدمها وسعادتها بعد أن فشلت الأيديولوجيات القومية والاشتراكية والليبرالية السابقة في تحقيق ذلك.

إن كل هذه الأسباب أو العوامل التي جئنا عليها، ساهمت في تضخم وإشاعة ونشر وتعميم المد الإسلامي فكراً وممارسة في الساحة العربية، هذا الفكر – أي الإسلامي بعباءته السلفية ممثلاً بالإسلام السياسي الجهادي - الذي وجدت فيه الكثير من القوى الاجتماعية داخلية كانت أم خارجية مصالحها. فمن هذه القوى الداخلية من وجد فيه وسيلة فاعلة لقلب أنظمة الحكم السائدة، والوصول إلى إيجاد أنظمة تتفق وأجنداتها الخاصة، وهذه القوى الإسلامية المناوئة أو الثائرة على أنظمة حكمها قد وجدت أيضاً من يلتقي معها من قوى (علمانية) ليبرالية واشتراكية استطاعت استثمار المد الديني للخلاص من أنظمتها الشمولية التي عملت على إقصائها عشرات السنين عن الساحتين الثقافية والسياسية، وهذا ما لمسناه في ما سمي ثورات الربيع العربي. ومن بين هذه القوى الإسلامية الجهادية التكفيرية التي تبنت هذا المشروع في ثورات الربيع العربي، تنظيم القاعدة وفصائلها (داعش والنصرة وغيرهما)، وهي القوى الحالمة في إقامة الخلافة الإسلامية. وهناك قوى خارجية عربية وجدت في هذا المشروع الإسلامي وقواه أفضل وسيلة للّعب على الوتر الطائفي الذي تستطيع من خلاله تحقيق عدة أجندات سياسية منها: أولاً ضرب ما تبقى من أنظمة وقوى لم تزل تحمل لواء المقاومة للمستعمر والكيان الصهيوني الذي تجد في وجوده قوة لها واستمرارية لحكمها وقد أثبت صوابية هذه الرؤية عندها ذاك التنسيق الكبير الذي يتم اليوم بين هذه الأنظمة العربية والكيان الصهيوني، أما الهدف الثاني فإن هذه الأنظمة تجد في دعمها لهذه المشروع الإسلامي وقواه السياسية، وسيلة فاعلة لضرب مصالح إيران في المنطقة الداعمة للمقاومة، أو تجد فيها الوسيلة الفعالة لتحقيق الفوضى الخلاقة ومشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير. ويأتي في مقدمة هذه القوى أمريكا والغرب والكيان الصهيوني وأدواتهم من الحكام العرب.

