قضايا

زينب عفيفي شاكر وتجديد الخطاب الديني في ظل التقنيات الحديثة

محمود محمد عليما زلت أؤمن بل ربما أكثر من أي وقت مضي بأنه كلما نما الوعي الحضاري لدي الإنسان كان أميل إلي التأمل في ذاته وفي الآخرين، سواء رأي نفسه من خلال الآخرين أو رأي الآخرين من خلال نفسه. ولكن هذا التأمل ليس مجرد ممارسة لنشاط هو مهيأ له بطبيعته، تنتهي غايته مع فعل التأمل، بل هو نشاط توجهه رغبة خفية في التعرف علي النموذج أو مجموعة النماذج التي ينطوي كل منها علي مجموعة من المقومات، والتي يري الإنسان بعد ذلك نفسه- كما يري الآخرين – من خلالها .

ويكون النموذج أكثر فاعلية بمقدار رحابته وقدرته علي استيعاب عدد من المقومات التي تنبسط علي مساحة بشرية واسعة، أو مساحة زمنية ممتدة، أو عليهما معا، وعندئذ يصبح من السهل رد المتفرق إلي الوحدة، أو رد الكثرة إلي المفرد .

والنموذج البشري كما نعتقد نموذج تجريدي، يتشكل من خلال التأمل، وهو عندئذ بمثابة المرآة التي ينظر فيه كل فرد بعد ذلك فيعرف إلي أي مدي هو ينتمي إلي هذا النموذج، وهو أيضاً المرآة التي يعرض علي صفحتها صور الآخرين فيعرف إلي أي مدي يتحقق النموذج فيهم؛ بل أكثر من هذا أنه ربما عرض علي صفحتها شعبا بأسره ليعرف إلي أي مدي يبسط هذا النموذج أو غيره جناحيه علي أفراده . لكن النموذج يعود مرة أخري ليجاوز كل الحدود المكانية والزمانية؛ فهذا شرط أساسي من شروطه، وأعني بهذا أنه قابل للانتقال من المكان والزمان اللذين أفرزاه لأول مرة – سواء علي مستوي الواقع أو مستوي التأمل – إلي مكان وزمان آخرين، وفي هذه الحالة يخرج النموذج من إطاره الفردي أو المحلي لكي يصبح نموذجاً إنسانياً.

ولاشك في أن هذا النموذج متجسد ليس فقط في الرجال، بل وفي النساء ؛ فهناك نسوة من البشر يتميزن عن غيرهن بحيوية الفعل وبالقدرة علي التضحية، وقد عرفت مصر نماذج رائعة لهذا النوع من النساء اللاتي شكلن طلائع الإحساس العميق بضرورة التغيير، وتمتعوا بقدر كبير من الاستنارة ؛ ومن بين هؤلاء الأستاذة الدكتور "زينب محمد عفيفي شاكر" - (أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية الآداب جامعة المنوفية بجمهورية مصر العربية)؛ حيث تعد هذه المرأة (مع حفظ الألقاب) من الباحثات المصريات المتميزات اللاتي لمع نجمهن في سماء الفلسفة الإسلامية خلال فترة تسعينيات القرن الماضي وحتي الآن ؛ حيث سعت زينب عفيفي منذ وقت مبكر في رسالتها للماجستير والتي كانت بعنوان " ابن باجة وآراءه الفلسفية"، وقد حصلت عليها من كلية البنات بجامعة عين شمس، وكانت تحت إشراف أستاذنا الأستاذ الدكتور عاطف العراقي (رحمه الله)، حيث لفتت زينب عفيفي الانتباه  في هذه الرسالة إلي أهمية وقيمة ابن باجة في الفلسفة، وإلي الإسهام فيه دراسة وابداعاً، وقدمت نماذج عديدة شامخة تمثل أبرز فلسفته، وفي مقدمتها  فلسفة الطبيعة وفلسفة النفس عند ابن باجة، وقدمت للقارئ العربي مجموعة من التحليلات الدقيقة، وبحيث استطاعت سبر أغوار العديد من أفكار ابن باجة (ذلك الفيلسوف العربي – الأندلسي الذي شق طريقه وسط الأشواك والصخور، وعاش في غربة وأعلن الالتزام بالعقل والمعقول وكانت فلسفته هادية ومرشدة ورائدة لعديد من الفلاسفة والمفكرين من أمثال ابن طفيل أو ابن رشد)، وقدمت للقارئ العربي أفكاراً قد يمكننا الاستفادة منها في حياتنا الراهنة بصورة أو بأخري.

