قضايا

إضطرابات الشخصية السياسية ومآلاتها التدميرية!!

صادق السامرائيالشخصية البشرية المضطربة تمتاز بأنها تمتلك نمطا من التجربة الداخلية والسلوك ينحرف كثيرا عن المسار الذي نتوقعه من البشر الذي نسميه سويا.

وهذا النمط الراسخ في الشخصية يتأكد بالكيفية التي يتلقى بها الشخص نفسه ويفسرها أو يفهمها وكذلك الآخرين والأحداث من حوله.

وكذلك تكون استجاباته ممزوجة بالانفعالات الغريبة عن معدل الانفعال العام لدى الآخرين.

فهو يكون متقلب المزاج ومشاعره وعواطفه لا ترتبط بالموقف الذي هو فيه وتظهر شذوذا وانحرافا واضحا.

وهذه المواصفات تؤثر على تفاعلاته مع الآخرين وتؤدي إلى ضعف في قدرته على السيطرة على اندفاعا ته.

هذه الحالة تكون صلبة وغير قابلة للمطاوعة والتغيير وتتسبب في العديد من المشاكل وعلى مختلف المستويات.

والسياسي قد يكون من المصابين باضطراب في شخصيته ينجم عنه سلوكيات كارثية من خلال القرارات التي يشارك في إتخاذها، خصوصا عندما يعمل في نظام لا ديمقراطي يوفر له قدرا كبيرا من الحرية التي تحقق الفردية ولاستبداد والطغيان.

وسأتناول بعض إضطرابات الشخصية السياسية بإيجاز وكما يلي:

أولا: الإضطراب الشكوكي

وهو إضطراب يملي على الشخصية أن تكون في حالة من عدم الثقة والشك بالآخرين، فتفسر دوافعهم على أنها شريرة دائما.

وهي تشك بدون أدلة كافية وتعتقد بأن الآخرين لديهم نوايا في إيذائها وخداعها واستخدامها لتحقيق أغراضهم.

وتكون مشحونة بالشكوك الغير مبررة حول إخلاص وصدق العاملين معها لها.

ولا يمكن لهذه الشخصية أن تطلع الآخرين على أسرارها لأنها تخشى أن تستخدم ضدها.

ولديها توجه عجيب لقراءة المخفي والبعيد من الدوافع والإشارات.

وهي شخصية لا ترحم ولا تغفر وتكون في أذيتها قاسية إلى حد غريب.

ويمكن لهذه الشخصية أن تستجيب لأي هجوم أو تعرض لها بالعنف والقوة الشديدة جدا.

ثانيا: الإضطراب السايكوباثي

إضطراب عنيف وقاسي لأنه لا يعير إهتماما للآخرين ولا يراعي القوانين، ويميل دائما إلى خرقها والعبث بحقوق الغير والاعتداء عليها.

وهي شخصية تميل إلى الكذب وإستخدام الآخرين من أجل تحقيق المصالح والرغبات، وينعدم لديها القدرة على التخطيط والوعي المستقبلي، وإنما ترغب بالإندفاعات الحامية والمتكررة. وتكون شخصية هائجة عدوانية وتدخل في نزاعات متلاحقة.

وتتخذ قرارا قد تتسبب في إيذاء الغير وإيذائها كثيرا، لفقدان القدرة لديها على حساب النتائج، وعدم الشعور بالمسؤولية المتواصل وتحسب فشلها نجاحا ونصرا.

وتتميز بموت الضمير وغيابه التام، وعدم الندم على كل ما تقوم به من أفعال وتتخذه من قرارات.

ثالثا: الإضطراب النرجسي

الطاووسية المتعاظمة والشعور المريض بالعظمة والكبرياء والحاجة إلى التبجيل والإحترام، وهي شخصية خالية تماما من الشعور بالآخر، لأن محور تفاعلاتها وعواطفها تكون حول الأنا المتضخمة الكبيرة.

ولديها الإحساس بعظمة أهمية الذات الفردية وتضخم ما تقوم به أشد التضخيم، وتحسب الآخرين من واجبهم أن يعظموها ويمجدوها على أقصى ما يمكن التعظيم والتمجيد.

وهي مشحونة بفنتازيا النجاحات الفائقة والقوة والجمال والإلهام، وكل ما يمت إلى الإله من صفات.

وما تقوم به يعد فريدا ولا مثيل له في الأرض، ولهذا لا بد من تقديم آيات العرفان والتعظيم على مدى الساعات، لكي ترضي تطلعاتها نحو تأكيد الذات وتعظيمها، ولابد من المعاملة الخاصة لها.

