قضايا

تمثلات العنف في السرديات القديمة والحديثة قراءة ثقافية

لهذا المصطلح تاريخ قديم اذ تعود جذوره الأولى عند نشأت البشرية حين قام قابيل بقتل أخوه هابيل، فالعنف مرتبط بالإنسان منذ نشأته حيث نرى الحرب والإبادة والغزو والاستعمار واقامة الامبرطوريات، والثورة، والتمثيل  بالجثث وغيرها من الاعمال ذات النزعة العنفية مرتبطة بالوجود الإنساني .وهناك من يبرر هذه النزعة بحجة أن الأمم تبنى عليه، فمنذ القدم كان العنف مسؤول في إنتاج السكان إذ إن الإنسان في بدياته كان يعيش على جمع القوت ومن ثم الزراعة، فإذا لم يحصل عليه كان يلجأ الى استعمال العنف والإغارة على غيره لمواصلة الحياة . ويرى أغلب علماء النفس أن التعنيف ليس مجرد دافع للتدمير أو لعاقب الآخر، بل هو طاقة تلعب دوراً هاماً في الصراع العقلي وبدرجة تماثل الدافع النفسي وما يثيره هذا الدافع من اضطرابات وصراعات تخرج من الأنا وتقصي الآخر. وحين جاءت الديانات السماوية زاد العنف على الرغم حثها الى التهذيب الخلقي، وإذا عدنا الى سفر الخروج باعتباره نصوص سردية نلحظ أنها قامت على فلسفة إقصاء الآخر فحين ترك بنو اسرائيل مصر (على قدر المشقة) بقيادة موسى الذي يرشده الإله التوحيدي، ويصل مع بني اسرائيل إلى أرض كنعان التي وعدهم الله بأنها ستكون موطنهم الجديد وهي أرض سيغزونها بتشجيع وعون من الله، ويرتكبون فيها جرائم إبادة شرسة خاضوها ضد شعوب سكانها الأصلين الذين كانوا هناك . اذن التوراة قامت بتثبيت جذورها عن طريق العنف وترى أن هذا ما يدعوه الإله، واذا انتقلنا إلى الاصحاح نرى نصوصه السردية تبيح القتل والصلب والتمثيل بالجسد ولا سيما حين اتهموا يسوع بأنه يدعي الملك على اليهود، اذ قاموا بتعريته من ثيابه وهزأوا به كمللك فألبسوه ثوب الارجوان وضعوا له اكليلاً من الشوك على رأسه، وهذه الحادثة التي رويت في الاصحاح وغيرها تشير إلى عنف الاديان التي تمارسه بكلِّ مشروعية وترى الأحقية في ذلك ولا تثبت دائم الدين الّا عن طريق العنف . وذا قرأنا بعض النصوص الإسلامية نجد ثيمة العنف قد غزتها، فكانت سياسية نشر الدين الجديد قائمة على القتل والبطش والغزو كما نجد وجوب فرض القتال في حالات معينة عند نشر الاسلام " كتب عليكم القتال "، " وقاتلوا في سبيل الله". اذن السرديات الدينية لم تخلُ من اعمال تعذيب البشر وتخريب الأرض وهذا ما سمح للكثير من الحكام أن يمارسوا  ابشع الجرائم مستندين بهذه النصوص واحقيتهم بالتطهير العرقي وتصفية الشعوب الذين يصوَّرون أعداءً . واذا انتقلنا الى السرد في عصرنا الحالي وتحديداً الروايات على اعتبار أنها نتاج لتجربة ذاتية عاصرت المجتمع السياسي بكل تقلباته، فنرى أن ثيمتها الاساسية كانت تدور حول  العنف بشتى أنوعه حيث صور الروائي نصوصه على شكل مشاهد مرئية لتكون شاهدة على تاريخ السلطة وتظهر وجهة نظر الكاتب أن أعمال العنف كانت مقتصرة على الحكومة والسياسية القمعية التي استعانت بها ضد شعوبها وعدم إعطائهم الحربة الكافية ؛ خوفاً من تمرد الشعب والانقلاب وهذا ما نجده في الروايات السردية العراقية التي جسدت العنف في جميع مراحل العراق السياسية ولا سيما قبل سقوط نظام صدام حسين . كما أن بعض الكاتب في سردياتهم قد مجدوا العنف، وهذا جاء من منطلق ايديولوجي الذي دعا اليه ماركس وسارتر . فعند مقدمة كتاب معذبو الارض لفرانز فانون التي قدمها سارتر يشير أن العنف لا يمكن قهره لأنه جوهر الإنسان اذ يعيد خلق نفسه بنفسه، وأن معذبو الأرض لا يمكنهم أن يصبحوا بشراً الّا عن طريق الجنون القاتل . العنف سببه التنافس من أجل البقاء، فمصدره السياسة التي تحاول فرض هيمنتها وليس كما ادعى فرويد بإنها طاقة عقلية وغزيرة انسانية .

 

موج يوسف

 

في المثقف اليوم