قال عنها أستاذنا الدكتور عاطف العراقي بأنها "... من الباحثات اللاتي يتميزن بحس نقدي واضح، إنها في رسالتها لم تكن مكتفية بترديد آراء ابن باجة، وبحيث تكتفي بمجرد العرض، بل إنها أضافت البعد الموضوعي والذي تمثل في رجوعها واعتمادها علي كتابات الفيلسوف ابن باجة، بعداً ذاتياً نقدياً حين لجأت إلي التحليل والمقارنة والموازنة بين العديد من الآراء والتي تتصل من قريب أو من بعيد بفلسفة ابن باجة، كما قدمت لنا مجموعة من التساؤلات والتأملات حول الاتجاه العقلاني عند هذا الفيلسوف، ولم تكن زينب عفيفي علي وعي تام بآراء ابن باجة، بل إنها وإدراكاً من جانبها لأهمية فكرة التأثر والتأثير تأثر ابن باجة بالسابقين وخاصة الفارابي في المشرق العربي وتأثيره في اللاحقين كابن طفيل وابن رشد، وقد رجعت إلي العديد الخاصة بفلاسفة المشرق والمغرب، لأن فكر الفيلسوف لا يمكن فهمه إلا بعد الإطلاع علي أفكار السابقين له واللاحقين عليه أو كما نقول إن من لم يقرأ أفلاطون لا يفهم أفلاطون".

وبعد شهادة عاطف العراقي نقول، لم تكتف زينب عفيفي بذلك بل اضلعت بمهمة فتح باب مهم في الفلسفة الإسلامية وهو باب الفلسفة الطبيعية والإلهية عند أبي نصر الفارابي، وكان هذا هو موضوع رسالتها للدكتوراه (التي قامت بتسجيلها في جامعتنا الموقرة – جامعة أسيوط الزاهرة  بكلية الآداب فرع سوهاج وكان يشرف علي رسالتها كل من أستاذنا الدكتور عاطف العراقي  وأستاذنا الدكتور عامر النجار وناقشها فيها كل من الأستاذ الدكتور أبو الوفا التفتازاني والأستاذ الدكتور أحمد محمود صحبي رحمهما الله)، وفي هذه الرسالة قامت الدكتورة زينب عفيفي بتقسيمها إلي مجموعة من الفصول والنقاط والجزئيات، وجاء تقسيمها شاهداً علي دقتها الأكاديمية وعقليتها الناقدة، وكاشفة عن ثراء اطلاعها وسعة معارفها.

لقد تحدثت زينب عفيفي حديثاً عن حياة الفارابي الفكرية ومؤلفاته في مجال الفلسفة الطبيعية والإلهية، ومنهج الفارابي في تصنيف العلوم، ومبادئ الموجودات الطبيعية وعللها الأربعة، المادية والصورية والفاعلة والغائية، والعالم في طبيعيات الفارابي، سواء عالم الكون والفساد، العالم الأرضي، عالم ما تحت فلك القمر، العالم العلوي.. وانتقلت زينب عفيفي من دراستها لأبعاد الفلسفة الطبيعية عند الفارابي، إلي دراسة الفلسفة الإلهية عند الفيلسوف المشرقي .

كما درست زينب عفيفي موضوع الأدلة علي وجود الله تعالي والتي قدمها الفارابي وعلي رأسها دليل الممكن والواجب، ذلك الدليل الذ اتفق ابن سينا مع الفارابي في القول به، واختلف معه الفيلسوف العملاق، ابن رشد، آخر فلاسفة العرب، وبحيث قام بنقده نقداً عنيفاً، إذ قد نجد فيه بعض المؤثرات الكلامية .. كما تحدثت زينب عفيفي حديثاً مطولاً ووافياً عن صلة الله تعالي بالعالم في فلسفة الفارابي من خلال القول بالفيض، أو الصدور، أو العقول العشرة، منتقلة من هذا إلي تحليل مشكلة الاتصال وأبعادها المعرفية والميتافيزيقية.

