قضايا

عبد الجبار الرفاعي: رهانات الدين والحداثة.. مـُـداخلة في المفهوم – الـمحور: قضايا إسلاميًة معاصرة

علي رسول الربيعياستمر عبد الجبار الرفاعي ولأعداد متتالية من مجلة "قضايا إسلاميًة معاصرة" في طرح محور "رهانات الدين والحداثة"؛ ولان المقام لايتسع للحجاج والتدليل في هذا المقام فنختصره بالاشارة والاحالة، أنه موضوع يثير اكثر من إمكان للتفكر ويتطلب حداً جامعاً وضبطا مانعاً لصعوبات الاستعمال المنهجي للمفاهيم.

تتطلب مًفْهمة الخطاب لا سرْديًات القول عن العلاقةِ البنيويةِ، ومجريات الأوضاعِ التاريخيًةَ للدينِ والحداثةِ تحديدَ زوايا النظر ما اذا كانت من باطنِ التقليًد الديني تجاه الحداثة، او من منظورِ الحداثةِ في تصورها لدينِ مُتماهيا مع تقليده التاريخي، أو معنى انتجهٌ ذلك التقليًد له ثبات مقولاته الصورية، أذ " تَميلُ النظرياتُ الى الثباتِ والوحدة كُلما ابتعدت عن ملامسة التجربة " كما يقول كوايًن – من وجهة نظر منطقية - ؛ وهكذا هي مقولات الدين هنا، او محاولة تقديم بديل هو دين – في- الحداثة ؛ أيً دين مفهوما على مقتضى الحداثة.

المسيحية والحداثة

تعيين ايً الأديان مقصودا، يُـشخص سياقاته التاريخية ويعيًن بنيًته الفكرية . فاذا كان القول عن اشكال العلاقة بين المسيحية الغربيًة والحداثة اصبح التشخيص معروفا. فالمسيحية التي أُستغرقت في عالم الحداثة راجعت مفاهيمها وراجـحت ممكن خياراتها مايـُعدَ ملائما لفضاء الحداثة، وواجهت السؤال ماذا يمكن ان يقدم الدين في الأزمنة الحديثة .

ثم وعلى سبيل السجال مع الرفاعي، لأبين له كم الامور لاكثر تركيبا وتعقيدا مما تبدو للوهلة الاولى، الا يمكن أن تكون دعوتك للحداثة هي دعوة لتمسيح عالم المسلمين فـ " الحداثة – إن سلمنا بضرورتها وهو ما لا معنى له إلا المفهوم الإيديولوجي المخمس الذي استعمله هيدجر مشترطا فيه عاملا أساسيا هو تمسيح العالم مع أربعة مقومات هي التقنية والعلم والثقافة من حيث هي سياسة والفن من حيث هو تلذذ فردي- لا يمكن أن تحصل إلا من رحم الدين لأنها بالأساس بنت الإصلاح الروحي في كل الحضارات ." كما يقول ابو يعرب المرزوقي

الاسلام والحداثة

مكمن الصعوبة عندما يكون الدين هو الاسلام والحداثة – النموذج هي الليبراليًة بوصفها النمط الحاصل- القابل للتبنيً او الاستلهام منها رغم وعي الفارق بين الممكن والحاصل. وايضا الصعوبة الناتجة من عوامل لا تماثليًة مرجـًحة قيام احد انماط العلاقة بين الإسلام والحداثة، وايهما اسبق حامل اجتماعي للحداثة يـُحدًث الإسلام ام قيام إسلام متظافر مع الحداثة. يرى عبد الجبار الرفاعي، لا يمكن تحديث المجتمعات " الإسلاميًة " مالم تنهض المؤسسة الدينية بعمليًة التحديث من جهة، لكن لايمكن تحديًث هذه المؤسسة في مجتمعات تعاني الاميًة والفقر والتخلف وتفشي الامراض، من جهة أخرى. فالعلاقة في دور لامخرج منه، ربما، الا بوضع – شرط استثناء خارج النسق القائم، لا يجود به التاريخ الا نادرا، حالة استنارة في ظرفية تاريخية تتماسس لتستمر ولكن لا المستنير يؤسس ولا المؤسسة تتاسس، لذا تبقى صعوبة كاداء .

