قضايا

اسعد شريف الامارة: لماذا ندرس التحليل النفسي؟

ندرس التحليل النفسي اليوم بالتحديد لإن النفس أمتلأت بما لا تستطيع ان تنوء بثقلها من ضغوط الحياة اليومية الخارجية وانفعالات النفس الداخلية في مواجهة هذه الازمات والضغوط، إنها تبحث عن تفريغ مقبول لشحناتها التي تراكمت. وتؤكد أدبيات التحليل النفسي يحدث التنفيس أو التفريغ عندما يتحرر الإنسان من كبتهِ بإظهاره إلى الخارج، أو الإفضاء بسر من الأسرار، وهو تنفيس بسيط وصمام أمان وجداني لإعادة التوازن النفسي حتى كاد أحدنا يقول هذا السر يخنقني، الأن شعرت بالراحة النفسية بسبب الإفضاء به.

ان النفس وجدت نفسها تحت طائلة الصراع بين ما تم قمعه وربما كبته لأنه يتعارض مع قيم الفرد الخاصة، وبين ما هو في الخارج " أعني البيئة الخارجية في حياتنا اليومية"، ونحن نعلم تماما أن القمع الشعوري والكبت اللاشعوري – اللاواعي يثير أعراض مضنية داخل النفس مما تؤدي عمليتي القمع والكبت أعراض مموهة أحيانًا خلف سلوك يبدو سويًا، وهنا تكون السوية تقود إلى الأضطراب النفسي.

نحن ضحايا السياسة والاقتصاد والتلاعب بارتفاع الدولار ومعه ترتفع كل احتياجاتنا من مواد غذائية وطبية وأدوية، الحياة اليومية تلتهم كل طاقاتنا فضلا عن التهديد بما يدور من صراعات تهدد وجودنا ويمتد هذا التهديد الى تهديد الاسرة، والاسرة لها اكثر من تهديد خارجي وداخلي، فهو تهديد عالم الاتصالات والتواصل الاجتماعي وتلك البرامج التي تخترق ادمغة أولادنا حتى كونت لدينا إدمان آخر هو إدمان الانترنت وهو لا يقل خطورة عن إدمان المخدرات والكحول والتدخين .

أين تهرب النفس من نفسها؟ هل تستطيع النفس أن تلوذ من النفس إلى النفس؟ من منا يستطيع ان يوقف ما يعتمل بداخلها من صراع، لم يعد الحلم تفريغ مناسب لهذه الشحنات في ظرفنا الراهن، ولم يعد التنفيس عبر النكتة والفكاهة وزلة اللسان كافية لإن تعيد النفس توازنها، علينا ان نعرف التحليل النفسي بدقة وإمعان لكي نتعرف على ما يدور بداخلنا، ومن الممكن أن نقف أو على الأقل يمكنه تخفيف هذا الصراع، تقول الممثلة السويدية "انغمار بيرجمان" ليس هناك شك في أن تربيتي كانت أرضًا خصبة لشياطين العُصَاب" – العصاب هي الاضطرابات النفسية، ومن منا لم يتعرض لانواع هذه الشياطين ونحن نشاركها قولها لاننا لا نخلو من القلق المرضي أو فوبيا متعددة، أو وساوس رهيبة تشغلنا في كل لحظة، لا بل في كل ثانية وعلى مدار يومنا صباحًا ومساء ً وليلًا، لم يبقى لنا غير ان ننبش داخلنا لكي نخفف من وطأة ما يدور فيها.

ويدون لنا الدكتور عبد المولى البستاني في صفحته فكرة مهمة عن "جاك لاكان" المحلل النفسي الفرنسي حيث يرى أن الرموز التي تترجم رغبات الأحلام الليلية، وعقد العصابات – الأعصبة " الامراض النفسية" والذهانات- الأذهنة " الامراض العقلية " مشتركة بين جميع الشعوب، بهذا المعنى، فإن من ينتجها لا يتعلمها، على سبيل المثال : حلم السقوط من الأماكن المرتفعة، دلالة على القلق الأخلاقي، و الرغبة في عقاب الذات، عند كل البشر باختلاف لغتهم الشعورية. لأن لغة اللاشعور كما يسميها جاك لاكان " تحت لسانية" لأن منبعها يوجد في منطقة أعمق من المنطقة التي تقيم فيها التربية اللغة الشعورية .