وبعد أن حصلت زينب عفيفي علي الدكتوراه قامت بإجراء الكثير من الأبحاث والدراسات حول الفلسفة الإسلامية والتصوف والعلوم السياسية والقضايا الثقافية والبيئية، ومن أهمها علي سبيل المثال لا الحصر : كتاب فلسفة اللفة عند الفارابي، كتاب طبائع ابن الأزرق، ودراسات وأبحاث عن : الفيلسوف ابن رشد مفكراً عربياً ورائداً للاتجاه العقلي، والشيخ محمد عبدة ونزعته النقدية الشاملة، وتجديد الخطاب الديني في ظل التقنيات الحديثة، والأحداث الجارية في مصر واستدعاء المنهج التجديدي ... وهلم جرا.

وقد حصلت زينب عفيفي علي درجة الأستاذية عام 1999م، وبعد ذلك شغلت وظيفة رئيس قسم الفلسفة بكلية الآداب بالمنوفية لعدة سنوات، وأيضاً في كلية التربية بالعريش جامعة قناة السويس، كما شغلت وظيفة عميد كلية الآداب بالمنوفية لفترتين متتاليتين من 1999 – 2005م، كما شعلت عدة مناصب بالجامعة منها رئيس مجلس الدراسات الاستراتيجية، كما قامت بالتدريس ببرنامج التأهيل للترقي لدرجة أستاذ وأستاذ مساعد بالجامعة.

وحصلت علي جائزة الدولة التشجيعية عام 1999 م عن كتاب فلسفة اللغة عند الفارابي، كما حصلت علي جائزة الجامعة للبحوث المتميزة في نفس العام، كما شاركت في العديد من المؤتمرات العلمية بألمانيا وتركيا وكذلك الدول العربية (سوريا – الأردن) كما ترأست جلسات عدة منها، كذلك شاركت في مؤتمرات الكلية والجامعة والجامعات المصرية بالداخل ؛ كما أشرفت وناقشت العديد من طلال الماجستير والدكتوراه في الكلية وكليات الجامعات المصرية، كما اشتركت في تحكيم العديد من البحوث الواردة من بعض البلدان العربية علي سبيل المثال ( المملكة العربية السعودية – دولة الأمارات العربية المتحدة – دولة الكويت – المملكة الأردنية) . علاوة عاب أن  لها مدرسة فكرية تنويرية تبنت فيها كليات أصول الدين قسم العقيدة والفلسفة في الأزهر الشريف محاولة تدريبهم علي المنهج العقلاني النقدي وتقديمه بصورة متجددة، وهي إلي الأن عضو مجلس إدارة معهد الدراسات الإسلامية، وعضو الجمعية الفلسفية بالقاهرة، وعضو لجنة الفلسفة بالمجلس الأعلى للثقافة .

إن الحديث عن زينب عفيفي متشعب وطويل، ولكن استوقفتني كلامها حول " تجديد الخطاب الديني في ظل التقنيات الحديثة "، خاصة بعد دعوة الرئيس المخلوع " حسني مبارك" في تسعينيات القرن المنصرم لتطوير الخطاب الديني والتي دعا إليها في احتفالية الأزهر الشريف بعيده السنوي، إنما تدل كما تقول زينب عفيفي دلالة واضحة علي مدي ما استشعره مبارك في تلك المرحلة الدقيقة والحرجة التي تمر بها الأمة الإسلامية، وهي تواجه تحديات جسام في الداخل وفي الخارج أيضاً تهدد أمنها وسلامتها، بل إنها تهدد وجودها كحضارة  وثقافة عريقة كان لها تأثيرها العميق علي مناطق كبيرة من العالم منذ أكثر من ألف وخمسمائة عام ولا تزال حتي اليوم.

ثم تتساءل زينب عفيفي فتقول : فما هي المتغيرات والضرورات التي تحتم علي العالم الإسلامي أن يطور من خطابه الديني وما أهمية هذا التطوير والتجديد ؟ وكيف يستطيع العالم الإسلامي في هذا العصر أن تسيطر فيه الدول الكبرى علي وسائل وتقنيات الاتصال أن يستخدم أساليب تكنولوجية متطورة للمواجهة تقوم علي أسس علمية ؟ وما هي هذه الوسائل وكيف يمكن استخدامها لتحسين صورة الإسلام في عيون العالم الغربي أو الآخر.

