قضايا

القراءة في حياتنا

هاني جرجيس عياد تعتبر القراءة قدر وأمر وسنة، إلا أنها قدر جميل، وأمر مطاع، وسنة تكوين، أما أنها قدر فلأنه لا فكاك منه، وأمر مطاع لأنه منزل من الخالق وباسمه: (اقرأ بسم ربك الذي خلق)، وهي سنة التكوين لأنها ضرورة عقلية تتحقق بتلبيتها متعة عظيمة، غير أن المتأمل في حال أمتنا اليوم يرى عزوفا أليما عن القراءة من سائر أفراد المجتمع وحتى من مثقفيها ومتعلميها، حتى أصبحت هذه الظاهرة سمة واضحة على جيل بأكمله، مما يزيد من حجم التحديات التي يعانيها الجيل القادم، وهو ما يتطلب تغيير جوهري للواقع الحالي، كما يتطلب تعزيزا أكبر لأدوات بناء الشخصية والتي تعتبر القراءة أهم أدوات هذا البناء، ولا شك أن العزوف عن القراءة يعد واحدا من أكثر الظواهر والإشكاليات الاجتماعية تعقيدا بالنظر لارتباطها بخلل وظيفي في المجتمع، لذلك لابد من تشخيصها ووضع حلول لعلاجها، فما هي أسباب عزوف الناس عن القراءة؟ وماهي الحلول المقترحة لعلاج هذه الظاهرة؟

القراءة من قرأ وقرأ الشيء أي نطق بما احتوى، واقترأ الكتاب أي نطق بما كُتب به، واطلع على محتواه. ومن الجدير بالذكر أن القراءة هي من أهم ما يتميز به الشخص عن غيره في المجتمع، والمجتمع القارئ هو المجتمع الذي ميزته القراءة عمن سواه من المجتمعات، والمجتمع القارئ هو مجتمع متقدم ومنتج للثقافة والمعرفة، فلا يمكن أن تحقق أي أمة التقدم والنجاح والازدهار وتصل إلى الرقي إلا بالقراءة والبحث والتفكير، فالقراءة من أهم الأسباب التي تعمل على تقدم المجتمعات والأمم، وهي التي تزيد من تقدم المجتمعات، كما أنها تزيد من تقدم الأمم اقتصاديا وصناعيا وعلميا.

تعد القراءة من أهم وسائل كسب المعرفة، فهي تمكن الإنسان من الاتصال المباشر بالمعارف الإنسانية في حاضرها وماضيها، وستظل دائما أهم وسيلة لاتصال الإنسان بعقول الآخرين وأفكارهم، بالإضافة إلى أثرها البالغ في تكوين الشخصية الإنسانية بأبعادها المختلفة، فالقراءة تحتوي على ثلاث أمور مهمة (الملاحظة، الاستكشاف، والبحث الذاتي عن المعرفة)، ومن هنا تأتي شمولية القراءة والاطلاع فهي الركيزة الأولى لعملية التثقيف واكتساب مهارات الوعي المعلوماتي والمعرفي والتعلم الذاتي، للاندماج في العصر المعلوماتي.

إن القراءة فعل حيوي يصعب الاستغناء عنه، فهي إحدى الوسائل المهمة لاكتساب العلوم المختلفة والاستفادة من منجزات المتقدمين وخبراتهم، كما أنها ضرورة ملحة لا تقل أهميتها عن أهمية المأكل والمشرب، ولا يتقدم الأفراد بدون القراءة، فبها تحيا العقول وتستنير الأفئدة، ويستقيم الفكر.

القراءة وسيلة أساسية في ملء الفراغ وإشباع الميول والرغبات الثقافية، فبالقراءة الجادة الهادفة نستطيع تحصيل أسباب الرفعة والنهضة والتقدم واللحاق بركب الحضارة الذي تخلفنا عنه.

