قضايا

في مشهد الفكر الفلسفي المعاصر

علي رسول الربيعيتحدث الفيلسوف الألماني يورغن هابرماز بتصنيف غير كورنولوجي (التسلسل الزمني) عن أربعة محاور أثرت بشكل كبير في الفكر الفلسفي المعاصر وهي: التفكير ما بعد الميتافيزيقي، الأنعطاف اللساني (في فلسفة اللغة)، مركزية العقل، وعكس أولوية العلاقة النظرية على التطبيق . لقد رسمت هذه المحاور المشهد العام للتحوًلات التي أصابت حقول المعرفة التي كانت قد مرًت بتحول مماثل عندما أستعارت الفلسفة في بدايات القرن العشرينالأدوات الجديدة لفلسفة التمثيل والفلسفة التحليلية من تطور المنطق مابعد الأرسطي في القرن التاسع عشر وسيمانتكس فريجة .

أنً التأمل في سياق الفكر الفلسفي المعاصر يبيًن لنا ليس القول بأن العلوم التجريبية تحكم نفسها بالفكرة الجديدة، ولا تقديس الوضعيين لسلطة الحكم هذه يعتبر جديدا، وحتى نيتشة في نقده الصارم لبنية التفكير الأفلاطوني بقى قريبا من تراث وتقاليد النظرية الفلاطونية، حيث تشتق هذه النظرية أدعائها في البحث عن الحقيقة من كمالها وتمامها الذاتي . فمفهوم النظرية الذي يشتغل ليس في العلوم الأنسانية فقط ولكن في العلوم الطبيعية أيضا وبواسطة تركيبها الداخلي، وصل مؤخرا الى نهايته في حضور التفكير الميتافيزيقي. وبالتالي فأن عقلنة العمليًة العلميًة هي الحاكم في أن يكون لمعنى هذه الجملة أو تلك قيمة وذلك من خلال قربه من الحقيقة المتصورة أو بعده عنها. وكان تاثير هذا التفكير المضاد للميتافيزيقا كبيرا على ممثلي مدرسة الوضعية المنطقية في حلقة فينا ؛ لاسيما في محاولتهم العابثة في ً مبدأ التحقق التجريبي لتحليل وتشخيص ظواهر المعنى، فنجدهم يفترضون أساسا السماح للميتافيزيقا بتشكيل الحقيقة العلمية، ثم أنً كل من هوسرل وهوركهايمر والبنيويين المتأخرين أتجهوا بالتفكير الفلسفي تلك الوجه التي تجعله ينحني ويتواضع أمام العلم بشكل كبير جدا أيضاً؛ ولكننا الآن نفكر في العلم ونتعامل معه بطريقة أخرى.

أما الأنموذج (البراديغم) العلمي فقد حوله كاسيرا من هيمنة لفلسفة الوعي عليه الى فلسفة اللغة، حيث أصبحت الرموز اللغوية وسائل ومستلزمات للتمثيل الذهني، واصبح المعنى الرمزي علما يمتلك أستقلاله الذاتي، وأضحت العلاقة بين اللغة والعالم كالعلاقة بين الموضوع والشئ. كذلك حول هذا الأنموذج الأنجازات المركبة للعالم من الموضوعيًة المتعاليًة (ترانسندنتالية) الى التراكيب النحوية. والمحصلة هي رموز مترابطة وجمل مُشكلًة وكلام ممكن قراءته بدلالة الصيغ اللغوية. ولا يمكن أعتبار الفلسفة التحليلية والبنيوية وحدهما التي أبتكرت هذه الأسس المنهجية الجديدة، أنما الجسور أمتدت أساسا من نظرية هوسرل في المعنى ومن منجز النظرية النقدية أيضا.

لقد تمكنت الظاهراتية الأنطولوجية من خلال مفاهيم الظرفية التاريخية والتناهي من أقامة الربط بين مختلف نتاجات الفكر الفلسفي الكلاسيكي. فالوعي المتعالي يركز نفسه في واقعية الحياة ليحيا في عمق التاريخية الأنسانية. والظاهراتية الأنثروبولوجية تكشف وسائل أتصال أخرى في الفعل واللغة والجسد: لعبة النحو اللغوية لفكنشتاين،وتأويل غادامير للتراث والتاريخ الحيً، وبنيوية لفي شتراوس، وأخيرا الحتمية التاريخية لكل من هيجل و ماركس. كل هؤلاء كان نشاطهم الفكري بأتجاه إعادة تشكيل النتاج الذهني المجرد في سياقاته، ولأيجاد المناخ الملائم لعمله.

والعلاقة الكلاسيكية بين النظرية والواقع العملي و معكوس ذالك هي نتاج لذلك التأمل في الفكر الماركسي، بالإضافة الى أدلة كثيرة تدعم وجود هذه الفكرة في الواقع العملي وفي جدلنا مع الأشياء والأشخاص، والتي زودتنا بها أيضا برغماتية كل من بيرس وميد، بالإضافة الى ظاهراتية هوسرل وشيلر، وعلم نفس بياجيه، ونظريات اللسانية. أّذ أكد كل هؤلاء على أهمية العلاقة بين النظرية والواقع . وهذا مايفسر لنا أيضا التداخل بأسم الفلسقة العملية بين بين الظاهراتية والماركسية (أبتداء من ماركس ونهاية بسارتر)

طبقا لهابرماز تكون أكبر المحفزات في الفلسفة المعاصرة، وعلى الرغم من وجود الحدود والأختلافات بين المدارس الفلسفية، هي المحاور التي ذكرناها سابقا. لم تقد هذه المرتكزات الى رؤى جديدة وحسب،وأنما الى أحكام مسبقة جديدة أيضا. فعلى سبيل المثال، تمكن المثال المنهجي للعلم من تطوير الفلسفة الى قواعد ونظام معرفي منضبط ودون أمتياز أداتي. وهو يمدنا، أيضا، بنوع آخر من العلمية التي لاتُخضع فقط نتاجات الفكر الفلسفي لأمتحانات تحليلية أعمق، أنما تضع مثالاًمذهلا للعلم كذلك .

 

الدّكتور عليّ رسول الرّبيعيّ

 

 

في المثقف اليوم