قضايا

المسلسل المصري «الاختيار»..

محمود محمد عليخطوة على طريق تصحيح المفاهيم المغلوطة

ما زلت أؤمن بل ربما أكثر من أي وقت مضي بأن الدراما والواقع وجهان لعملة واحدة، فالدراما لا يمكن أن تنفصل عن الواقع، وإلا فستصبح خيالية بدرجة لا يستطيع أن يستوعبها الجمهور وينجذب إليها، فمن المتعارف عليها أن الكتّاب يمسكون بخيوط كل ما يدور حولنا من أحداث وينسجون منها أعمالهم الدرامية، خاصةً حينما تكون الأحداث سريعة ومثيرة للجدل، وإلى جانب القضايا الاجتماعية التى تتناولها الدراما، أصبحت تتجه إلى تناول السير الذاتية، ومع بداية شهر رمضان المعظم انطلق سباق الأعمال الدرامية، حيث أخذ المشاهد العربي يتابع بكل شغف وحب أحداث دراما مسلسل "الاختيار" بطولة أمير كرارة وتأليف باهر دويدار وإخراج بيتر ميمي، الذى تدور أحداثه حول ملحمة بطولية لمواطن مصري قدوة فى الانتماء وحب الوطن ، البطل الشهيد العقيد "أحمد صابر المنسي"، قائد الكتيبة 103 صاعقة بشمال سيناء، وحدوتة بطولته في محاربة خفافيش الإرهاب الأسود حتى استشهاده في ساحة الفداء والعطاء النبيل ، مع أفراد الكتيبة ليجسد بطولة ستظل خالدة فى تاريخ العسكرية المصرية المشرف .

ومع ظهور الشهيد البطل أحمد المنسي فى بدايات حدوتة، تلك الدراما الرائعة نراه ، وهو يقوم بتدريب الجنود ، ولقاء مع زميله الضابط خلال تلك الفترة هشام عشماوي، وهو يطالب بالخروج على المعاش للبدء فى تنفيذ مخططه الإجرامي مع الجماعات الإرهابية المتطرفة، فى نهاية حكم جماعة الإخوان المعنية بصناعة الشر والقبح وكراهية الوطن، وذلك حسب قول مدحت بشاي في مقاله بعنوان نعم لــ « الاختيار « لا .. لصناعة القبح..

ولا شك في أن مسلسل "الاختيار" يمثل فرصة مهمة لتوثيق حياة بطل مغوار من أبطال مصر، في الوقت الذى نحتاج فيه إلى المزيد من الدراما الهادفة، التي تلتف حولها الأسر، لتأكيد حقيقة مفادها أن أساطير مصر لا تنتهى، بل وممتدة عبر الزمان، في الوقت الذى يحاول فيه تجار الدم والنار تقويض ثقة المصريين في أنفسهم، وفى قدرتهم على تغيير واقعهم إلى غد أفضل في جميع المجالات.

إن أجمل ما فى مسلسل الاختيار أننا لم نجد مشاكل أو (دعاوى قضائية) أو رفضا من أحد أفراد أسرة البطل أحمد منسى كما اعتدنا دائماً مع كل مسلسل يجسد شخصية بعينها  مما يعكر صفو المسلسل حتى لو كان جيداً.. فى هذه المرة وجدنا سعادة ورضا تامين من زوجة البطل الشهيد وفرحة بحضورها بعض المشاهد أثناء التصوير واشادة بالعمل وبأداء أمير كرارة والجهد الذى بذله لتجديد شخصية منسى.. حتى التفصيلة التى سأل زوجة منسى عنها كانت مهمة رغم بساطتها وهى اسم (الدلع) الذى كان منسى يقوله لها.. فقالت له (مشمشة)  فاستخدمه فى المسلسل بطريقة تجعل  المشاهد  يعيش كل التفاصيل مهما كانت بساطته وذلك حسب قول علي البحراوي في مقاله بعنوان الاختيار.. يكسب.

ولم نشهد إجماعاً شعبياً وخاصة فى أوساط الشباب على عمل درامي منذ سنوات طويلة مثل ما شهدته حول مسلسل «الاختيار قصة الشهيد المنسي».. فهذا المسلسل أشبه باجتماعنا حول مسلسل دموع فى عيون وقحة للفنان عادل إمام أو مسلسل رأفت الهجان للفنان محمود عبد العزيز والقاسم المشترك بين الأعمال الفنية الثلاثة أنها جسدت شخصيات وطنية حقيقية عاشت بيننا ويأتى المسلسل بعد إنتاج فيلم مميز مثل فيلم الممر الذى سجل لحظة من أمجد لحظات الانتصار للقوات المسلحة فى حرب الاستنزاف.. مسلسل الاختيار جاءت قيمته من قصة حقيقية لشهيد من شهداء مصر فى محاربة الإرهاب ومن أجل هذا التف حولها الشباب الذى كان ينقصه قدوة حقيقية ومثال حي لمقاتل مصري قدم حياته بدون أي تردد لحمايه بلاده من عصابات الإرهاب الاسود وذلك حسب قول مجدي حلمي في مقاله بعنوان الاختيار.. ملحمة وطنية جديد.

