قضايا

التفسير السوسيولوجي لنشأة وتطور الفكر السياسي الإسلامي (1)

محمود محمد عليما زلت أؤمن بل ربما أكثر من أي وقت مضي بأن دراسة الفكر، سواء في مرحلته الراهنة، أو في أي عصر من عصور التطور، ويكون ذلك من وجهة نظر فلسفية، فإن الباحث يمكن له أن يتناول الفكر بالدراسة من منظورين مختلفين، لكنهما يكمل أحدهما الآخر بالنسبة لنا:

المنظور الأول:

هو ما نطلق عليه اسم "وجهة النظر الاجتماعية لتفسير نشأة الفكر وتطوره"، وفي هذه الحالة فإن الباحث يهتم بكل ما من شأنه أن يعمل على قيام الفكر أصلاً، وتوفير متطلباته الاجتماعية. إنها وجهة نظر تأخذ بعين الاعتبار العوامل الاجتماعية وتنظر للعلم فقط من الخارج، وفى هذه الحالة يتعرض الباحث للنظام السياسي- الاجتماعي القائم في حضارة أو دولة معينة، والذي أصبح إنتاج معرفة علمية بعينها من جراء مشروعه الثقافي. فالفكر لا يعرف طريقة التوالد الذاتي، وإنما الفكر هو في نهاية الأمر محصلة لمؤسسات بعينها ولمعدات وأجهزة بعينها، ولميزانية تمول ما هو مطلوب من أجل إنتاج معرفة معينة. إنه يحتاج إلى مناخ سياسي، واجتماعي، وثقافي معين، والمثال الواضح لذلك هو المعرفة في العالم الغربي الأمريكي اليوم على وجه التحديد .

المنظور الثاني:

ووجهة النظر المعرفية تأتى مكملة لوجهة النظر الاجتماعية، وهى وحدها القادرة على تقييم الفكر" وتثمينه" من ناحية التطور المعرفي. وهذا المنظور هو الذي يسمح للباحث بالولوج إلى داخل الفكر نفسه، كي يحلل هيكله ويتوقف على مساراته، وبنيانه، وطرق الاستدلال بداخله، وكيفية صياغة المبادئ العامة التي تعبر عن التقدم العلمي بداخله. كما يستطيع المعرفي أن يستخرج مراحل التطور الرئيسة التي سلكها هذا الفكر أو ذاك في بناء نفسه، وحتى بلوغه مرحلة  التطور المعرفي التي هو عليها في حالته الراهنة .

إنها وجهة نظر تأخذ بعين الاعتبار بناء الفكر من الداخل، وتضع جانبًا كل العوامل الاجتماعية الخارجية التي أشرنا إليها في المنظور الأول. وغنى عن البيان أن وجهة النظر المعرفي حين تكتمل لا يجد أصحابها مفراً من توسيعها لتشمل في نهاية الأمر البعد أو المنظور الاجتماعي. فكما يقول (أوجست كونت) إن الفكر هو ظاهرة اجتماعية تاريخية لم ينشأ من فراغ، أو خارج المجتمعات، وارتبط نمو الفكر وتطوره ارتباطاً وثيقاً بنمو وتطور المجتمع الإنساني، وارتبط هذا وذاك بنمو وتطور العقل الإنساني نفسه. لكننا حين ندرس وجهة  النظر الاجتماعية منفصلة عن وجهة النظر المعرفية، فإننا نفعل ذلك استجابة لحاجات الدراسة الأكاديمية وما تفرضه من تجزئة للمعرفة حتى يمكن دراستها.

وفي حالة الفكر السياسي الإسلامي – وكما سنرى في الفقرات التالية – سنجد أننا في أمس الحاجة إلى التقييم المعرفي لكي يجلو لنا ما لا يستطيع التفسير الاجتماعي أن يستوعبه أو يفسره بالنسبة إلى الظهور الفجائي لهذه الأفكار من ناحية، وبالنسبة إلى ظهورها وهى في مرحلة الصياغة النظرية للفكر من ناحية أخرى.

ونحن الآن في سبيلنا إلى تناول عوامل التفسير الاجتماعي للفكر السياسي الإسلامي عاملًا بعد الأخر، وذلك من خلال المحاور التالية:

أولاً: أصول الفكر السياسي الإسلامي:

1- الحياة السياسية في شمال الجزيرة العربية.

