قضايا

آمال طرزان: شبابنا والمستقبل

وددت في بداية كتاباتي أن أكتب عن أهم القضايا التي تشغل بالى ألا وهي شبابنا والمستقبل، وأصبح يراودني دومًا فكرة الاهتمام بالشباب كمصدر للقوة والثروة الحقيقية داخل بلادنا ولكن للأسف يوجد نظرة تشاؤمية لدى كثيرٍ من الشباب الذين يرتدون نظارة سوداء ومرددين لأنفسهم عبارات مليئة بالإحباط أننا نحيا وسط حياةٍ تعمُها الفوضى والعشوائية حياة بلا حلم وبلا هدف والتساؤل ماذا يجب علينا تقديمه لشبابنا لاستبدال تلك النظرة السوداوية للحياة بنظرةٍ مليئةٍ بالأمل من أجل بناء الحاضر والمستقبل؟

سوف أركز على محورين في هذه المقالة لبناء شبابنا حاضر الأمة وأمل الغد وهم كالاتي:

المحور الاول التعليم:

لا أنكر أن ما دفعني لطرح التعليم كمحور هام من المحاور التي يجب التركيز عليها أثناء تناول قضية الشباب والمستقبل -وهو كذلك بالفعل-  أحد الأعمال الفلسفية التي ظلت عالقة في ذاكرتي منذ عقدين من الزمان من قارئتها مقالة "نملتان في الفلفل" للدكتور زكى نجيب محمود منشورة في كتاب شروق من الغرب وهى قصة صاحب محل كان النمل يهاجم سكره ولكى يتخلص من تلك المشكلة قرر أن يخدع النمل بأن يكتب على البطاقة الخارجية لعلبة الفلفل الأسود كلمة سكر والعكس صحيح بالنسبة لعلبة السكر وللأسف يوجد نملتان تعلمتا القراءة وفقا لنظم التعليم القائمة على الحفظ والتلقين مما ترتب عليه انخداعهما بسبب عدم قدرتهما على تفرقة الفلفل الأسود عن السكر والاكتفاء بقراءة البطاقة الخارجية لعلبة الفلفل الأسود مع أنها  بعيدة كل البعد عن مواصفات السكر  ونتيجة عدم إعمال العقل فقد ضلتا الطريق خلال السير لهدفهما . وللأسف لدينا عديد من شبابنا يسيرون في نهج حياتهم كالنملتين في الفلفل مما يقودهم الأمر إلى التخلي عن أهدافهم وأحلامهم لعدم قدرتهم على مواجهة تحديات الحياة. والتساؤل كيف نساعد أبنائنا في التخطيط لحاضرهم وكتابة مستقبلهم؟!

ومن ثم سأركز على دعوة دكتور ذكى نجيب محمود وغيره من المفكرين الذين نادوا بمحاولة التخلص من نُظم التعليم القائمة على الحفظ والتلقين إلى نظم تعليم تتناسب مع مستجدات القرن الحادي والعشرين وخاصة أننا في عصر الشبكة العنكبوتية العالمية التي تقدم لنا معلومات من جميع أنحاء العالم منها ما يكون صائب ومنها ما يكون  خاطئ فلابد من إتاحة تعليم  قائم على تنمية أسلوب ومهارات  التفكير الناقد والإبداعي بحيث يستطيع الشاب تحليل ما يقدم له من أفكار ومعلومات من أجل الوصول إلى استنتاجات ونتائج صحيحة وكذلك القدرة على حل المشكلات التي يواجهها أثناء  رحلته لتحقيق أهدافه وصناعة مستقبله وسيترتب على ذلك بناء جيل لديه القدرة على التفكير المنطقي لأن ما يقوده هو سلطان العقل والمنطق وصنع شباب لديه القدرة على التفكير خارج الصندوق .        

بالإضافة لذلك حتى نتمكن من تحقيق ما نرجو من تطوير لنظم التعليم اليوم لابد من التركيز على تطوير خبرات وإمكانيات أعضاء هيئة التدريس بمرحلتي التعليم ما قبل الجامعي والجامعي بشكل دائم على سبيلِ المثال لا الحصر إعداد كثيرٍ من الدورات التدريبية لهم على كيفية استخدام أساليب التعليم الحديث. وكذلك المشاركة في حضور الندوات والمؤتمرات لتبادل الآراء والخبرات حتى يستطيع أعضاء هيئة التدريس من تنمية القدرات الإبداعية لشبابنا في الأيام المقبلة.

وهذا ما سيقودنا إلى التطرق للدور الهام الذي يجب أن تقوم به المدارس الثانوية والجامعات باعتبارهما من أهم المؤسسات التي يتواجد فيها فئة الشباب بحيث لا يقتصر دورهما على تقديم المناهج التعليمية المتاحة عبر وسائل التكنولوجيا الحديثة اليوم وأن تقوم الجامعات بتخريج خرجين غير قادرين على تحديد أهدافهم لمواجهة متطلبات سوق العمل. نعم لدينا الآلاف من الشباب لا يعلمون كيفية التخطيط لمستقبلهم المهني! فعلينا محاولة تأهيل الشباب لاقتحام سوق العمل من خلال تنمية مهاراتهم الذاتية بما تتناسب مع متطلبات العصر وذلك بإعداد كثير من المبادرات تهدف إلى تطوير الذات وتنمية قدرات أبنائنا من خلال إكسابهم الثقة بالنفس وتحمل المسئولية والقدرة على صنع القرار والتخطيط المستقبلي وإدارة الوقت...إلخ. إلى جانب ذلك من الممكن أن تقدم مراكز التدريب بالجامعات للشباب أثناء الدراسة أو بعد تخرجهم مباشرة دورات عن التوظيف الذاتي للشباب مقابل أجر رمزي. بحيث نشجع الشاب على البدء بصنع مستقبله المهني عقب تخرجه مباشرة في إدارة مشروعه الصغير بنفسه.