على العموم، إن الأيديولوجيا الإسلامية في صيغتها المطروحة اليوم على الساحة السياسية، في الكثير من سماتها وخصائصها هي ذات طابع سلفي تكفيري يعيش حالات فواته الحضاري وعجز حوامله الاجتماعية على تحقيق صيغ فكرية لهذا المشروع مطابقة للواقع وقضايا العصر الملحة، ففي الوقت الذي نرى فيه النظريات الثورية التي تهتم بقضايا الشعوب وحريتها وعدالتها تنظر دائماً إلى المستقبل لتجاوز عوامل التخلف التي فرضها الماضي، وذلك من خلال البحث عن القوانيين الموضوعية والذاتية التي تتحكم بالواقع الحاضر، والتحكم بها وتسخيرها لمصلحة الإنسان، أو بتعبير آخر الانطلاق من الواقع ذاته لمعالجة قضايا الواقع، نرى الأيديولوجيا الإسلامية تجد الحل النهضوي في خطاب ديني ماضوي مقدس متعالي على الواقع، ومعطى مرة واحدة ومطلقاً صالحاً لكل زمان ومكان، وبالتالي لا بد من العودة إلى هذا الخطاب أو النص الديني ممثلاً في صيغته المجتمعية الفكرية والعملية التي عاشها الجيل الأول من الصحابة، والتي تمثل الفردوس المفقود أو النبع الصافي عند حملة هذا المشروع، وبالتالي فإن كل المنجزات الحضارية التي حققها الإنسانية عبر نضال شعوبها الطويل، والممثلة في التأكيد على حرية الإنسان وإرادته في صنع حياته ومستقبله، و ما ناضل هذا الإنسان، أو يناضل من أجل توطيده خدمة لجوهره الإنساني، مثل، المواطنة ودولة القانون وتحرير المرأة وحرية الصحافة واحترام الرأي والرأي الاخر وغير ذلك من منجزات حضارية حداثوية تشير وتؤكد على إنسانية الإنسان، هي عند الكثير من أصحاب المشروع الإسلامي السياسي في صيغته السلفية مفاهيم جاهلية ضد ما قرره الله ورسوله والجيل الأول من الصحابة من حقوق وواجبات لهذا الإنسان. ومن هذه المنطلقات الفكرية لهذه القوى السلفية الظلامية التكفيرية، نرى اليوم ممارسات داعش والنصرة وغيرهما من الفصائل الجهادية السلفية التي تركت كل شيء جوهري في الإسلام وله علاقة بتطور حياة الإنسان المادية والمعنوية التي حددها الإسلام نفسه، لتتمسك بتطبيق قشور الإسلام، وتمارس الحسبة بحق من يخالف تطبيق هذه القشور، كحلق الدقون وشرب الدخان ولبس الكلابيات أو الدشداشات الطويلة، أو ما يتعلق بلباس المرأة وزينتها وحتى ألوان ثيابها. هذا إضافة إلى تدميرها للكثير من المعالم الحضارية التي اعتبروها رموزاً وثنية (الآثار)، هذه الآثار التي تعتبر إضافة لقيمتها الحضارية، فهي تمثل المسار التاريخي لحياة الشعوب عبر مراحل محددة، إضافة إلى كونها أحد المصادر السياحية التي تؤمن دخلا مالياً هاماً للدولة والمجتمع. هذا مع رفضها للآخر المختلف دينياً ومذهبياً وفكرياً من أبناء الوطن أو الدولة ذاتها التي تسعى لبنائها. فمن هذا التوجه الفكري، وهذه الممارسة القائمة على هذا التوجه العدواني ولرافض للمختلف، وعدم النظر إلى قضايا العصر بمنظور حضاري يأخذ بالاعتبار قضايا العصر والتطور الحضاري الذي حققه الإنسان عبر تاريخه الطويل، نجد هذه القوى السياسية الإسلامية، تفشل منذ بداية ثورات الربيع العربي في تجربتي حكمها لمصر وتونس، ثم تبعهما انهيار داعش في العراق وسورية، والحبل على الجرار من انهيارات ستنال النصرة وحلفاءها في سورية وليبيا ومصر وكل اماكن تواجدهم في الساحة العربية والإسلامية.

أمام هذه المعطيات الأيديولوجية المفوّته حضارياً... هذه المعطيات التي تمثلت في تدمير الأخضر واليابس بإسم الدين، من خلال ممارسات داعش والنصرة وكل الفصائل الإسلامية الجهادية ومنها الإخوان في مصر وسورية والعراق وليبيا وغيرها من دول عربية وإسلامية راحت تنشط فيها هذه القوى التكفيرية من أجل بناء الخلافة الإسلامية الموهومة، كشفت عورات هذه الأيديولوجية وجعلت الكثير من أبناء الشعب يكفر بها، بل عملت على تأليب العالم كله ضدها وضد الإسلام السياسي والعمل على محاربتهما، ومن بين الذين يحاربونهما اليوم من عمل على تشجيع انتشارهما وتسخيرهما لمصلحتهم، وبإسسم ممارسة حملتها أخذوا يتهمون الدين الإسلامي ذاته بأنه دين التوحش والقتل والتدمير لكل ما هو حضاري وإنساني وابداعي.

