قضايا

كيف سعت أمريكا للسيطرة على منطقة الخليج العربي بعد الحرب العالمية الثانية؟ (6)

محمود محمد علينعود للمقال السادس ونستأنف حديثنا عن الهيمنة الأمريكية علي منطقة الخليج العربي فنقول :ومن هنا هبت الولايات المتحدة تشجب هذا الحدث، بالرغم من أنها أوقعت صدام حسين في هذا الفخ، ففي مساء الأول من أغسطس 1990، وفور إعلان نبأ الغزو العراقي للكويت، أرسل الأدميرال " بيل أوينز Bill Owenz، قائد الأسطول السادس الأمريكي في البحر الأبيض المتوسط، إشارة إلي وزير الدفاع الأمريكي ريتشارد تشيني Richard chiny، ومفادها : العراقيون اخترقوا، وفور وصول الإشارة، دعا الجنرال "كولين باول Collin Poweil، رئيس هيئة الأركان المشتركة، كلا من نائبه الجنرال "ديفيد جيرميا Davaid Jermiah، ومساعده الجنرال "توم كيلي"Tom Kelly، إلى الاجتماع معه، لتقدير الموقف .وفي الوقت نفسه، أبلغ "برينت سكوكروفت Brent Scowcroft، مستشار الأمن القومي، ليبلغ بدوره الرئيس جورج بوش نبأ الغزو العراقي .

في الساعة الحادية عشر مساء الأول من أغسطس 1990م، صدر عن مكتب الرئيس جورج بوش، مجموعة من القرارات، أبرزها :

أ- إن الرئيس بوش يدين بشدة الغزو العراقي للكويت، ويطالب بسحب القوات العراقية، وبدون قيد أو شرط، ولا يقبل بديلاً عن ذلك بشيء.

ب- تقرر إرسال قوة من الطيران الحربي إلى السعودية فوراً، وتضم 25 طائرة من طراز F15.

ج- تقرر تجميد كل الأموال العراقية، والكويتية في كافة البنوك.

د- تقرر إنشاء لجنة طوارئ دائمة لمتابعة الأزمة تضم عدد كبير من أركان الجيش الأمريكي

هـــ- إنشاء لجنة طوارئ تعمل تحت رئاسة مستشار الأمن القومي برنت سكوكرفت.

وفي ختام الاجتماع طلب الرئيس بوش استدعاء الجنرال "نورمان شوارتزكوف" Norman Schwarzkopf قائد قوات التدخل السريع إلى واشنطن لينضم إلى الاجتماع في صباح اليوم التالي، في مكتب الرئيس بوش، مع جلب خطط العملية المعدة للتدخل السريع "1002ـ 90" في منطقة الخليج.

وفي الساعة الثامنة من صباح 2 أغسطس 1990، اجتمع          الرئيس بوش الابن مع مجلس الأمن القومي الأمريكي، في غرفة العمليات الخاصة المحصنة ضد التصنت، وكان هناك في انتظاره (ديك تشيني) وزير الدفاع، و"جيمس واتكنز" James Watkins وزير الطاقة، و"روبرت كميت" Robert McNaught مساعد وزير الخارجية، و"كولن باول"، رئيس أركان الجيش، و"نورمان شوارتزكوف" Norman Schwarzkopf، قائد قوات التدخل السريع، و"ريتشارد دارمان" Richard Darman وزير الخزانة، و"وليم وببستر"William Webster، مدير وكالة المخابرات المركزية،والجنرال "برنت سكوكروفت"Brent Scowcroft مستشاره للأمن القومي.

كانت الأفكار التي تدور في ذهن بوش، والتي طرحها على الحاضرين تتلخص بما يلي:

1- أن الولايات المتحدة يجب أن تلعب الدور الرئيسي في الأزمة.

2- أن لا تفاوض ولا أنصاف الحلول مع النظام العراقي.

3- أن تسعى الولايات المتحدة لتعبئة الرأي العام الدولي ضد العراق.

وبعد أن فرغ الرئيس جورج بوش من حديثه مع الحاضرين، تحدث وزير الطاقة عن آثار عملية الغزو على سوق النفط، والمخاطر الناجمة عنه، ثم تلاه وزير الخزانة، الذي اقترح فرض الحصار الاقتصادي الشامل على العراق .

ثم جاء دور العسكريين، وهو بيت القصيد في ذلك الاجتماع، حيث أقترح "كولن باول" Colin Powell توجيه ضربة جوية فعالة وحاسمة للعراق، وتطبيق خطة التدخل السريع والمسماة [1002ـ 90] وضرورة حشد الولايات المتحدة، وحلفائها قوة كبيرة قادرة على دحر القوات العراقية، وتدمير آلته الحربية، والبنى التحتية للاقتصاد العراقي .