تعتبر القراءة وسيلة لتوسيع المدارك والقدرات، لأن المرء حين يقرأ، يقرأ في اللغة والأدب والتاريخ، ويقرأ في العلوم المختلفة، ويقرأ فيما ألف قديما وحديثا، ذلك مراعاة لتوسيع مداركه وإثراء عقله ولعل هذا يفسر لنا التخلف الذريع الذي نعاني منه بين صفوف الكثير من شبابنا والمسافة غير المتوازنة بين قدراتهم العقلية وبين ما هم عليه من تفكير وقدرات.

تثري القراءة لغة القارئ بالعديد من المفردات، وتنمي ذوقه، كما توسع دائرة معارفه وأفق تفكيره، وتعطي للقارئ القدرة على التحليل وإبداء الرأي السليم، وإذا نقد فإنه ينقد بعين بصيرة كما تنمي قدرته على المناقشة وإثراء المجالس والمنتديات بكل ما هو نافع.

أن القراءة ليست هواية، بل ضرورة أساسية في حياة البشرية، وتتضح أهميتها من كلام الكاتب الكبير جرهام جرين: "أحيانًا أفكر أن حياة الفرد تشكلت بواسطة الكتب أكثر مما ساهم البشر أنفسهم في تشكيل هذه الحياة".

ودائما ما يكون الاطلاع على الإحصاءات الخاصة بمعدلات القراءة في الوطن العربي، يعطى مؤشرا عن حجم تدهور الواقع الثقافي الذى تواجهه الدول العربية، خاصة عند مقارنة هذه الإحصاءات والمؤشرات بمثيلاتها في الدول الغربية.

قدمت "روسيا اليوم"، مؤشر القراءة في الوطن العربي خلال 2016م، وشمل المؤشر مسحا ميدانيا لـ148 ألف شخص.

ورتبت الدولة العربية من حيث الأكثر قراءة، فاحتل لبنان المركز الأول، ومن بعده على الترتيب مصر والمغرب والإمارات والأردن.

المفاجأة كانت في التصنيفات الأخرى، إذ كشف المؤشر أن متوسط عدد الكتب المقروءة سنويا في الوطن العربي 16 كتابا، منها 7 كتب دراسية و9 غير دراسية، كما كان متوسط عدد ساعات القراءة سنويا 35 ساعة، منها 15 ساعة في الدراسة والعمل، و20 في المجالات الأخرى.

المؤشر أظهر أن تفضيلات القراءة الورقية تتوزع "28% كتب، 20% روايات، 20% مجلات متخصصة، 17% صحف، 14% قصص مصورة".

أما تفضيلات القراءة الإلكترونية فكانت "23% شبكات اجتماعية، 23% مواقع إخبارية، 23% كتب إلكترونية، 15% مجلات إلكترونية، 9% مدونات، 7% شبكات مهنية".

المؤشر لم يكن منضبطا بما فيه الكفاية، لعله جاء مجاملا إلى حد ما للعرب، إذ أن متوسط معدل القراءة في العالم العربي لا يتعدى ربع صفحة للفرد سنويا، بحسب نتائج خلصت إليها لجنة تتابع شؤون النشر، تابعة للمجلس الأعلى للثقافة في مصر.

يعتبر هذا المعدل منخفضا ومتراجعا عن السنوات الماضية، ففي عام 2003، وبحسب تقرير التنمية البشرية الصادر عن اليونسكو، كان كل 80 عربيا يقرأ كتابا واحدا، بينما كان المواطن الأوروبي يقرأ 35 كتابا في السنة، والمستوطن الإسرائيلي يقرأ 40 كتابا، ورغم الفارق الكبير في نصيب القراءة للمواطن العربي مقارنة بالأوروبي، إلا أنه يعتبر أفضل من الوقت الحالي، حيث تراجع إلى ربع صفحة فقط، وهو معدل كارثي.

وتقرير التنمية البشرية عام 2011، الصادر عن مؤسسة الفكر العربي يشير إلى أن العربي يقرأ بمعدل 6 دقائق سنويا، بينما يقرأ الأوروبي بمعدل 200 ساعة سنويا، وهذا يوضح لنا مدى الكارثة الثقافية والعلمية التي يعيشها المواطن العربي، مقارنة بمواطنين في الدول الأوروبية، كما يؤكد وجود هوة ثقافية شاسعة بين ثقافة المواطن العربي وثقافة المواطن الأوروبي.

