قضايا

لماذا يراد للمرأة ان تعيش من خلال جسدها؟

ولماذا احتكر الرجل العمل المأجور؟

احتكر الرجل في المجتمعات الابوية منذ العصور المظلمة العمل المأجور لنفسه واقصى المرأة عنه وجعلها تعيش من خلال اخضاع جسدها للرجل، عبر الزواج او عبر مهنة بيع الجسد خارج نطاق الزواج الرسمي المعترف به مجتمعيا . كان يتحدد مصير المرأة من خلال مرغوبية الرجل بجسدها ومدى جماله ومقبوليته، فإن كانت قبيحة المنظر، -او ينظر اليها كذلك بحسب مقاييس الجمال بكل عصر او مجتمع، فان مصيرها سيكون قاتما، ولاتستطيع الخلاص منه باي عمل يمكنها ان تنجزه لتعيش حياة كريمة- كما الرجل الذي لايتعلق مصيره بشكل جسده وجماله الخارجي-، لان التعليم والاعمال كانت حكرا على الرجل، ولم تملك حرية الحركة والاستقلال بسكنها او السفر بمفردها الى اماكن خارج نطاق حماية الاسرة، لايجاد عالم اخر بديل يمكن ان تجد به نظاما اكثر انسجاما مع تطلعاتها .

ان فكرة وجود اعتداء طبيعي من قبل الرجل على المرأة غير المحمية، اخضع المرأة الى البقاء بنطاق محدود تحت انظار رجال العائلة، وهذاما جعلها محدودة الحركة وبالتالي محدودة التجارب والخبرات والتي يتطلبها اي عمل سواء اكان عملا ابداعيا ام عاديا .

نظرت اغلب المجتمعات الابوية للمرأة على ان دورها ينحصر في نطاق محدود، هو الخدمة الجنسية للزوج ومن ثم الانجاب لصالحه، وبهذه الخدمة الجسدية يمكنها ان تعيش وتحيا وتستحق النفقة . ولان جسد الانثى يعد جسدا منتجا لاهم ثروة طبيعية وهم النسل الجديد، وبالتالي استمرارية الحياة لهذا الجنس، فان دورها هذا جعلها محط هيمنة الذكر للاستحواذ عليه وإبقائه في نطاقه والحصول على نتاجه وامتداده عبر الاجيال من خلال هذا الناتج البشري المستمر، عبر تزويده بالابناء الذين سيحملون اسمه حصرا دون ان يبذل جهدا موازيا ومساويا لجهود الام المانحة للحياة عبر جسدها ومن خلاله وما يتضمنه ذلك من آلام كبيرة وتعب ضخم . ولان الاعمال في السابق كانت جسدية عضلية اكثر مما تتطلبه مهارات تنظيمية او فكرية، فنُظِر للمرأة على انها لاتصلح للاعمال ولاتصلح للتعلم ولا تصلح ان تعيش باستقلالية عن عالم الرجل الاب او الزوج، ونظر الى اعالة المرأة من قبل الرجل على انه منّة يمنّها الرجل على زوجته فصارت العصمة بيده، وصوّر الامر ان الرجل ياخذ ضعف الانثى بالميراث لكونه المنفق على الاسرة، وبدا هو صاحب الفضل في العطاء، دون ان يكون لكل اعمال المرأة المضنية أجرا او تستحق الأجر لتنفق على نفسها من عملها الخاص، وكان كل ناتج اعمال المرأة يذهب لصالح الزوج داخل الاسرة، و لم ينظر للزوجة على انها صاحبة الفضل الاول على الاسرة ماديا ومعنويا، بل ان الذي استحوذ على المال وعلى الجسد وسجلت باسمه كل الامتيازات هو المالك والراعي الرسمي لهذه الاسرة وتعود اليه كل الممتلكات التي ستنشأ داخلها عبر الزمن .

الاسرة الاسلامية اسرة ابوية، فهي بنت عصرها ومن الطبيعي ان تخضع لاعراف تلك المجتمعات، وهذا ليس قدحا بالتشريع الذي اقر هذا النوع من الاحكام الفقهية التي لم يكن هناك بديلا عنها، ولذلك وجد فيه نظام العبودية الذي كان سائدا في بداية التشريع الاسلامي،ولايمكن الاستغناء عنه لامور كثيرة يحتاجها ذلك العصر .