ختاماً نقول في نهاية طرحنا لأوهام أيديولوجيا حركة التحرر العربية:

بعد هذا العرض الأولي لموقع الأيديولوجيا في أبعادها القومية والاشتراكية والدينية، بالنسبة لقضايا النهضة العربية التي لم تزل تتحكم الأيديولوجيا في إنتاج وإعادة إنتاج مأزقها داخل الواقع العربي، نصل إلى جملة من النتائج أو المعطيات التي نستطيع من خلالها تحديد طبيعة الواقع العربي أو تحليل وتوصيف اهم عوامل فواته الحضاري، أو مأزق تطوره وتقدمه برأينا، لنقول:

1- هو واقع لم يزل مأزوماً في تخلف بناه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، كونه واقع لازالت تتحكم فيه عدة أنماط إنتاج متخلفة يغلب عليها الاقتصاد البسيط والصغير بسماته وخصائه الريعية، وتحدده بالتالي علاقات اجتماعية مأزومة أيضاً لم تستطع حتى هذا التاريخ أن تخرج من شرنقة العشيرة والقبيلة والطائفة والمذهب، يرافقها بناء فوقي (ثقافي وقيمي/ أخلاقي) هجين يتداخل فيه البعد الديني الامتثالي الاستسلامي الوثوقي والطائفي بالقومي واليساري والليبرالي والقبلي.

2- وجود أنظمة حكم شمولية (مملوكية أو سلطانية) في ممارستها السلطوية، تتفاوت فيها درجات الاستبداد ما بين أنظمة شمولية قروسطية في عقليتها وممارستها، وأنظمة شمولية شعبويّة معاصرة... أنظمة تقودها قوى سياسية تشعر أن الدولة بكل ما فيها ملك لها ولذريتها. فكل شيء فيها مباح دون حسيب أو رقيب حتى ولو خسرت مئات مليارات الدولارات يومياً من أموال الشعب في أسواق النفط خدمة لمصالحها واستمرارها في الحكم، لا يهمها أصلاً لا الشعب العربي ولا مصالحه، هذا الشعب الذي حُرم مبدعوه من أبسط حقوقهم وهي جوائز الإبداع التي راحت تمنح لحكام أميين لا يُجِدون فك الحرف.

3- وجود أمة غاب عنها الفكر العقلاني التنويري أو غُيب قسراً، وحورب فيها بقوة بسيف أو سوط السلطة كل من يشتغل على هذا الفكر منذ مئات السنين، ليسود الفكر السلفي الغيبي الامتثالي الاستسلامي والتكفيري، فكر يقيس الشاهد على الغائب... فكر يؤمن بالإطلاق ويرفض النسبية والحركة والتطور... فكر يعتبر كل جديد يفكر فيه، أو يمارس من قبل الفرد أو المجتمع بدعة، وبالتالي ضلالة... وهو بالتاي فكر يلاقي كل الدعم من القوى الحاكمة التي وجدت في نشر هذا الفكر وتعميمه والنفاق له أحد العوامل الرئيسة في تجهيل الشعب وتغيبه عن واقعه ومعاناته وبالتالي شرعنة قيادته.