علينا ان نتعلم التحليل النفسي فهو دليل لمشكلات حياتنا اليومية ومعالجتها، بوساطته يعرف الإنسان نفسه، يستطيع أن يقيم نفسه من داخل نفسه لكي لا يمسي غريبًا عن نفسه وهو في وطنه، بين أهله واسرته، ولكي لا تتحول حياته إلى جحيم في حياته اليومية.

موتٌ يكلم الذي يهذي !!

هو حقًا صامت يهذي بداخله، انفجارات شديدة، قوى متصارعه، يعتقد أنه مائت لا محالة، ولا جدال فيه ولكنه يهذي من داخلهِ، يتنفس ويسترجع قواه التي يشدها الخوار، هو الموت الذي يتكلم وهو صامت ويهذي مع نفسه، ترك ما حوله في خارج نفسه يتصارعون ويتعاركون، ينفجرون ويغضبون ويَطلقونَ نسائهم ويعنفون ابنائهم بلا سبب واضح وصريح، هذا السلوك كله يرتب بما يعتمل بداخلهم من مشاعر واحاسيس مدمرة تجاه العالم الخارجي، فتكون آلية – حيلة الاسقاط حتماً على الاضعف، والاضعف هنا هي الزوجة والأبناء ومن ثم الضعفاء من العاملين معه، نسى هذا الذي يهذي، أن الله منحه فرصة للاستمرار بالحياة والوجود، وربما مات في داخله رغم ان الله لا وجود له إلا في مخيلتنا، في اللاشعور - اللاوعي، وحتى في بيته لم يتواجد عبر التاريخ في مكانهِ لأنه يراه فقط في الشدة، ولا يراه في كل الأوقات والأزمان.

تشتد علينا في حياتنا اليومية مختلف أنواع الأزمات وعلينا أن نواجهها بكل قوة، لأن الحياة تستوجب منا جهاد مستمر، ويقود هذا الجهاد، الإرادة، فالبعض يقول أنني أستطيع أن أحب، وأحلم، وأتعلم، وأفهم، أستطيع كل شيء شريطة أن أعفى من الإرادة، وهنا يبدأ تساؤلنا كيف تسير الحياة بلا إرادة؟ ونحن على يقين تام أن البعض ممن أهتزت إرادتهم وسيطر العجز على نفوسهم، لم تشفع لهم رغباتهم، أو أمنياتهم لأن الثقة بالنفس أو التحكم في الغضب وأسلوب الإدراك فضلا عن المشكلات التي تواجه أيٌ منا خلال حياته اليومية في العمل والعلاقات العاطفية لم تعد كما ندركها، بل يعاني البعض منا عصاب الوسواس القهري من الشك في النفس، وتنشأ غالبًا هذه الأعراض بسبب الطفولة وعدم التقدير من الوالدين أثناء الطفولة.

أننا أزاء مواقف حياتية متنوعة نشأت من الطفولة ويكون التعبير عنها في البلوغ وتكون هذه المشاعر ممثلة في بعض الدفاعات بمعنى الآليات " الحيل – الميكانيزمات" النفسية مثل رد فعل أو انعزال الوجدان ويكون لدى بعضنا رغبة في أن يقوم الطرف الأخر بلفت الانتباه لما يدور في داخله لأنه يعاني من الوسواس القهري، وهذا يثقل عليه ويتعبه، حتى يتحول إلى عدوانية ورغبة في الإنتقام من الآخر، نحن بحاجة لمعرفة التحليل النفسي لما يتمتع به من معرفة عمق النفس وما يدور بين حناياها.

***

الدكتور اسعد شريف الامارة

في المثقف اليوم