كما جرى النقاش حول ضرورة الحصول على موافقة السعودية على الحشد العسكري الأمريكي على أراضيها، وانتهى النقاش بالمقررات التالية :

أ- الاتصال بالملك " فهد بن عبد العزيز"، والحصول على موافقته على حشد القوات في السعودية.

ب- العمل على إغلاق أنابيب النفط العراقي المارة عبر السعودية، وعبر تركيا.

ج- الطلب من السعودية، ودول الخليج تقديم الأموال اللازمة لهذا الحشد، وتكاليف الحرب.

ثم تحدث وزير الدفاع "ديك تشيني" عن الخطة المعدة للتدخل السريع، موضحاً مراحل تنفيذ هذه الخطة، والتي تتلخص بما يلي:

1- المرحلة الأولى: وتقضي بالعمل بأسرع وقت على ردع القوات العراقية من محاولة غزو السعودية، وذلك بإرسال فرقة مدرعة، وعدد من حاملات الطائرات المزودة بصواريخ كروز، وتوماهوك، مع عشرة أسراب من الطائرات الحربية، وبالإمكان تأمين ذلك خلال شهر.

2- المرحلة الثانية: وتقضي بإكمال التحشيد في السعودية، لكي يكون للولايات المتحدة وحلفائها قوة ضاربة، لا تقل عن 250 ألف عسكري مجهزين بأحدث الأسلحة والمعدات، قبل المباشرة في تحرير الكويت.

3- المرحلة الثالثة: توجيه ضربات جوية لكافة المرافق الحيوية للعراق، بدءاً من المطارات العسكرية، والاتصالات، والرادارات، ومراكز تجمع القوات العراقية، وآلياته العسكرية، وانتهاءً بكل المرافق الحيوية، ومنشآته الاقتصادية، وطرق مواصلاته، وجسوره.

4ـ المرحلة الرابعة: الهجوم العسكري البري لتمزيق القوات العسكرية العراقية، وإخراجها من الكويت، عن طريق القيام بالتفاف خلف القوات العراقية، من الأراضي السعودية، والدخول نحو الأراضي العراقية، لقطع الاتصال مع القوات العراقية في الكويت.

وبدأت القوات الأمريكية بالتدفق إلى السعودية في 7 أغسطس من عام 1990، وفي نفس اليوم الذي أعلن العراق فيه ضمه للكويت واعتبارها “المحافظة الـ 19 وصل حجم الحشد العسكري في السعودية إلى 500,000 جندي.

وفي نفس الوقت صدرت سلسلة من قرارات مجلس الأمن والجامعة العربية، وكانت أهمها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 678، والذي أصدر في 29 نوفمبر سنة 1990م والذي حدد فيه تاريخ 15 يناير من سنة 1991م موعداً نهائياً للعراق لسحب قواتها من الكويت، وإلا فإن قوات الائتلاف سوف “تستعمل كل الوسائل الضرورية لتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم ”660”، الذي يفرض حصاراً اقتصادياً على العراق يمنع تصدير، واستيراد السلع، والمنتجات كافة، وقد وافق عليه 13 عضو وامتنعت "كوبا" و"اليمن" عن التصويت .

وقام الرئيس الأمريكي جورج بوش عرض مرة أخيرة للعراق في محادثات "جيمس بيكر" و"طارق عزيز" في 9 يناير 1991م، إلا أن هذا الأخير فشل، وفي 23 يناير 1991م حوت الكونجرس على تفويض الرئيس بشن الحرب في إطار قرار هيئة الأمم المتحدة، ووافق مجلس الشيوخ علي القرار، وبعد 24 ساعة شنت الطائرات التابعة لقوات التحالف ضربات جوية على أهداف عسكرية على العراق والكويت تعززها قصفات متتالية من صواريخ كروز .

وفي 24 فبراير 1991م بدأت قوات التحالف توغلها في الأراضي الكويتية والعراقية، وتم تقسيم الجيش البري إلى ثلاث مجاميع رئيسية، بحيث تتجه المجموعة الأولى لتحرير مدينة الكويت، بينما تقوم الثانية بمحاصرة جناح الجيش العراقي في غرب الكويت، وتقوم المجموعة الثالثة بالتحرك وتدخل جنوب الأراضي العراقية لقطع كافة الامدادات للجيش العراقي .