4- غياب كامل لممارسة الفعل السياسي المعارض وما يمثله هذا الفعل من قيم التعددية والمشاركة في قيادة الدولة والمجتمع، وكذلك غياب الرقابة الشعبية، وعدم احترام الرأي والرأي الآخر، ومصادرة كليّة لوسائل الإعلام، وتجييرها لمصلحة القوى الحاكمة، الأمر الذي فرض معارضة ظلت ملجومة وتعمل لسنين طويلة بصمت وخوف من عقاب السلطة، لذلك عندما أتيحت لها الفرصة كي تعبر عن نفسها تجلى جهلها الفاضح في عدم قدرتها على تحديد أجندة مشروعها السياسي والتعبير عنه بعقلانية... فمعارضة ما سمي بثورات الربيع العربي، تبين أنها من حيث التكوين والطموح والأهداف، لا تختلف في الحقيقة عن القوى الحاكمة ذاتها، فإضافة لجهل هذه القوى وسطحية ومثالية وشعارية وذاتية مفاهيمها أحياناً كثيرة، وبالتالي ابتعادها عن الفهم الحقيقي للنشاط السياسي المعارض وآلية حراكه فكراً وممارسة، جعلها تغرق في الإرادوية والطفولية في مطالبها، فهي تريد كل شيء أو لا شيء، فسياسة خذ وطالب والخطوة خطوة، أو بتعبير آخر السياسة القائمة على تحليل الظروف الموضوعية والذاتية للواقع، والنظر في الواقع الملموس في الزمن الملموس، لا تعرفها في اللعبة السياسية. أما من حيث بنيتها الطبقية فهي نتاج الواقع المتخلف ذاته، فهي لا تنتمي لقوى طبقية ولا لمشروع فكري أو أيديولوجيا محددة، فعندما فسح لها في المجال أن تمارس حريتها السياسية في بعض الدول العربية الشمولية مؤخراً ولو في الحدود الدنيا ، راحت تشكل مئات الأحزاب و الفصائل المسلحة لترفع السلاح بوجه السلطات الحاكمة لإقصائها قبل الخوض في مفاوضتها أو الحوار معها، الأمر الذي يدل على جهلها، وعلى قوة شهوة السلطة لديها، وهذا ما جعل معظمها يرهن قراره السياسي مباشرة للخارج كي يؤمن له الخارج الوصول إلى السلطة. بل هي لم تتوان في استخدام العنف بكل أشكاله ضد ممتلكات الدولة ومؤسساتها وضد الشعب نفسه وممتلكاته، وهو الشعب نفسه الذي راحت تتاجر بإسمه في ثوراتها الربيعية.

5- ملاك القول: تظل في المحصلة أنظمة الحكم السائدة هي من يتحمل المسؤولية الأكبر في تخلف هذه الأمة وتجهيلها، إن لم نقل إن طبيعة الأنظمة السلطوية القائمة هي أحد الأسباب الرئيسة في مأزق تحقيق نهضتها، فبالرغم من أنها هي ذاتها – أي الحكومات - محكومة في ظروف موضوعية وذاتية معقدة كنا قد أشرنا إلى أهمها في هذه الدراسة، إلا أنها قادرة أن تحقق قفزات نوعية في حياة شعوبها إذا ما تخلت قليلاً عن أنانيتها واستحواذها المطلق على السلطة، والإيمان إلى حد ما بالمشاركة السياسية وتعميق حرية الرأي والرأي الآخر، والفسح في المجال للمؤسسات الدستورية أن تأخذ دورها، وتُؤسس بشكل ديمقراطي يعطي الحرية الحقيقة لكل مواطن أن يختار ممثليه فيها وبخاصة القوى الشعبية صاحبة المصلحة الحقيقة، وهي القوى الوطنية المضطهدة تاريخياً.

يظل أخيراً السؤال المشروع يطرح نفسه علينا هنا وهو : ما العمل؟.

هناك مثل شعبي عقلاني يقول: (على المرء أن يمدد غطاءه على طول قدميه. ). أي : إن الناس العقلاء يطرحون على انفسهم دائماً المهام التي يستطيعون حلها) كما قلنا في بداية هذه الدراسة. يقابله في الفقه السياسي مقولة عقلانية أيضاً تقول بضرورة التعامل العقلاني مع (الواقع الملموس في الزمن الملموس).

إن نظرة نقدية تحليلية لهذه المقولات تبين لنا، أن قضايانا العامة والخاصة، لا تخرج في واقع أمرها عن المحيط الذي ننشط ونمارس فيه إنتاجنا لخيراتنا المادية والروحية معاً، وبالتالي فنشاطنا هذا له معوقاته مثلما له مقوماته أيضاً التي غالباً ما تكون من داخل المحيط الذي ننشط فيه، وهي الأكثر أهمية وفاعلية وتأثيراً، دون أن نغفل المحيط الخارجي أيضاً وما يتركه من تأثير على هذا النشاط. بيد أن الحس الشعبي اكتشف بأن معوقات الداخل هي الأكثر تأثيراً عندما عبر عن ذلك بالمثل الشعبي الرائع القائل: (دود الخل منه وفيه).

