قضايا

تأثير المقدس في العالم الافتراضي

منتهى البدرانتوطئة: بات التبشير بالجهل والإصرار على التمسك بعرى الماضي والحرص الشديد على تشييد الحصون المنيعة أمام كل تشذيب وتنقية للمعرفة من الشوائب الفكرية سلوكا ملحوظا لدى الأقلام الإلكترونية التي أضحت ضرورة من ضرورات حياتنا اليومية، وما يؤسف هو الأدلجة العقدية لتلك الأقلام والأشد أسفا هو تمرير تلك الأفكار إلى مؤسساتنا التعليمية التي اصطبغت بصبغة دينية غاضّين الطرف عن أن العلم والدين مفهومان مختلفان لكل منهما حقله الخاص به وينتهي دورُ كلٍ منهما عند حدود الآخر، فالدين مسؤول عن العلاقات الروحية بين الفرد وإلهه ويتوقف دوره عند حدود العلم الذي ينظم الحياة اجتماعيا واقتصاديا بفروعه المتنوعة النظرية والتطبيقية وما يكشف هذه الحقيقة هو انتشار جائحة كورونا الجامح، إذ يقف رجال الدين على اختلاف مشاربهم عاجزين بكل ما يملكون من رصيد خطابي ضخم فهم على الرغم من منظومة الميثولوجيا العملاقة التي شيدوها نراهم جميعَهم اليوم يترقبون نتاج العلماء وما سيُخرِجون من مختبرات العلم لعلهم ينقذون هذا العالم من الموت والدمار الحتمي الذي لحق بالبشرية بلقاح كما أنقذوها من قبل من الجائحات الغابرة حيث كانت لهم اليد الطولى في تخليص البشر من الأوبئة الفتاكة التي عجزت أمامها تمائم رجالات الأديان، فهؤلاء العلماء لم ينقذوا الأنفس  من الموت فحسب وإنما عمموا اللقاحات على جميع الأفراد في الأرض ولم يحتكروها لأنفسهم ويمنعوها عمن يختلف معهم فكريا أو سياسيا.

القضية لم تنحصر في المواقع الإلكترونية وإنما تعدت إلى المؤسسات التعليمية فاليوم نجد موضوعات الدراسات العليا في جامعاتنا لا تخلو من مادة بحثية هي في الأصل من ضمن اختصاص البحث الديني، وهذا الأمر بلا أدنى شك سيخرج الباحث عن الموضوعية؛ لأنه حين يتناول نصا دينيا سيجهد نفسه في إخضاع الحقيقة لهذا النص وليس العكس؛ لأن النص ثبتت قدسيته مسبقا في ذهن الباحث ومَن يشرف عليه ومَن سيناقشه فيه بمعنى أن باب النقد مؤصد تماما وبالتالي فإن غلق هذا الباب سيفضي إلى نتائج ظنية غير رصينة.

ها نحن نشهد اليوم عالم النت بما يحتويه من وسائل للتواصل بين الأفراد على اختلاف توجهاتهم تحول إلى ساحةٍ للحروب العقدية بأسلحة لغوية تتجلى في أساليب إلقاء التهم وقذف الآخر المختلف بالجهل، لا نرى سوى التعصب الأعمى للموروث الذي غُرِس في الأذهان، وأفكارا ورثوها كما ورثوا أسماءهم وألقابهم وقبائلهم، نلمس ادعاء الحقيقة واحتكارها واتباع أسلوبِ تسفيهِ المحاوِر وتحقير من يحاول أن يخرج إلى نور المعرفة محاولا كسر قيود الظلام السائد المقولب .

نلاحظ الحوارات تجري بين المؤطرين فكريا وبين المتحررين أو من يدعون التحرر الفكري حيث أن كلا منهم متشبث برأيه مما يقود إلى عقم النتائج، والسبب هو انغلاقية الأفراد الذين يكونون أشبه بالروبوتات العصيّة على فهم معنى التلاقح الحضاري بين الثقافات المختلفة. لن ينهض المجتمع الذي تُذَكّى فيه سلطة العقل الجمعي ما لم ينهض العقل الفردي بتطوير صاحبه وتحريره من التبعية، فلو نهض الأفراد نهض المجتمع بلا شك.

لقد دعا المفكر الجزائري محمد أركون الباحثين المسلمين إلى الدخول في معركة علمية حيّة يتحول فيها العالم الإسلامي إلى مساهم فعال(1) وهو محق في دعوته هذه لما نراه من تلقف للمعلومة بيقين تام ومن ثم عدم التواني في نشرها، وكذلك غيابَ الموضوعية التي هي من أهم ثوابت البحث العلمي حيث تتضاءل تلك الصفة بل تختفي عند تناول المقدس، وما أكثر المقدسات في عالمنا الإسلامي التي تشكل عقبة معرفية تغلق منافذ الفكر والوعي مما يعيق التقدم ومواكبة روح العصر.