وهذه الشخصية تستخدم الآخرين كالعبيد من أجل أن تتحقق مصالحها، وتعتقد أن الآخرين يحسدونها ويغارون منها ويستهدفونها أيضا.

وهي شخصية متكبرة، عنيدة وتميل إلى التهور في بعض الأحيان.

رابعا: الإضطراب الإدماني

قد يكون السياسي كحوليا أو مدمنا على الخمر، وهذا السلوك يدفع به إلى استخدام آليات دفاعية معروفة هي التبرير والإسقاط والنكران، والتقليل من أهمية الموضوع والحدث أو المشكلة والمنطقية الزائفة القوية.

وهذه الآليات تنعكس على سلوك السياسي وتدفع إلى قرارات مؤذية، لأنها لا تريد رؤية الواقع وتلامس جسد الحقيقة أو المشكلة وإنما تنأى عنها بالتبرير والنكران.

خامسا: الإضطراب الثعلبي

أن يمارس السياسي أساليب الثعالب وخبائثها ويتخلق بأخلاقها ويحسب ذلك شطارة وسياسة ورجولة وذكاءً وقوة.

وأن يتفنن في خبرات الإيقاع بالآخرين وحفر الهاويات لهم وأكلهم وهم أحياء.

هذا المكر والخداع السلوكي يصاب به الكثير من العاملين بالسياسة ويحسبونه سياسة وقدرة فذة على الإيقاع بالآخر، الذي يجب أن يكون قوة مضافة إليهم وليس عدوا لهم.

وقد فعل هذا الإضطراب فعله في عالم السياسة، وأودى بحياة الكثيرين من الأبناء الأذكياء في أتون الموت السياسي والجسدي والفكري.

سادسا: الإضطراب الكرسوي

في هذا الإضطراب يتحول الكرسي إلى غاية ووسيلة في آن واحد، بل ويكون هو الوطن والشخصية والمعالم التي تحدد قوة وقدرة السياسي.

فيصبح أغلى من الوطن والحياة، مما يؤدي إلى ضيق الأفق والرؤية والإنغلاق والتحجر في الكرسي حتى يتهاوى إلى السقوط الأكيد، لأنه سيتمادى في جوره وغيّه وطغيانه، لما أصاب السياسي الجالس عليه من عماء كرسوي مدمر.

وقد تصل الحالة بالسياسي إلى أن يتصور بأن ذئبا يجلس تحت الكرسي، وما عليه إلا أن يكون في تمام اليقظة والحذر من كل الذين يحومون حول كرسيه، لأنهم في عرفه ذئاب تريد أكله وأخذ الكرسي منه.

وبعضهم يصاب بالداء الوخيم لدرجة لا يمكنه مغادرة دائرته أو وزارته أو قصره الرئاسي خشية أن يفقد كرسيه لأنه لا يأمن الذئاب عليه.

سابعا: الإضطراب الفكري

ونعني به نمط التفكير الذي يتصوره السياسي ويستسلم له ويرى من خلاله الأحداث والتفاعلات. و يكون النمط القائم في رأسه محددا بمفردات وموضوعات ضيقة يريد أن يفرضها على الواقع، بعيدا عمّا يسوغ أهميتها ودورها في صناعة الحياة المفيدة والباقية للجميع.

ويدخل ضمن هذا الإضطراب نمط تفكير الحزب الواحد والرأي الواحد.

وإضطراب أنا أمتلك الحقيقة ولا يمتلكها غيري.

وتحول النظام إلى مقياس للوطنية والولاء، وفيه يغيب الوطن والمواطن ويؤكد رؤاه وتصوراته النمطية، التي تريد أن تمنح شكلها للأفراد وتصنعهم على هواها ومنهجها، المحصور في دائرة الرؤية الواحدة التي لا تقبل القسمة إلا على نفسها.

وقد تسبب هذا الإضطراب في إدامة عدم الإستقرار ونشوب النزاعات وتداعي القدرات وتنامي الملمات على الشعوب.

ويكون تحت مظلة هذا الإضطراب التفكير العنصري والطائفي والمذهبي والحزبي، الذي يصل إلى حد التفكير الوهمي أو الإصابة بداء الوهم الفكري.

ثامنا: الإضطراب الإندفاعي

ويكون صاحب هذا الإضطراب فاقدا لقدرة المقاومة و السيطرة على إندفاعاته وإغراءاته وقد تتخذ أسلوبا دفاعيا وتخضع لقانون، وتتأكد كثيرا بإطلاق الغضب المتولد وفقدان القوة على تهذيبه وتوجيهه التوجيه الحسن، وإنما الإرتماء في أحضان السلبية والدمار الذاتي والموضوعي القاسي.