نعم، "إن دود الخل منه وفيه"، وهذا يعني في المفهوم السياسي أن أسباب تخلفنا وأزمة نهضتنا الأكثر تأثيراً على حياتنا تكمن فينا نحن، في واقعنا الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي المتخلف الذي ننشط فيه بشكل عام، وفي البنية الطبقية والفكرية لحامل خطابنا السياسي المفوُت حضاريا، الذي عاش وهم الأيدولوجيات الكبرى على حساب خصوصيات الواقع بشكل خاص. أي أن هذه الحوامل الاجتماعية/ السياسية التي قادت المشروع النهضوي العربي في صيغه الثلاث لم تستوعب بعد حركة التاريخ، ولم تصل بعد إلى مرحلة وعي الذات، وتحولها إلى قوى اجتماعية تعمل لذاتها وللمجتمع معاً. كما أن أسباب عجزنا تكمن أيضاً في استمرارية خطابنا الثقافي الماضوي الامتثالي الذي لم يزل يعتمد في آلية عمله فكراً وممارسةَ على النقل ويحارب العقل والعقلانية... خطاب لم يزل يجد الحل في تجاوز أزمتنا بممارسة الدعاء والاتكاء على الكرامات والتمسح بشيوخ الطرق الصوفية، وقياس الشاهد على الغائب.

أمام هذا المعطيات لواقعنا، يفرض علينا الواقع الملموس في هذا الزمن الملموس البحث عن حلول تتناسب مع أزمة هذا الواقع اليوم. وهذا ما يفعنا للتأكيد في هذا الاتجاه: إذا كانت الأيديولوجيات الكبرى، أو السرديات النظرية الكبرى لحركة التحرر العربية قد فشلت، فلما لا نبحث عن حلول أخرى تتناسب مع واقعنا، مع تأكيدنا بأن هذه الحلول لا تخرج في جوهرها عن المضامين الإنسانية لتلك الأيديولوجيات وخاصة الوضعية منها وحتى الدينية، وهي الحرية والعدالة والمساوة، للمواطنين، هذه الشعارات التي تتضمن مفردات المواطنة والحرية الفردية وتحرير المرأة وبناء دولة المؤسسات أو دولة القانون، واحترام الرأي والرأي الآخر، ونشر حرية الصحافة والأحزاب، وتطبيق تداول السلطة، والعمل على نشر الفكر العقلاني والتنويري ومحاربة الفكر الظلامي والغيبي الذي يساهم في تكفير الأخر وقتله على الهوية، طائفية دينيه كانت أم فكرية وضعية.

إن كل هذه المفردات التي جئنا عليها هنا تتضمنها تلك المشاريع الكبرى بهذا الشكل أو ذاك، وتعتبر أن الشعب وحده هو صاحب القرار في التشريع لها وتطبيقها عبر ممثليه ومؤسسات دولته، مع اختلاف المشروع الإسلامي طبعاً عن الأيديولوجيات الوضعية في تبنيه للحاكمية التي تقول بأن التشريع الذي تقره هو تشريع مقدس، وهو وحده القادر على نشر العدالة والمساواة بين الناس.

نعود لنقول أمام هذه المعطيات وعلى رأسها معطى التجزئة والدولة القطرية التي أصبحت واقعاً ملموساً في زمننا الملوس، تفرض علينا هذه الواقعية الإقرار بهذه الدولة التي لها أرض وشعب وحكومة وعلم ونقد واعتراف رسمي من الهيئات والمحافل الدولية، وأن أول قضية في مضمون هذا الإقرار بهذه الدولة، هو النظر في كيفية تحقيق كل تلك القضايا التي تهم حياة الفرد والمجتمع والممثلة في حرية الأنسان وعدالته ومساواته في هذه الدولة. أليس من المنطق أن ينال شعب هذه الدولة حقه في حريته وعدالته ومساواته والمشاركة في إدارة دولته ولو بالحد الأدنى، قبل أن ُيطرح تحقيق هذه المهام على مستوى المشروع القومي أو الأممي وفقاً للطروحات الأيديولوجية القومية أو الأممية، في المفهوم الإسلامي أو الشيوعي؟، مع تأكيدنا هنا بأن الكثير من الأحزاب الشيوعية قد تبنت مشروع المسألة القومية وضرورة ربط النضال القومي بالنضال الاشتراكي، وخاصة بعد انهيار المنظومة الاشتراكية وعلى رأسها الاتحاد السوفيتي .