إن انتشارَ المعلومة الزائفة وتلقفَها وتداولَها على مسمع ومرأى من المتخصصين بالمجال المعنيّ وتفرّجهم وعدم التصدي لها، بل تقبّل محتواها عند كثيرين وبقناعة سيجعلها تشيع وتصبح من اليقينيات حتى تدخل في ثوابت المعرفة ويقرّها التاريخ بزيفه المعهود كموروث للأجيال القادمة.

ربما غيري له رأي آخر في هذه الظاهرة لكنني أراها من الأمور الخطرة التي تهدد مجتمعنا ويتوجب على المعنيين في سلك البحث العلمي في كافة المجالات إنتاج مشاريع بحثية لا تعرف سبيلا للمداهنة أو النفاق أو الخشية في العلم كي نتمكن من تجاوز تلك الأصفاد وبتجاوزها سنرتقي في سلّم العلم شأنُنا شأن الغرب الذي نزدريه اليوم وفي الوقت نفسه ننهل من معينه ونلعق قصاع نتاجاته العلمية .

إنها مقترحات باتت كالحلم ربما؛ لأن الحضارة العربية كما يراها محمد أركون ما زالت تعيش على فكر الفقه ولم تسهم في بناء فقه الفكر اعتقادا من وعي هذه الحضارة أنها مركز الكون الإنساني.

مجتمعنا اليوم يعبئه إسلام سياسي يهدف إلى أسلمة كل شيء حداثوي ضمن معيارية التحريم والتحليل كما يحددها الإسلام الشعائري مما أدى بنا إلى "الابتعاد عن الفكر الحديث" كما يقول أركون. وقد دخلت الأسلمة في كل شيء وقد لفت نظري وأنا أقوم بطباعة هذا البحث أن لوحة مفاتيح الحاسوب المعربة لم تسلم هي الأخرى من هذه الأسلمة فكلمة (محمد) تكتب بالخط الإسلامي الذي يستعمل عادة لكتابة الأشياء المقدسة، بغض النظر عن أن محمدا هو الشخص المقدس أو أي محمد عابر وربما غير مسلم الديانة.

اللغات هوية الأمم:

تعدّ اللغةَ لأيّ أمة من الحقول المعرفية المهمة، أما لغتُنا العربية فقد نالها نصيب من الإساءة شأنها شأن أي شيء آخر يتم إدخاله في طاحونة التواصل الإلكتروني المتاح للقاصي والداني وللعالم والجاهل، وللأسف الغلبة للجهلاء في هذا الميدان في ظل الإطلاق المتاح في النشر والتعبير حتى وإن ظهر ما يعرف بسياسة الخصوصية فهي ملغومة لا تخلو من خبث تمرر عبره مآرب خفية . سخاء المعلومة في شبكة النت صار وسيلة لقيادة الجمهور الوسيع بالعقول المغلقة من جوانب عدة، قيادته إلى حيث الجهل والظلام، حيث فقد الأعم الأغلب من الناشرين والمتابعين والمتلقين التقصي والتحري وإعمال العقل في تلقي أي معلومة سواء أكانت طبية أو سياسية أو ثقافية أو تصب في أي حقل معرفي آخر.

لست بصدد الحديث عن ركاكة واحتضار اللغة العربية لدى مستعمليها في تلك الوسائل ولو أنه أمر ليس بالهين ويحتاج إلى وقفات جادة لمحاربته والتباحث بشأنه، وإنما أنا اليوم بصدد ابتكارِ معلومات غالطة وبثِّها ومن ثم تلقيِّها بيقين دون بحث وتمحيص، ومما يساعد على سرعة تصديقها وتثبيتها هو استعمال وسيلة إقناعية مضمونة ألا وهي ربطُها بالمقدس، حيث أن الباثَّ يعلم علم اليقين أن المقدس إذا حلَّ في المكان لا منافس ولا مجادل له إلا من فئة قليلة وهذه الفئة تسهُل إزاحتُها عن الطريق عبر تسقيطها وتنفير الجمهور منها. اللغة تعد هويةً لكل أمة ومن واجب الناطق بها المحافظة عليها إما عبر اختصاصه اللغوي أو اللجوء إلى المتخصصين والاستفسار منهم.

