قضايا

هل من المفروض ان من ينتقد الدين يكون ضده؟

عماد عليمن يكون له المام بسيط بتاريخ الاديان والاساطير وكيف برزت او انبثقت اي منهم في ارضية ما والظروف الاجتماعية العامة التي كان فيها وتوسع وفرض نفسه وكيف تعامل الوسط بالجديد المحتوي على القديم بلا شك. والمعلوم فانه ليس هناك اسطورة او دين او قصة خيالية او ملحمة ولم تكن لها صلة بتة باخرى سابقة لها او متزامنة معها سواء كانت في محيطها او بعيدة عنها او قريب من مرحلتها زمنيا. ولو دققنا في محتوى اي من القصص والسرد التاريخي نلمس التشابه  فيما بين جميعم باختلافات بسيطة وفق المتغيرات. الفرق بين بعض واخر هو اضفاء القدسية قط وفرض عدم المس به باي شكل كان مع التشدد في الدفاع عنه مع الاهمال التدقيق ومنع التعرض للنقد في مقابل الهجوم على البعض الاخر المنافس، نتيجة الصراع والمنافسة والمماحكة  وما تفرضه مصالح من يحمل جوهر الفكر المغاير  او ان كان هناك مبادرة طرح الجديد المخالف للاخر او حتى  المتماهي معه دون الاعترف بذلك.

من ينتقد نصا ادبيا ليس بشرط ان يرفضه تماما، وكما هو المعلوم فان النقد هو بيان الايجابي والسلبي والصح والخطا والجانب الجيد والسيء لاي نص كان وطرح الافضل او البديل ان تمكن الناقد في ذلك. ان اضفاء القدسية للنصوص وضع حاجبا كبيرا امام المتمعن والمتامل بحيث فرض الشرط الحازم عليه والحاسم بتفكيره وما عليه بان يكون من المفروض ان لا يحمل اي شك في تقييمه وكانه يجب ان يتقبل ما يرى دون التفكير العقلاني الذي يمكن ان يبرز لديه في اقل تفكير مجموعة من الاسالة حول المعروض للرؤية والتفحص.

المتغيرات فرضت الكثير من المعقولات امام الناظر والناقد العقلاني بحيث لا يقدر ان يبقى ساكنا عن ما يتاكد من وجود التناقضات او بالاحرى الخلل في المعروض نتيجة  عدم تصحيحه او جاء خطئا من اساه في ظروف فرضت عدم تقييم الموجود منذ قرون بعقلية متفتحة اكثر تطورا من زمن انبثاق المعروض دينا كان ام اسطورة او حتى حديثا او قصة او فكر .

ومن هذا المنطلق يجب ان يفكر من يجمل العقلية السلفية بانه يفرض على نفسه ما لا يمكن لاي انسان عصري ان يفرضه على نفسه ويخدع به نفسه ما يحمل من العقلية الحداثوية غير الجامدة ان كان كذلك وهذا ما يدعيه جميعهم كما نرى في عصرنا. وعليه اصبح الدين ايديولوجيا عند من يتمسك المنتمي به دون ان يراه بعين ناقدة او عقلية باحثة في جوهره وتركيبه، وربما يكون مفروضا عليه هذا نتيجة عوامل خاصة او عامة محيطة به وما تفرضه عليه مصالحه وخصوصياته، وهذه حال اكثر في وقتنا.