لا أظن أن أي مفكر عقلاني أو سياسي بيده اليوم مقاليد السلطة ويغار على شعبه ووطنه سيقف ضد هذا الموقف أو الرؤية، إذا كان فعلاً يفكر ويعمل لمصلحة الشعب وليس لمصلحته، أو هو يريد من تلك الشعارات الأيديولوجية الكبرى سلاحاً بيده كي يحارب بها كل من ينتقد خطابه السياسي أو يهدد مصالحه واستمرارية بقائه في السلطة. وأعتقد أن هذا ما يجري اليوم من قبل القوى السياسية الحاكمة في الوطن العربي، فهي غالباً ما تقوم باتهام كل من ينتقدها أو ينتقد أيديولوجيتها ويطالبها بالإصلاح وضرورة تداول السلطة، بأنه يعمل ضد المشروع القومي والآمة العربية، أو ضد الإسلام.

إذاً لا حل للخروج من مأزق التخلف الذي نحن فيه إلا النظر بعقلانية في كيفية العمل داخل القطر الواحد أولاً - بعد أن أوصلت الأنظمة السياسية الحاكمة خلال عشرات السنين منذ استقلال هذه الأنظمة القطرية إلى أمر واقعي بكل معنى الكلمة -. ومن أجل الوصول إلى الوسائل الكفيلة لتحقيق هذه المهمة النهضوية يأتي في مقدمة الوسائل التي علينها الأخذ بها برأيي، العلمانية والديمقراطية. فإذا كانت العلمانية تعني في سياقها العام الاعتماد على العقل في بناء الدولة المدنية، أي دولة القانون والمؤسسات والمواطنة، دولة احترام الرأي والرأي الآخر من خلال الإقرار بالتعددية السياسية وتداول السلطة، دولة الحرية والعدالة والمساوة وتحرير المرأة، دولة تجاوز مجتمع العشيرة والقبيلة والطائفة والمذهب، وبالتالي فصل الدين عن السياسة واعتبار الدين لله والوطن للجميع، دون المس بمقدسات هذا الدين وعقيدته والتعامل معه على أنه مسألة تخص الفرد وحريته، هذا الفرد الذي يجب على دولة العلمانية أن تعمل من أجل عودته إلى مرجعيته الإنسانية التي فقدها منذ مئات السنين تحت ضغط وعي مزيف وهوية مزيفه أبعدته عن انتمائه الحقيقي لوطنه وأمته بل وحتى أسرته، كما أفقدته إرادته وحريته في التفكير واتخاذ القرار المستقل المعبر عن شخصيته هو كإنسان له الحق في التعبير عن هذه الإنسانية. إن العلمانية بتعبير آخر، هي إعادة بناء الوطن والمواطن بناءً عقلانيا من خلال تحكم هذا الإنسان في أدارة الدولة والمجتمع بعيداً عن أي سلطة استبدادية أو مطلقة في مرحلة تاريخية محددة، بما تمثله هذه الإدارة من قيم مادية ومعنوية تتمثل في بناء مؤسسات قادرة على تحقيق دولة المواطنة والقانون، هذه الدولة التي تعني في المحصلة حرية الفرد والجماعة في اختيار شكل هذه الدولة ونظام حكمها، هذا الاختيار الذي يفضي بالضرورة إلى الديمقراطية التي تعني شكلاَ: حرية الرأي والقول والتعبير والتنظيم السياسي والاحتجاج والتظاهر والترشح والتصويت وتداول السلطة، ومضموناً: تعني المشاركة الفردية والجماهيرية عبر منظماتها وأحزابها ومتحداتها في البحث عن السبل والوسائل والطرق التي تحقق صياغة القرارات وتنفيذها، التي تهم حياة الوطن والمواطن بما يضمن أمن واستقرار وتنمية الدولة والمجتمع.