ومن الملاحظ أن هناك اختلافات في الأرقام الخاصة بمعدل القراءة في الوطن العربي، ويعود ذلك إلى الأدوات المستخدمة في البحث والتحليل، لكن أغلبها تصل إلى نفس النتيجة، وهو إثبات وجود فرق شاسع ما بين المواطن العربي ونظيره في الدول الأوروبية.

ورغم ان الأمر لا يحتاج إلى عرض هذه الإحصائيات حتى نصل إلى نتيجة أننا مجتمع لا يقرأ، وأن القراءة لا تعتبر طقسا من طقوسنا اليومية، فظاهرة العزوف عن القراءة واضحة وترسخت في أذهاننا وسلمنا للأمر الواقع بأننا أمة لا تقرأ، كما ترسخت هذه الصورة السوداوية عنا في نظر الغرب مما جعل موشي ديان يقول: ”العرب لا يقرؤون وإذا قرأوا لا يفهمون وإذا فهموا لا يحفظون وإذا حفظوا سرعان ما ينسون”.

والملحوظ أن أهم أسباب ظاهرة العزوف عن القراءة هي:

- قلة الوعي لدى العديد من الناس فيما يتعلق بأهمية القراءة لبناء الإنسان الجاد المثقف الواعي بأحوال أمته ومجتمعه، بالإضافة إلى حالة اليأس والإحباط التي يعيشها الفرد في المجتمع العربي بشكل عام، فالبعض يتساءل: ماذا سنجني من القراءة؟ هل سنصنع صاروخا نغزو به الفضاء؟ هل ستحل لنا مشاكلنا؟ هل ستغير واقعنا؟ وغيرها من التساؤلات التي لا تكاد تقف عند حد.

- ضعف مناهج التعليم التربوية في الوطن العربي، واعتمادها على عملية التلقين والحفظ في الأغلب، بالإضافة إلى كثافتها والتي تجعل الطالب يشعر بالملل إلى حد كراهية الكتاب والقراءة، إضافة إلى أن هذه المناهج لم تعد تحوي في طياتها ما يدفع الإنسان للبحث والقراءة فقد دخلت عليها مفاهيم غريبة سلخت الفرد عن بيئته ومفرداته، وغياب المعلم القارئ النموذج الذي يثري المناهج، بتلخيص الكتب ومناقشتها.

- غياب مفهوم التعليم والتثقيف الذاتي عند الكثير من الناس.

- الارتباكات السياسية الحاصلة في الكثير من بلداننا العربية، والتي أدت إلى انغلاق الآفاق أمام المتلقي الذي كان يعشق القراءة بفقدانه الاستقرار الحياتي.

- عدم تنظيم الوقت، فالكثير من الناس يدعي أنه لا يملك وقتاً كافيا للقراءة فتمر عليه الأيام والشهور وهو لم يقرأ كتاباً ولم ينم ثقافته تنمية تعود عليه بالنفع، بالإضافة إلى تضييع الوقت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حتى وإن كانت فيها صفحات تتحدث عن القراءة والاطلاع فإنها لا تجذب إلا المهتمين.

- تدني المستوى المعيشي الذي يعاني منه العديد من شبابنا والذي يمنعهم من الالتفات إلى القراءة، فهم مشغولون بالجري وراء لقمة العيش.

- عدم احترام المجتمع لمثقفيه واعتزازه بهم وعدم منحهم المكانة التي يستحقونها، فلابد أن يكون مجتمعا قادراً على انتاج مثقفين جدد، أما المجتمع الذي يحتقرهم ويسخر منهم فإنه يقتلهم ويلغي روح الإبداع لديهم، فلا ينتظر من هذا المجتمع أن ينتج مثقفين أو حتى مجرد قارئين.