لقد جاء مسلسل "الاختيار" ليكون نقطة  تحول  لتصحيح  مسار الدراما  المصرية  لتعود إلى القمة مرة أخرى ويكون  بمثابة بريق من أجل أن يهتم رجال الفن بالأعمال التي تروى شجرة الانتماء والتي تمتد جذورها فى أرض وقلوب أبناء هذا الوطن ونبدأ فى إنتاج مسلسلات  ذات محتوى يحمل في طياته هدفاً ثقافياً وتربوياً وإصلاحياً  ويرقى بمستوى الوعى فى قضايا المجتمع .

إن مسلسل «الاختيار» ليس مجرد مسلسل نشاهده للتسلية والانفعال به فى أحداث المسلسل والبكاء على الشهداء والمصابين، فالحرب مستمرة وكلما قمنا بالبناء أكثر سيشن علينا أهل الشر الحرب أكثر ضراوة، لعل المسلسل يكون حافزاً لنا لكى نقرأ كثيراً عن دول الجوار والطامعين فى ثرواتنا، والطامحين لضرب استقرارنا، والغيورين من أمننا وأماننا الذى نعيش فيه بسبب هؤلاء الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم لكى ننعم نحن بالأمن والأمان فى كل ربوع مصر، وأهل الشر لا يعلمون أن مصر عظيمة وكبيرة وكلما استهدفوا أولادها زاد إصرارهم على تحرير أرضهم من دنس هؤلاء الظلاميين وذلك حسب قول خالد ناجح في مقاله بعنوان إنهم يكرهون "الاختيار".

علاوة علي أن مسلسل الاختيار والذى يحظى بمشادة جماهيرية كبيرة، ويؤرخ لبطولات الشهيد الذى حفر اسمه من نور كبطل من أبطال القوات المسلحة الباسلة والشهداء الذين سيتذكرهم التاريخ مرارًا لبطولاتهم الشامخة ودمائهم الزكية التي روت تراب الوطن ، فى مواجهة الجماعات الإرهابية بسيناء والدفاع عن تراب الوطن من محاولة الجماعات التكفيرية تنفيذ مخططات أجهزة مخابراتية بالسيطرة على سيناء، كما يفضح الدعاية الخبيثة للجماعات التكفيرية. وذلك حسب قول أحمد رزق في مقاله بعنوان النهاية.. اختيار..

إن ما يدعو للسعادة في نظري، أن «الاختيار» يتعرض لحملة ممنهجة حتى قبل بدء عرضه، وسر سعادتي أن المسلسل يعكس المأزق الذي تواجهه جماعة إخوان الشر وأتباعها، خوفاً مما يمكن أن تُحدثه الدراما كقوة ناعمة، في نفوس متلقيها، بفضحها لحقيقة الأفكار السامة والهدامة التي حاول هؤلاء دسها للبسطاء خلال سنوات طويلة، عبر المنابر الإخوانية.. ناهيك عن أنه، ولأول مرة، يجد المشاهد نفسه أمام ملحمة درامية بطولية حقيقية، وليس مجرد مشاهد تمثيل أو تجسيد لأحداث أو شخصيات بعينها.. وقد ربط صناعه بين أحداث المسلسل والأحداث الحقيقية، لتذكرة المشاهد بالحقيقة، مما يجعله لو كان في قلب الأحداث.. فالأعمال الدرامية التي تُجسد بطولات الشهداء، تُرسخ في نفوس الأجيال حب الوطن وأهمية الحفاظ على كل حبة من تراب سيناء، لأن ما يحدث على أرضها حرب حقيقية، يقدم فيها كل يوم بطولات، تشعرنا بالفخر الشديد.. وهذا ما لا تريده الجماعة.. فالتاريخ أكد أن جماعة الإخوان تشعر بالخوف والفزع والرعب من الأعمال الدرامية الوطنية، التي تفضح طبيعة نظرتهم للوطن، الذي لا يُساوي في نظرهم شيئاً، أو هو كقول مرشدهم (حفنة تراب عفنة)!.. وأن ولاءاتهم للتنظيم الدولي الإرهابي، فهم جماعة بلا وطن، ولا يدينون بالولاء إلا للغة واحدة يعرفونها، وهي ممارسة الإرهاب وسفك دماء الأبرياء.. ولذلك، فقد شعروا بخيبة الأمل مع عرض «الاختيار»، لأنه يعري حقيقتهم ويفضح أساليبهم الخسيسة في العنف، كما كشف وجههم القبيح وأعمالهم الإرهابية، ومعهم الجماعات والتنظيمات الإرهابية والتكفيرية التي خرجت من رحم هذه الجماعة المارقة.. وكلما زاد هجوم آلاتهم الإعلامية وفضائيات الدم، التي تبث سمومها ضد الدولة المصرية، من قطر وتركيا، على «الاختيار»، كلما ازددنا ثقة وامتلأنا يقيناً في نجاح المسلسل في كشف جماعة الإخوان للرأي العام المصري والعربي والعالمي، مُتلبّسة مع سبق الإصرار والترصد، بعملياتها الإرهابية الإجرامية، ضد أبطال قواتنا المسلحة والشرطة الوطنية، بل والشعب المصري كله وذلك كما قال جلال حمام  في مقاله المنسي.. قصة بطل أم سيرة وطن

