قضايا

سيكولوجيا التطرف

علي المرهجالتطرف سلوك سيكولوجي فيه قدر كبير موروث من الوسط الأسري والاجتماعي بقدر ما فيه من الموروث الفكري، ليتحول الفكر إلى سلوك نفسي عند الفرد يرفض فيه الآخر.

لعوامل البيئة الاجتماعية الدور الكبير في تنيمة سلوك التطرف أو تقليله.

اللغة لها دور في تنمية سلوك التطرف عند الفرد، فكلما كانت تربية الفرد في وسط بيئي واجتماعي مشحون بألفاظ عُنفية نجد الفرد يختزن هذه الألفاظ لتتحول عنده إلى سلوك عدواني.

عُنف اللغة وسخف معجمية اللهجة العامية عندنا في العراق تُورَث عنفاً سلوكياً أشد وأقسى من عُنف اللهجة..

أعتقد أن استخدامنا لألفاظ قاسية في ردع تصرف للأطفال سيوَلد عندهم ولو بعد حين عُنفاً مُضاداً نجد اطفالنا يستخدمونه بقساوة قلب أشدَ منَا..

نزوعنا نحو مصادرة آرء الأبناء، واعتمادنا في التربية على نظام الوصاية الأبوية إنما هو عامل فاعل في تنمية سلوك التطرف عند الأبناء.

نمط التعليم على قاعدة التلقين إنما هو ممارسة عُنفية واستغفال لعقل التلميذ لأنها عملية تحمل في طيَاتها استخفاف بعقل التلميذ وكبت لآرائه، باعتماد على معادلة تربوية ناقصة فيها المعلم هو المُرسل والرسول، وكأن الباطل لا يأتيه لا من أمامه ولا من خلفه!، والتلميذ لا مهمة له سوى التلقي السلبي لقول (المعلم). إنه عُنف التربية..

هناك اقصاء آخر فيه نوع من أنواع (الاخصاء) فكل رجل في القبيلة أو العشيرة لا رأي له بعد رأي (شيخ القبيلة) فهو الحكيم والعالم وغير ه لا مهمة له سوى الطاعة والرضوخ والقول: كلامك ذهب يمحفوظ.

تلك الحال لها وجود وفاعلية في إدارة الدولة، فكل الشعب لا دور له، لأن صوت "القائد الضرورة" إنما هو بالضرورة صوت الشعب!!.

وفي أحزابنا هناك ممارسة عُنفية يشترك فيها السيد (قائد الحزب أو مؤسسه) وأتابعه من المُتملقين الذين يُجيدون التمجيد على قاعدة مُستعارة من مسرحية (عدل إمام) "الزعيم" (أنت الشعب والشعب أنت) و(لا زعيم إلَا الزعيم)..

في التربية الدينية هناك مرجع وآخر مُقلد ولا دور للمُقلد ولا اعتراض له على المرجع لأنه (أعلم الأولين والآخرين).

عند الصوفية هناك الشيخ والمُريد، ولا مكان لمُريد في حلقة الشيخ إذا لم يكن الهيام بمحبة الشيخ وطاعته أصل من أصول تواجده في حلقات الذكر..

في كل ما ذكرت من أنماط سبقت إنما فيها اصرار وتأكيد على أن يُسلم الإنسان عقله بيد آخر ويعترف بقصوره الذاتي!.

تلك الأنماط من التفكير هي الموَلدة للعُنف حتماً سواء باتخاذ مراجعها لهم على أنهم أدوات يُحركونها متى ما شاءوا!، فأنت تجد المُتطرف لا عقل له لأنه يُفكر بعقل غير عقله، عقل تمكن من الهيمنة عليه ليُحركه ذات اليمين وذات الشمال، وهو فرح بهكذا توجيه على قاعدة (ذبها بركبة عالم واطلع منها سالم)!.

العقل المُتطرف لا يرغب أصحابه بالتفكير لا بالعقل ولا في العقل، لأنهم وضعوا عقولهم بيد آخر يُفكر بالنيابة عنهم..

التطرف فيه أنواع: تطرف عرقي وآخر ديني و تطرف مذهبي عقائدي، وتطرف حزبي أيديولوجي، وآخر أثني فيه تمييز بين البشر على أساس اللون، وهناك تطرف طبقي فيه تمييز بين بني البشر على أساس اقتصادي!، هو تمييز بين بني البشر (النُبلاء) و (الفقراء)!.

في التطرف انبهار وتكور حول (الأنا) ورفض وتقزيم للـ (الآخر) المُختلف.

 

ا. د. علي المرهج

 

في المثقف اليوم