قضايا

الدين والعاطفة والعقل!!

صادق السامرائيالدين حالة من الوعي العقلي الإدراكي المعرفي التأملي تكون مسبوقة بتفاعلات شعرية وتصورية عميقة في مواجهاتها مع الوجود بأسره.

ولكي يتحقق الدين في أي مجتمع عليه أن يكون مسبوقا بقدرات شعرية سائدة، ومؤثرة في المجتمع المستوعب للمفردات والصور البلاغية والشعرية الكامنة في الإبداع الشعري، ويكون الدين متوافقا بقدراته التعبيرية مع المستوى الشعري للمجتمع الذي يولد فيه.

فالمتتبع لتأريخ الأديان يرى هذا المسار واضحا وصريحا، فمنذ الحضارات الأولى تكون الأديان مسبوقة بنشاطات شعرية متواصلة ومتراكمة عبر الأجيال، ولهذا وجِدَت الموسيقى لترافق الشعر، ومن ثم جاءت التراتيل والأناشيد التي تحوّلت فيما بعد إلى طقوس تعبّدية.

وفي اليونان وقبلها وبعدها يكون الشعر المنطلق أو المبتدأ للوصول إلى الدين، أو أن الدين يولد من بين ظهرانية الشعر الذي ينتقل بالوعي البشري إلى مستويات إدراكية  تستدعيه للتفاعل مع الكون المطلق بآليات متوافقة مع وعيه الجديد.

أي أن الدين بحاجة إلى مستويات عقلية ذات قدرات معرفية ومعجمية كفيلة بالفهم والتفاعل الواعي الإدراكي السليم مع المنطوق أو النص الديني.

وفي حالة الإسلام فأنه إنبثق والعرب في أوج إبداعهم الشعري وقدراتهم البلاغية والتعبيرية بمفردات ونصوص خالدة الأثر، فالعربي أبان بداية الإسلام كان على درجة عالية من الإقتدار العقلي تؤهله لإستيعاب الدين الجديد، وهضم مفرداته وعباراته وتمثلها بجودة عالية ومهارات فائقة.

ومشكلة أي دين تكمن في ضعف اللغة والعقل والإدراك، وتدحرجها إلى أتون العواطف والإنفعالات، مما يتسبب بمسخ الجوهر وتعفيره بالمشاعر والإنفعالات السلبية السيئة الشديدة التدمير للدين، فحالما يتمرغ الدين بوحل العواطف والإنفعالات، يتحول إلى صيرورة مناهضة للدين وقوة دافعة نحو الهلاك المبين لكل مَن يدين بذلك الدين.

ذلك أن العواطف ستحرف الدين، وتقرأ المكتوب بعيونها، فلا تفهم إلا ما يرضي سعيرها وإستعارها، وعندها تتبلد العقول وتتجمد وتستحوذ على الوعي البشري آليات ونمطيات خسرانية وتدميرية متاججة المنطلقات والغايات.

وهذا ما يبدو واضحا في الأديان عندما تعيش في منحدرات إنفعالاتها، وتعادي عقلها، ويتبناها جيل خاوي العقول، فقير المفردات وعاجز عن التعبير بلغته عما فيه.

ولذلك فأن الدين يكون خطيرا عندما يتفاعل مع الجهل، وتتسيّد فيه الرموز الخاوية المنطلقة على ظهر حصان أمّارات السوء التي فيها، لأنها ستأخذ الأبرياء إلى سعيرات سقر وهي تتنعم بما كسبته من الإستثمار في ويلاتهم ومصائبهم المتداهمة.

والمشكلة التي تواجه البشرية أن المجتمعات كلما جهلت وتردَّت إزداد إندفاعها نحو الدين، وفي هذا تكمن أم المصائب والويلات، ولكي يكون الدين نافعا عليه أن يترافق مع حركة ثقافية ومعرفية ذات مستويات إدراكية تؤهل البشر لفهم معانيه ومفرداته والتعبير عنها بسلوك قويم.

أما ترك الحبل على غاربه، وإشاعة الجهل والفقر والأمية والحرمان وإقرانها بالدين، فأن ذلك يدفع إلى توليد طاقات وقدرات مناهضة لجوهر أي دين، وتأريخ البشرية يزدحم بالشواهد المريرة المعبرة عن إقران الجهل بالدين، وما أنجبه من سلوكيات مقرفة يندى لها جبين الحجر.

فهل من قدرات تثقيف وتنوير لغوي ومعرفي قبل القفز إلى الدين؟!!

 

د. صادق السامرائي

24\6\2017

 

 

في المثقف اليوم