قضايا

عقوق الاباء.. ازواج تحت خط الجريمة!!

"ولاتقتلوا اولادكم خشية املاق نحن نرزقهم واياكم ان قتلهم كان خطئا وحوبا كبيرا..". الاسراء.31

قد يبدو العنوان غريبا للوهلة الاولى لكن ما ان نخوض في ضمار هذا الموضوع الشائك سنصل الى حقيقة مفادها ان عقوق الاباء اكثر ايلاما من عقوق الابناء!!

يقصد بالاباء الابوين كلاهما مع الميل لجهة الاب والوالدين الاب والام كلاهما مع الميل لجهة الام لان الام تلد ولايلد الاب.

وما ان نسمع كلمة عقوق حتى يتبادر الى اذهاننا عقوق الابناء وتمردهم وعصيانهم، لكن ماخفي كان اعظم، فقد يفوت الكثير منا ان هناك عقوقا اشد وطأة على النفس وهو عقوق الوالدين للابناء!!

من البديهي وبفطرة الله للانسان ان يكون عطوفا على ابناءه مضحيا في سبيلهم باذلا كل مافي وسعه من اجل ان يترعرع الابن في اجواء صحية مفعمة بالحميمية، ولان الانسان تحكمه الفطرة اولا فاننا لانجد في كتاب الله الا اية واحدة تحث الوالدين على الرافة بابنائهم"ولاتقتلوا اولادكم.."، ذلك لان الامر محسوم وفطري بالدرجة الاساس.

تبدا الحياة الاسرية وتبنى على ركائز اساسية اهمها:

- الاختيار وهو العمود الاساس الذي ترتكز عليه الحياة ومايترتب على ذلك الاختيار من نجاح او فشل.

- التكافؤ الاجتماعي وتلك ركيزة على درجة كبيرة من الاهمية، لانها تجعل الحياة تسير بوتيرة واحدة بعيدا عن التناقضات.

- التكافؤ الثقافي بين الشريكين، اي ان يتمتعان بمستوى واحد او تقريبي من الثقافة، لان تفوق احد الشريكين ثقافيا وعلميا يجعل الهوة كبيرة جدا تنعكس سلبا على الحلقة الاضعف الذي سيدفع ثمن ذلك غاليا، وقد يشعر بالنقص والعجز من ذلك التفوق الذي يصبح كالصخرة الكأداء في الحياة.

- المستوى الاقتصادي، لابد لاي شراكة في الحياة من ديمومة فمابالك اذا كانت هذه الشراكة زواج واسرة، فعلى الاقل يجب ان يتوفر الحد الادنى من الناحية المادية ولاباس ان يتشارك في ذلك الزوجين.

- القبول والقناعة وهذه الخصيصة تجعل الحياة الصعبة ايسر واجمل، بل انها تذلل الصعاب وتقهر المستحيل.

- المودة والرحمة وهذه اعظم الشروط من اجل قيام حياة اسرية سليمة مبنية على اسس الفضيلة.

كل هذه الشروط وغيرها التي تسبق تكوين الاسرة لابد ان تؤخذ بنظر الاعتبارلتكوين الاسرة الامنة..

تكونت الاسرة ودخل الزوجين على حياتهم الجديدة كل واحد منهم يحمل ثقافة معينة وعادات وتقاليد تختلف عن الاخر، او ربما كل واحد يحمل توصيات من اهله بشان حياته الجديدة، الزوجة قادمة من بيت اهلها مدللة ابويها لا تعرف عن الحياة الاسرية غير حفلة الزفاف والفستان الابيض والكثير من المشاعر الجميلة لفارس احلامها الذي طالما حلمت به مع حزمة امنيات لاكمال دراستها العليا او السكن في بيت كبير وحديث ومؤثث من الابرة الى الصاروخ وسيارة فارهة وكمية من المصوغات الذهبية، وووو..الخ، والزوج/الابن قد يكون مهيأً لذلك ميسورا، متعلما، مثقفا، غنيا، وقد يكون انسانا بسيطا، تعليمه متواضع، اجتهد ابويه لتهياة غرفة في بيتهم ليتزوج بها، وربما قد استدانوا ثمن هذه التكاليف ليظهروا بالوجه الابيض كما يقال..

انتهى العرس وذهب المدعوون وتقهقر شهر العسل، وبدا الانبهار يتراجع والعيوب تظهر على السطح!!

الزوجة صغيرة السن وقادمة من بيت كان لها شان فيه وربما كانت كلمتها سائدة وهي الان تعيش مع اهل زوجها تقاسمهم الحياة عاداتها وميولها مختلفة عنهم، تتطلب وقتا وجهدا لكي تتعرف اليهم وتفهم نفسيتهم، كيف تتعامل مع حماتها "ام الزوج "قد تكون هذه الحماة طيبة وقد تكون صعبة، ماذا تفعل وهي محاطة بعدد من الاشخاص تراهم لاول مرة! كيف تتعامل معهم!

