قضايا

صادق السامرائي: الشك والسؤال!!

صادق السامرائيالأقلام العربية المفكرة تتعبد في محراب ديكارت (أبو الفلسفة)، فمنذ أن أطلق صرخته، "أنا أفكر إذا أنا موجود"، وحاول الشك في وجوده، ومن شكوكه أثبت وجوده، فالشك أوصله للتفكير، وعندما يفكر يتحسس وجوده بمعانيه المطلقة.

والعرب بمفكريهم ومصلحيهم ورواد نهضتهم تمسكوا بهذا الخط، وكأنه الطريق الذي لا طريق سواه للمعرفة، وتناسوا عناصر الإدراك والمعرفة الحقيقية، ولا يزالون يتحدثون عن الشك ويضعون ديكارت في مراتب علوية، خصوصا الذين يستنسخون ويتبعون ويعتمدون على الأجنبي، الذي يحسبونه صاحب العقل الفائق!!

ولا يُعرف لماذا لا يطرحون أسئلة بأساليب مقتدرة على الإتيان بأجوبة عملية لا نظرية، فأكثرهم يختبئون وراء لماذا، ويرتعبون من كيف!!

ولا تجد دراسة أو بحث أو طرح فكري وفلسفي وإجتماعي يتناول موضوع كيف نتقدم، ولو فتشتم في ما كتبوه، منذ منتصف القرن التاسع عشر، فلن تجدوا إلا البحوث والدراسات ذات الأجوبة النظرية الخاوية عن لماذا!!

بينما المجتمعات المتقدمة تجاوزت مرحلة لماذا وتفكر بمنطلقات كيف، فالأسئلة المطروحة تبدأ بكيف، ولا تعير إهتماما كبيرا للماذا إلا عندما يتعلق الأمر بإيجاد كيفيات وآليات ذات قيمة عملية وإنجازية.

فالواقع الثقافي للأمة حساس من كلمة "الشك"، بل إن التساؤل يكاد يكون محرما في بعض الموضوعات، فلماذا عجز المفكرون عن إيجاد إقترابات أخرى، ولماذا هم ديكارتيون، وعندنا الكندي والفارابي وإبن سينا والغزالي والمعري، إضافة لإبن رشد وغيره الكثيرون؟!!

لماذا لا ننطلق من جوهرنا الحضاري لمواجهة التحديات، بدلا من النزعة الديكارتية المثيرة لأليات الدفاع والظن بالسوء؟!!

والدنيا تتقدم، وبسرعة وتتجاوز المراحل تلو المراحل، ونحن نتمسك بما عفا عليه الزمن وغادرته المجتمعات، فالذين يتمنطقون بمذهب ديكارت، هل يجدون مَن يكتب عنه ببلاده في القرن الحالي، وهل تجمَّدوا عند مذهبه وما أنتجوا فيلسوفا بعده؟

إن الجهود العربية تُستهلك في نشاطات تتسبب بأضرار حضارية قاسية يصعب علاجها، لتكرارها وإزمانها وتعضلها في خنادق ومتاهات ذات أترسة إنفعالية وإنتماءات عاطفية، تبرمج الأدمغة وترهنها بما لا ينفعها.

فكلما قرأنا لمفكر من مفكرينا، نجده قد حصل على شهادته من جامعة أجنبية وتأثر بهذا الأستاذ أو ذاك، وراح يطبق رؤية أستاذه على الواقع الذي لا يمت بصلة إليه، فيفرض عليه نظريات مستنبطة في مجتمعات أخرى، وبموجبها يتخذ منهج بحثه ويصل إلى إستنتاجاته التي يتصورها راجحة، وما هي إلا تفاعلات خيالية مع واقع لا يعرفه.

وتلك معضلة المفكرين العرب، التي أدّت إلى فشلهم في صناعة التغيير، والتيار الثقافي الذي يمكّن الأجيال من التعبير عن إرادتها الحضارية المعاصرة.

وعندما تواجههم بالحقيقة المريرة، يغضبون، ولا يتدبرون ولايتفكرون، ويتفاعلون بإصرار مع مفردات الواقع بنظريات الآخرين!!

 

د. صادق السامرائي

3\9\2021

 

 

في المثقف اليوم