قضايا

نظرية الاستخلاف بين الغلوّ والازدراء

هناك نظريات ومذاهب فلسفية غالت في تقديرها للانسان؛ فجعلت منه الها، بعد ان انكرت الاله الحق. وفي هذا السياق، تأتي الوجودية والتي هي اسلوب في التفلسف كما يرى بعض الباحثين، اكثر منها فلسفة؛ فهي ليست نمطا فلسفيا محدد الملامح كالمذهب العقلي والمذهب التجريبي؛ ولذلك نجد سارتر والوجوديين الفرنسييّن وهيدجر ملاحدة، بينما نجد سيرن كيركغورد مؤمناً .

الوجودية انطلقت من الانسان، على خلاف الفلسفات التي انطلقت من الطبيعة، وعالجت مشكلات نفسيّة، كالقلق والغثيان والخطيئة . وهذه مسائل لم تحظ باهتمام الفلاسفة . وهذا يدعونا الى ان نعود الى بداية بروز الفلسفة الوجوديّة بعد الحرب العالميّة الاولى، وماخلّفته هذه الحرب من ماسٍ وويلاتٍ ودمارٍ وخراب؛ لكي نقرأها في سياقاتها التأريخيّة .

ركزّت الفلسفة الوجودية على الانسان، واعتبرته هو الوجود الاصيل، وان وجوده سابق على ماهيته . وعبّرت عن الوجود الانساني (بالوجود لذاته) والموجودات الاخرى (بالوجود في ذاته) .

صاحبت الفلسفة الوجودية، موجة من التمرد، واسقاط كل شيء، وانكرت وجود الخالق، اذا عبّر سارتر عن الله تعالى بانه: (خرافة ضارّة) .

هذا انموذج من الفلسفات والرؤى التي بالغت في تقدير قيمة الكائن الانساني . وهناك نمط اخر وفلسفات اخرى ازرت بالانسان، وانزلته عن قدره ومقامه، وشيّات الانسان، اي: جعلته شيئا كسائر الاشياء.

من هذه المذاهب ماعرف (بالمذهب الفيزيائي في الفلسفة) او (النظرية الفيزيائية) وهي: (اطروحة فلسفيّة وجوديّة تقول بانّ: (كل شيء فيزيائي) وانه: (لايوجد شيء فوق او ماوراء المادة الفيزيائيّة او انّ كل شيءٍ تابع للمادة الفيزيائيّة). نقلا عن ويكيبيديا

هذا المذهب الفيزيائي يزري بالانسان وينزل من قدره ويشيّئه . هذا المذهب يختزل الوجود الانساني بالمادة، فيتعامل مع الانسان وكأنّه جهاز كوكمبيوتر معقد، والعقل الانساني يختزل الى مخ انساني تجري عليه القوانين البيولوجية، ولاشيء اكثر من ذلك .

في هذه النظرية الفيزيائية الالية، لاوجود لعقل وروح ونفس وارادة حرة ومشاعر، وانما الانسان عبارة عن جهاز كومبيوتر معقّد خضع لبرمجة شاملة .

ومن النظريات التي تحط من منزلة الانسان الذي كرمه الله تعالى: ولقد كرمنا بني ادم، نظرية دارون الذي ترجع اصلة الى حيوان وحيد الخليّة . ومن النظريات التي تحطّ من منزلة الانسان وتزدريه نظرية فرويد التي جعلت كل سلوكه محكوما لغريزة الجنس، فلادوافع سامية، ولاغايات نبيلة لسلوك الكائن الانساني . والنظرية السلوكية في علم النفس جعلت سلوك الانسان سلوكا عضويا بيولوجيا، فليس هناك ارادة حرة يقرر الانسان من خلالها مصيره . ونظرية كارل ماركس جعلت من الكائن الانساني اسيرا لوسائل الانتاج وعلاقات الملكية؛ فهي التي تقرر مصيره ووضعه الطبقي والاجتماعي والسياسي .

نظرية الاستخلاف القرانيّة

وتاتي نظرية الاستخلاف القرانيّة وسطا بين نظريات الغلو التي تجعل من الانسان الها لاقوة فوقه، ونظريات الازدراء بالانسان التي اختزلت الانسان الى شيء من الاشياء او خاضعا لغرائزه او اسيرا لقوى الانتاج ووسائله .

الانسان خليفة الله

الانسان في الرؤية القرانيّة كائن مكرّم، فقد اختاره الله ليكون خليفته في ارضه، يقول الله تعالى: (واذ قال ربك للملائكة انّي جاعلٌ في الارض خليفةً) . البقرة: الاية: 29.

ونظرية الاستخلاف القرانيّة تجعل من الانسان كائنا محوريا في الوجود، ولكنّها تبقي هذه الثنائية بين الرب والعبد، ولاتحل العبد محلّ الرب . ومجال خلافة الانسان في الارض، كما جاء في القران:

(وعد الله الذين امنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم) . النور: الاية:53 . واشترط في الخليفة العلم، فالله علّم ادم الاسماء كلها: (وعلم ادم الاسماء كلها). واذا اخل الخليفة بشروط الاستخلاف يستبدل وفق قانون الاستبدال:

(فان تولوا فقد ابلغتكم ما ارسلت به اليكم ويستخلف ربي قوما غيركم ولا تضرونه شيئا ان ربي على كل شيء حفيظ) . هود: الاية: 56 .

 

زعيم الخيرالله

 

في المثقف اليوم