قضايا

الضغط الأسري ضمن المجتع الشرقي

يمثل الضغط الأسري وما يترتب عليه من ضغط نفسي بالدرجة الأولى، وضغط اجتماعي بالدرجة الثانية، من أولى المظاهر التي عرفها المجتمع الإنساني.

والضغط الأسري: ظاهرة اجتماعية إنسانية ترفع الكارت الأحمر لأيجاد الحلول المناسبة لتخفيف تبعياتها.

اما الأسرة : فهي نظام اجتماعي، يمثل الداعم الأول في رسم حدود شخصية الطفل،و قد تكون عائق اومحفز، فالمحفز مااشرنا اليه سلفاً، اما  العائق : فيتمثل في الحرمان، العازة، الضرب، التسلط، القسوة،البخل،  الظلم، وهذه الضغوط تنبع من ظلم الأب أو جبروت الأم أو الأخوان الراشدين، وهنا يتولد مفهوم (العنف) والذي يعني: توظيف القوة الجسمية والألفاظ غير المحببة باتجاه الطفل والفئات العمرية المتتالية، ليرتتب فيما بعد جملة من الضغط النفسي من قبل الشخص البالغ بازاء الأقل عمراً، وهو احد اخطر المظاهر المنتشرة في مجتمعنا المعاصر وهو سلوك لاينتمي الى المستوى الثقافي والعلمي المتحضر، بل لاينتمي الى الجانب القانوني،بعض هذه الضغوط تنامت من ممنوعات المجتمع الشرقي الذي ينتمي في بعض افكاره الى المجتمع الجاهلي .

ولايعد الطعام او النوم او سلامة البدن من مقومات ترابط المجتمع الأسري، بل الحب،والأحترام، والطاعة، والأبتعاد عن الضغط النفسي، وتوفير ابسط متطلبات الإنسان، هذه المقومات البسيطة تمثل البذرة الخصبة والتربة المزيجية السهلة بل أبسط اعمدة نهضة الكيان الأسري، وهناك بعض الأسر  توظف أسلوب العقاب بالضرب ومن هنا يترتب بناء كيان اسري مضطرب يشير بالضد ولذا لابد من احتضان هذه الفئة لأنها اذا تنامت رسمت مشكلات يصعب ايجاد الحلول لها .

ويؤسسان- الأب والأم: علاقة اجتماعية مترابطة تنتج عائلة متماسكة، والأطفال الذين يولدون تحت سقف أسرة مضطربة ينتج مشكلات وانفعالات سلوكية اجتماعية مضطربة.

وتتجه هذه الظاهرة  السلبية باتجاه التزايد لا الأنخفاض، فما هو المطلوب بإزاء هذه الظاهرة الخطيرة؟ وماهي طرق التصدي لها؟

أقول:

إن من الواجب على الأسرة احتضان ابنائها؛ لأنها –الأسرة- البذرة الأولى لاستمرار الحياة ومن ثم نهضة الأوطان، وهناك جملة من الدراسات والبحوث خصوصاً في قسم (علم النفس، والتربية الأسرية،والخدمة الأجتماعية )، بل هناك كثيراً من رسائل الماجستير والدكتوراه والكتب المطبوعة قد انصب (اعتكفت) اهتمامها لمعالجة هذه الظاهرة الخطيرة، والسعي الجاد لأيضاح وتقديم ابسط الحلول والنتائج لحلها.

وهناك أسر واعية تحتوي ابنائها وتتعامل مع معوقاتهم بالتفاهم والنصح والأرشاد، والابتعاد عن الضغط الأسري بل والابتعاد عن معوقات ومفاهيم المجتمع الشرقي الذي يمتلك جملة من الضوابط الضاغطة لمفاهيم كثير من المراهقين، الذين يعمدون الى اختراقها مجاهرتاً او بالخفاء وكلتيهما تمثلان خطراً لابد من اتخاذ الحيطة والحذر منه، والسعي الجاد لأيجاد الحلول المناسبة لها؛ لأنها ظاهرة قابلة للتنامي بالوراثة.

وتدل الكثير من الدراسات على أن الطفل لابد أن يتم احتضانه منذ اوليات مرحلة الولادة ويكون ارتباطه بالأسرة بالدرجة الأولى ؛ لأنها ملازمة له يبني عن طريقها شخصيته ووجوده وكيانه، وهنا أشارة الى أن الأسرة لابد أن تمتلك من الثقافة والوعي الأسري الشيء الكثير، ذلك لكي يتكأ عليها في بناء المستقبل ونهضة الأمة.

