قضايا

لسانيات ماقبل التاريخ

محمد يونس محمدلغة ما قبل اللغة

ترى ما هي مقومات الحياة بلا لغة كلام؟، اردت أن ابدى من هذا السؤال كي يمكنني تصور فكرة الكتاب عن لغة ما قبل اللغة وهي لغة الاشارة، والتي قد صنفتها سابقا بانها لغة مشاعر او احاسيس، وذلك عندما كانت عضلة اللسان معطلة، ولا تملك خيارا كما في اللغة التي نتكلم بها اليوم، وطبعا هنا المتكلم المعطلة عضلة لسانه يحسن الاشارة، ولا يحسن الكلام طبعا، فهو ابن العالم الاشاري، والاشارة هي نوع من اللغات الصامتة، فهي توازي المنطق الصوري في علم اللغة الحية، وذلك التوازي يمنحها الاهمية، والتي هي ستؤهلها للدرس والتحليل، ومن هنا لجأنا الى تحقيق تلك الفكرة، وسنعمل على اغناء ما تمكن من وجوه لها، اذا تعذر علينا اغناء جميع الوجوه .

إن تفسير علم الشارة الحديث لا يعنينا هنا بشكل مباشر، وذلك كونه هو لا يرتبط بشكل مباشر بفكرتنا، فنحن في مجال التحليل عبر الخطاب الفهمي والخزين المعرفي التاريخي الذي نستعين به، فهو المجال الأهم هنا، ولما كان التاريخ هنا يدخل في صلب المسالة التي نعنى بها، اذا نحن سندخل بفكرتنا في عمق التاريخ، والتاريخ طبعا ربما يكون اكثر رغبة لدينا اذا توغلنا الى عمقه، وطبيعي سنقف على مرحلة تاريخية، هي تشكل مركز فكرتنا، ونجد بها الكثير من الافكار الحيوية التي تخص اطر وابعاد فكرتنا، فأننا لا نشعر او نحس فقط بأن لغة الاشارةهي محددة في مرحلة تاريخية، كان فيها البشر ما قبل الحيوان الناطق، بل نسلم بهذا رغم عدم حصور او تحديدنا تلك المرحلة من التاريخ في أي الف من قبل الميلاد كانت، لكنها مؤكد مرحلة سحيقة في التاريخ البشري، وانا صراحة ابحث في الموضوعة وليس في التاريخ حصرا، لذا لا يهم إن ابحث عن اشارة تاريخية اولا بقدر اهمية الموضوعة التي اسعى لتحليلها، وبلوغ ناصية علمية رصينة بها، او التوسع بها معرفيا نحو حدود قصية، قد توصلنا الى نتائج في المعرفة البشرية وعلاقتها باللغة بالنسبة لنا على اقل تقدير تشكل اهمية اعتبارية، وفي ما نراه لابد من التوسع الابستمي في تاريخ اللغة ما دما نعيش عص ما بعد المنطق الصوري، او ما اسمته ناتالي ساروت بعصر الشك .

اللغة الاشارية هي واحدة من اولى مراحل تعرف البشرية الى الاشياء، وهي الدليل الى معرفة ما كان مجهولا في الحدود التي تبديها الاشارة، فحياة ما قبل اللغة قد اعتمدت على بدائل نوعية، ليست هي الاساس في المسالة بل الانطباق الصوري في العقل البشري القديم من مقومات تفهم للمنطق الصوري الذي ستقوم الاشارة بتحقيق دورها كبديل نوعي للغة المحكية الغائبة حينها، ولغة الاشارة هيصفة اصطلاحية قد اطلق عليها وسيلة التواصل غيرالصوتية التيكانت تستخدم ما قبل المجتمعات، وخصوصا ايام الجماعات البدائية، وتلك الجماعات كانت تتكلم بصمت الاحاسيس، ولكن حينما يتفاقم الوضع النفسي تلجأ الى الاشارة، لتعوض نسبيا عن تفاقم الوضع النفسي، وكان يصاحب تلك الاشارة خلجات صوتية تماثل لغة الحيوانات او هي تقوم بتقليدها، في الظروف التي لم يتولد بها في حينها القانون الروحي للغة المنطوقة، او ما يسمى موهبة الكلام، وفقدان (هذا التقبلالعاملموهبةالكلام المنطوق)، من الطبيعي أن يجعل الافراد يستعيضوا بما هو متيسر من ادوات تتناسب وواقعهم البدائي، فكانت الاشارة بصفتها الرمزية احد الوسائل التي عوض بها الفرد البدائي عن الكلام، وطبيعي الحاجة الانسانية تشكل هنا اهمية قصوى بكل ما فيها من مقومات احساس شخصي او عام، والجنس البشري البدائي وأن كان فيه العامل الانساني في حيز اضيق مما صار فيه بعد تنامي المشاعر الانسانية وازدياد التماس الناس لها، وتوسع ذلك الى اقصى الحدود من خلال تداول اللغة الحية، والتي كانت غائبة تماما في التشكل البشري الوجود الاول، وهنا لابد من الاشارة الى جانب مهم، حيث يشكل فقدان الطبيعة الى مقومات الفتاهم اللفظي، هو راجع لفقدان تلك الطبيعة.

 

محمدي يونس محمد

 

 

في المثقف اليوم