- أزمة خطاب النخبة، وهي أزمة المثقف حين يرتفع بخطابه عن القارئ العادي مستنكفا عن تبسيط خطابه في طرح مشاريعه، ولعل هذه القضية باتت إحدى المشكلات الثقافية فمن يصعد للآخر؟ ومن ينزل للآخر؟ هل على المثقف أن ينزل بخطابه إلى القارئ العادي وبالتالي يخشى على نفسه أن يكون طرحه شارعيا؟ أم على القارئ العادي أن يصعد بنفسه ويرتقي بمعرفته ليصل إلى خطاب النخبة؟

- غياب ثقافة الكتاب في الكثير من البيوت والمؤسسات التربوية.

- غلاء أسعار الكتب نتيجة جشع كثير من الناشرين والمؤلفين.

- قلة الصبر خاصة مع كثرة الانشغالات، فالكثير يفتقدون الأناة وطول النفس في مداومة القراءة، ولا يملكون الجلد على المطالعة والبحث، فالساحة الفكرية اليوم تعاني من خلل ظاهر في بناء ملكة القراءة، فالكثير يدخلون في زمرة المثقفين من أصحاب الشهادات الجامعية، ومع ذلك تتفاجأ بان الكثير منهم ربما يعجز عن إتمام قراءة كتاب واحد خارج تخصصه.

- الغزو الثقافي الغربي، وترويج ثقافة الميوعة واللامبالاة، والأنانية، للسيطرة على الأمة فكريا وحضاريا، وغياب الروح التشجيعية وسيطرة النزعة الغربية الطاغية في الاهتمام بالجوانب المادية على حساب النظرة المعنوية للإنسان والحياة.

- غياب دور الأسرة التي تعتبر نواة المجتمع في صنع توجهات وقناعات أبناءها فهي قادرة على أن تجعل الطفل مولعا بالقراءة أو العكس، فالطفل الذي ينشأ في بيت به مكتبة عامرة وأبوين قارئين يختلف بالطبع عن الطفل الذي ينشأ في بيت يخلو من كتاب.

- عدم معرفة من يحاول القراءة بأي كتاب يجب أن يبدأ القراءة، فقد يصطدم بأمور صعبة الفهم، أو الافتقار إلى الخبرة في اختيار أفضل الكتب، أو عدم التركيز فينهي الكتاب دون فائدة، مما يسبب نفوره من القراءة.

- أنانية مثقفينا وعدم سعيهم ونضالهم لإقناع الآخرين بجدوى القراءة وضرورتها، بل على العكس تجدهم يتذمرون بالمحيطين بهم ممن لا يقرؤون، ويصفونهم بالمتسكعين.

ولا يخفى على أحد مخاطر العزوف عن القراءة على الإنسان والأمة، والتي تتلخص في:

- فقدان إرادة التغيير، نتيجة عدم امتلاك المعرفة التي تدفعنا إلى العمل والسعي لتغيير ما نعيشه من واقع سيء، وبالتالي سوف نقبع تحت براثن الفقر والاستبداد، مالم ندرك أن المعرفة هي الأساس في أي عملية تغيير.

- الاستسلام والخضوع الأعمى والإذعان للثقافة السائدة بمعاييرها وقيمها المادية وأهدافها، فأصبح شبابنا يسيرون مع التيارات كقشة في مهب الريح يحملهم حيثما يشاء هو، لا حيثما يريدون هم.

- الانغلاق الفكري والتحيز والتعصب نتيجة الالتزام بأمور معينة عن جهل أو بسبب معلومات خاطئة دون إمكان التفكير فيها وفحصها، مما يجعل البعض يقاوم وجهات النظر الأخرى كما يجعلهم غير قادرين على فتح أذهانهم لفهمها.

- انعدام الفكر النقدي مما جعل مجتمعاتنا العربية غير واعية لعيوبها، فالطالب الجامعي مثلا يتقبل طريقة التعليم بالتلقين دون أن يعي أن هذه الطريقة هي واحدة من أبرز وسائل القمع في هذا العصر، وقد يكون انعدام الفكر النقدي هو نتيجة لطريقة التدريس القمعية وهذا ما يذهب إليه بعض المفكرين.

- السطحية في التفكير مع ضحالة ذهنية مفرطة حجبت منافذ البصيرة في الكثير من الرؤى.