من الواضح تماماً أن النواة الأولى للفكر السياسي الإسلامي (وإلى حد كبير) لم تنشأ إلا بظهور الإسلام. فاللغة العربية (لغة القرآن) لا نعرف لها نظيراً في الوقت الذي ظهر فيه الإسلام، إلا لغة القرآن نفسها، كما أن العلوم الإسلامية، هي "العلوم التي اتخذت من بعض جوانب هذا الدين الجديد موضوعاً لها".

نقول هذا على الرغم من أن هذه الحقيقة لن تقف حائلًا أمامنا – خلال تطويرنا لفقرة هذا الفصل وأقسامه – من أن نحفر في تاريخ الجزيرة نفسها، أو تواريخ الثقافات المحيطة بها كي نلتمس أصولاً، أو جذوراً لمعارف يصعب على التفسير الاجتماعي تعقلها، أو تقديم شرح أو توضيح لها.

فالرأي التقليدي الذي يصف العرب قبل الإسلام بأنهم كانوا غارقين في "الفوضي، والجهالة، لا عمل لهم إلا الغزو، والنهب، والحرب في بادية الحجاز، والشام، ونجد وغيرها من بلاد العرب"،  لم يعد يعبر اليوم إلا عن جهل المرددين له؛  فالعرب كانوا على اتصال بمن حولهم ماديًا وأدبيًا، وإن كان هذا الاتصال أضعف مما كان بين الأمم المتحضرة لذلك العهد، نظرًا لموقعها الجغرافي ولحالتها الاجتماعية؛ وهذا الاتصال بين العرب وغيرهم كان من طرق عدة أهمها: التجارة، وإنشاء المدن العربية المتاخمة لفارس، والروم، والبعثات اليهودية، والنصرانية التي كانت تتغلغل في جزيرة العرب، تدعو إلى دينها وتنشر تعاليمها .

والاكتشافات الأثرية أظهرت أن شبه جزيرة العرب، كانت تقع بين أعظم مدينتين في العالم آنذاك: فارس شرقًا، والرومان غربًا، ونظرًا لهذا الموقع الوسط الذي احتله العرب بين هاتين المدينتين، كان التأثير المتبادل بينهما لا سيما التجاري منها؛ ومن خلال إلقاء نظرة فاحصة على الحياة السياسية في مراكز الحضر في الجزيرة العربية يتبين لنا ماهية فكر العرب ونظامهم السياسي ، ومدى تأثرهم بالنظام السياسي المحيط بهم، والتي تظهر بوضوح من خلال:

أ- الحياة السياسية في شمال الجزيرة العربية في بعض المراكز الحضرية، وأهمها إمارة الحيرة على تخوم الفرس .

ب- وإمارة الغساسنة على تخوم الروم ؛ إذ تكونت هذه الإمارات من عدد غير قليل من القبائل العربية التي هاجرت من اليمن عقب حادثة سيل العرم، وقد قامت هاتان الإمارتان إثر محاولة الفرس والروم إخضاع العرب لحكمهم اتقاء لغزوهم وسلبهم، ولكنهم فشلوا في ذلك... من أجل هذا رأى الفرس، والروم أن خير وسيلة لدفع شر العرب أن يساعدوا بعض القبائل المجاورة على أن يقروا على التخوم ويتحضرون، ثم يكونوا رداءً لهم يصدون غارة البدو الرحل الذين يغزون وينهبون .

ولقد كانت علاقة الحيرة ببلاد فارس، كعلاقة الغساسنة بدولة الروم، وقد اتخذ الفرس إمارة الحيرة، ولتكون حائلًا بين العراق وغارات العرب على الدولة الفارسية. كما اتخذ الروم أمراء غسان أعوانًا لهم على الفرس، ووسيلة لحكم قبائل العرب القريبة منهم، وكان للغسانيين مواقف معدودة في الجاهلية انتصروا فيها للروم على الفرس، وصدوا

عنهم ملوك الحيرة، وتأثروا بنظام الروم السياسي، كما تأثر المناذرة بنظام الفرس السياسي، ويتجلى هذا التأثر بتقليد ملك الحيرة نفسه بجميع مظاهر البلاط الفارسي، وكذلك كان الحال مع ملك الغساسنة بالنسبة إلى الدولة الرومانية الشرقية.

