قضايا

ليلى الدسوقى: هذه بضاعتنا قد ردت إلينا

ليلى الدسوقيمن يقرأ العصر الفرعونى ثم الفتح الاغريقى لمصر على يد الاسكندر الاكبر عام 332 ق . م ودخول البلاد عهدا جديد بطموحات الاسكندر الاكبر الى العالمية (تلميذ ارسطو الذى يدعو الى العالمية) حتى اخر حكم البطالمة الذين تسموا باسم بطليموس الاول حتى كانت موقعة اكتيوم البحرية وهزيمة كليوباترا عام 31 ق.م وفتحت صفحة جديدة لحكم البلاد مع الفتح الرومانى للبلاد (مصر مقبرة الغزاة وضيعة الشرق القديم)

بالرغم من استيلاء الاسكندر الاكبر على مصر فمن البديهى ان يطبق قانون المنتصر اى القانون الاغريقى على المهزوم (ان المنتصر يفرض قانونه على المهزوم) ويتوارى القانون المصرى ولكن حدث العكس بل اعلن البطالمة منذ فجر الاحتلال ودخولهم البلاد على احترام الديانة المصرية وايضا على احترام القانون المصرى وتركت الحرية كاملة للمصريين فى مجال العقيدة والتشريع

فالقانون فى كل زمان ومكان جزء لا يتجزا من الحضارة الانسانية فى بلد ما وفى عصر ما

ومصر الفرعونية بلغت علوا كبيرا فى سلم الحضارة الانسانية فلقد عاشت مصر قديما بمعزل عن باقى المجتمعات البشرية القديمة ومن هنا صنع العقل المصرى قانون نقى فى مبادئه صاف فى قواعده دون التاثر باى قوانين اخرى

كان القانون يخرج من فم الاله اوزوريس اله الخير ومن دار حوريس الكبرى دار العدالة ثم ان الفرعون باعتباره الها فكأن القانون قد خرج من فم الاله (الاله هو الخير والحق والعدل)

يقول الاله رع لكل الملوك " قل العدالة ، اصنع العدالة لان العدالة قادرة انها عظيمة انها سرمدية "

فالمصريون القدماء عبدوا الالهة معات الهة الحقيقة والعدالة واتخذوا منها نبعا من ينابيع القانون وكنا نرى قضاة المحكمة العليا " دار حوريس الكبرى " كل قاض يضع حول عنقه تمثال الالهة " معات " لتذكره ان يحكم بين الناس بالعدل لذلك اتصف القانون المصرى الفرعونى بالعدالة

ان الفرعون اله حى انه لا يموت انه يحيا باعماله ويفعل ما يحب اما لا يحبه لا يفعله

و هذه رسالة من احد ملوك الاسرة الثانية عشرة الى احد وزرائه بمناسبة تعيينه " ...و الذى يجب عليك عمله فى كل الاحوال ان تحافظ على القانون وعندما ياتى صاحب شكوى فاحرص على ان يتم كل شى طبقا لما يقضى به القانون وما يقضى به نظامه حتى يصل كل شخص الى حقه ...."

و امتد العدل من الحاكم الى القضاه

يقول القاضى رمنوكا فى عهد الملك منكاورع فى نقوش وجدت على قبره تذكارا لما كان يحكم به:

" ان الذى يحب الملك والاله انوبيس على قمة جبله لا ياتى باذى لمحتويات هذا القبر من القوم الذين سيصعدون الى الغرب " الدار الاخرة " اما من جهة هذا القبر الابدى فانى قد اقمته لانى كنت مقربا لدى الملك والناس ولم يحدث قط انى اغتصبت اى شى من اى انسان لهذا القبر لانى اذكر يوم الحساب فى الغرب " الدار الاخرة "

و عرف القانون المصرى الفرعونى (قانون الملك بوكخوريس) كل صور العقود المسماة وغير المسماة الرضائية (العقد شريعة المتعاقدين) والشكلية وايضا عرف التامينات العينية والشخصية

ساد المجتمع المصرى ابعاد القانون والقى ظلاله على قوانين العالم القديم بدءا من القانون اليونانى "قانون صولون" والقانون الرومانى "قانون الالواح الاثنى عشر" وعند نهايته موسوعة جوستنيان اخر اباطرة الرومان حيث كانت مصر ولاية رومانية وتعايش القانون الرومانى مع القانون المصرى

فالقانون المصرى الوضعى المعاصر استمد كثيرا من القانون الفرنسى الذى امر بوضعه " نابليون بونابرت " بتشكيل لجنة من كبار فقهاء فرنساء لصياغة القانون الذى استمد من موسوعة جوستنيان اخر اباطرة الرومان بالاضافة الى قانون الالواح الاثنى عشر (شكلت لجنة للذهاب الى اثينا للاطلاع على القانون اليونانى الشهير قانون صولون الذى زار مصر واطلع على قانون الملك بوكخوريس (الاسرة الخامسة والعشرون) وكان عام 595 ق. م واخذ من هذا القانون كثيرا من قواعده التى شكلت قانون الالواح الاثنى عشر) الذى اتصف بالدقة فى الصياغة القانونية واخذت الموسوعة منه كثير من قواعده القانونية

و ايضا واضعى قانون الالواح الاثنى عشر انفسهم اطلعوا على قانون بوكخوريس واشادوا به فى ساحة الفوروم الكبرى

و هكذا نرى بكل وضوح ان القانون المصرى الفرعونى (قانون الملك بوكخوريس) عاش مع الزمن فاعلا ومفعولا مع القوانين التى التقى بها على جسر تاريخه الممتد عبر الزمن

وان قانون نابليون الذى يمثل المصدر التاريخى للقانون المصرى المعاصر اخذ من منابع القانون الرومانى (الرومان الذين ابدعوا فى صياغة وصناعة القانون وكما قال خطيبهم شيشيرون نحن قوم اختارتنا الطبيعة لنحمل رسالة القانون الى العالم اجمعين " والذى له صلة متفاعلة مع القانون المصرى القديم (قانون الملك بوكخوريس)

لذا يمكن القول بكل ثقة " هذه بضاعتنا قد ردت إلينا "

 

ليلى الدسوقى

 

في المثقف اليوم