- انعدام قدرة الفرد على التعبير.

- أزمة الوعي التي نحياها جميعا، فقد أصبح شبابنا عرضة للتغييب والترغيب والانفصال عن الهوية العربية والإسلامية، مما جعل أمتنا تعيش خطر التفكك والتشرذم.

- ضياع الموروث التاريخي الأصيل والقصور في إنتاج المعرفة.

- الانحراف، لأن الشخصية خاوية العقل معرضة للانحراف والضياع بسهولة، بينما الشاب المثقف لديه من الثقل الداخلي ما يجعله يعزف عن الأمور المضرة وغير البناءة.

لا يخفى على أحد أن الكتب في أمة من الأمم هي مظهر من مظاهرها الحضارية، بل لعلها أهم تلك المظاهر وأبعدها أثرا على ثقافتها والمقياس الأول لنبضها وحيويتها، فهي الوعاء الذي يضم ثمرات عقول أبنائها وإبداعات مبدعيها في مختلف مناحي الحياة. لذا فمن الطبيعي أن تحتل هذه الكتب المكانة الرائدة في حياة الشعوب والأوطان، وأن تلعب الدور الاساسي في المسيرة البشرية نحو التمدن السياسي والاجتماعي والتقدم الاقتصادي؛ وليس من المستغرب أن تسعى الأمم للعناية بها والاهتمام بمصدرها، فتنشئ المؤسسات والمعاهد لتطويرها ونشرها وذيوعها، وتكريس احترامها وتداولها بين الحيز الأوسع من القراء وبما يتفق مع اختلاف الميول والأذواق، حتى شهد العالم فيضا منها لا يحصى ولا يعد، متنوعة في موضوعاتها، مختلفة في مضامينها، توسعت بها حقول العلم، ورحبت مساحة المعرفة، وتعمقت العلاقة بين القارئ والكتاب ثقافيا، وبين السلعة المستهلكة والمستهلك تجاريا. وبناء عليه يبقى علاج ظاهرة العزوف عن القراءة ضرورة ملحة في وقتنا الحالي لتدارك الموقف لمسايرة الركب المعرفي والعلمي. ومن أهم الإجراءات العملية التي نحسبها كفيلة بتنمية عادة القراءة لدى شبابنا نذكر ما يلي:

- محاربة التسرب الدراسي بإلزام كل من بلغ السن الدراسي بالانتظام في مدرسة مع تخفيف الأعباء الدراسية عن كاهل الأسر حتى لا يكون التسرب نتيجة لثقل الأعباء المادية على الأسر.

- يمكن إلزام كل طالب جامعي لكي ينال شهادته الجامعية أن يتكفل بتعليم ثلاثة من جنسه – ذكورا للبنين أو إناثا للبنات - القراءة والكتابة على أن يظل هذا المطلب أثناء سنين حياته الدراسية كمشروع لتخرجه يؤديه في أي وقت منه ولا ينال شهادة تخرجه إلا بعد أدائه.

- يمكن أن يطلب من المعفين من التجنيد الإجباري والنساء الذين لا يقومون بخدمة جندية أن يكون هذا هو واجبهم الوطني الذي يجب أن يؤدوه لخدمة وطنهم بأن يقوموا بتعليم عدد معين من الأميين القراءة والكتابة كشرط لازم لسلوكهم سبل العمل الداخلي أو الخارجي.

- يمكن إنشاء مدارس خاصة وأهلية معتمدة ومراقبة من الحكومة لتعليم الأميين القراءة والكتابة، على أن تكون هناك قاعدة بيانات تجميعية لمن تحرروا من عبودية الجهل والأمية لمنع التكرار والعبث والتلاعب، مع وجود قواعد صارمة على أداء تلك المدارس الأهلية لأداء عملها وتقييم نتائجها ونتاجها.