وللإجابة علي تلك الأسئلة تؤكد زينب عفيفي بأن العالم الإسلامي يواجه حاليا (وتقصد في تسعينات القرن الماضي) أزمة حادة متمثلة في:

أ- اضطراب صورة ومضمون الخطاب الديني الذي يعرفه الغرب عن الإسلام وطبيعته إلي جانب عدم توحد الخطاب الديني الإسلامي مما أضعف تأثره علي عقول صانعي القرار في الغرب، هذا بالإضافة إلي استغلال العدو هذا الضعف في إشاعة وتأكيد ربط الإسلام بالإرهاب واستغلال وسائل الاتصال وشبكاته التي تبث سمومها في تأكيد هذه التي شوهت صورة الإسلام في الغرب .

ب- تخلف وسائل الإعلام في العالم وضعف المعلومات وعدم قدرتها علي التجاوب مع التقنيات الحديثة مما كان له انعكاساته السلبية علي هذه الدول وخاصة في مجال الدعوة ونشاط الدعاة .

ج-ضعف الآليات والوسائل المعبرة عن الإسلام في شبكات الاتصال العالمية وعدم قدرتها علي المنافسة في مجال المعلومات في شبكات الاتصال العالمي، وكذلك الحال في المنظمات والمؤسسات الإسلامية في المجال الإعلامي والمعلوماتي سواء في الجانب التفسيري التوعوي أو الجانب التبشيري أو الجانب التسويقي.

ولكي نفهم المقصود بتجديد الخطاب الديني فهماً صحيحاً كما تقول زينب عفيفي يجب علينا أن نميز الدين من ناحية والخطاب الديني من ناحية أخري، بين الإيمان الراسخ في القلوب والنفوس وحتي الأعماق، وبين العقلية التي تنتج عن هذا الإيمان وتجسده في أفكار ومبادئ وقيم وأفعال وتصرفات .

وتستطرد زينب عفيفي فتقول: فنحن نحتاج إلي الدين ونمتثل لأوامره ونواهيه ونحرص عليه ونؤمن بصحة تعاليمه وصلاحيتها لكل زمان ومكان، فإذا ما حاولنا أن نتمثل هذا الدين حتي يمتزج بكياننا ونعمل به كان ذلك اجتهادا في فهمه وتفسيراً لنصوصه وتعيننا لمقاصده وهو ما نعنيه بالخطاب الديني الذي يجب علينا أن نراجعه وننقيه مما تجاوزه الوقت واستنفذته الحاجة ومما يختلط به من أخطاء وأوهام تباعد بينه وبين العصر وتمنعه من التعبير عن حقيقة الدين الصحيح وهو الوضع الراهن للخطاب الديني السائد بوجوهه الثلاثة الرسمي والشعبي والمناهض أو الخارج عليهما معاً.

فصاحب الخطاب الديني في نظر زينب عفيفي إنسان بشري يتأثر ويؤثر في الظروف والمناخ والأحداث المحيطة به، وهذا يؤثر بدوره علي فهمه وإدراكه للقيم والمبادئ التي يحث عليها الدين، ولذلك فإننا كثيراً ما نجد اختلافاً كبيراً في الخطاب الديني بين شخص وآخر، وبين جماعة وأخري من نفس الدين أو من نفس المذهب، وربما لنص واحد من نصوص الكتاب الكريم أو السنة النبوية الشريفة، كما تختلف هذه المفاهيم والتعبير عنها من مرحلة تاريخية إلي مرحلة تاريخية أخري .

ويمثل الخطاب الديني في المجتمعات الإسلامية عاملاً مهماً في تشكيل شخصية وفكر وثقافة الفرد والجماعة، فإذا انغلق الخطاب الديني واصبح غير منفتح علي الآخر وغير مدرك للظروف والمعطيات فإن انغلق الخطاب الديني وأصبح غير منفتح علي الآخر وغير مدرك للظروف ولمعطيات فإن ذلك لا يشجع علي تكوين مواطنين بأوطانهم خاصة إذا كانوا يقيمون في أوطان أخري أو كانوا في دول المهجر، كما أنه لا يساعد علي تخطي الحواجز أو الاختلاف في الدين أو العقيدة أو المذهب أو الثقافة أو الفكر.