ومن جهة أخرى، فقد اعتنق عددًا كبيرًا من العرب الغساسنة الذين شكل الرومان منهم دولة عازلة الدين المسيحي. وكان في مملكة الحيرة معابد ورجال دين وعباد وهم المستقرون، أما الرحل فكانوا من قبائل يدين بعضها بالمسيحية. وكان لمعرفة الحيريين للغة الفرس أثرها في انتقال شيء من حضارتهم وآدابهم إلى العرب. كما كان لمعرفة الغساسنة بالثقافة اليونانية والمدنية الرومانية أثرها أيضًا في انتقال ألوان من حضارة العرب، وأهمها الأديان، والمعارف العامة،  والقراءة، والكتابة وغيرها. ولكن النزاعات والحروب المستمرة بين مملكتي الحيرة، وغسان حالت دون سيطرتهم وتوسعة نفوذهم الثقافي والسياسي على عرب الجزيرة، حتى  انتهى تاريخهما السياسي من الوجود، مع بداية القرن السابق بظهور الإسلام  .

2- الحياة السياسية في جنوب الجزيرة العربية

تتمثل الحياة السياسية في جنوب الجزيرة العربية ببلاد اليمن التي ازدهرت حينًا من الزمن، حيث كانت ملتقى الرحلات البحرية التجارية الآتية من الصين، والهند، مع الرحلات البحرية، والقوافل التي تسير بين اليمن في أقصى الجنوب، وبين الشام في شمال الجزيرة العربية، مما جعلها مركزًا حضاريًا، إذ تكونت فيه حضارات ذات قيمة كبيرة بين الحضارات العالمية القديمة، وأهم المراكز الحضارية فيها: حضر موت الواقعة في الجنوب الشرقي من الجزيرة العربية، ومملكة معين، أو مأرب، وكانت في الشمال، وسبأ جنوبها، ومملكة حمير بين سبأ، والبحر الأحمر. وهذه الممالك كانت وريثة لبعضها البعض. فعلى سبيل المثال كانت مملكة سبأ (650ق.م) وريثة لمملكة معين، ومن أشهر ملوكها الملكة بلقيس التي ورد ذكرها في القرآن الكريم والتي اتخذت من مأرب عاصمة لها، وكان لهذه الممالك نظام حكم سياسي لم يعرفه سكان البادية، فظهرت به طبقة الحكام الذين خلعوا على أنفسهم ألقابا تتناسب مع رفعة الملك، وكان الحاكم يجمع بين الملك والكهانة، وهذا النظام السياسي الملكي الوراثي لا يختلف كثيرًا عن النظام السياسي كما وجدناه عند الفرس والرومان، وكان لانهيار سد مأرب أثره في انهيار تلك المملكة. الأمر الذي أدى لهجرة عدد كبير من أهلها إلى شرق ووسط الجزيرة العربية والحجاز، وإلي شمال الجزيرة العربية، حيث أسسوا هناك عدة إمارات وممالك، أشهرها الحيرة وغسان، والتي كانت تابعة للفرس والرومان. وقد ورثت مملكة حمير (115ق.م) مملكة سبأ، ودامت أكثر من 640 سنة حتى استولي عليها الأحباش أيام أبراهة الحبشي، ثم استولي عليها الفرس بعد ذلك وطردوا الأحباش منها، أيام كسري أنو شروان (531-578م) الذي ولي سيف بن ذي يزن الحميري ولاية هذه البلاد حينا من الزمن ثم خلفه خرخسرة بن البنيجان بن المرزبان الذي عاش إلى عهد النبي ( (صلى الله عليه وسلم))، وأسلم هو وقومه على أثر ما دار بينه وبين الرسول من رسائل بشأن إسلامه .

