قضايا

حوارات مع جاري الملحد: العلم يقود الى الايمان.. قصة العالم الفرنسي جاك كوستو

وليد كاصد الزيديبعد حواري السابق مع جاري العالم العجوز الذي أكن له الاحترام لثقافته العالية ومعرفته وإدراكه لأمور معرفية شتى قلما قابلت مثيله. في لقائنا السابق، كنت قد دحضت فيه مقولته بأن العلم يقود الى الإلحاد أو ان الإلحاد يستند الى العلم، عندما بينت له العكس من ذلك بإسلام الجراح والطبيب الفرنسي بوكاي بالعلم وليس بغيره لدى كشفه عن مومياء الفرعون، فقال لي يومها انها حالة نادرة ولا تقاس الامور على النوادر.

أجبته - وقد تسلحت بمعلومات مستفيضة عن مثال آخر وقرأت عنها بتوسع - دعني أروي لك اليوم عن نموذج آخر مشابه. بالتأكيد أنك قرأت أو سمعت على الاقل - وأنت القارىء المتعطش للعلم والمعرفة - عن إسلام عالم البحار الفرنسي (جاك كوستو) بالعلم أيضاً.

فرّدَ ببرود يخفي معرفة ويتهيأ لإنكارها: حدثني ربما ستسعفني ذاكرتي التي تمر بمرحلة الشيخوخة.

بدأت برواية قصة اسلام عالم البحار والمحيطات الفرنسي (كوستو) وهو المولود سنة 1910، بعد اكتشاف علمي تبين له أن القرآن قد أشار اليه قبل اكثر من اربعة عشر قرناً، عندما اكتشف بأنه ذكر في سورة الرحمن ضمن الآيتين: 19- 20 (مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان).

لم يكن كوستو عالما مغموراً، بل ساهم في أعمال علمية عديدة تخص عالم البحار والمحيطات واستكشافاتهما، منها المساهمة في اختراع كاميرا حديثة متطورة تقوم بالتصوير تحت ماء البحر بعمق 350 متراً ثم 500 متر، كما قام بإنتاج العديد من الأفلام الوثائقية العلمية، أشهرها برنامج (عالم البحار والعالم الصامت)، ولم يتوقف عن عمله البحثي العلمي رغم تجاوزه الــ 86 عاماً.

وقف كوستو على منصة المؤتمر العلمي البحري العالمي في أكاديمية العلوم بمدينة باريس عام 1977، وهي التي تجمع أكثر من خمسة آلاف عالم في العلوم التطبيقية وفي علوم الأحياء وعلوم البحار .وأمام حشد كبير من العلماء والباحثين من كل دول العالم، ليعلن اسلامه ويقرأ الشهادتين بكلمات عربية رغم صعوبة لفظها، ففهمها الحضور بعد ترجمتها الى الفرنسية، وذهلوا فاتجهوا اليه ورغبوا بمعرفة السبب.

قاطعني جاري متلهفاً لمعرفة السبب: وماذا كان؟

أكملت حديثي، قال لهم كوستو: لقد رأيت آيات الله الباهرة في هذه البحار التي درستها لسنوات طويلة من حياتي، ثم وجدت القرآن الكريم قد تحدث عنها وذكرها قبل 14 قرناً .

سأله الحاضرون: و ما هي؟

رد: اكتشاف علمي توصلت اليه بنفسي .

لقد درست المضائق (جبل طارق وباب المندب) عند البحر الأحمر، حيث مضيق جبل طارق بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، ويفصل مضيق باب المندب بين البحر الأحمر وبحر العرب والمحيط الهندي .

مردفاً: لقد أسلمت لأني جبت البحار والمحيطات، أستكشف هذا العالم المجهول العجيب فوجدت آيات الله فيه، وقد أبدع خلقه، ثم وجدت في القرآن ما يؤكد هذه الآيات والاكتشافات التي لا يعلمها إلا الله، والتي كشف العلم الحديث عن قسم منها، فكيف لرجل مثل محمد أن يعرف تلك الآيات ويدونها في كتابه، وأغلبكم يقول أن القرآن كتبه محمد ولم ينّزل من إله؟ مضيفاً: من تلك الحقائق العلمية التي جاء ذكرها في القرآن والتي أبهرتني: أنني اكتشفت وجود برزخ وحاجز بين البحرين حين يلتقيان في نقاط تماس، في كل بحار العالم ومحيطاته، وهي عبارة عن بحر ثالث يختلف عن البحرين الملتقيين، ومثالها ما ذكرته عن مضيقي جبل طارق وباب المندب، وجدت وشاهدت ذلك البرزخ والفاصل والحاجز بين البحرين بنفسي وصورته وفحصته وسرت في أطرافه وأعماقه، انه بحر آخر متفرد ومنفصل عن البحرين ببيئته وجوه ومائه وملوحته وأسماكه وحيواناته ونباتاته البحرية، وحرارته وضغطه وصفاته الفيزيائية والكيميائية، لا يشابه أياً من البحرين.

كان من المفترض أن المحيط الكبير يطغى بمائه على البحر الأصغر منه، كمثل الأواني المستطرقة ولكن هذا لم يحدث ولن يحدث أبداً، لقد وجدت أن هناك بحراً ثالثاً يفصل بينهما، هذا البحر له خصائصه التي يتفرد بها عن البحرين، وهذا التفرد في كل شيء، في الملوحة والكثافة وفي الأسماك وفي درجة الحرارة، بل الأمواج والأسماك لا تدخل هذا الفاصل أبداً .

ولا يزال الحديث للعالم كوستو: حدَّثت أحد البحارة الزملاء من أهل اليمن، فقال لي: إن هذا الأمر الذي ذكرت موجود في القرآن الكريم وتلى هذه الآيتين: (مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان)، فدهشت من ذلك .

كذلك ما جاء في قوله تعالى في سورة النمل: الآية 61: { أمّن جعل الأرض قراراً وجعل خلالها أنهاراً وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزاً أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون }، فرجعت اليهما فيما بعد في القرآن ووجدتهما حقائق موجودة فيه قبل أن اكتشف جزءاً منها.

سألني صاحبي: الى أين تريد أن تصل في ما سردت؟

أجبته: إن هذه الدلائل العلمية تبين بجلاء تام ووضوح لا غبار عليه أن الكتاب الذي نزل على النبي محمد هو من إله هو الله، وإلا كيف علم النبي في ذلك الوقت ما اكتشفه كوستو في ايامنا هذه من وجود حواجز وفواصل مائية بين البحار والمحيطات وغير ذلك من معلومات وحقائق علمية لا يمكن دحضها؟

أضفت: والأهم في ما أريد الوصول اليه أيضاً، هو أننا عرفنا الله بهذا العلم وغيره، ولا أعلم بأي علم انتم عرفتم الالحاد؟

بدت ملامح الغضب والتوتر ترتسم على محيا جاري العجوز، ولم يستطع الرد إلا بالقول أن فرضيات أو حتى حقائق يثبتها افراد لا تفرض دلائل قاطعة الأحكام على كل الأشياء !

من جانبي فضّلت المغادرة بعد أن وجدت جاري قد وقع في إحراجٍ لا يحسد عليه، وأنا استأذنه، قال لي متهرباً من مأزقه الجديد: سيكون لي نقاش آخر معك حول نشأة الكون والخلق فهيء لي ما لديك.

ابتسمت وأنا أرد عليه: بكل سرور، ولكنك ستخسر الجولة القادمة أيضاً.

 

د. وليد كاصد الزيدي

 

في المثقف اليوم