والمشهد الذي كان مؤثراً فى نفس كل مصري وعربي فى أول حلقة من مسلسل «الاختيار» هو منظر استشهاد بعض أبنائنا الجنود وهم حول طبق الإفطار البسيط عقب أذان المغرب فى موقع خدمتهم بسيناء، استشهدوا وهم يتناولون إفطار رمضان بأسلحة جماعة خائنة لم تراع حرمة الشهر الكريم، ولا تعاليم الإسلام وقيمه ومبادئه، الإرهابيون بلا مبادئ أو دين أو قيم، هم قتلة مأجورون ينفذون توجيهات بمقابل مادى، ولكن الغلبة فى النهاية سوف تكون للوطن بفضل قواته المسلحة وتكاتف الشعب لتطهير سيناء من الإرهاب، كما حرروها من الاستعمار. وذلك حسب قول أحمد رزق في مقاله بعنوان النهاية.. اختيار..

اعتقد أيضاً أن أهم ما أراد العمل الدرامي توضيحه يتمثل في اسم المسلسل، وهو التأكيد أن الجميع لديه الاختيار وليس أحد مصير أو مضطر لاتخاذ طريق أو آخر، ففي الوقت الذي اتخذ فيه عشماوي طريق التكفير والقتل والنيل من مؤسسات الدولة، كان المقاتل الرائد أحمد منسي يدافع عن أرض مصر، ويذرع حب مصر في قلوب أفراد كتيبته ويرفع وعي الجنود لأهمية دورهم في حماية بلادهم وأهلهم.. نعم أنه الاختيار، فلابد أن تحدد موقفك، وأن تختار إما أن تكون وطني وعاشق لبلدك وأهلك، أو تكون خائن وقاتل ومجرم ومخرب ومطلوب للعدالة.. وأخيراً اعتقد أن أهم رسالة، هي نقل الصورة المشرفة والقوية ليس فقط للمؤسسة العسكرية، بل بالأحرى الجندي المصري المقاتل الذي يلقى بالرعب في قلوب أعداء مصر، وذلك كما قال مايكل مورجان في مقاله بعنوان "الاختيار"..

إننا اليوم نواجه حرباً ضروساً من هؤلاء وهؤلاء وكذلك حرباً اخرى من الإعلام الكاذب المناوئ الذى يبث من الخارج فى محاولة لزرع الشك والفتن بين أبناء الشعب الواحد....ثم هذا السيل العارم من الشائعات بمختلف أشكالها وأنواعها... يأتي كل هذا مع تزايد حالة الاستهانة واللامبالاة من تداعيات انتشار فيروس كورونا القاتل وما ترتب على ذلك من تزايد ملحوظ فى عدد الاصابات والوفيات. وذلك كما قال محسن الفحام في مقاله الاختيار .. وبائعي الضمير..

لقد أصبحنا فى حاجة ماسة إلى إيقاظ الوعى مرة أخرى لمواجهة تلك المخاطر الجسام وهو الأمر الذى لا تستطيع أجهزة الدولة بمفردها القيام به مالم يكن هناك دعماً قوياً من الأسرة ورجال الدين والإعلام والمدارس والجامعات وكل من يرى فى نفسه انه مسئولاً عن القيام بدور لتحفيز هذا الوعى وإيقاظ الضمير لكى يستمر دوران عجلة التقدم والإزدهار التى تشهدها البلاد حالياً على كافة الأصعدة وهو ما يشهد به العالم أجمع إلا تلك الفئة الضالة المضللة التى لا شك أن مصيرها سوف يكون إلى زوال فى القريب العاجل بإذن الله.. وذلك كما قال محسن الفحام في مقاله الإختيار .. وبائعي الضمير..

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط.

 

في المثقف اليوم