- يمكن أن تجيز القوات المسلحة التي تلزم المجندين الغير متعلمين بمدة خدمة إلزامية أطول عن المتعلمين – مصر مثالا تلزم غير المتعلمين بخدمة ثلاث سنوات وتلزم المتعلمين بخدمة سنتين فقط كتعليم متوسط وسنة واحدة للتعليم العالي – بأن تفتح لهم باب التعلم الداخلي أو الخارجي في الأجازات وتسمح لهم بتخفيض المدة الإلزامية أن استطاعوا التعلم خلال مدة خدمتهم.

- ومن أكثر الملاحظات جذبا للانتباه في محاربة الأمية ورفع الثقافة هي تجربة الحكومة البرازيلية التي ابتكرت ذلك المشروع لرفع مستوى الثقافة وتغيير المجتمع للأفضل، فتقدمت الحكومة البرازيلية بإطلاق مشروع أطلق عليه "مشروع الخلاص بالقراءة"، وينص على أن قراءة السجين لكل كتاب جديد يعفيه من قضاء أربعة أيام من فترة عقوبته بإجمالي 48 يوما في العام بعد قراءة 12 كتابا، ويتم التأكد من قراءته للكتاب بكتابته لمقال يلخص فيه الكتاب الذي قرأه. ولنا أن نتخيل أن مدى تأثير قراءة السجناء للكتب النافعة على حياتهم تصوراتهم وأفكارهم بعد الخروج للمجتمع ومدى استفادة المجتمع من ذلك التغيير.

- البدء بحملات إعلامية مكثفة لترسيخ الحس الحضاري تجاه القراءة في وجدان الناشئة لأن الإعلام يشكل فضاءا واسعا يمكن استثماره إذا أحسنا فهم وظائفه المجتمعية أولا، والتفاعل المتزن معه ثانية.

- إن القراءة قضية مجتمعية والطفل هو المدخل الرئيس للتنمية الحقة، وبالقراءة الواعية يصقل عقل الطفل كي يفسر ما تنطوي عليه سنن الحياة الكونية والنفسية والاجتماعية ويتفاعل معها على نحو رفيع، وعلى الأسرة تقديم بيئة ملائمة لتكوين أرضية ثقافية تتيح لكل عضو في الأسرة فرص الاستكشاف والتعلم والتفاعل والرقي العقلي والروحي والجسدي، فمستقبل الطفل وعطاء الأسرة شقيقان فلا مناص من تسخير كل الإمكانيات المتاحة عند الأسرة لتثقيف الطفل، وإلا أخفق المجتمع وضاعت الأمانة، أمانة التنشئة الصحيحة.

- تعتبر القراءة ذات أهمية بالغة في تأثيرها على الطفل وتكوين شخصيته المستقلة، كما لها تأثير كبير أيضا على فعالية العملية التعليمية بكافة مراحلها، وعدم الاهتمام بها يؤثر سلبا على قدرة الطفل في الاستمرار في التعليم الجامعي والعالي، والقراءة تساهم في إشباع القدرة التخيلية للطفل إضافة إلى مساهمتها في تنمية قدراته اللغوية، والتركيز، والانتباه، والملاحظة الدقيقة للأشياء، وتنمية الحس الفني والنمو العاطفي والعقلي مما يساهم في بناء شخصية الطفل وإغناء وجدانه، وهذا يتطلب تعاونا وثيقا بين الأسرة والمدرسة. فمن أهم واجبات المدرسة خلق روح القراءة في نفوس طلبتها لأنها تعطي قيمه ذاتية للإنسان وبدونها لن يكون لها ثقافة أو ابداع وبذا يقبل الطالب على القراءة من خلال مكتبة المدرسة برغبة وبمحض الإرادة النابعة من القلب وليس بفعل الوعيد والتهديد أو الخوف من العقاب أو من أجل أن يجتاز الامتحانات المدرسية المطلوبة ولا يتأتى ذلك للمدرسة إلا إذا كان المعلم فيها ممن يحب القراءة ويزاولها فيكون بذلك قدوة لطلبته.

- الاحتكاك بمحبي القراءة فالجلوس إليهم وملاحظة أثرها عليهم، من خلال أحاديثهم الشيقة التي لا تمل، تدفع بالمرء لمشابهتهم في ما هم عليه من حب للقراءة.

