قضايا

الجامعات المستحدثة.. ما لها وماعليها (1)

سلام جمعة المالكيالسيد وزير التعليم العالي والبحث العلمي المحترم.. السادة المحترمون مسؤولو الدوائر والمؤسسات الاكاديمية في العراق.. اعرض لأنظاركم قراءة شخصية مختصرة لواقع التعليم العالي في العراق اتمنى فعلا ان أكون مخطئا فيها.. فان رأيتم ان تقبلوها فأنها ستكون دفعا لعملكم ورسالتكم نحو الامام وان رأيتم انها غير صحيحة او غير دقيقة فاهملوها....

نافلة القول ان المؤسسات الاكاديمية والجامعات على رأسها، انما هي مركز أساس من مراكز بناء الفكر وانتاج الكفاءات والقيادات المسلّحة بمختلف العلوم والملكات المهنية والادارية والانسانية بما يتلاءم مع الحاجات الآنية والمستقبلية للمجتمعات المختلفة. على ما تقدم تقفز للواجهة ضرورة التجديد والتغيير حسب المتغيرات الزمانية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها، سواء كان التغيير والتجديد من رحم تلك المؤسسات نفسها او بإضافة واستحداث مؤسسات اخرى عند اقتضاء الحاجة او عدم وجود امكانية لدى المؤسسات الموجودة اصلا، لذلك الاستحداث لأسباب مختلفة..... ومن هنا جاء مصطلح ...الجامعات المستحدثة!!!

لماذا يتم "او تم" استخدام مصطلح "المستحدثة"؟ هل يرتبط الاسم بفترة زمنية معينة. سنة واحدة...اربع سنوات..؟؟ وهل الفترة الزمنية هي المحدد الوحيد؟؟!!!

الاصل في استحداث جامعات اما ان يكون عائدا للعامل الجغرافي، بمعنى استحداث جامعات في رقع جغرافية لا تتوفر فيها او قريبا منها جامعات يمكن لها ان تستوعب العدد الكبير من الطلبة من سكنة نلك الرقع الجغرافية... او ان يكون عائدا للعامل النوعي، بمعنى استحداث جامعات تضم تخصصات ذات اهمية كبيرة ولم تجد لها مكانا في الجامعات الاخرى... ربما "بل بالتأكيد" توجد دواع واسباب اخرى لاستحداث جامعات لا علاقة لها بكل ما يمكن ان يقال علنا....و هذه سأتركها لمقال لاحق...

سواء كان العامل الجغرافي او العامل النوعي وراء قرار استحداث جامعة معينة فان المنطق يفرض توافر مقومات اساس لا يمكن بغيرها لعاقل توقع نجاح ذلك الاستحداث او على الاقل استمراره فترة معقولة، وابرز تلك المقومات تقفز البنى التحتية، ابتداءا من الموقع الجغرافي المناسب لاستيعاب مؤسسة اكاديمية حقيقية ضمن بيئة آمنة للشاغلين المتوقعين من طلبة وتدريسيين وملاكات ادارية وفنية مختلفة، مع سهولة ويسر طرق المواصلات منها واليها. ايضا تأتي البنايات التي يجب ان تمتلك الحد الادنى من مواصفات الجودة المنصوص عليها في الوثائق المعتمدة من نواحي المساحة والخدمات الاساسية والتخصصية والملحقات، بما يحترم انسانية الشاغلين وخصوصية المكان...هذا اذا تم التغاضي عن البنايات الملحقة للأنشطة الاجتماعية والثقافية والرياضية والفنية والخدماتية...

لكن يبقى المقوم الاساس الذي لا يمكن ان تقوم لأي جامعة قائمة دونه ..الا وهو الملاكات التدريسية المتخصصة اولا والدرجات العلمية الكافية لنلك الملاكات ثانيا... ناهيكم عن الملاكات الفنية والادارية المتمكنة والقادرة على النهوض بعبء جامعة جديدة وتنظيم سجلاتها ووثائقها ابتداءا من الصفر...