المحور الثاني الدعم الدائم: 

يمتلك الشباب إمكانيات وطاقات هائلة منقطعة النظير ولكي نتمكن من استخرج ما بداخل شبابنا من قدرات إبداعية، علي جميع مؤسسات المجتمع  أن تقدم التحفيز المستمر لهم والذي يتمثل في ضرورة إشعارهم بأهمية ما يقدمون عليه من خلال الثناء على مجهوداتهم بالكلمات والعبارات الإيجابية وتقييم مجهودهم بإبراز نقاط القوة لتعزيزها ونقاط الضعف لمعالجتها. 

ولكن يجب كذلك الإشادة بالدور الجوهري الذي تلعبه مؤسسة الأسرة في دعم شبابنا باعتبارها النواة الأولى التي تستقبل أبنائنا منذ الميلاد. فيعد الوالدين الركيزة الأساسية في احتضان الرضيع نفسيًا واخلاقيًا وعاطفيًا واجتماعيًا واحتوائه بالرعاية والحماية في مراحل حياته المتباينة وهنا نتوقف على  إحدى المشكلات التي تواجه عديد من الشباب في سبيل تحقيق أحلامهم  ولا يمكن إغفالها مشكلة صراع الأجيال بين الأباء والأبناء فالفجوة في الآراء وتنافرها بين الجليين يجعل الأبناء يصفون أبنائهم  بالجزم والتشدد وعدم  القدرة على استيعابهم وتفهمهم ولاسيما أن عديد من الأباء يريدون جعل أبنائهم نسخة طبق الأصل منهم فيما كانوا يتمنون لأنفسهم بالماضي، نعم أبنائنا فلذاتُ أكبادنا ولكن  علينا ألا نسلبهم إرادتهم ونحرمهم من اختياراتهم ونجهض أحلامهم بل علينا أن نكون المصدر الداعم والسند الدائم لطموحاتهم.

وبعد عرض ما سبق ذكره أود أن أوضح للقارئ أننى لم أكتب عن دعم أحلام شبابنا وتنمية قدراتهم  مجموعة من التنظيرات والآراء النظرية بل اتجهت اتجاهًا عمليا في التعامل مع فئة الشباب وذلك من خلال إعداد فكرة مبادرة شبابنا أمل الغد على أرض مدرسة الشيماء الثانوية بنات بسوهاج ذلك الصرح التعليمي الضخم  بقيادة وتوجيه  ا. سحر خلف عبد السلام منذ عام  2019 م  وإشراف توجيه الفلسفة من أجل توجيه قدرات الشباب الإبداعية والابتكارية إلى ما يخلق الأمل بداخلهم .

وقد بدأت المرحلة الأولى من المبادرة على أرض مدرسة الشيماء بسوهاج نوفمبر عام 2019م بتبني نموذجين من الطالبات هما الطالبة ندى رجب رضوان بالصف الثاني الثانوي والطالبة عائشة العبد عبد الحميد بالصف الأول الثانوي أنذاك والخروج بحلمهما المحاضر الصغير من أرض مدرسة الشيماء ليسطع في سما الحرم الجامعي كلية الآداب قسم الفلسفة بسوهاج بتبني ودعم ا.د شعبان عبدالله  وقسم الفلسفة بسوهاج  وعميد الكلية ا. كريم مصلح .

 وقد بدأنا بالمرحلة الثانية من المبادرة في فبراير 2021م حيث تم تعميم التجربة على عديد من الطالبات بالمدرسة بتقديم عديد من التدريبات داخل المدرسة. أما اليوم نعلن انطلاق شعاع الأمل في سماء مدرسة الشيماء على إدارة سوهاج التعليمية بموافقة وكيل وزارة التربية والتعليم بسوهاج على تطبيق المبادرة على أربعةٍ من مدارس إدارة سوهاج.

 وتهدف المبادرة إلى:

أ-دعم بعض نماذج من الشباب الذين يسعون لتحقيق أهدافهم وأحلامهم من أجل تقديم تلك النماذج كقدوةٍ ومثالٍ يُحتذى به لشباب جيلهم حتى ندفعهم لصناعة حاضرهم ومستقبلهم.

ب- ربط التعليم بمتطلبات سوق العمل بطرح عديد من المبادرات التي تهدف إلى تنمية قدرات أبنائنا وإكسابهم القدرة عل تحمل المسئولية والقيادة، والنزوع نحو تأكيد الذات والثقة بالنفس.

ج- التعاون بين التعليم ما قبل الجامعي والتعليم الجامعي بهدف دعم الطالبات المشاركات كنموذج للشباب الذي يسعى لتحقيق حلمه من أجل رفع الروح المعنوية والطموح لدى طلاب ثانوي من خلال الاحتكاك بالجامعة. 

د-الاستثمار في فئة الشباب باعتبارهم أهم مصدر من مصادر الطاقة والقوة لأي دولة تسعى لتحقيق التقدم والرقى والنهضة ففئة الشباب تمثل همزة الوصل بين الحاضر والمستقبل لمصرنا الغالية.

وفي بداية الطريق نقول لك عزيزى القارئ أبدا معنا في غرس زهرة الأمل في بستان هذا الشاب أو ذاك من أجل صناعة مستقبل أكثر أشراقا وتقدمًا.

شعارُنا بالإرادةِ والعملِ سنبنى حاضرنا ومستقبلَنا. 

 

د. آمال طرزان

 

 

في المثقف اليوم