كيف تستطيع ان تتغلب على صراع الثقافات! خصوصا ان كانت من مدينة مختلفة اوطائفة مختلفة..

بعيدا عن اي اعتبار ان الزوجة الصالحة التي تربت في بيت صالح لابد لها ان تكون ناجحة مهما كانت الظروف، لانها تمتلك رصيدا غنيا من القيم التي تربت عليها وجعلتها مؤهلة لهذا الدور الذي اناطه الله بها لتكون زوجا واما ومسؤولة عن تربية الاجيال، وبدلا من ان تجعل الحياة امنة فانها تكون حجرة عثر في حياتها الاسرية، تتململ وتصطاد الهنات لزوجها واهله، متطلبة تنظر الى هذه وتلك، تقتدي بهذه الاخت وتلك الصديقة، تبدا بالتململ، تكثر طلباتها التي ربما تكون خارجة عن مقدرة الزوج، تقضي ساعات طويلة على النت تتعلم قشور الثقافة بدلا من لبها، مواقع التواصل جاهزة لكل شئ، بل ان النت برمته عملة ذات وجهين، كل يبحث عن وجهته، تبدا الحياة بالنسبة لها تبدو كابوسا فهي تريد الخروج مثل فلانة وفلانةالى اي مكان لقضاء الوقت، ولم لا ان كان المكان سليم فتخرج برفقة زوجها او اي احد تلك ليست مشكلة، لكن الامر بدا ياخذ مجرى اخروقد وجد دعما من هذه وتلك وبالايحاء والتكرار بدات تتسرب الى عقلها مفاهيم مختلفة وعادت اكثر اختلافا، وما لم تكن تستساغه بالامس بدا سهلا ومباحا اليوم، تركت البيت والزوج والاطفال وصار شغلها الشاغل خلق المشكلة لاجل المشكلة!!

تطورت الاحداث لان الزواج مسؤولية والتزام وعليها ان تراعي كل صغيرة وكبيرة، تقيدت حريتها، ساهمت بعض المنغصات بتاجيج الموقف، كلمة من هنا، موقف من هناك، وبدا الكره يتسرب الى قلبها لحياتها الاسرية لزوجها، لاطفالها، لكل تفصيلة مهما كانت معلنة التمرد!!

متسببة بخلق اجواء البغضاء والشحناء مطالبة بالطلاق لاتفه الاسباب، والضحية بالتاكيد هم الاطفال الذين سيتشردون بين ام تزوجت وزوجها يرفضهم وبين اب تزوج وزوجته ترفضهم..

من الجانب الاخرقد تكون الزوجة صالحة تمتص غضب زوجها واهله وتحيل صعوبة الحياة الى يسر وامان، تساعد زوجها وتسانده، تتنازل عن الكثير وتتغاضى عن الاكثر، تعين زوجها في فقره وعسره وتكون السند والملاذ، تربي اطفالها على الفضيلة التي تربت عليها لتخلق ابناءا نافعين ترفد بهم المجتمع وكم امراءة عظيمة كانت وراء رجال عظام زينوا وجه الحياة، وكم من ام رعناء تسببت في ضياع الاسرة وتشرد الابناء.

وبالمقابل قد يكون الزوج اس المشكلة فربما يكون اتكاليا، فاشلا، عاطلا، مستهترا بالحياة الزوجية والاطفال، لاينفق عليهم، يعاقر الخمر، مدمنا، يعيش عالة على اهله وزوجته، يحيل الحياة الى جحيم مطبق، ينسى او يتناسى ان هذه الانسانة شريكة لحياته وعليه ان يراعي الله بها وبحقوقها عليه كانسانة اولا وكزوجة وام ثانيا، يدفعها دفعا مرغمة تطلب الطلاق او تاخذ اطفالها الى بيت اهلها الذين ربما لم يكن باستطاعتهم ان يعيلوا هؤلاء الاطفال مما يضطرها للعمل لاعالتهم اوانزالهم الى سوق العمل، الى الشارع وماادراك مالشارع!! او قد يقوم هو بطردهم من المنزل ليتملص من مسؤوليتهم لانه شخص اناني وغير جدير بالمسؤولية.

والنتيجة الضياع والتشرد للاطفال الذين يتعرضون للاغواء والانحراف والاستغلال والتسول، والحالات كثيرة ومتنوعة يندى لها الجبين.

ان انهيار المنظومة الاسرية وفشلها يرجع الى عدة اسباب نذكر منها على سبيل المثال لاالحصر:

- الاختيار الخاطئ لشريك الحياة الذي يبنى عليه الاساس لاقامة الاسرة فاذا كان اختيارا خاطئا هشا فان الاسرة ستنهار باول عاصفة.

- صغر عمر الزوجين وعدم ادراكهما للمسؤولية العظيمة الملقاة على عاتقهم، فالزواج شراكة وتدبير وليس فستانا وعرس.

- غياب او انعدام الوازع الاخلاقي الذي يتخذ من القيم الانسانية السليمة عمودا وركيزة له.