ومن أهم عوامل نجاح المجتمع الأسري هي اعطاء الفرد شخصيته التي تتكون عن طريق ارتباطها بعنصر الحرية، ولااقصد بالحرية هنا الحرية المفرطة أنما ضمن حدود المسموح به، بالأبتعاد عن ضغوط وممنوعات المجتمع الشرقي التي تكون في اغلبها ضغوط غير واجبة، وظفت فقط لتكون ممنوعة لاغير، ثم لابد من توفير القناعة الملازمة لفكر الطفل منذ المراحل الأولى بإنه شخص يعتمد عليه ومن الممكن اعطاءه قيادة الكثير من المهام، وبهذا يتولد لديه او بالأحرى يتنامى لديه فكرة أنه شخص ذو أهمية ومن الممكن الأتكاء عليه في المستقبل، وبهذا تتولد لديه شخصية قيادية ؛ ذلك لأن بطبيعة الإنسان أن يعزز وجوده ويسعى دائماً الى أن يجمع كلمات الأعجاب  والأستحسان لديه، لكن اذا فقد كل هذه المقومات يتولد لديه اضطرابات داخلية تؤدي به إلى تولد سلسلة من الأفكار السلبية.

وتمثل شريحة المراهقين من أكثر الشرائح التي يتوجب أن ينصب الأهتمام نحوها ؛ذلك لأن هذه الفئة العمرية تكون في مرحلة وسطية بين أن تكون أو لاتكون، بمعنى أنها قابلة لأنجذابات مختلف الأقطاب سواء كانت السلبية منها أم الأيجابية ؛ لأنها تكون في فئة عمرية تجد في وجودها او تعمد الى أن يكون وجودها وجوداً مستقلاً، يسعى لفرض ذاته ووجوده.

ومن جانب آخر قد يكون الضغط الأسري نابع من ضغط الظروف المحيطة بالإنسان، فعامل الحرب وتشرد الانسان من منزله وبلده، وفقدان احد اركان البيت (الأم أو الأب) أولى عوامل التهميش الأسري في بعض الأحيان؛ لأن هذه المعوقات تكون أجبارية خارجة عن ارداة الأسرة ومن ثم تكون واقع معاش لايوجد في اليد حلاً لها، لذا يقع الكاهل الأعظم في مثل هذه الظروف على منظمات المجتمع الإنساني، ومنظمات الأسرة الحكومية والأهلية، ومنظمات الهلال الأحمر أجد أنها تقوم بدور كبير في أحتضان مثل هذه الظروف عن طريق سعيها الجاد لأحتضانها ومعالجتها بالقدر الممكن .

من جانب آخر يغفل الكثير من الأباء أنه يتعامل مع أنسان مثل شريحته ولكنه أقل منه فئة عمرية، ويغفل بالتالي أن هذه العقلية صفحة بيضاء ومن ثم فأنها مهيأة لأحتفاظ وتسجيل كل الضغوط الممارسة ضده، لتتراكب هذه السلوك الممنوعة وتشكل سلسلة طويلة من الضغوط النفسية، ثم يغفل الكثير من الأسر أن هذه الضغوط الممارسة ستمثل سلسلة وراثية يسعى الابناء في الكبر تطبيقها على ابنائهم، من مبدأ تحقيق نفس الصورة التي  سعى ابائهم الى تطبيقها اتجاههم، أو من مبدأ فرض الجبروت وهي صورة مشابهة لصورة الأب أو الأم،  ويسعى هولاء الاباء الى تطبيق مبدأ فرض الذات على الذات الأخر وهنا تغيب (الأنا الإنسانية)، ومن هنا تغيب العلاقة الأبوية باولاده، عن طريق فرض الأب لمبدأ الخضوع والطاعة، وبهذا تغيب العدالة الإنسانية ويغيب مبدأ التفاهم والعلاقات الأسرية تماماً، وعموماً فظلم الأب دائماً يكون اكثر من ظلم الأم، ومن هنا ينشأ مبدأ الحرمان الذي لايرتبط بمفهوم الأكل، انما يتعمق لبعد أكثر هو الحرمان من ابسط مقومات الحياة وهو الأحترام للكيان الإنساني، الذي يعاني من عدم تمكنه من تحقيق طموحه، ويعد الحرمان الأسري أخطر انواع الحرمان .

واخيراً فما تم عرضه هو صورة مبسطة ومختصرة لواقع اجتماعي معاش، سعى الى تطبيق مفهوم الفكر الشرقي على ابنائه، غافلاً الكثير من التبعيات التي تتراتب على هذه السلوكيات.

 

بقلم : وسن مرشد

  

في المثقف اليوم