قضايا

محمد سعد: صُرَاخُ الْبِطْرِيقِ

قَبْلَ هُبُوبِ الْعَاصِفَةِ يُطْلِقُ الْمُثَقَّفُ صَرَخَاتٍ عَنْ قُدُومِ الْعَاصِفَةِ وَرِيَاحٍ عَاتِيَةً سَوْفَ تَعْصِفُ بِالْأَخْضَرِ وَالْيَابِسِ، بِدُوَلٍ هَشَّةٍ اقْتِصَادِيَّةٍ فِي الشَّرْقِ الْأَوْسَطِ، نَتِيجَةَ تَدَاعِيَاتِ أَزَمَاتٍ اقْتِصَادِيَّةٍ وَاجْتِمَاعِيَّةٍ وَثَقَافِيَّةٍ، وَوَضْعٍ غَيْرِ مُسْتَقِرٍّ أَمْنِيًّا فِي الْعَالَمِ، وَهَذِهِ وَظِيفَتُهُ، وَإِذَا تَخَلِّيَ عَنْ الْمَشْهَدِ فَهَذِهِ خِيَانَةٌ ذَكَرَهَا الْكَاتِبُ الْإِنْجِلِيزِيُّ (جُولْيَانْ بِينْدَا) وَكَذَلِكَ "الدُّكْتُورُ إِدْوَارْدْ سَعِيدٍ "، فِي كِتَابَهِ خِيَانَةِ الْمُثَقَّفِيِّينَ وَشَرْحِهَا بِالنَّقْدِ الْفَيْلَسُوفِ الْفَرَنْسِيُّ "جُونْ بُولْ سَارْتَرْ "عَنْ خِيَانَةِ الْمُثَقَّفِيِّينَ، كَمَا تَعَلَّمَهَا بِالْفِطْرَةِ طَائِرُ الْبِطْرِيقِ

"الْأَوْهَامُ الْمُضِيئَةُ" \"إِطْلَاقُ صَرَخَاتٍ قَبْلَ هُبُوبِ الْعَاصِفَةِ، مُحَذِّرًا الصَّيَّادِينَ لِمُغَادَرَةِ السَّاحِلِ،

وَهَذِهِ وَظِيفَةُ الْمُثَقَّفِ لَيْسَ وَصْفَ خَرَابٍ قَادِمٍ بِسَبَبِ الْعَاصِفَةِ بَلْ التَّنْبِيهُ مِنْ قُدُومِهَا وَأَثَرِهَا...،

لَكِنْ لَا أَحَدَ يَسْمَعُ فِي الْقُصُورِ وَالْأَسْوَارِ الْخَلْفِيَّةِ... صُرَاخُ الْبِطْرِيقِ وَهُوَ يُحَذِّرُ مِنْ قُدُومِ الْعَاصِفَةِ،

إِذَا كَانَ الصَّيَّادُونَ سُكَارَى وَالسَّاحِلُ سَاكِنًا وَالْبَحْرُ صَامِتًا.

الْعَمَى لَيْسَ الظَّلَامَ الزَّائِلَ بَلْ الثِّقَةُ بِالْأَوْهَامِ الْمُضِيئَةِ الْمُزْمِنَةِ. الَّتِي نَعِيشُهَا نَتِيجَةَ إِرْثٍ قَدِيمٍ رَاسِخٍ فِي الْعَقْلِيَّةِ الْعَرَبِيَّةِ..،، لِلْأَنَّنَا مُجْتَمَعُ الْأَسَاطِيرِ وَالْعَادَاتِ وَالتَّقَالِيدِ وَالْجَهْلِ الْمُدْقِعِ وَبَيْعُ الدَّمِ بِالْمَالِ: كَمَا يَحْدُثُ فِي "السُّودَانِ، وَالْيَمَنِ وَسُورْيَا وَلِيبِيا

وَالْعِرَاقُ وَلُبْنَانَ... إِلَخْ

تَذَكَّرْتُ قَوْلَ الْفَيْلَسُوفَةِ الْكَبِيرَةِ:- "آرَنْدِيتْ": الْعَالَمُ الثَّالِثُ لَيْسَ شُعُوبًا،

بَلْ أَسَاطِيرَ وَأَيْدِيُولُوجِيَّاتٌ\".