هذا الضعف في المقاومة أو ما نسميه غياب الحلم والتبصر وقدرة العقل على التحكم بدوافع العاطفة والنفس السيئة الفاعلة في الأعماق البشرية، هو الذي يؤسس لمآسي وطنية قاسية. ويُصاب المضطرب بتوتر وتحفز شديد للقيام بالعمل ويتملكه بحيث يعمي بصيرته ويشل عقله فيقفز إليه فيشعر براحة وسعادة مؤقتة يدفع ثمنها قاسيا برغم كل قدراته التبريرية والتعسفية، التي تحاول أن تظهر السلوك على أنه مبرمجا ومخططا له بعناية.

وتلك مصيبة الإضطراب الإندفاعي الممتزج بالإضطراب النرجسي القاتل.

تاسعا: الإضطراب الإنفعالي

أن يكون سلوك الشخصية تبعا للإنفعالات والمشاعر القائمة فيها، بعيدا عن كل الإعتبارات والإستنتاجات الأخرى.

أي أن الشخصية تولي إهتماما أكبر لرؤاها الإنفعالية وحدسيتها الشعورية، وتخضع لمنظارها ودعوتها لفعل شيئ ما يعبر عنها.

وإضطراب الإنفعال يؤدي إلى قرارات غير متوقعة ولا مدروسة، بل أن هذه الشخصية لا تسمح بالدراسة، ولا تقبل بنتائج لا تتفق ورؤيتها الإنفعالية للموضوع أو المشكلة.

عاشرا: الإضطراب الصندوقي

وهو إضطراب الإنغلاق والتقوقع في الذات والرؤية الفكرية أو السياسية والإمعان بها، والتطرف والإنحراف بسببها وقد يصل هذا الإنغماس المرضي بالفكر إلى درجة الوهم والتصرف وفقا للأوهام المتولدة عنها، والتي تقود الشخصية بقوة وعنف إلى التعبير عنها وتأكيدها بعيدا عن الخسائر وسوء النتائج المتمخضة.

حادي عشر: إضطراب الاستنقاع

أن تفرض الشخصية حصارا على نفسها ونظامها وتعيش في مستنقع رؤاها المقطوع عن مياه الحياة والبعيد عن حركة الزمن، مما يؤدي إلى سيادة قوانين المستنقع على نهر الحياة الجاري وهذا يقضي بعدم التوافق وحتمية الإنتهاء.

ويؤثر هذا الإضطراب على المجموعة القائمة ضمن النظام أو الحزب وتصيبهم بالشلل، وتستنفر فيهم غرائز وقدرات البقاء والصراع على مصادر صيرورة ثابتة أو متناقصة، مما يحدو بهم إلى قتل بعضهم البعض وتحويل وجودهم السياسي إلى مأساة مروعة تنتهي بهم جميعا إلى وديان السقوط القاسية.

ثاني عشر: إضطراب حب الظهور

حب الظهور فاجعة سياسية على مستوى الفرد والجماعة التي يمثلها، لأنه سيوهم الفرد بما ليس فيه ، ويعطيه حق التصرف في موضوعات لا قدرة له على تصريف أمورها بحذاقة وجدارة وقابلية جيدة، كما أنه يحرف الشخصية عن طبيعتها ويدفع بها للتحليق في أجواء سرابية لا تستفيق منها إلا بعد أن تحطم ذاتها وموضوعها.

حب الظهور إضطراب قاتل يصيب الشخصية السياسية وينفخها لدرجة الإنفجار الحتمي.

ثالث عشر: إضطراب حب المديح

وهذا الإنحراف يترادف مع الإنحراف الذي سبقه، لكن المديح أكثر دمارا للشخصية وأشد قدرة على حرفها وتشويهها وتدمير كيانها، وإخراجها من آدميتها بسبب النوازع المتطفلة التي يعبر بها الآخرون عن حاجاتهم الدونية، والتي يلصقونها بصورة الشخصية السياسية صاحبة القدرة على التأثير بالوسط الذي هي فيه.

والإضطراب ينجم عن التفاعل السلبي ما بين المفردات السلبية المتفاعلة بحيث تظهر وكأنها تفاعلات إيجابية ذات نتائج مفيدة للأطراف المتفاعلة في الوسط السياسي.

