قضايا

حضانة الاطفال بين الحكم الفقهي التقليدي والحياة المتغيرة

في الحكم الفقهي تكون حضانة الطفل عند الام لسنتين فقط.. اي مدة الرضاعة، وبالنسبة للبنت تبقى عند امها الى سبع سنوات، وبعضهم ذهب الى ان البنت والولد يبقيان الى سبع سنوات عند الام وتنتقل بعدها الحضانة الى الاب... هذه الاحكام انبثقت في زمن كان الاب في مجتمع يجلب المربي والمربية للاطفال من العبيد والاماء، اي ان الاب لايقوم بنفسه برعاية الطفل كما لم تكن الام تقوم بذاتها بالعمل نفسه، اما الان ومع عدم وجود نظام العبودية وعدم وجود نظام الخدم بالبيوت يتماشى مع التشريع الاسلامي، لعدم امكانية نجاح الخادمة ان تكون بديلا عن الخادمة الأمة أو الام مع وجودها،فان مايفعله الاب عند الطلاق الان، خارج عصر العبودية، ان ياخذ اطفاله ويرميهم على زوجته الجديدة (زوجة الاب)، التي تضطر للقبول بهم مكرهة على ذلك. فاذا عرفنا ان الزوجة غير مسؤولة عن ابنائها اصلا في رعايتهم، فكيف يجب عليهاان ترعى ابناء زوجها؟. ان الاحكام الفقهية التقليدية كانت ناظرة الى حال المجتمع في ذلك الحين، وهو ان تكون الاسرة مكونة من ابوين مع نظام خدمي يتكون من الاماء والعبيد، كان تجهيز بيت الزوجية يشمل جلب الخادم (العبد والأمة) مع هذا الإعداد، وهو يعد امرا اساسيا في الحياة الزوجية في العهود التي كانت الحياة بها تتسم بطابع العبودية.

لابد ان يطرح سؤال هنا عند الزواج في العصر الحالي: من يقوم بالخدمة داخل البيت اذا ما عرفنا اننا ليس لدينا ثقافة ان يقوم الذكر باعماله بنفسه بل يعتمد غالبا طيلة حياته على المرأة في محيطه الاسري، بدءامن الام والاخت،وعادة حين تريد الام الخلاص من اعباء الذكر يزوجوه، لتقوم الزوجة بدور الخدمة له ولاطفاله التي هي غير مكلفة بهم فقهيا. الرجل لايقوم بخدمة نفسه، فكيف يعطى الحضانة له وهو لايستطيع ان يتعامل مع الاطفال اويغذيهم اويوقظهم من النوم مثلا،في كل يوم ثم يقوم بتنظيفهم واطعامهم والباسهم اويمشط شعورهم ويصنع لهم السندويجات في حقائبهم ويرسلهم للمدارس، ومن ثم متابعة دروسهم واللعب معهم واخراجهم للتنزه، والشراء لهم واخذهم للطبيب وغيرها من الامور؟. حين يقول الحكم الشرعي ان الحضانة للاب، عليه ان يدرك انه عليه اما ان يقوم بنفسه بكل احتياجاتهم الضرورية العاطفية منها والترفيهية، او يجلب من يهتم بهم كما لو كانوا مثل امهم ممن يحملون الولاء للبيت، زوجة الاب غير معنية بهم ورعايتهم. بل انها غير معنية بزوجها ولابنفسها من هذا الجانب ان كانت ممن تخدم، بل عليه ان يدبر ذلك، والا مادوره هو، مادام ينسب اليه الولد بدون اي انجاز فعلي للابوة؟.

عائدية الولد للام لم تكن معروفة سابقا، كانوا يتصورون ان الام مجرد وعاء تحمل نطفة الرجل فتكبره في رحمها ثم تخرجه للحياة، فكانوا يتصورون ان الطفل هو ابن الاب وحده، وان النطفة هي طفل مصغر وضع في رحم الام، ولم يتم اكتشاف ان الام تعطي اكثر من الاب من حيث المادة الاولية للطفل وان الطفل هو ابن الام وصنيعتها، وفي كل الكائنات غير الانسانية والانسانية يعد اللقاح الذكري غير نادر في الطبيعة، وهو بلا قيمة تذكر مقابل الندرة التي تمثلها بويضات الانثى في كل الكائنات. من هنا لابد ان يفهم الاب ان الابوه والنسب له وحده هو نوع من الامتياز اعطي له بلا استحقاق مقارنة بالانثى الام التي تعطي البويضة والرحم والطعام والرعاية والرضاعة، كل البشر يدركون ان الطفل هو ابن الام بالدرجة الاولى، والابوة انما هي خبر والامومة حقيقة، ومع ذلك تم التعاطي تاريخيا في الحياة البشرية مع الامر على ان الابن هو ابن قبيلة الاب فهو حامل لاسمه دون اسم امّه. فكانت التشريعات البدائية قد اعطت النسب للاب حصرا، وهذا ناتج من نظرة اعتبارية، فلو جاء الاسلام مثلا في مجتمعات غير أبوية، والنسب يكون للام و الاب معا،لوافق على ذلك لما يمثله من عدالة واضحة.

لماذا لانريد ان نصدق ان القدماء لم يكونوا يعرفون ان الام تعطي ٢٣ كروموسوما والاب ٢٣ كروموسوما ليشكل الخارطة الجينية للابن. لماذا استأثر الاب بالنسب ولم تشرك المرأة معه بهذا النسب ؟! الامر واضح انه مجتمع ابوي ذكوري بطريركي،لايريد ان ينتصر للحقائق مطلقا. ان من يتعكز على الحكم الشرعي في اعطاء الحضانة للاب عليه ان يرجع نظام العبودية ليتم الامر كما كان سابقا في عصر اصدار الفتوى. اما الان فالام اولى من الاب الى حين يقوم هو بخدمة الاطفال بنفسه، كما تقوم الام بذلك على احسن وجه، وليتم البحث بعدها ان كان بقاء الطفل مع الام ام مع الاب من حيث فائدة ذلك للمحضون نفسه، ان العناية بالطفل تحتاج الى ان يباشر الابوان ذلك بنفسيهما، وهذا الامر بالنسبة الى الاب لا يجعله قادرا على العمل خارج البيت وعليه ان يقدم استقالته من عمله في هذه الحالة، ليجلس مع الاطفال ويتابعهم. هذا اذا احسن العمل مع اطفاله بعد الاستقالة، وعليه ان يتابع اطفاله الجدد من زواجه الثاني واسرته الجديدة واعمالها. حينها سيحقق شروط الحكم الشرعي بحذافيره وحينها ستكون المفاضلة تخضع للبحث وايجاد مصلحة الطفل اين تكمن واعمال المفاضلة بين الام والاب، وليس كما يتم الان المفاضلة بين الام وزوجة الاب، والزوج في الحالتين غائب عن اخذ دوره الحقيقي بالرعاية.

 

 بتول فاروق

١٦/ ٩ / ٢٠٢٠

 

 

في المثقف اليوم