نَحْنُ لَا نَحْتَاجُ قِرَاءَةَ الْأَسَاطِيرِ بَلْ نَعِيشُهَا فِي كُلِّ مَكَانٍ مِنْ الْمُحِيطِ إِلَى الْخَلِيجِ...!! نَعِيشُ مُنْعَطَفٌ تَارِيخِيٌّ خَطِيرٌ. تُرْفَعُ فِيهِ

السُّيُوفُ وَالْخُيُولُ وَالْمَعَارِكُ الْقَدِيمَةُ التَّارِيخِيَّةُ وَالْفُرْسَانِ وَالْخِطَابَاتِ وَالْقَتْلَى وَ... إِلَخْ

مَرْسُومَةٌ عَلَى جُدْرَانِ الْحِيطَانِ وَالْمَعَابِدِ كُتِبَ عَلَيْهَا \"فِي رِوَايَةِ الْعَبْقَرِيِّ الْكُولُومْبِيِّ مَارْكِيزْ\" أَعِيشُ أَنَا وَيَمُوتُ ضَحَايَايْ \"وَصَارَتْ هِيَ الْوَاقِعَ،

فِي حِينِ صَارَ الْوَاقِعُ الْحَقِيقِيُّ أُسْطُورَةً.

طَبَقَةٌ فَرَاغِيَّةٌ لَا تُنْتِجُ غَيْرَ الْعَطَبِ وَتَعِيشُ مُرَفَّهَةً عَلَى حِسَابِ الْآخَرِينَ .وَالتِّجَارَةِ بِالدَّمِ مَاذَا يَحْدُثُ فِي السُّودَانِ وَلِيبْيَا وَشَمَالِ سُورْيَا وَالْيَمَنِ أَلَيْسَتْ تِجَارَةً بِالدَّمِ الْعَرَبِيِّ...؟!

وَمَعَ كُلِّ الْأَحْدَاثِ تُطِلُّ عَلَيْنَا مِنْ شَاشَاتِ التَّلْفَزَةِ وُجُوهٌ شَاخَتْ\" مِنْ الشُّيُوخِ \ "الْمُتْرَفَةِ الْمُسْتَرْخِيَةِ الْمُتَرَهِّلَةِ كَمَا لَوْ كَانَتْ خَارِجَةً مِنْ صَالُونَاتِ الْكَوَافِيرِ، تَخْتَلِفُ عَنْ وُجُوهِ غَالِبِيَّةِ النَّاسِ مِنْ الْبُؤْسِ وَالْفَقْرِ وَالْجُوعِ وَالْمَرَضِ وَجُثَثٌ تَطُفُّوا عَلَى شَوَاطِئِ الْبِحَارِ هَرَبًا مِنْ الْحُرُوبِ وَمِنْ جَحِيمِ السَّاسَةِ كُلُّ هَذَا الْوَاقِعِ الْوَهْمِيِّ الْأُسْطُورِيِّ وَيَأْتِي جَاهِلٌ وَمَرِيضٌ بِمَرَضِ السَّيْكُوبَاتِيَّةِ مَا زَالَ يَعِيشُ فِي كُهُوفِ الْعُصُورِ الْوَسَطِيِّ.. لِيَقُولَ بِثِقَةٍ:\" هُوَ يَعِيشُ الْوَاقِعَ وَيَرَاهُ \" فِي حِينِ هُوَ لَا يَرَى شَيْئًا سِوَى الْوَاقِعِ الْمُزَيَّفِ، الْوَاقِعُ الْحَقِيقِيُّ فِي مَكَانٍ آخَرَ لَا يَصِلُهُ الْعَقْلُ الْبَسِيطُ ضِيقَ الْأُفُقِ وَالْمَعْرِفَةِ.

إِنَّ الْوَاقِعَ الْحَقِيقِيَّ غَاطِسٌ فِي بَحْرٍ مِنْ جِبَالٍ مِنْ الثَّلْجِ وَدَهَالِيزَ وَمَكَاتِبَ سِرِّيَّةٍ وَفِي أَجْهِزَةٍ مُخَابَرَاتِيَّةٍ وَشَرِكَاتٍ مُتَعَدِّدَةِ الْجِنْسِيَّاتِ وَدُوَلٍ وَمَصَالِحَ وَمَافِيَاتٍ وَعِصَابَاتٍ وَبُنُوكٍ وَمُنَظَّمَاتٍ وَتَقَالِيدَ وَتُرَاثٍ وَتَارِيخِ وَثَقَافَةٍ وَكُلُّ هَذِهِ مُتَدَاخِلَةٌ تَدَاخُلَ أَنْيَابِ التَّمَاسِيحِ... شَبَكَةً عَنْكَبُوتِيَّةٌ...!