و المغريات امام انفتاح العقل من الوسائل العلمية المتوفرة التي تطرح يوميا امام الجميع للتمعن وو تدفعه بشكل طبيعي الى التدقيق في كل ما مضى او ما سجله التاريخ وما هو متمسك به من الافكار والنصوص الفكرية والدينية وفق سمات وظروف اية مرحلة برزت فيها، فلابد ان يجمع قواه وهو يفكر كابن مرحلته ويرى طريقا مناسبا لعصره، او ينتقل بنفسه لتلك المرحلة التي انبثق به المعروض المعني من التدقيق والتقييم او النقد، وعليه يمكن ان يخرج بنتيجة وهو صحة المقصود وما يُقيم كما كان في مرحلة ولادته او انبثاقه. وعليه، عندما ينتقد احدنا الدين واهميته ووجوب بقاءه او محاولة ازالته او تقليل افرازاته السلبية او بيان ما فيه من السلبيات وعلاجها وما ينتج من العوائق امام السير السليم للمعيشة العقلانية، فليس بشرط ان ينعت المهتم بحاقد او عدو للموجود امامه وحتى ان انتهى تاريخ صلاحيته، وكما يفعل العاطفيين من المتمسكين بما هو الخطا نتيجة الحنين للماضي كان او ظروف خاصة شخصية او التزام بالقديم لرفض الجديد وان كان مشوها او خطا من اساسه وحتى في مرحلته او تحول لديه ما يتمسك به الى مصلحة بذاتها او الى الية او امل لتوفر المصلحة. وعليه يمكن ان نفرق بين الناقد والمنافس او المناقض لاي فكر او نص يريد تقيمه، والاكثر تشويها لعملية النقد وبيان الفحوى لاي نص او فكر او ايديولوجيا هو فعل المتزمتين الملتزمين بما يؤمنون به او مفروض عليهم وهم عالقون في وحل الظروف الخاصة والالتصاق بما يوفر المستلزامات الحياتية  لهم.

كل فكر ولد في مرحلته ولا يمكن ان يكون صالحا لكل المراحل مهما كان جوهره، والملاحم والاساطير التي سجلت قبل الاديان لا يمكن ان ندعي بانها حقيقية  او من رحم الحقيقة والواقع، وهذا ما يُفرض ان يحدث من عملية التقييم الصحيح ويُنتقد وحتى يُرفض بشكل مطلق، ولكن اننا نواجه اليوم بخلو المرحلة من المنتقد المعلن وليس هناك من يرفض او حتى يعارض على ذلك ان كان عقلانيا، عندما تتبين صحة الانتقادات اليه وبيان سلبياته، ان كان اي نص او رواية طبيعية وهي لم تضف اليه صفة التقديس،سيكون الامر طبيعيا اما الاديان التي اضفيت اليها هذه الصفة التقديسية غيرقابلة للنقد او المس بها  نتيجة الخوف عليها او ضعفها او ربطها بالغيب وعدم التاكد من صلاحيتها او مقاومتها امام النقد والتفكير العقلاني، فانها فرضت على الناس باكراه وبقيت على حالها لحد الساعة، الا ان التغييرات الجوهرية في ظروف المعيشة والتقدم العلمي وفرت ساحة واسعة امام التفكير العقلاني المتفتح لاعادة النظر لكل النصوص والمتوارثات تاريخيا نتيجة ما يفرضه ماهو الصحيح فارضا نفسه على الخطأ مهما الصقت للنص او المعروض صفة القداسة وفرضت عدم المساس به او حتى انتقاده علميا حياديا.  وهناك فيمكن لاي كان مهما كانت مبادئه ان ينتقد الدين اي كان وفق عقليته وامكانياته دون ان يكون ضد اي دين وحتى ان انتقد ما يتمسك ويؤمن به بذاته، فالنقد يفسح الطريق الصحيح امام الجهود المبذولة لمعرفة الصحيح والحق، فالمنتقد للدين ليس بشرط ان يكون ضد الدين، اي دين كان، ولا ي فكر او فلسفة يمكن ان يحملها. والاصح انه من المحتمل ان من ينتقد الدين بشكل عصري صحيح وان بين صحته وايجابه فانه يلتزم به اكثر ان راى بنفسه وتاكد من صحته علميا، ويمكن ان يتغير نظرته ويلتزم بالبعض المفيد وان يرفض ما يضر، والاهم انه فرض على نفسه ان يدخل في باب النقد بعقليته الحديثة الحالية لاضاءة طريقه كي لا يسير وكانه في القرون الغابرة على طريق حالك الظلام.

 

عماد علي

 

في المثقف اليوم