- غياب او ضعف الوازع الديني الذي يحث على المودة والرحمة واقامة وشائج المحبة بين افراد الاسرة الواحدة، واعتبار الحياة الزوجية مسؤولية عظيمة والاطفال امانة يجب ان تؤدى على اكمل وجه.

- تدخل الاهل بحياة الزوجين وذلك سرطان ينخر العلاقة الزوجية من النخاع خصوصا اذاكان يحرض على السوء.

- انعدام او ضعف الثقافة المجتمعية لدى الازواج، ولو بالحد الادنى وذلك لايتطلب شهادات عليا، بل معرفة حقوق الله والانسان، وعلى تلك المعرفة تبنى البيوت الامنة.

- الوجه الاخر للنت والدور السئ الذي تلعبه مواقع التواصل الاجتماعي التي تحرض على الرذيلة، وبدلا من اقتطاع ذلك الوقت بالترهات فالبيت والاسرة اولى به.

- عدم الشعور بالمسؤولية العظيمة الملقاة على الزوجين التي تتطلب صبرا واناة وتحملا لكي تستمر الحياة.

- اعتبار الشريك ندا ومخالفته بكل صغيرة وكبيرة يجعل الحياة تتحول الى حلبة صراع تنتظر الفائز الخاسر بالنزال!

- اعتبار الطلاق حل وليس مشكلة وشماعة تعلق عليها العقد والاخطاء ومحاولة اثبات الذات على حساب الطرف الاخروالنيل منه لاستمالة الطفل بدون ادنى مراعاة لنفسية الطفل وحقه في حب ابويه كلاهما بنفس الكيفية وان كان احدهما مسيئا، والتعامل على اسس انسانية تضمن حقوق الابوين –المطلقين-  في حضانة ابناءهما باسلوب صحي سليم يضمن الاستقرار والامان للابناء.

هذه الاسباب وغيرها ادت الى انهيار المنظومات الاسرية وبتنا نسمع ونرى حالات يندى لها الجبين ترفع راية الكفر بحق الانسانية والحياة، فان اقدام الزوجة على قتل اطفالها بدم بارد ومع سبق الاصرار لالشئ سوى لانها اختلفت مع زوجها او طليقها فتقدم وبمنتهى الجريمة على ازهاق ارواح اطفالها الابرياء، فترميهم في خزان الماء او ترميهم من على الجسر او تقتلهم خنقا او نحرا والعذر اقبح من الذنب لانها اختلفت مع زوجها، وبدلا من ان تكون ابا واما لهما تزهق ارواحهما بطريقة كافرة يندى لها الجبين، وبرايي الشخصي ان الجريمة جريمة خصوصا ان كانت لابرياء وابناء ومع سبق الاصرار والترصد، او ان تقدم بالاتفاق مع احدهم مهما كان لقتل زوجها وابو اولادها بدم بارد غير ابهة للعشرة وغير مكترثة لزهق روحه وتيتم ابناءه وحسرة والديه واهله ناسفة كل قيم السماء، جاعلة الباطل مطية لها، مع ان الله والدين والقانون جعل الطلاق حلا لاستحالة الحياة بدل اللجوء الى الجريمة وعندها سيكون اطيب الحلال!

او ان يقدم الزوج الذي انعدمت انسانيته ورحمته وسولت له نفسه قتل هذه الزوجةباي طريقة او قتل اطفاله او حرقهم لانه اختلف معها او لانه عاقر الخمر واذهب عقله بنفسه وخرج عن جادة الحق، متجاوزا حدوده الانسانية كافرا بقيم السماء ناحرا الانسانية بسكين صدأة..

ان هذه الانواع من الزيجات التي تكون نهايتها ماساوية يجب ان تخضع لاعتبارات وحدود، فالموضوع ليس مزحة ابدا بل هو ناقوس خطر يهز اركان المجتمع خصوصا انه دخيل علينا ولايمت لنا باي صلة فمجتمعنا تربى على قيم الفضيلة والانسانية السمحاء ولايجوز باي حال من الاحوال ان يترك الحبل على الغارب لمزيد من الكوارث، وتتحمل كل الوسائل الاجتماعية والمدنية مسؤولية الحفاظ على المنظومة الاسرية من خلال الدعم والتوعية والارشاد وتقوية الوازع الديني لدى الشباب لان راس الحكمة مخافة الله.

علينا ان نقف بوجه هذه الانحرافات الانسانية ونقومها لا ان نقف مكتوفي الايدي تجاه من انعدمت الانسانية في قلوبهم وسولت لهم انفسهم قتل اجمل مخلوقات الله بلا رحمة، وبدلا من ازهاق الارواح البريئة يجب ان يودعوا في دور الرعاية الاجتماعية التي قد تكون اكثر عطفا من هؤلاء الاشباه الذين لايمثلون سوى انفسهم.

واخيرا اقول:

"يزأر الاسد ولاياكل صغاره"

 

مريم لطفي

 

في المثقف اليوم