قضايا

عقدة اوديب.. ضريبة الحضن!

تعرف عقدة اوديب على انها عقدة نفسية تصيب الطفل الذي يتعلق باحد والديه المخالف له بالجنس، فالذكريميل الى امه ويرتبط بها الى درجة تجعله يكره والده لانه يشاركه والدته، مما يؤدي الى الحقد عليه واعتباره ندا له، وكذا الحال بالنسبة للبنت التي تميل لابيها وتلك يطلق عليها"عقدة الكترا".

يقصد باوديب الاقدام المتورمة، وتدور احداث الرواية حول الملك اليوناني الذي تنبا له احد العرافين ان ابنه سيقتله ويتزوج زوجته ويحل مكانه، وعندما ولدت زوجة الملك امر الملك ان تدق اقدام الطفل في مسامير او ان يرمى عند قمة جبل، لكن الخادم راف به وباعه الى راعٍ في محيط الجبل، وبمرور السنين تبناه ملك اخر وعاد الى بلاده وتشاجر مع ابيه الملك وقتله دون ان يعرفه، ثم اشترك بحل لغز مقابل زواجه من ارملة الملك ليوس"والدته" فحل اللغز وتزوج امه وعندما اكتشف الحقيقة فقع عينه فيما شنقت والدته نفسها.

يقول عالم النفس النمساوي سيجموند فرويد"ان عقدة اوديب تظهر عند الطفل في الفئة العمرية3- 9، ثم وبعد نضوج الطفل يبدا بالبحث عن شريكة تشبه والدته.

وحقيقة الامر ان تعلق الطفل المبالغ فيه بوالدته يرجع الى اسباب منها على سبيل المثال:

- غياب الاب المتكرر عن البيت وانشغاله عن اداء مهامه التي تتحول تلقائيا للام التي تقوم بالدورين معا مما يؤدي بالتالي الى الاستغناء عن الاب تدريجيا، وتحويل العاطفة برمتها للام.

- تعلق الام المبالغ فيه بطفلها والذي ينشا عن اسباب عديدة منها على سبيل المثال، شخصية الام الميالة الى الحرص المرضي المبالغ فيه"الوسواس" الذي يصل الى حد المرض، مما يجعلها ملاصفة للطفل اينما يذهب، فينشا نوع من الارتباط المرضي بينهما.

- حرمان الام من الانجاب لسبب اولاخرلمدة طويلة من الاولاد، ثم انجابها بعد معاناة طويلة يجعلها كذلك تتعلق بالطفل الذي ينعكس عن تعلقه هو الاخربها.

- احتضان الطفل ونومه مع والدته لفترة تتعدى المدة العمرية لذلك، فتلجا الام للنوم مع طفلها محتضنته طوال الليل وبعض سويعات النهار، وعندما يفطن الطفل الى هذا الحضن الذي ترعرع فيه واعتبره ملاذه الامن الذي لايستطيع النوم بدونه، وقد وصل الى عمر قريب من المراهقة او وصل فعلا الى المراهقة، فيكون من الصعب على الطفل ان يستغني عن هذا الحضن الذي منحه كل شئ، والذي سيدفع ضريبته تلكؤ وفشل في المستقبل.

- معاملة الاب القاسية للابن وعدم اخذه الحنان الطبيعي الكافي لاشباعه، مع وجود معاملة طيبة وافراط بالعاطفة من قبل الام، يجعل الطفل يميل اوتوماتيكيا للام ويرتبط بها ارتباطا وثيقا ، بل انها تكون الدينمو والحبل السري الذي يتنفس منه الحياة، مما يجعله يكافح في سبيل الاحتفاظ بهذا الحضن مهما كلف الثمن ، بل ان ذلك يجعله كارها لوالده الذي بات شريكا له في هذا الحضن الذي يعتبره ملكا له وحده، ويبدا بخلق المشاكل بين ابويه، بل انه يفرح عندما يتخاصمان، لانه بذلك ستكون الغلبة له، وقد يلجا الى تحريض والدته للانفصال عن ابيه، او انه يحاول ان ياخذ دور الاب في حال غيابه ، ويتصرف كرجل بالغ لاشباع غريزته.

ان المبالغة برعاية الطفل واحتضانه والتعلق به من قبل الام، وعدم اعطاءه مساحة كافية للتعبير عن رايه واخذ دوره الطبيعي وحسب تدرجه العمري الصحيح، والتدخل بكل صغيرة وكبيرة، لاغية دوره كانسان يتطور وليس طفل ابديا، لهي حالة مرضية بامتياز ينعكس سلبا على شخصية الطفل الملاصق لامه رافضا وجود الاب كارها له، بل انه قد يلجا الى ايذاءه معنويا عن طريق نفوره منه، وماديا عن طريق سرقة او تدمير اشياء الاب الخاصة خلسة، ومايلبث ان يتطور الامر عندما يكبر الصغير ويبلغ وتبدا رحلة البحث عن زوجة وشريكة لحياته التي يجب ان تكون نسخة من والدته ، قلبا وقالبا وان صادف ووجد شريكة تشبه والدته بشكلها، فالاكيد انها لاتشبهها بسلوكها ، وتبدا المعاناة فالزوجة التي تزوجها لم تملا الفراغ الذي تركته والدته في نفسه، لان الزوجة لها شخصيتها المستقلة ولاتقبل باي شكل من الاشكال ان تكون نسخة مكررة من الام التي تحتل مركز الصدارة في حياته بلامنازع، بل ان تصرفات الزوج الدائمة المقارنة بطهي والدته، وترتيب والدته، ورعاية والدته....، يشعل الغيرة في نفس الزوجة التي تجد نفسها مكتوفة الايدي بل عاجزة عن اداء مهماتها بطريقتها الخاصة، كارهة تلك الام التي باتت لعنة على حياتها، حتى وان كانت بعيدة ماديا، هذا الزوج الذي لايتوانى عن الاتصال بامه لاتفه الامور لاستشارتها متجاهلا دور الزوجة ووجودها في حياته.

ان تربية الطفل مهمة صعبة، لان لكل طفل شخصيته الخاصة التي تختلف من اخ لاخروالتي يجب مراعاتها والتعامل معها باساليب تربوية بسيطة تضمن نشوء الطفل في بيئة صحية سليمة، وعلى المربي مراعاة ماياتي:

- اعتماد مبدا المساواة بين الاخوة دون تمييز لاي سبب كان .

- زرع الثقة بنفس الطفل للاعتمادعلى نفسه في تدبير اموره منذ نعومة اظفاره، لكي يتمكن فيما بعد من تدبير اموره وعدم اللجوء لوالدته في كل صغيرة وكبيرة.

- الاحترام المتبادل والمودة بين الوالدين وتقاسم الادوار دون جذب اوشد ينعكس ايجابا على نفسية الطفل الذي سيعرف ماله وماعليه فيما بعد.

- غرس محبة الاب- حتى وان كان غائبا- وكل افراد الاسرة بنفس الطفل

لكي تكون الصورة واضحة امامه دون انحياز.

- الحرص على استقلالية الطفل وجعله مستقلا بمنامه واكله وترتيب اموره بنفسه .

- الاعتدال والوسطية والابتعاد عن المبالغة والتطرف في التربية هي الطريقة المثلى لتربية الطفل.

واخيرا علينا مراعاة الطفل كانسان عاقل وليس كانسان جاهل لايفهم، لانه يفهم اكثر منا احيانا..

 

مريم لطفي

 

في المثقف اليوم