فهل يتوافق ما تم ذكره اعلاه مع الواقع الحالي للجامعات المستحدثة في العراق؟؟

لقد تم "حسب علمي ومنابعتي الشخصية" استخدام مصطلح "الجامعات المستحدثة"، وهو مصطلح لن نجد له مثيلا في الدول المتقدمة او المتوسطة من ناحية رصانة التعليم، بغرض منح تلك الجامعات فرصة للعمل دون الخضوع للضوابط والاحكام التي تخضع لها الجامعات ذات التأريخ الطويل والتي تتمتع باستقرار نسبي في اداراتها العليا والمتوسطة... وقد يكون هذا مقبولا من الناحية المنطقية خاصة مع ضرورة تحديد المدة الزمنية للتمتع بهذا الامتياز الخطر مع ضرورة الخضوع لرقابة ومتابعة رصينة ايضا للناكد من تنفيذ خطوات الخروج من تلك الحماية....لكن بالمقابل ومع استخدام مظلة "مستحدثة" للخروج من متطلبات أساس لأي مؤسسة اكاديمية، فان المنطق لا يمكن له ان يستوعب السماح للمستحدثة بالتوسع في التمتع بامتيازات ومسؤوليات كفتح دراسات مسائية او موازية او دراسات عليا او مكاتب استشارية وغيرها، ما دامت غير مؤهلة لمتطلبات الدراسات الاولية بدليل تمتعها بنلك المظلة....فلماذا اذن؟؟ ولصالح من؟

عودا على عوامل استحداث تلك الجامعات، فمتابعة بسيطة لمواقع عدد لا بأس به من الجامعات المستحدثة ستخرج بنتيجة انها، وبدلا عن ان تكون اضافة عمرانية لما هو موجود اصلا، قد تم الشروع بها في مواقع وقتية، أكلت من جرف بعض الجامعات الاقدم او بعض المؤسسات والممتلكات الحكومية او غير الحكومية "بعضها سكني اصلا" لا يمكن ان تقارن بأي مدرسة ابتدائية في دول اوربا الفقيرة او حتى الدول ضمن المحيط الاقليمي وبنايات ضيقة لا يتلائم بناؤها في الاساس مع متطلبات العملية التدريسية والبحثية...و الادهى ان نلك المواقع والبنايات "حتى" لا يمكنها استيعاب طلبة وتدريسيي وملاكات تلك الجامعات لأكثر من مرحلتين دراسيتين!!!! لذا نراها تتقافز خلال فترة زمنية قصيرة بين مواقع مختلفة ومتباعدة، جارة معها الطلبة والمنتسبين مجبرين..!!! ...اكرر...لماذا اذن؟؟ ولصالح من؟

أما من الناحية النوعية، فان المنطق العلمي يفترض اصلا وجود دراسات وتحليلات لبيانات سوقية واقتصادية لتحديد نوعية تلك الاختصاصات والتوصيفات الوظيفية لخريجيها، وعلى اساس تلك الدراسات يتم الشروع بتوفير الامكانات لاستحداث جامعة، لا ان تكون العملية بالمقلوب، حيث تم استحداث بعض تلك الجامعات ثم يتم سماع تصريحات اعلامية حول السعي لإيجاد فرص عمل واحتياجات سوقية حكومية او غير حكومية للخريجين!!! ذلك اضافة للخلل الابرز في مفصلية بعض "المستحدثة" والمتمثل بعدم توافر الملاكات التدريسية نوعا "درجات علمية" وعددا، مما أدى الى السحب غير المدروس لملاكات جامعية غير متخصصة في الجامعات الاخرى "اجباري في غالب الاحوال" دون ان يكون الاستحداث بوابة لاستيعاب الملاكات المتخصصة العاطلة عن العمل من اصحاب الشهادات العليا والاولية باسلوب استحداث الدرجات الوظيفية ..

بلحاظ ما مذكور اعلاه بشكل ملخص، فأين الجدوى من الاستحداث اذن؟

ان حصول خطأ او اخطاء في التقدير في السابق لا يمنع امكانية اتخاذ قرارات جريئة للإصلاح سواء بالإلغاء او الدمج بما يسمح بتعديل المسيرة العلمية والاستثمار الكفوء للموارد البشرية والمالية ..

يتبع.....

 

في المثقف اليوم