أود أن أتناول اليوم ظاهرة صادفتني ورأيتها منتشرة بنطاق واسع وتعدّ إبرة في كومة قش بإزاء كثير من المعلومات الغالطة التي تم استقبالها وبعد عقود مع السكوت عنها ستتحول إلى ثوابت معرفية ربما تدرّس في مناهج المدارس والجامعات في ظل الفوضى السياسية التي طال جثومُها على صدر العراق.

انتشرت في الآونة الأخيرة قصة قرأتها على مواقع إلكترونية عديدة . رأيت هذه القصة واحدة من وسائل تسييد الجهلاء على الجهلاء الآخرين، والسكوت عنها وإن كانت تبدو صغيرة لكنها تجر إلى ما هو أكبر من شأنه تمزيق اللغة وضياع هويتِها والتغاضي عن ذلك الصغير لن يكون محمود العواقب.

القصة:

"في يوم من الأيام قال شيخ لآخر: ألستَ أنت معك دكتوراه في اللغة العربية ؟

قال له: بلى يا شيخ .

قال: طيب، سوف أسألك سؤالا: ما هو أضعف حرف في اللغة العربية ؟

قال له: ممكن أن يكون أحد حروف الهمس مثل السين مثلا ( اسسسسس ) أو أحد حروف المد ( الألف والواو والياء ) لأنها مجرد هواء خارج من الجوف.

ابتسم الشيخ ابتسامة المعلّم، وقال: غلط يا صاحب الدكتوراه.

قال له بشغف المتعلم: إذا لم يكن كذلك فما هو يا شيخ ؟ منكم نتعلم ونستفيد.

قال: أضعف حرف في اللغة العربية هو حرف الفاء، ولذلك اختَارهُ الله سبحانه لينهانا به عن عقوق الوالدين، فقال تعالى: ( فلا تقل لهما أف ).

يقول الدكتور: وعندما عدت إلى المراجع، وجدت أن الحروف الهجائية فيها بالفعل القوي والضعيف، وأن أقواها على الإطلاق هو ( الطاء ) لأنه لا توجد فيه صفة من صفات الضعف ( كالهمس والرخاوة واللين...إلخ )، وأن أضعف الحروف الهجائية هو فعلاً حرف الفاء لأنه لا توجد فيه صفة من صفات القوة ( كالجهر والشدة والإطباق.. إلخ ). ومن إعجاز القرآن أن يأتي أضعف الحروف الهجائية ( الفاء ) للنهي عن أن نقول للوالدين: ( أف ) تعبيراً عن الضيق والتأفف، فالمولى عز وجل نهانا عن الأضعف فما بالك بالقوي والأقوى ؟!"(2)

هذه القصة متداولة في المواقع المتخصصة باللغة العربية والمواقع الدينية وغير الدينية وإن كانت الشخوص تتغير إلا أن المضمون واحد، والصفحات الشخصية على الفيس بك والانستغرام، فضلا عن التداول الشخصي في الوتساب. سيكون الرد على هذه المعلومة الخطأ في عدة محاور وما هي إلا إشارة إلى مواطن الخطأ المعرفي الذي بكثرة التداول سيصبح من الثوابت وبذلك نكون قد أسسنا لمنظومة معرفية بنيت على خطأ على مسمع ومرأى منا.

أولا: فكرة الأقوى والأضعف

القوة والضعف تكون في أصوات اللغة وليس في حروفها حيث كان الخليل الفراهيدي أول من أشار إلى فكرة الصوت الأقوى، ثم جاء من بعده تلميذه سيبويه وأشار في كتابه إلى الصفات القوية والضعيفة(3)، وفي القرن الثالث الهجري تناول المبرد تأثير الصوت القوي والضعيف(4)، ثم ظهرت محاولات لابن السراج في القرن الرابع الهجري حيث حاول تطبيق فكرة الصوت الأقوى والأضعف في تأليف الكلام(5)، وبعد ذلك تناول ابن جني فكرة ابن السراج في كتابه الخصائص.

ثانيا: الصوت القوي والصوت الضعيف

الصوت القوي: هو الصامت الصحيح الذي يخرج من موضعه مصحوبا بصفات صوتية مختلفة تميزه من غيره من أصوات الحروف في السمع، وتكون الصفات القوية فيه أكثر من الضعيفة؛ لذلك تلاحظه يكلّف أعضاء الجهاز الصوتي جهدا أثناء النطق أكثر مما يبذله لنطق الصوت الضعيف(6). والصوت القوي عند أبي علي الفارسي هو الصوت الذي يمتاز بصفات القوة، ولا يدغم ذلك الصوت لئلا تذهب صفته.