- لابد من تحطيم العامل النفسي الذي يجعل الشخص يردد دائما عبارة أنا لا أحب القراءة، أنا عندما أمسك بالكتاب أنام، وغيرها من العبارات التي لم تبنى على تجربة حقيقية واقعية، بل مجرد وهم أو نتاج كسل.

- الالتزام بوقت يومي محدد للقراءة.

- التدرج في القراءة فيبدأ بالأيسر فالأيسر حسب عمره وفهمه ولا يحسُن أن يبدأ بالمطولات.

- تفعيل دور المكتبات العامة لتحقيق أهدافها بنشر الوعي بأهمية القراءة.

- تثمين المبادرات التي تدعو للقراءة وتشجيعها والاقتداء بها، مثل المبادرة التي أطلقها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بدولة الإمارات العربية المتحدة، تحت عنوان ”تحدي القراءة العربي”، وهي أكبر مشروع عربي لتشجيع القراءة لدى الطلاب في العالم العربي عبر التزام أكثر من مليون طالب بقراءة 50 مليون كتاب خلال عامهم الدراسي تشجيعا على القراءة بشكل مستدام ومنتظم عبر نظام متكامل من المتابعة للطلاب طيلة العام الأكاديمي 2015-2016، بالإضافة لمجموعة كبيرة من الحوافز المالية والتشجيعية للمدارس والطلاب والأسر والمشرفين المشاركين من كافة أنحاء العالم العربي، ويشمل التحدي أيضا تصفيات على مستوى الأقطار العربية وتكريم لأفضل المدارس والمشرفين وصولا لإبراز جيل جديد متفوق في مجال الاطلاع والقراءة وشغف المعرفة.

- ضرورة استثمار توافر عناصر البيئة الرقمية في مجتمعاتنا لدعم مهارة القراءة، ومن المواقع الإلكترونية المهتمة بالقراءة والتي يجب التعريف بها لمشاركة الناس بها، ولما لا تكون نسخة بالعربية من هذا الموقع، وهو موقع good reads وهو عبارة عن شبكة اجتماعية على الإنترنت تشبه مواقع التواصل الاجتماعي كالفيس بوك ولكن تهتم بالكتب فقط، فهذا الموقع أنشئ خصيصا ليكون المكان المفضل لجميع محبي القراءة والكتب على الانترنت، بإعطائهم الفرصة لتبادل الخبرات والآراء في كل ما يتعلق بالكتب، كما يتيح فرصة التواصل مع الكتاب والمؤلفين المشتركين بالموقع، كما يمكن للمشتركين الانضمام إلى مجموعات النقاش المتنوعة التي تمكنه من التجمع مع الناس لمناقشة الكتب المختلفة.

- توعية الناس وحثهم على تحويل الهاتف المحمول إلى وسيلة تتيح القراءة، خاصة وأن الجميع دون استثناء يملكون هواتف نقالة، فوفق دراسة قامت بها منظمة اليونسكو أشارت إلى أن الكثير من الناس الذين يعيشون في دول التي تعاني من نقص في الكتب والمطبوعات باتوا يستخدمون الهاتف المحمول للقراءة، لذلك تعتبر وسيلة فعالة لنشر ثقافة القراءة.

- إنشاء رابطة لمحبي القراءة يكون همها العمل على توفير الكتاب، وتسهيل وصول أكبر عدد من الناس إليه من خلال إقامة المعارض وتأسيس صندوق لدعم الكتب القيمة وتنشيط سوق الكتاب المستعمل.

- القراءة الجماعية بحيث يتفق الفرد مع أقرانه ليجتمعوا مرة في الأسبوع أو الشهر للقراءة وجمع الفوائد.

- حصر الإشكالات في الكتب المقروءة بالرجوع إلى كتب أخرى أو سؤال المختصين لأن الإشكالات والمصطلحات التي تواجه القارئ في الكتاب تجعله يرميه دون رجعة .

- أصحاب القرار ينبغي عليهم النظر في المناهج التعليمية، وتطوير المناهج وتحسين الكتب المقررة، لتكون مما تهدف إليه إذكاء حب القراءة في نفوس الطلاب.

