قضايا

الفلسفة الوضعية المنطقية

يعتبر الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي الشهير اوجست كونت (1875-1798). هو مؤسس الفلسفة الوضعية Positivism التي تدرس الظواهر والوقائع المادية فحسب وتتبنى شعار (ما لا يمكن رصده، لا وجود له) رافضة كل تفكير في الغيبيات وعلى راسها الاله.*

وتستند إلى رأي يقول أنه في مجال العلوم الاجتماعية، كما في العلوم الطبيعية، فإن المعرفة الحقيقية هي المعرفة والبيانات المستمدة من التجربة الحسية، والمعالجات المنطقية والرياضية لمثل هذه البيانات والتي تعتمد على الظواهر الطبيعية الحسية وخصائصها والعلاقات بينهم والتي يمكن التحقق منها من خلال الأبحاث والأدلة التجريبية.

ومن ثم تعبر فكرة الوضعية عند كونت عن اتجاه فلسفي يريد تحرير العقل من ربقة الفلسفة، نشأت كنقيض لعلوم اللاهوت والميتافيزيقيا الذين يعتمدان المعرفة الاعتقادية غير المبرهنة. والواقع ان الاصول التاريخية للوضعية بصفة عامه ترجع الى عصر ديفيد هيوم (1711-1776 ) وكانط (1724-1804 ) فقد ذهب هيوم الى ان القضايا العلمية تختبر على ضوء التجربة، اما كانط فقد وضع راي هيوم موضع التنفيذ حين دون نقد العقل الخالص.

اراد كونت لفلسفته الوضعية ان تحقق هدفين: الاول فلسفي ويتمثل في تقييم تصوراتنا العلمية . والثاني سياسي ويتمثل في تقنين فن الحياة الاجتماعية.*

ثم طرح الفيلسوف الانكليزي سير الفريد اير (1989-1910) عام 1936 الفلسفة الوضعية المنطقية في كتابه (اللغة والحقيقة والمنطق)، كفرع من الفلسفة الوضعية. وقد كان اول ظهور لهذه الفلسفة في عشرينيات القرن العشرين، عند مجموعة من فلاسفة الاوربيين تعرف بمجموعة فيينا. وتقوم هذه الفلسفة على مبدا التثبت الذي يرى ان قبول أي افتراض او مسالة، يتوقف على القدرة على اثباتها او نفيها عمليا بالتجربة،او رياضيا، او منطقيا من خلال المدلول المباشر للألفاظ التي تشرح هذا المفهوم. ومن ثم، فلا معنى لأى افتراض او مسالة تقع خارج نطاق العلم التجريبي او الرياضيات او المنطق المباشر.

ومن ثم، ترى الفلسفة الوضعية المنطقية ان مفاهيم مثل الاله او روح او التدين او الالحاد لا تعني شيئا، اذ لا يمكن اثبات خطئها او صحتها تجريبيا او رياضيا او منطقيا. لذلك فان مقولة الله موجود لا معنى لها، ومن ثم يتساوى امام العقل ان يكون الانسان مومنا او ملحد.

وتدعي الوضعية المنطقية انها فلسفة علمية، فترفض النظر الميتافيزيقي ومناهجه، لأنها تنكر كل تفكير اولي قبلي سابق على التجربة ولان الميتافيزيقا تستخدم الفاظا لا تحمل معاني اتفق عليها بين الناس، لهذا ذهب هؤلاء الوضعيون الى ان القضايا الميتافيزيقة عديمة المعنى لأنها لا تحمل صدقا ولا كذبا ومن هنا كانت عبثا صبيانيا، فكل معرفة لا تقوم على المنهج التجريبي المحض لا ترتقي الى مرتبة العلم،

وقضايا العلوم اما ان تكون اولية قبلية وعندئذ تكون تحصيل حاصل، أي لا تنبئ عن علم جديد، او تكون فروضا تجريبية توصلنا اليها بالتفكير عن طريق المشاهدة وتكون ذات معنى يمكن التثبت من صحته بالتجربة.*

ان موقف الوضعية المنطقية كما عرضنا له لم يسلم من النقد من جانب عدد كبير من المفكرين المعاصرين وبعض والوضعيين انفسهم، حيث ان الوضعيين يرون ان العلم يستوعب جميع الموضوعات ويتناول كل المسائل ولا يدع للفلسفة مجالا للبحث، ويحرمون على العقل ان يعرض لغير الموضوعات التي يمكن ان تعالج بمناهج البحث التجريبي، والعقل ينساق بفطرته الى البحث فيما وراء الطبيعة المحسوسة مما لا تناله التجربة الحسية، والبحث في هذا العالم من شان الفلسفة لأنه لا يدخل في مجال العلم ولا يعالج بمناهجه*

وذهب كورنفورث الى ان الوضعية المنطقية قد احتفظت في باطنها بكل عناصر التفكير الميتافيزيقي، وحاولت الهرب من الميتافيزيقية برفض البحث في عالم وعلاقة الفكر بموضوعاتها. وتحقق في اتباعها قول ارسطو: ان من ينكر الميتافيزيقا يتفلسف ميتافيزيقيا!

وينتهي عصر الفلسفة الوضعية المنطقية عندما يعلن منظرها الاكبر سير اير ان هذه الفلسفة ملأى بالتناقض، بالرغم من انه قضى السنوات الطوال في معالجة اخطائها.

 

احمد حامد

 

في المثقف اليوم