وقد حصر علماء الصوتيات صفات القوة في الأصوات على نحو الجهر والشدة والاستعلاء وغيرها يمكن مراجعتها من مصادرها.

يرى أبو علي الفارسي أن قوة الصوت تتحقق بأمرين:

الأول: أن يكون الصوت بمنزلة الحركة القصيرة أي ينوب عنها ويعاقبها على المحل الواحد وهذا مختص بالحركات الطويلة (الألف والياء والواو المديتين).

الثاني: وجود أحد صفات القوة في الصوت كالتكرير والصفير والاستطالة(7).

ب) الصوت الضعيف: هو الصوت الذي يوصف بالخفّة واليُسر في نطقه لضعف صفاته المصاحبة في إنتاجه وخروجه من موضعه لقلة إعاقته واعتراضه في مجراه وخلوه من الاحتكاك القوي، غير أنك تجد في الأصوات الضعيفة ما يتصف بالضعف السمعي كالهاء والنون عند إخفائها(8) ).

لقد وضع علماء الصوتيات جداول للأصوات الضعيفة وبيّنوا أنّ سببَ الضعف يكمن في صفات الصوت كالرخاوة والهمس، وقد ورد الجدول في كتاب مفهوم القوة والضعف في أصوات العربية في الصفحة (52). حيث توجد أصواتٌ غير الفاء ضعيفة كصوت الهاء الذي يجمع الضعفَ كالهمس والرخاوة اللتين تتوافران في صوت الفاء أيضا. علما أنّ الهاء يخرج بإنسيابية حتى أن عيوب النطق الخلقية لدى الإنسان لا تعيق خروجه أبدا.

ثالثا: كلمة (أفّ) مدار الإشكال التي وردت في قوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً}(9) .

(أف) هي كلمة متكونة من حرفي الهمزة والفاء وليس من حرف واحد كما يُدّعى. الهمزة من الحروف الحلقية التي تخرج من أقصى الحلق، ومن صفات الهمزة الشِّدّة وهي صفة قوية تؤدي إلى امتناع جريان الصوت مع الحرف لقوته. أما الحرف الثاني (الفاء) فهو الحرف العشرون من حروف الهجاء وصوته مهموس ورخو ومخرجه من بين الشفة العليا وأطراف الثنايا العليا(10)، أي إنه حرف شفوي يخرج من بطن الشفة السفلى، أما صفة الهمس فيه فهي من صفات الضعف وهو عبارة عن جريان النفس مع الحرف لضعف الاعتماد عليه. بمعنى أنه التقى في الكلمة صوت قوي وآخر ضعيف و" تأثير الصوت الأقوى يمتاز بصفات ذاتية تمنحه القوة فينتج عن ذلك أن يحتل مساحة النطق بدل الصوت الضعيف"(11)، والهمزة صوت قوي والصوت القوي كما يراه أبو علي الفارسي لا يدغم لئلا تذهب صفته. فلو تناولنا لفظة (أفّ) سنجد أن الهمزة هي الصوت الأقوى في الكلمة ويؤثر على صوت الفاء بحسب نظرية القوة والضعف حيث تأثير الصوت الأقوى يغلب على تأثير الصوت الأضعف.

(أفّ) هي اسم صوت ينبئ عن التضجر، أو هي اسم فعل بمعنى أتضجر، إذا نوِّن اسم الصوت فهو للتنكير وإذا لم ينوَّن دل على تضجر مخصوص ومحصل المعنى: لا تتضجر مما يستقذر منهما (أي الوالدين) وتستثقل من مُؤَنِهِما(12)، وأصل (الأفِّ) كل مستَقذَر من وسَخ وقُلامَة ظفُر وما يجري مجراهما ويقال ذلك لكل مستخَف إستقذارا نحو (أف لكما ولما تعبدون من دون الله)(13) . (فلا تقل لهما أفّ)...؛ لأنه ليس في العقوق شيء أشد من التأفيف؛ لأنه إنما يقال للمستقذر المسترذل(14) . يرى البقاعي أن التأفيف هو أشد شيء في العقوق وليس أهونه كما يزعم العامة.

لو كانت كلمة (أف) هيّنة كما يدّعي بعضهم لما خوطب بها الذين يعبدون غير الله تعالى كما ورد في القران (أفّ لكم ولما تعبدون من دون الله)(15) حيث يقول الآلوسي في ذيل هذه الآية: إبراهيم قال للقوم (أف) تضجر منه عليه السلام من إصرارهم على الباطل بعد انقطاع العذر ووضوح الحق(16). أما محمد جواد مغنية فقد فسرها على النحو الآتي: "وماذا تصنع مع قوم يصرون على الضلال، وهم يعلمون أنه ضلال، لا شيء إلا أن تقول لهم: قبحا لكم يا أشباه الرجال ولا رجال"(17).