وبدأ القصف ولم يواجه هذا القصف مقاومة من الطيران العراقي، حيث كان العراق منعدم الدفاعات وقد تم تحرير الكويت بعد ذلك مخلفة خسائر اقتصادية، لأن الهدف من التدخل العسكري الأمريكي جاء بعد تخطيط مسبق لضرب البنية التحتية الاقتصادية العراقية، لشل قدارته العسكرية والمدنية، حتى تتسنى السيطرة على العراق مستقبلاً وبسهولة، وهو ما تم فعلاً،كما وجهت ضربات قوية لمواقع إنسانية هامة ومراكز التموين، حيث ذهبت الحرب بقوة العراق العسكرية الضخمة، ودمرت قاعدته الاقتصادية والتكنولوجية؛ فكلت أظافيره عن تهديد جيرانه، الأمر الذي أدى في النهاية إلى شل قدرة العراق وعدم تأمين حاجياته وانهياره .

وحققت العمليات نصراً هاماً مهد لقوات التحالف للدخول داخل أجزاء من العراق، وتركز الهجوم البري والجوي على الكويت والعراق وأجزاء من المناطق الحدودية مع السعودية، وقامت القوات العراقية بالرد عن طريق إطلاق عدد من صواريخ سكود على إسرائيل والعاصمة السعودية الرياض.

وشهدت عاصفة الصحراء استخدام 1814 دبابة من طراز “إم1 إبرامز” للمرة الأولى، واستخدمت الطائرة “إف - 117 نايت هوك” وشنت قوات التحالف الدولي أكثر من 100 ألف طلعة جوية .

وفي 26 فبراير 1991م بدأ الجيش العراقي بالانسحاب بعد أن قاموا باعتقال المدنيين من منازلهم ومن الشوارع والأماكن العامة، وتم ترحيلهم إلى العراق ولا يزال هناك أكثر من 605 أسير من الكويتيين والغير كويتيين لم يطلق سراحهم ولم يتم الإرشاد إليهم من قبل النظام العراقي وما زال مصيرهم مجهولاً، كذلك قام الجيش العراقي بإشعال النار في أكثر من 737 بئر نفط وشكل خطاً طويلاً من الدبابات والمدرعات وناقلات الجنود على طول المعبر الحدودي الرئيسي بين العراق والكويت وقصفت قوات التحالف القطاعات العسكرية المنسحبة من الكويت إلى العراق وسمى هذا الطريق فيما بعد بطريق الموت . وفي 27 فبراير 1991م أعلن الرئيس الامريكي جورج بوش عن تحرير الكويت قائلاً: " الكويت أصبحت محررة وأن الجيش العراقي قد هزم " .

وبالتوازي مع الحملات العسكرية قامت الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1991م بانتهاج سياسة قصدية تستهدف إضعاف العراق اقتصادياً،ففرضت الولايات المتحدة حصاراً اقتصادياً شاملاً على العراق بموجب قرار مجلس الأمن 661 في أغسطس 1990م، حيث يمنع العراق من استيراد أي من السلع والمنتجات التي يكون مصدرها العراق، وأي أنشطة يكون من شأنها تعزيز التصوير والشحن لأي سلعة أو منتجات وأية معاملات تجارية باستثناء الإمدادات الطبية والمواد الغذائية المقدمة لظروف إنسانية كما أوصى العراق بتشكيل لجنة تابعة لمجلس الأمن مهمتها الحرص على تطبيق نظام العقوبات ضد العراق والسهر على تنفيذ القرار 661 لسنة 1990م،كما عملت هذه اللجنة على منع دخول العديد من المواد الطبية والاستهلاكية وأصدر مجلس الأمن بتفويض من الولايات المتحدة قرار 670 في 25 سبتمبر 1990م، والذي ينص، "بأن يطبق الحظر على جميع وسائل النقل الجوية والبحرية، وبهذا يكون العراق قد وقع في حصار اقتصادي يمس جميع الجوانب .

هذا الحظر الاقتصادي ليس هدفاً في حد ذاته بل هو وسيلة لتحقيق هدف لا يتحقق بسهولة وبدون إبعاد العراق عن التأثير في مجريات الأحداث النفطية في الخليج وفي العالم لأن الولايات المتحدة بحضورها العسكري الواسع في الجزيرة العربية تكون ضمنت لمدة طويلة خروج هذا النفط ليس فقط من دائرة الهيمنة العربية بل دائرة القرار العربي أساسا . وللحديث بقية

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل- جامعة أسيوط

 

في المثقف اليوم