من هنا نرى أن الديمقراطية والعلمانية وجهان لقضية واحدة، تهدفان إلى تحقيق (دولة المواطنة)، دولة المشاركة والحرية والعدالة والمساوة بكل ما تتضمنه هذه الدولة من تجسيد للقيم الإنسانية، التي تشكل الأساس المتين لبناء أي مشروع من مشاريع حركة التحرر العربية وفي مقدمة هذا المشروع بناء الدولة المدنية بكل ما تحمله هذه الدولة من دلالات.

على العموم لقد بقيت أيديولوجيات مشروع حركة التحرر العربية تمتاز عبر تاريخها العملي بمجموعة من السمات والخصائص كما حددها الدكتور "منذر خدام" في كتابه (أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة): (22). أولا: تميزها بنزعتها التوفيقية / التلفيقية، بحيث تظل كل أيديولوجيا منها تمزج أكثر من تيار أيديولوجي أو يحاول تركيب خلطة أيديولوجية خاصة. ثانياً: لقد ظلت هذه الأيديولوجيات على اختلاف تياراتها تروج للعلاقات (الشخصانية- الكاريزمية) في الحياة السياسية والاجتماعية والدينية. ثالثاً: تتميز هذه التيارات الأيديولوجية بعدم الوضوح والتناقض، وهي سمة تتولد من طابعها الشخصاني ونزعتها التوفيقية / التلفيقية.

وعلى هذا الأساس نقول أخيراً: إن أية حكومة عربية أو معارضة سياسية لا تنهج العقلانية في سياستها أي لا تراعي الواقع وخصوصياته، وتظل تتعامل بعفوية وذاتية وشعارية طارحة مهام أكبر بكثير من قدرات أو إمكانيات حملتها الاجتماعيين الذين يعتقدون بأن الدولة والشعب ملكاً لهم وحدهم فقط، فبهذه العقلية المفوته حضاريا سوف تخسر هذه الحكومات ومعارضيها الشعب والدولة الممثلة لهما معاً، وما جرى في ثورات الربيع العربي من ردود أفعال سلبية ما بين سياسات الحكومات القائمة والمعارضة، وما آلت إليه هذه الردود من دمار للبلد والتلد، للحجر والشجر، مؤشراً على أن الجميع في سفينة واحدة، و أن أي شرخ فيها سيغرق الجميع وسيجعل من شهوة السلطة القائمة على دوافع أنانية ومرجعيات تقليدية مأزومة، سلاحاً لا يعرف إلا الدم والدمار مسلطاً على رقاب وحياة الجميع. أي الدخول في حروب همجية بربرية وحشية، أقل ما يقال عنها تلطيفاً لدلالاتها بأنها ثورات شعبية. بينما هي في حقيقتها حروب أهلية/ طائفية وقبلية سحقت أو طحنت كل شيء، وما نعيشه اليوم تحت مظلة ثورات الربيع العربي يؤكد ذلك.

أمام كل ما جئنا عليه، ربما سنجد من يسأل وسؤاله هنا مشروع وهو: هل سقطت الأيديولوجيا؟.

لا...لم تسقط الأيديولوجيا، فأنا لست مع نظرية التفريغ الأيديولوجي، فالأيديولوجيا لم تسقط، وإنما الذي سقط هو الصيغ الأيديولوجية الدوغمائية، التي لم تستطع أن تنزل إلى الواقع عبر حواملها الاجتماعين، وإنما أرادت لهذا الواقع أن يرتقي إليها دائما، أي عملت على لي عنق هذا الواقع كي ينسجم معها. وبالتالي أصبح كل جديد بدعة في الأيديولوجيا الإسلامية أو القومية أو الاشتراكية، وكل خروج عن الحاكمية في المشروع الإسلامي السياسي، وعن فقه الأمين العالم أو القائد الملهم في الأيديولوجية القومية او الاشتراكية يشكل انحرافاً عن الفكر لدى الأحزاب الشيوعية والقومية والإسلامية. وبالتالي فكل طرح يتضمن ضرورة مراعاة خصوصيات الواقع العربي أثناء تطبيقنا لشعاراتنا القومية أو الاشتراكية أو الإسلامية بشكل عقلاني، يعتبر خيانة للأمة ومشروعها التحرري والنهضوي، وبالتالي تآمراً عليها مع المستعمر.