3- الحياة الاجتماعية للنظام السياسي في وسط الجزيرة العربية:

يؤكد الكثير من المؤرخين بأن المجتمع العربي في الجزيرة العربية قبل الإسلام قد تألف من العديد من القبائل التي تعود جذورها إلى اليمن؛ ويقسم هؤلاء المؤرخون هذه القبائل إلى مجموعتين كبيرتين: القحطانيون أو العرب العاربة، والعدنانيون أو العرب المستعربة. ولقد كان القحطانيون من القبائل التي انتقلت من اليمن إلى وسط وشمال الجزيرة العربية عبر هجمات متتالية. ويبدو أن هذه الهجرات نجمت عن عدد من الكوارث الطبيعية التي أصابت الممالك العربية في اليمن؛ وأما العدنانيون فكانت من القبائل التي سكنت الجزيرة العربية، وتعود جذورها إلى إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام. وبناء على هذه المعطيات التاريخية فإن القبائل المنسوبة إلى العرب المستعربة قد تكونت عبر علاقات التزاوج بين العرب العاربة وابناء إسماعيل عليه السلام؛ فهم إذن نتاج زواج إسماعيل من جرهم، وهي قبيلة يمنية سكنت مكة بعد انتقال إسماعيل وأمه هاجر إليها.

وتمثل الحياة الاجتماعية في بلاد العرب الجبال المرتفعة وتشمل – الحجاز ونجد – النموذج الأصل للنظام السياسي للعرب في الجاهلية، وأهم المراكز الحضارية فيها مكة ويثرب. وقد تكونت من العرب المستعربة، وهم من نسل إسماعيل عليه السلام؛ وعرب اليمن بعد انكسار سد العرب، ولقد حافظ الحجاز على استقلاله منذ أقدم العصور، فلم يعبث بحريته الملوك الفاتحون في الوقت الذي عبث فيه قورش وقمبيز وغيرهما من ملوك الفرس باستقلال كثير من الأمم، كذلك ظل محافظا على استقلاله أيام الإسكندر المقدوني الذي صده العرب حين أغاروا على دارا ملك الفرس. وكان من أثر تمتع أهل الحجاز بالاستقلال طول حياتهم، أن ظهرت فيهم طبائع خاصة بهم، من حيث عراقة أصلهم وشرف آبائهم وشهامتهم التي كانت – ولا تزال – مضرب الأمثال ولغتهم التي حافظت على نقائها وصفائها .

ويطالعنا التاريخ بأن العرب قبل الإسلام كانوا على دين واحد هو دين إبراهيم، دين الحنفية ودين التوحيد الذي تجسد بالإسلام، إنما ضلوا الطريق، فعبدوا ما استحبوا ونسوا ما كانوا عليه، واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل غيره، فعبدوا الأصنام والأوثان، وابتعدوا عن دين آبائهم وأجدادهم حتى  أعادهم الإسلام إليه، فتفشي فيهم الشرك بأشكال متعددة بفعل تطور واقعهم الاجتماعي .

ومما هو جدير بالذكر أن المجتمع العربي الجاهلي في الحجاز ونجد؛ قد عرف ديانات أخرى إلى جانب الوثنية، من أهمها اليهودية والمسيحية والصابئة. بيد أن أصحاب هذه الديانات بقوا أقليات منعزلة غير قادرة على التأثير في الثقافة السائدة، فاليهودية التي تركزت في اليمن ويثرب لم تكن قادرة على الانتشار والتأثير في الوسط العربي الوثني بعد أن اختارت الموقف المستعلى، المرتكز على فكرة " شعب الله المختار" التي كرست العزلة اليهودية في الجزيرة العربية، ولم تكن المسيحية أقل حالا عند العرب من اليهودية، فقد ارتبطت المسيحية في أذهانهم بالقيصرية الرومانية، والنزعة التوسعية التي ميزت الإدارة البيزنطية في الشام والإدارة النجاشية في الحبشة. لذلك بقيت النصرانية محصورة في منطقة نجران وفي شمال الجزيرة العربية .