- استغلال معارض الكتب التي تقام كل سنة بتنظيم الزيارات لها والحث على زيارتها.

- إصدار سلاسل معرفية بأسعار زهيدة، وتوزيعها بشكل واسع النطاق على المدارس والجامعات.

- خلق حوافز للتشجيع على القراءة حتى ولو كان الحافز هو تخصيص حيز واسع للإشهار من أجل جعل القراءة عنصراً أساسيا في التعليم باعتباره مكونا أساسيا للمواطنة، ويمكن أيضا التفكير في صيغ لمباريات ومسابقات للقراءة وتتوج بجوائز.

- تطبيق فكرة المكتبات المتنقلة التي تزور المدارس وحدائق الأطفال وأماكن الترفيه والتسوق، وتكوين المكتبات في المساجد والكنائس والدوائر الحكومية والشركات والمطارات وعيادات الأطباء، بحيث يشاع الكتاب فيها وتعتاد النفوس رؤيته ويجب تجديد تلك الكتب كل مدة زمنية بحيث لا يمل القارئ الكتب القديمة.

- عدم إهمال الأطفال الذين لم يدخلوا المدرسة، فالمتخصصين في التربية وسيكولوجية القراءة ينبهون لتدريب الطفل الذي لم يدخل المدرسة على مسك الكتاب وتصفحه، كما أنه من الضروري أن توفر له الأسرة بعضا من الكتب الخاصة به. وعدم إهمال قصة قبل النوم لهم، فالأطفال –بوجه عام- يحبون القصص والحكايات حتى وإن كانوا لا يحسنون القراءة، وحتى وإن كنا لا نملك هذه العادة، يجب علينا استحداثها داخل مجتمعاتنا العربية، فخبراء التربية وعلم النفس ينصحون الآباء والأمهات بأن يقوموا بقراءة بعض القصص الملائمة للأطفال قبل النوم، وبذلك تبني مهاراته اللغوية، فقصص قبل النوم تعتبر حجر الأساس في تنمية الطفل، وقد عبر الشاعر الأمريكي ستريكلاند جيلليان عن أهمية الأم القارئة في قصيدة تعتبر من أشهر القصائد وأحبها عند الشعب الأمريكي.

وخلاصة القول فإنه متى عرفت أمة للكتاب قدره وحفظت مكانته، نالت حظها من الرقي والسمو، واسترجعت حضارتها وازدادت قوة وعمقا، ومتى عزفت عنه واستهترت بقيمته، كانت الهلكة مآلها والتقهقر والتلاشي مصيرها، لأن الأمة التي لا تقرأ تحمل في ذاتها بذور النهاية والفناء كما قيل. فنحن الآن مطالبون أكثر من أي وقت مضى، بدعم الكتاب وتشجيع القراءة خارج الحملات الموسمية والتظاهرات الرسمية، مطالبون بأن نعيد للكتاب مكانته في الحياة العامة، وأن نربي في الناشئة فعل القراءة.

لذا ما نأمله أن يحظى موضوع – القراءة – باهتمام وتركيز قويان في مقررات التعليم بدءا من رياض الأطفال والمرحلة الابتدائية ومرورا بالسلكين الإعدادي والثانوي وانتهاء بالجامعة لتصبح القراءة عادة تمارس طوال الوقت، والشعوب المتقدمة هي شعوب قارئة.‏

القراءة منفذ عميق للهروب من صواعق الجهل، كما تعد موهبة وهواية ولا تدرك أهميتها إلا الشعوب الحية والواعية والحريصة على القراءة، فالقراءة تعتبر مفتاح المعرفة وطريق الرقي وهي وسيلة لتوسيع المدارك والقدرات، لأن المرء حين يقرأ ويطالع في مختلف أنواع العلوم، يكون ذلك مدعاة لتوسيع مداركه وإثراء عقليته، وما من أمة تقرأ إلا ملكت زمام القيادة والريادة.

 

 د. هاني جرجس عياد

 

في المثقف اليوم