رابع عشر: إضطراب الهوس التاريخي وحب البقاء

هذا إضطراب مرعب وقاسي يحل بالشخصية السياسية ويدفع بها إلى القيام بأفعال وإتخاذ قرارات ذات تفرد وغير مسبوقة في زمنها المعاصر والسابق،  لكي تجد لها مكانا واضحا وباقيا في التأريخ.

وهو إضطراب سلوكي ناجم عن نزعة الخوف من الموت والتشبث المطلق بالحياة، وعدم الإيمان بمغادرتها ورفض الموت الذي لا بد لكل حي أن يواجهه.

وهو سلوك منحرف وخطير يعبر عن أنانية فائقة وعدم الإحساس بالآخرين، وإستخدامهم من أجل أن يحملوا شمعة تواجد تلك الشخصية في أقبية التأريخ أو متاحفه.

وقد أصيب بهذا الإنحراف العديد من الساسة والقادة، وقد واجهه جلجامش في زمنه لكنه عبر عنه بطريقة صحية وذات قيمة إنسانية وحضارية، حيث وجد أن الهوس بالتأريخ والبقاء في الأرض يتحقق بالبناء والتفاعل الإنساني الخلاق، الذي علينا أن نتوجه إليه بكل طاقاتنا لكي نبقى ونفيد الإنسانية، ونقدم إضافات حضارية باقية تشير إلينا وتعبر عن أفكارنا وسلوك شخصيتنا.

لكن للأسف الشديد يتم إستثمار هذه الرغبة البشرية بطريقة منحرفة تدفع إلى سفك الدماء وإشعال الحروب وتحقيق الويلات.

خامس عشر: إضطراب المغامرة والمقامرة

من الإضطرابات الإندفاعية التي تصيب الشخصية السياسية وتحتم عليها الولوج في تفاعلات غير محسوبة وذات نتائج مرعبة، أساسها حب المغامرة والمقامرة.

فيتحول الشعب في نظر السياسي إلى أشياء أو أوراق لعب على طاولة الصراعات السياسية، أو سلعة تجارية يقايضها بما يشاء من تصوراته وغاياته، التي تأخذه إلى حيث لا يفيد أحدا سوى نبضات الرغبات المتفجرة في كيانه المفلوت، والمتحرر من الروادع والضوابط الدستورية والقانونية.

سابع عشر: إضطراب الحرب

وهو إضطراب إندفاعي ناجم عن حب إشعال النيران في الأشياء، وقد يكون ركنا مهما من أركان العدوان وإشعال الفتن والصراعات البشرية.

فترى المصاب به لا يعرف حلا للأزمات القائمة إلا بالحرب والفتك بالآخرين.

وهذا منهج خطير يحقق الويلات المروعة للشعوب التي يتمكن منها فرد أو مجموعة أفراد، يتحقق فيهم هذا الاضطراب المقيت الذي لا يبني الحياة بل يشيع الدمار والفناء فيها.

ثامن عشر: إضطراب القلق والخوف

الخوف والقلق على المصير يدفع إلى المحسوبية وتقريب الأهل والقرابة وأبناء المحلة والعشيرة وكل المعارف، وفي ذلك تحقيق لنهاية السياسي ودماره لأنه قد أصبح ضحية للخوف والقلق، الذي حسب أنه سيعالجه بما فعل وإذا به يقع في فخ الدمار والخوف من أقرب الناس إليه.

تاسع عشر: إضطراب الرغبات

في هذا الإضطراب الذي يغيب فيه الرادع لأن السياسي يتحول إلى قوة فوق القانون، ويكون هو القانون وهو الذي يقرر مصير الآخرين، تنطلق الرغبات ويتم التعبير عنها بإنفلات سافر وإسراف فائق مما يترتب على ذلك نتائج سلبية وضارة.

عشرون: إضطراب الوطنية الزائفة

ما هي الوطنية وكيف يكون التعبير عنها ليس واضحا في هذا الإضطراب، وغالبا ما تكون مقرونة بحمل السلاح وحسب.

أما البناء والتفاعل الإيجابي والمعاني الأخرى فأنها مجهولة وممنوعة، ويتم تزييف الوطنية واعتبار الكرسي والسلطة مقياسا لها والمحتكر الأكبر لمعانيها.

إحدى وعشرون: إضطراب الأنا

تصبح الأنا شيئا مركزيا ومحوريا للسلوك التفاعلات المختلفة.

وتسمع من الشخصية المصابة بهذه العاهة كلمة  "أنا" مرارا وتكرارا وكذلك كلمة "أنني".