لذلك فإن الدعوة إلي تطوير وتجديد الخطاب الديني في نظر زينب عفيفي لا بد أن تكون دعوة متجددة باستمرار ؛ بحيث يأتي الخطاب متجدداً مناسباً ومترابطاً مع القيم والمبادئ والاتجاهات الأساسية للدين ومتواكباً مع الظروف والأحداث المتطورة والمتغيرة.

وإذا كان أسلافنا من رواد عصر النهضة من أمثال جمال الدين الأفغاني وتلميذه الإمام المجتهد محمد عبده وغيره من الشيوخ المجتهدين علي عبد الرازق ومصطفي عبد الرازق والشيخ مصطفي المراغي وأحمد أمين قد تعاملوا كما تقول زينب عفيفي مع أدوات عصرهم الحديث برؤية جديدة وعقلية متفتحة واجتهاد سليم وأقاموا أول حوار بين الإسلام والعصر الحديث وكشفوا عما في التراث الإسلامي من قيم ومواقف تعتبر أساساً لتفكير علمي حكيم، فإن مسلمي هذا العصر يقفون أمام تحديات تكنولوجية وهيبة تتطلب منهم سرعة اتخاذ مواقف إيجابية منها واستخدامها بصورة سليمة والتعامل معها واستيعابها حتي يمكنهم المحافظة علي دينهم وتحسين صورته أمام الآخر.

إن إطلاع أصحاب الدين علي كل ما يدور من حولنا من معطيات وأحداث وعلي التقدم في مجالات العلم والاجتماع والسياسة إلي غير ذلك من العلوم إلي جانب فهم الأديان والثقافات الأخري كما يفهمها أصحابها لهو في نظر زينب عفيفي من أهم العوامل في سبيل الإعداد الجيد لمن يحملون هذه المسؤولية، فالعالم الآن في حاجة شديدة إلي خطاب ديني يدعو للسلام والحرية وقبول الآخر والانفتاح دون أن يؤثر ذلك علي هويتنا وشخصيتنا المتميزة في العالم المعاصر.. فليس الإسلام إلا أسلوباً في ممارسة الحياة وعمارة ادلنيا وتحقيق التقدم، والإسلام يحيا ويتجدد بقدر ما يخدم الحياة ويفتح للمؤمنين بع وغير المؤمنين طرق المستقبل .. وليست الرسالة الإسلامية العالمية الخالدة سوي رحمة للناس وتخفيفاً عنهم وترشيداً وهداية لمسيرة الإنسانية كلها مصداقاً لقوله تعالي :ط إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم"،تلك الرسالة التي حملت نداء إلي كل الأمم والشعوب أن " تعالوا إلي كلمة سواء بيننا وبينكم " كلمة يتعاهد فيها جميع البشر علي الإيمان بالله وكتبه ورسله لا فرق بين أحد من رسله، وعلي أن نقيم العدل وننشر الرحمة ونجنح للسلام ونتعاون علي البر والتقوي .

علي كل حال لسنا نستطيع في مقال كهذا، أن نزعم بأننا قادرون علي تقديم رؤية ضافية شاملة ومستوعبة لكل مقدمات شخصية الدكتور زينب عفيفي بأبعادها الثرية، وحسبنا هذه الإطلالة السريعة الموجزة علي الجانبين الإنساني والعلمي لمفكرة مبدعة في الفلسفة، ونموذج متفرد لأستاذه جامعية نذرت حياتها بطولها وعرضها لخدمة الفلسفة والثقافة العربية، وأثرت حياتنا الفكرية بكل ما قدمته من جهود.

تحيةً مني لزينب عفيفي  التي  لم تستهوها السلطة، ولم يجذبها النفوذ ولكنها آثرت أن تكون صدى أميناً لضمير وطني يقظ وشعور إنساني رفيع، وسوف تبقى نموذجاً لمن يريد أن يدخل التاريخ من بوابة واسعة متفرداً .

بارك الله لنا في زينب عفيفي قيمة جميلة وسامية في زمن سيطر عليه "أشباه المفكرين" (كما قال أستاذي عاطف العراقي)، وأمد الله لنا في عمرها قلماً يكتب عن أوجاعنا، وأوجاع وطنناً، بهدف الكشف عن مسالب الواقع، والبحث عن غداً أفضل، وأبقاها الله لنا إنسانة نلقي عليها ما لا تحمله قلوبنا وصدورنا، ونستفهم منها عن ما عجزت عقولنا عن فهمه.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

في المثقف اليوم