قضايا

حوارات مع جاري الملحد: العلم والالحاد وقصة الفرعون (2)

وليد كاصد الزيديجاري الملحد متسلح بالعلم والثقافة بشكل يثير الانتباه، لديه عدة مكتبات في داره وتكاد كل غرفة فيها مكتبة ولو صغيرة وفي الصالة ايضا، بل وحتى في سرداب الدار، وهو لا ينقطع عن القراءة أبدا، فما ان ينتهي من كتاب حتى يبدأ بالآخر فضلا عن البحوث والمقالات التي يكتبها على حاسبته التي يعمل عليها لساعات طويلة . والاهم من ذلك لديه نسخة من القرآن الكريم بالفرنسية وكتب عن الاسلام وحضارات الشرق القديمة وملحمة كلكامش وغيرها من عشرات الكتب القفيمة، كان قد قرأها منذ سنوات مما كونت لديه ثقافة عالية، وأتاحت له فرصة ان يناقش في محتواها بأدلة علمية وتاريخية.

اليوم هو يحاجج بأن الأديان كانت سائدة ويؤمن بها الناس عندما كان الجهل والتخلف يحف العالم، أما بعد تطور العلم وظهور الاكتشافات والنظريات العلمية الحديثة اتجه قسم كبير من الناس الى هجر الأديان فأصبحوا ملحدين او لا دينيين - بحسب قوله- ولا سيما لدى انتشار الأفكار الحرة منذ عصر التنوير وفي زمن الثورة الفرنسية، فكثير من الاكتشافات العلمية دحضت ما جاءت به بعض الأديان من شعائر وطقوس انتشرت ودامت لسنوات طويلة.

لذا فهو يقول لي: لماذا انت متمسك بدين وإله أمام هذه المعطيات؟

أجبته: هنالك العديد من الكتب الغربية التي تنافي قولك، ولا أحدثك عن كتب إسلامية مكتوبة أو مترجمة عن العربية لأنك بالتأكيد سوف لن تثق بها، ألم تقرأ كتاب (الله يتجلى في عصر العلم) من تأليف عدد من كبار العلماء الغربيين، وهو يعطي العديد من الأدلة العلمية التي تثبت وجود الله، مسندين نظرياتهم بأدلة وبراهين في مجالات العلوم المختلفة.

أردفت قائلا: سوف اعطيك نموذجا واحداً فقط على اسلام عالم التشريح الفرنسي (موريس بوكاي) لدى كشفه عن جثة الفرعون، وهو رجل علم لا غبارعلى علميته في فرنسا والعالم، ألم تسمع عنها؟

رد بالقول: أعرفه بالتأكيد، ولكن حدثني عن ما قال لو سمحت.

مع انني متأكد من ان جاري يعرف هذا العالم الشهير ويعرف القصة تماماً، لأنها اشتهرت في عموم العالم قبل ثلاثة عقود وليس في فرنسا فحسب، مع ذلك سايرته لغرض عد استفزازه، فسردت له كيف أحضروا لموريس بوكاي مومياء الفرعون الاكبر من القاهرة الى باريس لإجراء دراسات عليها وترميمها في منتصف ثمانينيات القرن الماضي ، وكان في استقبالها الرئيس الفرنسي (فرانسوا ميتران) وعدد من الوزراء وكبار المسؤولين، وتحت حماية خاصة مشددة نقلت المومياء الى مركز الاثار بباريس لإجراء الدراسة عليها.  

فوجد بوكاي ان المومياء لا يزال يغطيها الملح، وهو ملح البحر الذي غرق فيه الفرعون بعد ان طارد نبي الله موسى واتباعه من بني اسرائيل فجعل الله بقدرته ممرا في البحر عبروا عليه مشيا إلا الطاغية فرعون وزمرته الذين تصورا بامكانهم العبور يقدرتهم، الا ان الله إغراقه في أمواجه وجعله وقومه آيةً لبني اسرائيل وللعالمين اجمعين حتى يومنا هذا . في حين كانت الروايات الاخرى شبه مجمعة على ان الفرعون لم يمت غرقا، ولم تذكر الكتب السماوية الاخرى كيفية موته وما هو مصير جثته سوى القرآن الكريم . كما وُجد الجلد سليما بعد فك أربطة التحنيط للفرعون وهو ما يكشف ىيات الله وصدق كلامه في القرآن.

قاطعني جاري: وما الجديد في ذلك؟ وهو العنيد الذي لا يترك لي المجال لاقناعه بالعلم كما هو يدعي بأنه أصبح ملحداً بالعلم.

أجبته دعني اكمل وانا متاكد بأنك ستقتنع بما أقول . قال حسنا ولكن ببرود.

اكملت قولي: لقد اعتقد بوكاي بأنه اكتشف شيئاً جديدا واتجه ليعلن ذلك للعالم، ولكن احد القريبين منه قال له بأن القرآن قد ذكر ذلك قبل أربعة عشر قرناً، فرد بشدة: ما تقولونه شيء مستحيل، هذا الذي قمت به لا يكشفه الا العلم الحديث وباستخدام المواد والوسائل الحديثة.

طلب بوكاي ادلة قرآنية اكثر، فقررالسفر الى بعض البلدان الاسلامية واطلع على ما ورد في القران من خلال شروحات للآيات المتعلقة بدراسته للمومياء، فقرؤوا عليه الآية القرآنية: " فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً، وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ".

نفد صبر صاحبي وقد بان ذلك على محياه، فقال لي: وما ذَا بعد؟

أجبته: لقد أسلم موريس بوكاي فوراً بالعلم الذي اثبته له القرآن وليس العلم الذي أدى بك الى الإلحاد.

قال لي: لا شأن لك بإلحادي، ولكن ما الذي دفعه للإسلام في هذا الامر ؟

أجبته: يعلم بوكاي، أن المومياء كانت قد أكتشفت سنة 1898، في حين وجد أن القرآن قد ذكر ذلك قبل اكتشافها بثلاثة عشر قرنا تقريبا، فأيقن ان الكتاب منزل من الله، ولعل احدى معجزات الله سبحانه وتعالى في ان تبقى مومياء الفرعون سالمة بنسبة كبيرة لآلاف السنين لتكون آيةً للعالمين، وقد ذكرها القرآن دون غيره من الكتب السماوية او حتى التاريخية.

قال لي غاضباً: أعطني ادلة اريد الاطلاع عليها مكتوبة ومنشورة من قبل بوكاي او غيره، فقلت له سأزودك بها هذا المساء.

انتهت المحاورة، وفي المساء أحلته الى ما كتبه بوكاي، ثلاثة مؤلفات منها خلال سنوات إسلامه العشر، بينها كتابه ”التوراة والانجيل والقرآن والعلم، دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة “

،La Bible، le Coran et la science: les Écritures Saintes examinées à la lumière des connaissances modernes،

والآخر "مومياءات الفراعنة والطب"

Les Momies des pharaons et la médecine،

وكتابه "موسى والفرعون"

Moïse et Pharaon،

وكتاب " أصل الانسان

"L'Homme، d'où vient-il .

في مقال آخر سوف اخبركم بردة فعل جاري المسكين من خلال قصة اخرى في ذات السياق.

 

د. وليد كاصد الزيدي - باريس الحبيبة

في الاول من ابريل 2017

 

 

في المثقف اليوم