حين نقرا احكام الاسرة او احكام النكاح - كما يسمى في الفقه الاسلامي - في عصرنا الحاضر، نجد ان هناك مجموعة من الفتاوى لم تنظر الى ماستؤول اليه على ارض الواقع اذا ظلت تنظر للحياة كما في وضعها الماضوي، فمازالت تنظر للمرأة على انها كيان تابع للزوج،لاتخرج الابأذنه في كل حال، وبهذا تستحق النفقة وبالتالي العيش . فالمهر والنفقة لاتستحقهما الا عبر اخضاع جسدها للرجل طيلة حياتها بغض النظر عن رغبتها او درجة استعدادها النفسي.

ان الامر مرعبٌ جدا، ان يكون الانسان لايملك خياره في الخروج من المكان الذي يسكن فيه الا باذن انسان اخر، ولايحق له الخروج من هذا العقد ايضا، الذي يجبره ان يسلم جسده بلا امتعاض لانسان آخر، وهو صاحب الحق به، وان رغبته الانسانية بالرفض او الامتناع عليها ان تتنحى جانبا، فالمرأة بعرف هذا العقد يجب ان تكون جاهزة لرغبات الآخر، بعيدا عن اية معارضة لرغبته فينبغي ان يطاع في غالب الاحوال، والا لاتستحق النفقة الضرورية لعيشها، وهنا تتساوى رغبة الزوج مع حياة المرأة وكرامتها. ان فكرة ان يكون الانسان تحت الطلب في اغلب الظروف فكرة مخيفة وتجعل من العلاقة تصطبغ بصبغة العبودية الواضحة، فكيف لانسان ان يعيش حرا وهو لايستطيع ان يحيا الامن خلال اخضاع الجسد،واخضاع تحركاته لتكون محددة بامتار معدودة وبرغبات الاخ، وطيلة الحياة؟. هذه الفكرة لم تعد صالحة لانسان القرون الاخيرة التي ترى ان خضوع الانسان لاخر مثله هي عبودية غير مقبولة تحت اي اسم كان . ان مفهوم الشراكة بين الزوجين في الاسرة المعاصرة ينبغي ان يسود، فعندما يدخل طرفان في شراكة، فإن منتجات ومخرجات هذه الشركة يجب ان تحسب لكليهما وعليهما تنظيم وقتيهما والحقوق المتبادلة بينهما لتكون متساوية وليست بالضرورة متشابهة و بحسب الاتفاقات العادلة . ان الخروج من الفقه التقليدي للاسرة ضرورة انسانية ودينية، لان تحقيق العدالة والانسانية في التعامل امر تقره الاديان ومنها الاسلام. ان إبقاء المرأة في نطاق العيش ضمن "بيع او ايجار " الجسد مقابل الاطعام والاكساء هي فكرة يحاول بعض الرجال ان ينظر اليها على انها النظام الامثل للمرأة وان كرامتها محفوظة امام الناس، وان كانت مهدورة ضمن نطاق الزوجية، وهذا الإهدار يرونه الشكل الامثل لاستمرار الأسر في البقاء، ولو على حساب انسانية المرأة اوكرامتها او نفسيتها وحقوقها. هذه النظرة تستصحب الرؤية الابوية (القرون وسطية) التي ترى في المرأة كائنا بيولوجيا دوره ينحصر في تبعيته للذكرالذي يعد اكثر منها رجاحة بالعقل، واكثر منها قوة، ليمنحها العيش مقابل خضوع كيانها له، وبالتالي اخضاع كل ملكاتها الروحية والابداعية للموت، اذا لم تجد رجلا منصفا يمنحها قسطا من الحرية ولو الحرية المشروطة . وهذه النظرة بالتأكيد لاتنظر اليها على انها روح انسانية مستقلة قابلة للابداع والعيش المستقل بعيدا عن الرجل او الاسرة الحامية، وان كانت متزوجة، فالزواج لايفترض به ان يكون اخضاعا لارادة انسان حر، وان لا يكون به هذه القيود والاخضاع اللامشروط واللامحدود لها .

مالم تتحرر المرأة من هذه النظرة القاصرة فان مجتمعاتنا الابوية ستبقى مجرمة بحق النساء وتستهلك طاقاتاتهن بلا اي مقابل، وتُعدّ مجتمعات معنِّفة للمرأة، لما لنظرتها هذه من عنف وسرقة منظمة لجهودها، والتي تجعلها امام خيار واحد وهو العيش عبر الجسد .

 

بتول فاروق

٢٤/ ١٠/ ٢٠٢٠

 

 

في المثقف اليوم