قضايا

عن اي سوسيولوجيا تتحدثون؟ (1)

خالد بوفريواقبل إستهلال سبر أغوار هذا الموضوع تتساقط أسئلة صادقة من تِلْقَاءَ نفسها، كتساقط رذاذ المطر على المروج المنبسطة:  

هل فعلا يوجد شيء يدعى "الدرس السوسيولوجي المغربي"؟

أم أننا نجتر ما أنتجه الأخر في إطار التقليد الأكاديمي؟ ثم

ما مآل الدرس السوسيولوجي اليوم في ظل فضاء زئبقي متغير؟

لا يمكن الحديث عن الدرس السوسيولوجي وحظيرة العلوم الإجتماعية بصفة شمولية دون الإشارة _ ولو من باب التذكير _ لسياق الذي أفرز ظهوره في القرن 19 والذي جاء كنتيجة حتمية لحاجة إجتماعية حارقة فرضت مواكبة التحولات الجذرية التي عرفها المجتمع الاوروبي بعد ان دحرج عجلة الثورة الصناعية تباعاً. الثورة التي خلخلت بنية المجتمع وخلقت نوعا من اللامعيارية الإجتماعية (l’anomie sociale) على مستوى نمط العيش والروابط الإجتماعية والقيم وما إلى ذلك (...) . في هذا السياق التاريخي بتحديد ظهر لنا (طبيب المجتمع) بعد مخاض جد عسير من النشأة وصراع حول الإعتراف، الى دخول حيز الإستقلالية بشرف حتى تربع تحت شمس العلوم الإجتماعية والإنسانية ضامناً لنفسه مكانا بجنب العلوم والتفرعات الشقيقة .

"السوسيولوجيا هي التي تأتي الفضيحة عن طريقها" بهذا الهمس الباسكوني، نستوعب الموضوع الحقيقي لعلم الإجتماع باعتباره معرفة مزعجة، براديغم يعري ويفسد على الناس حفلاتهم التنكرية. فالمهمة الحقة لمن حمل على عاتقه (الرسالة النقدية لسوسيولوجيا)، الفهم والتفسير لإكتساب شرعية التغيير، وأي تغيير؟ إزالة كل ماهو متخشب في كياننا العقلي حسب (الجابري) والتسلح ب براديغم منهجي حاد واضعا قطيعة إبيستمولوجية بين المعرفة العلمية وثرثرة الحس المشترك، والإنطلاق من درجة صفرية مستأصلاً يذلك كل المسلمات العالقة والمترسبة بجزئيات كياننا العقلي ومحطماً على إثرها بنيوية الأصنام الصخرية الغير مرئية التي تشكلت إنطلاقا من الإحتكاك اللحظي والمتسلسل بضمير الجمعي حسب (دوركايم) . بإقتضاب جد مختصر، السوسيولوجيا لا تهادن، ثورية إن صح التعبير. لا تعرف الإستجمام بزوايا الرمادية بل تنبع من المهمشين ونحوهم بتعبير (باسكون).

إقترن الدرس السوسيولوجي المغربي خلال فترة الإستعمار بالإشتغال وفق أجندات كولونيالية واضحة المعالم، فالبعثات العلمية التي تهافتت على المغرب لم تكن بريئة،كان أولها سنة 1904 بقيادة "بوشاتلي _ أستاذ علم الإجتماع الإسلامي ب collége de france " مِن تم أُطلق العنان لباحثين كبار على سبيل المثال لا الحصر ( إدموند دوتي، بيلر ميشو، دفوكو ميشيل، مونتاني روبيرت ...) فخلال هذه المرحلة كان التمازج بين العلمي والأيديولوجي هو الغاية ذاتها، فكل ما يُنجز يسهل التحكم والهيمنة ويبني قاعدة معطيات لمعول الإستعمار. حتى غذت سنة 1956 وأعلن عن شيء يدعى (الإستقلال)، لتبدأ السوسيولوجيا مرحلة مخاض جد عسيرة، بل مسار نضالي كانت غايته تأسيس درس سوسيولوجي علمي وخالص، يفصل الفصل الإبيستيمي بين (الذات والموضوع) وتصفية الكتابة السوسيولوجية من براثين الإستعمار الى كتابة نقدية قلقة، كل ذلك وجد له أذن صاغية إبان ميلاد معهد السوسيولوجيا بمساعدة خبراء من اليونسكو سنة 1960 وظهور أسماء كان همها الوحيد إستنساخ "درس سوسيولوجي مغربي نقدي" ينبع مِن مَن هُم تحت (الخطيبي عبد الكبير، جسوس محمد، المكي بنطاهر، باسكون بول .... وغيرهم الكثير) حتى أغلق المعهد أبوابه كُره سنة 1971 لعذر أقبح من ذنب .اليوم وجب الوقوف ولو من باب _مغازلة التاريخ_ على واقع تدريس السوسيولوجيا في الجامعة المغربية، من خلال البحث في طبيعة الشروط الذاتية والموضوعية المؤطرة للمنجز السوسيولوجي الجامعي من حيث (التدريس، اللغة، التكوين، مناهج البحث،البنية، الأفق .....) إلخ .

 

بقلم : خالد بوفريوا

 

 

في المثقف اليوم