يختزن رأيً الرفاعي هذا مـُضمَرا هو أن درجة الاستعداد المجتمعي لفهم الدين برؤية جديدة عنصراً حاسماً في إنجاز الحداثة، أنه يجتهد لإثبات حجية الدين في مهمة التحديث بوصفه معطىً جاهزا لهذا الدور ما ان تنهض به المؤسسة الدينية ؛ وهو قادرُ – ايً الدين طبقا لرؤية الرفاعي-- على لعبِ دورا فاعلا في مسألةِ تحديث المجتمعات الإسلامية وإنجاز نمط من الحداثة الإسلامية . أيً أن محور الرفاعي هذا يضع فرضا لايثبته: الدين رافعة اساسية في إنجاز مشروع حداثة العالم الإسلامي والا لما رهانات الصراع او التظافر بين الطرفين محورا اصلا .

يتطلب تركيب صيًرورة العلاقة بين الإسلام والحداثة وضع الإسلام في سياقه التاريخي اولا والمعاصر ثانيا، بدونهما لا تقوم له علاقة بالحداثة بوصفها منجز بشر، متحولة الانماط تاريخيًا، متبدلة الاشكال فعليًا، ولا يكون بالتالي هناك رهانات لهذه العلاقة في امكانات تشكلها منطقيا وتاريخيا؛ لانها تبقى علاقة بين مجرد وتاريخي، تفتقد التبادلية والتفاعليًة وهيً بهذه الصيغة تَـلغي الرهان اصلا، ويكون لها نمطأ واحدأ ناتجأ عن بعد واحد . فالعلاقة التي ينتـُجَ عنها رهانات لا تتصل بـــــ معنى واحد كلي ميتافيزيقي جوهري للدين .

الرهان والعلاقة

الأمكان الاخر الذي يفتحه محور " رهانات الدين والحداثة " في مايخص الاسلام تشخيصا هو السؤال. ماذا يعنيً رهانات الدين والحداثة اليوم، انه سؤال معقد التركيب مفهوميًا- منطقيًا، وبنيويًا – علائقيًا، وتاريخيًا - فعليًا، على الرفاعي مجترحه بالذات إيجاد منطق حله والا ستنشب نار الملامة في اذياله نفسه . فـرهانات تعني هنا العلاقة المتحولة والمتبدلة بين الطرفين بما لا يتوقع مسبقا عن شكلها لانها تحمل ما لا يحصًى من الاحتمالات الممكنة، بمعنى هناك صور لشكل العلاقةِ بين العناصر المقومة لهذه العلاقة الداخلة في عمليًةِ الرًهان تتبدل كلما تغيًر أو تحرك احد العناصر وهو حال سيًال، او كما يقول اركون " رهانات هنا انخراط كل متكلم عن طريق خطابه في لعبة صيرورة العالم الكبرى . إنه منخرط على هيئة اللاعب تماما . .. بمعنى ان سيرورتها معرضة في كل لحظة لمتغيرات الصدفة التي ينبغي على كل لاعب أن يدمجها في حساباته من اجل ان يسيطر عليها في تدخلاته اولعباته المتتالية . وفي حالة المعنى فإن اللعبة ترتد اوتقفز من جديد وبشكل مستمر ثم تتعقد داخل الزمان والمكان. "

فيقفز السؤال في راس الرفاعي - كراقصات عرب الجزيرة - حتى يٌفصح عن غاياته من هذه الرهانات وما اذا كانت تعني تحديًث الديًن، أم موقف الديًن من الحداثة، أو تتصل بفهمِ للدينِ وتفسير مقولاته من منظور الحداثة .