مِنْ أَيَّةِ زَاوِيَةٍ يُرَاقِبُ الْمُثَقَّفُ هَذَا الْوَضْعَ.؟

قَدَرْنَا أَنْ يَعِيشَ الْمُوَاطِنُ الْعَرَبِيُّ زَمَنَ الْعَهْدِ الْبَائِدِ مِنْ الْمِلْكِيَّةِ وَالِاحْتِلَالِ إِلَى التَّحَرُّرِ مِنْ الِاسْتِعْمَارِ إِلَى جُمْهُورِيَّاتِ الشَّوَارِبِ الثَّوْرِيَّةِ فِي الْخَمْسِينِيَّاتِ وَالسِّتِّينِيَّاتِ فَمَا فَوْقَ الَّتِي لَمْ تَعُدْ تَصْلُحُ إِلَّا لِمُسَابَقَاتِ الْقِطَطِ السَّمَّانِ فِي عُصُورِ النَّهْبِ وَالسَّرِقَةِ وَالْفَسَادِ وَالْحُرُوبِ الْأَهْلِيَّةِ الْآنَ أَذْكُرُكُمْ وَاذْكُرْ نَفْسِي بِهَذَا الشَّهْرِ مِنْ أَحْدَاثٍ وَدَمٍ وَاعْتِقَالَاتٍ وَحُرُوبٍ كُلِّهِ ارْتَبَطَ بِالْمِنْطَقَةِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّهُ شَهْرُ أَيْلُولَ الْأَسْوَدِ) الَّذِي أُطْلِقَ عَلَيْهِ نَتِيجَةَ الْمَذَابِحِ الَّتِي وَقَعَتْ بَيْنَ الْفَصَائِلِ الْفِلَسْطِينِيَّةِ وَالْجَيْشِ الْأُرْدُنِّيِّ فِي عَمَّانَ، وَالرَّحِيلِ الْمُفَاجِئِ (لِجَمَالِ عَبْدِ النَّاصِرِ) فِي أَثْنَاءِ عَقْدِ قِمَّةٍ طَارِئَةٍ لِجَامِعَةِ الدُّوَلِ الْعَرَبِيَّةِ لِوَقْفِ "نَزِيفِ الدَّمِ الْعَرَبِيِّ الْعَرَبِيِّ" وَأَحْدَاثِ الِاعْتِقَالَاتِ الْكُبْرَى فِي/ 3 مِنْ سِبْتَمْبِرَ عَامَ /1981 وَهِيَ الْقَشَّةُ الَّتِي قَسَّمَتْ ظَهْرَ الْبَعِيرِ بِاغْتِيَالِ (أَنْوَرِ السَّادَاتِ) كَذَلِكَ أَحْدَاثُ /11مِنْ سِبْتَمْبِرَ عَامَ 2001م بِاقْتِحَامِ بَرْجَيْ التِّجَارَةِ الْعَالَمِيِّ. الَّذِي أَدَّى إِلَى اجْتِيَاحِ الْعِرَاقِ وَأَفْغَانِسْتَانَ. وَظُهُورِ مُصْطَلَحِ" صِرَاعِ الْحَضَارَاتِ.:

لِتَعِيشَ الْمِنْطَقَةُ حَرَاكًا ثَوْرِيًّا مِنْ ثَوْرَاتِ الرَّبِيعِ الْعَرَبِيِّ وَيَسْقُطُ نَظُمَ حُكْمٍ وَنَدْخُلُ فِي صِرَاعِ عَلِي السُّلْطَةِ مِنْ حُرُوبٍ أَهْلِيَّةٍ مَا زَالَتْ مُشْتَعِلَةً حَتَّى كِتَابَةِ هَذِهِ السُّطُورِ...   لِيَغِيبَ عَلَيَّ كُلُّ الْفَاعِلِينَ فِي الْمَيَادِينِ أَنَّ شَابَّتَهُمْ الرُّؤْيَةُ...

لِنَعِيشَ فَتْرَةَ مَتَاهَاتِ التَّدَيُّنِ وَالْمُوضَةِ الْجَدِيدَةِ مِنْ الْجِلْبَابِ الْقَصِيرِ. وَاللِّحْيَةِ الْمُزَيَّفَةِ بَيْنَ التَّدَيُّنِ وَالْمُوضَةِ، وَالْبَنْطَلُونُ الْمَثْقُوبُ مِنْ الْخَلْفِ أَوْ النَّازِلِ تَحْتَ الْحِزَامِ وَتَسْرِيحَةُ عُرْفِ الدِّيكِ الَّتِي أَوْشَكَتْ عَلَى الِاخْتِفَاءِ فِي أُورُوبَّا، لِنَعِيشَ فَوْضَى عَارِمَةً فِي كُلِّ مَكَانٍ مِنْ ضَوْضَاءَ وَصَخَبٍ بِاسْمِ الْحُرِّيَّةِ وَالْمَدَنِيَّةِ الْمُزَيَّفَةِ... فَمَتَى يُعْلِنُونَ وَفَاةَ الْعَرَبِ .؟!

***

مُحَمَّدُ سَعْدِ عَبْدِ اللَّطِيفِ

كَاتِبٌ مِصْرِيٌّ وَبَاحِثٌ فِي الْجُغْرَافِيَا السِّيَاسِيَّةِ

في المثقف اليوم