رابعا: السؤال الخطأ لا جواب له

السؤال في القصة المزعومة آنفة الذكر ما أضعف حرف في اللغة العربية؟ هو سؤال خطأ حيث يوجد في المنطق ما يعرف بالأسئلة المحملة أو المشحونة أو الخطأ (Downloaded questions ) ومثل هذه الأسئلة لا جواب لها؛ لأن السؤال الخطأ ليس له جواب؛ لذا فلنوفّر على أنفسنا عناء الجواب ويجب علينا أن نبيّن خطأه وننبّه إلى أنه السؤال الخطأ دائما جوابه خطأ وإن اتفق عليه جمهور كثير.

إن السؤال عن أضعف حرف صيغ بشكل خطأ، إنما الحروف في اللغة العربية لها أصوات وتكمن القوة والضعف في الأصوات وليس في الحروف، وإذا غلبت صفات القوة على صفات الضعف عُدّ الصوت قويا والعكس صحيح.

نافلة القول:

إن المغالطة مدار البحث تتناول اللغة، وأود أن أذكّر أن أيَّ لغة لها مستوى دلالي معجمي أي دلالة مباشرة وهي من اختصاص المعجميين حيث يتعقبون جذور الكلمات ومن ثم يدونونها في معجمات خاصة. أما المستوى الآخر أو الدلالة الأخرى للغة فهي الإيعازية وهذه الوظيفة الإيعازية حذر منها علماء اللغة والفلاسفة وعلينا أن نتعامل معها بحذر لنتجنب اللبس؛ لذلك حين مرت عليّ المعلومة تقصّيتها وقد تفاجأتُ بتشابه الجواب لدى جلِّ مَنْ مَرّ عليهم السؤال فضلا عن انتشار المعلومة في الشبكة العنكبوتية . ولو تُركت هذه المعلومة الخطأ - أو غيرها من نظيراتها - على عواهنها وملابساتها دون تصدٍ أو توضيحِ محلِّ اللبس ستشيع  وربما تحسب على تطور اللغة كما حسب تشابه أو تطابق لفظ الضاد مع الظاء أنه من تطور اللغة. هناك من يصطاد بالماء العكر ويلعب على هامش الالتباس مستثمرا غياب الوعي في تعزيز سلطة المقدس وترسيخه. علينا أن نكون واعين لهذه الألغام الفكرية عبر إذكاء الفكر النقدي الذي يكمن جوهرُه في اليقظة لكل مغالطة، فما نراه خطأ أو ملتبسا فيه علينا إخضاعه للنقد لبيان الصحيح منه والأخذ به وإبعاد التالف والتحذير منه. والحديث ليس على مستوى اللغة فحسب وإن كانت فرعا مهما من فروع المعرفة لكن الحديث يشمل المنظومة المعرفية برمتها.

 

منتهى البدران / العراق.

.......................

ينظر: الأنسنة والإسلام، محمد أركون.

2) ينظر:

 https://www.dorar-aliraq.net/، http://www.odabasham.net/،https://www.b-rq.com/، https://alababmisr.com/، وغيرها .

3) ينظر: كتاب سيبويه، ج4.(3)

4) ينظر: المقتضب، ج1.(4)

5) ينظر: الاشتقاق لابن السراج.(5)

6) مفهوم القوة والضعف في أصوات العربية،محمد يحيى الجبوري،  41.(6)

7) نظرية القوة والضعف في الأصوات عند أبي علي الفارس يفي كتابه الإغفال، عائد كريم الحريزي و منير عزيز الدجيلي، مجلة اللغة العربية وآدابها، جامعة الكوفة، ع 12، 19.

8) مفهوم القوة والضعف في أصوات العربية، 42.(8)

9) سورة الإسراء: 23.(9)

10) المعجم الوسيط: ابراهيم مصطفى وأحمد حسن الزيّات وآخرون: 2/ 670.(10)

11) نظرية القوة والضعف في الأصوات، ص 15.(11)

12) روح المعاني، الآلوسي: 8/ 76.(12)

13) مفردات الراغب، الراغب الأصفهاني، 23.(13)

14) نظم الدرر، البقاعي، مج4/ 374.(14)

15) سورة الأنبياء، 67.(15)

6) روح المعاني: 9/85.(16)

17) الكاشف: 5/274.(17)

 

 

في المثقف اليوم