وتأخذ الأنا أبعادا أكبر وتصبح ككرة الثلج المتزايدة الحجم.

فتكون الشخصية قد أفصحت عن وجودها السياسي بطريقة مَرضية مضرة بها وبالآخرين، حتى تصل إلى درجة التضخم السرطاني، الذي تكون نهايته كنهاية أي شخص مصاب بالسرطان. وترى أصحاب هذا الإضطراب ينسبون كل الأشياء لأناهم.

ولسان حالهم يقول "أنا الكرسي"، أنا القوة"، أنا الشعب"، " أنا الوطن"، "أنا القانون" وأنا وأنا...الخ من عجائب الأنا.

إثنا وعشرون: الإضطراب العِظامي

السياسي في هذه الحالة تتولد عنده سلوكيات غريبة، وتراه يبحث عن حسبه ونسبه ويتحدث معك على أنه من الأصول المهيمنة على الحياة والتي ترسم طريقها، فتراه يدعي ما يدعي ويأخذ بتوثيق أصله وفصله ويربطه بأطهر الأصول ويبعده عن أي فصل أو أصل غير معروف. فيعتني بشجرة نسبه ويحدثك وكأنه فارس الفوارس منفوخ الصدر كالطاووس.

فيقول أنه فلان الفلاني وأن لقبه كذا وأن أجداده كذا ويمضي في تسطير المناقب وإختلاقها، ويبتعد كثيرا في ذلك حتى وكأنه التأريخ له والحياة ملكه ولا يمكنها أن تستقيم من دونه.

وهذا الإضطراب بلاء كبير يدفع إلى المآسي ويحقق الويلات ولا ينفع الناس لأن المصاب به ينقلب إلى عظامه وينشغل بها، وينسى أن عليه أن يتفاعل مع الحياة ويقدم ما يؤكد عصاميته ودوره المبدع الخلاق، بدلا من ضياع الوقت في نبش القبور.

ثالث وعشرون: الإضطراب الإعتمادي

أن تكون الشخصية معتمدة على غيرها من أصحاب القدرات وقوة تقرير المصير وصياغة القرارات، فتتحول إلى أداة تنفيذية لخطط قد تعرفها أو لا تعرفها.

وهذا الإضطراب ناجم عن نكوص في السلوك وإرتداده إلى حالة سابقة من العمر عندما يكون الشخص معتمدا على والديه.

ولعدم إشباع تلك الرغبة الإعتمادية، فيتم تعويضها في أعمار متأخرة وخصوصا عندما تتوفر الرموز التعويضية، التي تمنح القوة والأمان وتحقق الرغبات والتطلعات المتحركة في الأعماق الشخصية.

رابع وعشرون: إضطراب العمى العقائدي

العمى العقائدي هو التشبث الدوغمالتي بالرؤية الفاعلة في رأس الشخص وتمحوره حولها، وعدم قدرته على رؤية غيرها، فيرى أن ما يقوم به صحيح ومثالي، ولا مثلبة عليه، وأن في الآخرين جميع المثالب والعيوب، مما يتسبب بتداعيات سلوكية مريرة وقاشية في المجتمع الذي تكون فيه هذه الشخصية السياسية بمسمياتها وتجمعاتها وأحزابها.

خامس وعشرون: إضطراب الأكذبة

في هذه الحالة تتعود الشخصية على الكذب الذي يتعزز بحوافز مترامة ومخارج سهلة، توهم الشخص بأنه يمتلك شطارة وحذاقة وقدرة على المناورة، وينفي أنه يمتهن الكذب لأنه صار حالة غير واعية ومشروعة في وعيه المنحرف.

هذه محاولة متواضعة ومقتضبة لتحديد بعض الإضطرابات التي تصيب الشخصية السياسية  وتتسبب في القرارات المؤذية للحياة، ويمكن إضافة إضطرابات أخرى إليها،  وهي بحاجة إلى مزيد من البحث والدراسة.

وأرجو أن لا يُفهم منها أن كل مَن يمارس السياسة مصاب بهذه الإضطرابات، بل أنها خلاصة تأملية لمسيرة الشخصية السياسية في بلدنا على مدى القرن العشرين وما بعده، قد تفيد الآخرين في المستقبل وتساعدهم على عدم الوقوع في المآزق والمحن، وتصنع طريقا واضحا للتفاعل السياسي الصحي والحضاري الذي ينفع الأجيال المتعاقبة.

 

د. صادق السامرائي

7\1\2007

 

في المثقف اليوم