قضايا

فكر المهدي المنجرة تحت المجهر

علجية عيشهل مفهوم "الذلقراطية" له علاقة بـ: "القابلية للإستعمار"؟

لطالما شغل هذا السؤال بال المفكرين العرب والمسلمين واثار اهتمامهم بل شكّل بالنسبة لهم هاجسا، ولطالما تعرضوا للمضايقات والحصار في بلدانهم ومنعوا من تقديم محاضراتهم أو عرض أفكارهم، بسبب مواقفهم، منهم من تم نفيه وآخرون اعتقلوا واغتيلوا ومن هؤلاء المفكرين نذكر المفكر المغربي عالم المستقبليات المهدي المنجرة، والمطلع على أبحاث هذا الرجل نجد أن فكره يتقارب مع بعض المفكرين، فإذا نظرنا إلى كتبه التي أصدرها نجد أن المنجرة يتقاسم الفكر البنابي (نسبة إلى مالك بن نبي) من حيث تناولهما مسألة الحضارة، ويتقارب فكره أيضا مع فكر الدكتور غسان الخالد في مسألة الديمقراطية، إلا أن الإثنان تناولا المسألة من وجهة نظر مختلفة، فغسان الخالد تحدث عن "البدوقراطية" عندما قال أن النظم الديمقراطية في الدول العربية نشأت وفق منظور غربي.

وقد جعل الديمقراطية قاعدة للحكم على ما هو ديمقراطي آو غير ديمقراطي يصعب مقارنته عند العرب وفي العالم الثالث بشكل عام، لأن البيئة مغايرة، ومن هذا المنطلق قدم الدكتور غسان الخالد بديلا آخر للديمقراطية، وهو "البدوقراطية"، وذلك انطلاقا من فكرة "المواءمة" التي تعني بين مفهومي الشورى الإسلامي والديمقراطية الغربية، لأن الديمقراطية في نظره مشروع لم يكتمل بعد حتى في أكثر البلدان ديمقراطية، أما المنجرة تحدث عن "الذلقراطية"، حيث ناقش سياسة الحكام والأنظمة في زرع الخوف في الشعوب، خاصة شعوب دول العالم الثالث التي عاشت الإستعمار، حتى تتمكن هذه الأنظمة من السيطرة والهيمنة في ظل غياب المؤسسات الديمقراطية وفي ظل الإستيلاب الثقافي، مستغلة في ذلك ظروف هذه الشعوب التي لا تزال محكومة بالذهنية القبلية (أي انتمائها الدائم للقبيلة أو العشيرة)، ما جعل المنجرة يقف بفكره أمام إشكالية التمييز بين مفهومي الرعية والمواطنة وكيفية الحفاظ عن الهوية، يبقى الحديث عن المقاربة الفلسفية إن كان مفهوم "الذلقراطية" له علاقة بالقابلية للإستعمار الذي تحدث عنها الفيلسوف مالك بن نبي أم لا؟

والمتتبع لأفكار المنجرة يجده من الذين ينشدون التغيير، باعتباره قاعدة عامة في كل حركة تاريخية حضارية، فهو يُجَدِّدُ ويُطَوِّرُ ويصنع الإبداع والابتكار والتقدم في مختلف جوانب حياة الإنسان الفكرية الاجتماعية والمادية، وقد أخضعت أكاره وأبحاثه للدراسة والتحليل، خاصة ما تعلق بالبعد المستقبلي، وهو ما قام به يحي اليحياوي الذي تناول فكر المنجرة واعتبره من أبرز الإستشرافيين في العالم في الربع الأخير من القرن العشرين، إذ يقول عنه: "إن اقتران اسم المنجرة بالمستقبليات لم يأت من باب التخصّص الصرف الذي يحصر الاقتصاد في المؤشّرات الاقتصادية، والمجتمع في المؤشرات الاجتماعية، والثقافة في المؤشرات الثقافية... بقدر ما أتى من باب الوعي بضرورة إدماج كلّ هذه المؤشّرات في منظومةٍ جامعةٍ، متداخلةٍ ومتفاعلةٍ في "الزمكان"، تنطلق من حالة هذه الظواهر في ماضيها، وتُسائل تموّجاتها في الحاضر وتستشرف مآلاتها ومخرجاتها وإفرازاتها في المستقبل.

كما يتقارب فكره مع كثير من الذين تناولوا في بحوثهم ظاهرة العولمة، إلا أن المنجرة ذهب إلى أبعد من ذلك، بحيث تحدث عن "عولمة العولمة"، ولعل المهدي المنجرة من المفكرين القلائل الذين دعوا إلى المصالحة مع الذات قبل المصالحة مع الآخر، والمصالحة مع الذات تعني محاسبتها أولا والوقوف على أخطائها، ثم غربلة ما مَرَّ عليها من مواقف إلى حين يتم التصالح معها، فقد كان فكره بمثابة الضمير الإنساني ليس في المغرب العربي فقط، بل في العالم العربي كله، فقد لعب دورا متعدد الأبعاد وهو يتناول القضايا التي تسعى إلى بناء جسرا للتواصل الثقافي والحضاري بين الشعوب والحضارات بدل الصدام الثقافي والحضاري، وهو بذلك يسير على نهج صامويل هنتنجتون من أجل إعادة تشكيل النظام العالمي، تقول بعض الكتابات أن المهدي المنجرة سبق صامويل هنتنجتون نفسه في طرح الإشكالية الحضارية، وهذا باعتراف من صامويل عندما قال أن المهدي المنجرة، هو من اكتشف بأن تاريخ العالم الذي قام على الإستقرار والسلام، ليس سيرورة، ولكنه صراع مستمر، لأنه يعيش في حوار وتعايش وتفاعل ما بين الحضارات والثقافات.

 

علجية عيش

 

 

في المثقف اليوم