الدين والأنظمة المعرفية

هناك فهم " تقليديً " للدين - الإسلام، له تفسيراته ومفاهيمه ومقولاته السائدة، يـُمـيًز زمنيا بـوصفه ما قبل الحداثة ومعرفيا كتعبير عن الأبستيمي القروسطي. ومســألة الرهان تتعلق بفهم الدين وفقا لانظمة معرفيًة حديثة . اذن لدينا نظامين معرفيين لفهم الاسلام، النظام المعرفي التقليدي السائد الذي تشكلت مضامينه ومناهجه منذ مايعرف بـــــ " عصر التدوين " واستمر حتى اليوم والنظام المعرفي للحداثة في فهم الدين . فأذا كان محور الرفاعي يدور حول " معنى " الدين في عصر الحداثة الحاليًة الأستطلاعية؛ أذن، يبدا البحث من كيفيًة فهم الدين من منظور هذه الحداثة تحديدا برهانات افتراضيًة صورية لايضيف محمولها تركيبا لموضوعها، ولانتائج نهائية لها لاسباب عديدة وعلل فاعلة كثيرة مثالا عنها لا حصرا لها الأحكام المسبقة وأفق تاويل المفسر التي تحدث عنها غادامير .

أذن المطلوب تخصيص الحداثة زمنيا فيكون منطوق القول عن العلاقة بين الدين والحداثة الآن؛ وأيً إمكانات لظهور اشكال اخرى دائما للعلاقة بين الدين والحداثة راهنا .

يقوم اساس العلاقة بين الدين والحداثة على بنية كليًة وشبكة من المفاهيم، منها ما يتعلق بفهم الشريعة واحكامها وعلاقتها بالقانون وحقوق الانسان، والوصل - الفصل بين الشريعة والدولة؛ بالاضافة الى الايمان، والضمير الفردي والاخلاق . فأحد أهم المشكلات التي تواجه تحديث " الإسلام " هي إعاد بناء شبكة المفاهيم تلك مسبوقا بتفكيك المرجعية القروسطية اليقينيًة وادخال المقومات الفكرية الاساسيًة للحداثة . النقاش يتعلق، أذن، بطريقة انشاء البنيًة الكليًة والعلاقات بين تلك المفاهيم وموضوعاتها.

الدين والليبراليًة

ربما قَصَدَ الرفاعي الحداثة في تجلياتها الحاليًة لكنه لايسوًر قوله هذا، انها الحداثة يصفها هابرماز مشروع غير مُنجز باستمرار، وهي ليبراليًة، العلمانية رافعتها على راي رولز في كتابه " الليبرالية السياسية "؛ ويـصفها رورتي ايضا في " الممكن والساخرية والتكافل " ليبراليًة متمثلة في الاستنارة، معها ينتهي التاريخ بحكم فوكوياما والعلمانيًة، لامثيل ها في الواقع. وهكذا لاتجتمع الحداثة مع التديـًن، ومفهوم التدين الحداثي بلا مصداق ينص مصطفى ملكيان، في العقلانيًة والمعنوية، كما يترجم له الرفاعي نفسه. فايً رهان يبقى للدين مع الحداثة كما هي بالفعل ! . بالإضافة الى ان الفكر الاسلامي وبالتالي العالم الاسلامي لم يجترح نمط من الحداثة، أو رؤية بديلة تدخل في رهان علاقة مع الدين كما يطمح على سبيل المثال نقيب العطاس في (الإسلام والعلمانية) . اذن لايوجد بالممارسة التاريخية حاليًا الا الحداثة الليبراليًة وهي لاتـَطرح الا اشكالأً محددةً للعلاقةِ بينها وبين الدين . وعليه المطلوب أن يتجه البحث للتفكير في ممكنات هذه الاشكال المحددة فكريا وتاريخيا . فلم يعد للقول عن " رهانات الدين والحداثة بدون تسويًر ذا معنى لان الرهانات متكثرة الاحتمالات جدا، ومن هنا كان المفرو ض ان يضبط المصطلح منهجيا ومعرفيا حتى لايكون كحال استعمال " الانساق التاريخية " مصطلحا يفتقر الوضوح المنهجي والانسجام الدلالي في مجال علاقة البنية بالتاريخ. أخيرا أن هذه السرديات عند الدين والحداثة لاتُحقق الحداثة ولاتنجز مطاليبها، والدخول في الحداثة يمكن أن يتحقق من خارج الدين أو السبيل الصحيح له يأتي من خارج الدين.

 

الدّكتور عليّ رسول الرّبيعيّ

 

 

في المثقف اليوم