إن الذي سقط حقيقة هو صيغ أيديولوجية جموديه وثوقيه أو علمويّة على الساحة العربية، مثلها عملياً وفكرياً الإخوان المسلمون، وبعض الأحزاب اليسارية القومية والشيوعية التي اتخذت من سرير (بروكوست) نهجاً لها.

 

د. عدنان عويّدِ - كاتب وباحث من ديرالزور- سورية

.............................

هوامش مقال الأيديولوجيا واهام النخبة

1- (د.أميل توما- الحركات الاجتماعية في الإسلام0 دار الفارابي. بيروت- 1981.).ص 11.

2 - يراجع حول نسالى القومية وتطور فكرها لدى الكتاب والمفكرين والسياسيين العرب منذ بدبايو القرن العشرين حتى العقد الخير منه كتاب (القومية والوحدة – بإجزائه الثلاثة- المقالات) – تحرير وتقديم محمد كامل الخطيب- دمشق – وزارة الثقافة – 1994- ص 694 و697 و 700

3- (يراجع حول هذا الموضوع كتاب "الإسلام شريكاً" تأليف المستشرق الألماني فريتس شبيتات- إصدار الكويت عالم المعرفة – 2004- ص55)

4- (راجع في هذه المواقف القومية مجلة دراسات اشتراكية- العدد المزدوج- 143-144 – الحزب الشيوعي السوري –حناح يوسف فيصل- دمشق- ص – 123 وما بعد. ).

(5)- (راجع كتابنا إشكالية النهضة في الوطن العربي من التوابل إلى النفط – إصداري دار المدى والتكوين – دمشق،1997و2006 )،

6- راجع حول هذه المسألة كتابنا- الأيديولوجيا والوعي المطابق- دار التكوين – دمشق 2006)،

7- (آراء ودراسات في الفكر القومي- كتاب العربي- ملحق لمجلة العربي – العدد الثامن – 15- تموز- 1985 ).ص 82.

8- (أميل توما – الحركات الاجتماعية في الإسلام- ص154- مرجع سابق).

8- (المصدر نفسه- ص154).

9- ( المرجع ذاته ص 155).

10- (زهير توفيق- أديب اسحق مثقف نهضوي مختلف- المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت -2003 – ص153).

11- د. محمد سعيد رمضان البوطي.(العقيدة الإسلامية والفكر المعاصر) . وهو كتاب مقرر لطلاب الشريعة في جامعة دمشق. ص 248

12- د. محمد سعيد رمضان البوطي.(العقيدة الإسلامية والفكر المعاصر) . المرجع نفسه. ص 248

13- مشيل عفلق. (في سبيل البعث- ص144

14- عبد الحليم خدام - (النظام العربي المعاصر- قراءة الواقع واستشفاف المستقبل) المركز الثقافي العربي- بيروت- 2003- ص 18)

15- (في مجلة العلم والتعليم ص9- نقلاً عن كتاب – تحولات الفكر والسياسة في الشرق العربي- 1930- 1970 –عالم المعرفة – الكوين 1980 ص 129و128).

16- (مجلة الطريق اللبنانية - العدد السادس- 1997- ص69و68.).

17- ( مجلة الطريق اللبنانية- العدد السادس- 1997- ص65)

18- ( راجع : قوميو المشرق العربي- من درايفوس إلى غارودي- حازم صاغية- دار الريس- 2000 – ص122)

19- (راجع مجلة المستقبل العربي- مركز دراسات الوحدة العربية- العدد (30)- 1981).

20- (راجع بحث الإصلاح الديني كتابنا – إشكالية النهضة في الوطن العربي من التوابل إلى النفط – داري المدى و التكوين – دمشق – طبعت على التوالي /1997 و 2006 /.

21- د.منذر خدام – أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة- منشورات وزارة الثقافة – دمشق – 2008 ص 184 وما بعد.

 

 

في المثقف اليوم