وهكذا أدي نفور القبائل العربية من السلطة المركزية التي تمثلها الفرس والروم المحيطة بها إلى نفورها من الدين الرسمي لتلك القيصريات، وربط التنصر بالخضوع إلى سلطة قيصر. ومن ثم فإن ماهية الفكر السياسي للعرب في الجاهلية تحدد على ضوء هذا في أنه كان قبليًا يقوم على صلة الدم في أفراد القبيلة الواحدة؛ ذلك لأن الجزيرة العربية في الجاهلية لم تعرف وحدة الجنس، إذ كان يقطنها أجناس متعددة غالبيتهم من الساميين، ونتيجة لهذا كانت القبيلة هي الوحدة السياسية - الاجتماعية عند العرب في الجاهلية؛ ذلك لأن القبيلة هي جماعة من الناس ينتمون إلى أصل واحد مشترك تجمعهم وحدة الجماعة وتربطهم رابطة العصبية للأهل والعشيرة، ورابطة العصبية هي شعور التماسك والتضامن والاندماج بين من تربطهم رابطة الدم، وهي على هذا النحو مصدر القوة السياسية والدفاعية التي تربط بين أفراد القبيلة، وتعادل في وقتنا الحاضر الشعور القومي عند شعب من الشعوب ، وإن كانت رابطة الدم فيها أقوى وأوضح من الرابطة القومية، لأن العصبية تدعو إلى نصرة الفرد لأبناء قبيلته ظالمين كانوا أو مظلومين. وتقوم العصبية على النسب، وهي لذلك تختلف باختلاف الالتحام  بالأنساب .

وتتألف القيادة السياسية للقبيلة عادة من مجلس شيوخ القبيلة ويرأسه شيخ القبيلة، ويعرف بلقب الرئيس أو الشيخ أو الأمير أو السيد. ويشترط في رئيس القبيلة أن يكون في أعلى القبيلة نسبا، أي من أشراف الصرحاء؛ كما يشترط فيه التقدم في العمر والتمتع بالثروة والنفوذ، ويلعب مجلس شيوخ القبيلة الدور الرئيس في اتخاذ القرارات في شؤون القبيلة العامة، وفي مقدمتها فرار القبيلة من موقع إلى آخر بدواعي القحط أو لأسباب أمنية، كذلك نزع العضوية من أفراد معينين من القبيلة لمخالفتهم المتكررة تقاليدها، ويلقب الفرد الذي تم طرده من عضوية القبيلة بالصعلوك. كذلك من الأدوار التي يلعبها مجلس القبيلة إعلان الحرب على قبائل أخرى واختيار شيخ القبيلة، أما مهام رئيس القبيلة فتُحدد بإدارة مداولات مجلس الشيوخ، وإعلان القرارات التي اتخذها المجلس لأفراد القبيلة وتولي الحكم في النزاعات بين أفراد القبيلة وقيادة القبيلة في الحرب .

وقد أدى هذا النظام السياسي من تمكين القبائل العربية المختلفة من تشكيل تحالفات وائتلافات أمنية فيما بينها؛ للمحافظة على توازن القوى بين القبائل والحيلولة بين أي منها، والهيمنة على القبائل أو التجمعات القبلية المغايرة. وقد مثلت قبيلة قريش النموذج الأصل لهذه التحالفات، حيث مكنتها من احتكار التجارة البرية ومن إقامة علاقات تجارية بحرية مع الحبشة، وأكثر ما استفادوا منه، واستغلوه لدرجة أنهم كانوا يربحون للدينار دينارا حاجة الروم الماسة إلى تجارتهم وقد تمكنوا؛ وبخاصة بعد أن عقدوا معاهدات مع مختلف القوى السياسية التي كانت قائمة آنذاك، بما في ذلك القبائل العربية القادرة على تهديد طريق القوافل، من تنظيم تجارتهم بشكل ممتاز، فمثلوا دور الوسيط التجاري بين عالمين، الأوربي والأسيوي الأفريقي، وهو وسيط ماهر قدم له الروم أسواقًا تجارية كالقلزم في مصر، وغزة في فلسطين، وبصرى في الشام، كما أنهم اتفقوا مع القبائل العربية الأخرى على أشهر يحرم فيها القتال، وتقام فيها الأسواق التجارية والأدبية في مناطق عديدة من الجزيرة العربية، مثل دومة الجندل وهجر وعمان وحضر موت فعدن وصنعاء، وكانوا ينتهون من هذه الأسواق إلى عكاظ في الأشهر الحرم . للحديث بقية !!

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل - جامعة أسيوط

 

في المثقف اليوم