قضايا

ضياء نافع: عن علم الادب المقارن بجامعة موسكو

ضياء نافععلم الادب المقارن واسع جدا، ويطلق عليه بعض المتخصصين التسمية الشائعة اليوم في كثير من الاوساط، وهي - (علم بلا حدود !)، اذ انه يتناول فعلا كل الآداب قاطبة عند كل الشعوب قاطبة بغض النظر عن الزمن وخصائصه، وبغض النظر ايضا عن الاجناس الادبية المتنوعة جدا في الآداب القومية هنا وهناك، وربما لهذا السبب، لم يصبح (علم الادب المقارن) مادة دائمية في المناهج الاكاديمية بشكل عام، ولا يوجد لدينا (متخصّصا أكاديميّا!) في علم الادب المقارن، مثلما نقول ان فلان متخصص في الادب العربي او الفرنسي او الروسي ...الخ . ولكن – مع ذلك - يجب الاقرار، ان هذه المادة (تكافح وببطولة فائقة !) من اجل ان تجد لها (مكانا !) لائقا بها بين المواد الاكاديمية الاخرى في مناهج الجامعات المختلفة، هذا (الكفاح !) الذي بدأ اولا في بعض الجامعات الغربية (وخصوصا في فرنسا)، وكم حاول وتكلم في جامعة بغداد المرحوم ألاستاذ الدكتور داود سلوم في قسم اللغة العربية بكليّة الآداب وغيره من الاساتذة حول ضرورة ادخال هذه المادة في المناهج الدراسية، ولكن دون جدوى، فالاجواء العلمية في جامعاتنا لا ولن تسمح بمثل هذه الخطوات الجديدة والجريئة، وخصوصا في هذا الزمن الحرج بمسيرة العراق المثقل بالجراح والهموم ومشاكل الاحتلال البغيض، ولكن مع ذلك دخلت مادة (علم الادب المقارن) ضمن مقررات بعض الجامعات العالمية هنا وهناك، رغم كل (القيل والقال)،

 ومن جملة هذه الجامعات التي تساهم اليوم بتدريس مادة الادب المقارن - جامعة موسكو العتيدة، وذلك ضمن مناهج كليّة الفيلولوجيا (الكليّة التي تمثّل بالنسبة لي شخصيا مرحلة شبابي الجميلة عندما كنت طالبا فيها، ومن الطبيعي جدا ان اتابع أخبارها ومسيرتها)، ومن جملة الظواهر الجديدة فيها، وجدت انها أدخلت مادة (علم الادب المقارن) ضمن المواد المنهجية لها، وهي مادة لم تكن موجودة لدينا، عندما كنّا طلبة في تلك الكليّة بستينيات القرن العشرين، اذ اننا كنّا ندرس مادة تسمّى - (الادب الاجنبي)، وتبدأ من الكورس الاول (اي الصف الاول) وتنتهي في الصف الرابع، وتهدف هذه المادة الى تعريف طلبة القسم الروسي باهم خصائص ومراحل الآداب الاوربية، ويتناوب اساتذة مختلفون على القاء المحاضرات كل حسب اختصاصه الدقيق، وقد اقترحنا مرة في كليّة الاداب بجامعة بغداد تدريس هذه المادة في كل فروع اللغات الاوربية وقسم اللغة العربية، وفعلا تم ذلك، وكانت المادة تسمى (الادب العالمي)، وقد تقبّل الطلبة هذه المادة الجديدة بكل حماس واهتمام، الا انه تم الغاء تدريسها بعد ثلاث سنوات لا أكثر من قبل العمادة الجديدة، ولكن تلك المادة لم تكن تتناول طبعا دراسة الادب المقارن .

لقد اطلعت على برنامج علم الادب المقارن في جامعة موسكو، والذي تم طبعه عام 2001 ويقع في 94 صفحة من القطع المتوسط ، وشارك بوضعه (18) مؤلفا، وكل واحد حسب اختصاصه الدقيق، و معظمهم بدرجة استاذ (بروفيسور)، وهو عمل علمي مدهش بسعته وشموليته ومصادره، وعلى الرغم من انه معدّ للدارسين في جامعة موسكو بالذات، اي انه يؤكد على موقع واهمية الادب الروسي طبعا، الا ان مضمونه يثبت – مرة اخرى – كيف يجب ان تكون دراسة هذه المادة اكاديميا، ولا اريد التعليق اكثر بشأن ذلك، كي لا اتوقف عند الآرآء التي (اصطدمت بها!) عندما قمت بتدريس مادة (الادب المقارن) لمدة شهر واحد فقط بمعدل ساعتين اسبوعيا، عندما كنت استاذا زائرا في كليّة اللغات باحدى الجامعات العربية يوما – ما، اذ (لاموني!!!) لأني ركزّت في محاضراتي على الموضوعة العربية في الادب الروسي (اختصاصي العلمي الدقيق)، اذ كانوا يريدون ان أتحدّث عن (كل آداب العالم واقارن بينها !!) .

ختاما لهذه الملاحظات السريعة، اودّ ان استعرض مفردات برنامج (علم الادب المقارن) بجامعة موسكو، والتي جاء ت كما يأتي –

مدخل نظري في دراسة علم الادب المقارن / في الآداب الاوربية (الغرب وروسيا) / الدراسات التاريخية المقارنة للفلكلور / العلاقات المتبادلة للآداب في اوروبا الغربية وروسيا وامريكا / الارتباطات المتبادلة للآداب الغربية والجنوبية للسلاف مع الادب الروسي / الادب الروسي من القرن الحادي الحادي عشر الى القرن التاسع عشر في سياق آداب الغرب / روسيا والغرب في القرن العشرين – آفاق الارتباطات الادبية المتبادلة / دراسات المتخصصين باللغة الروسية في الخارج حول الادب الروسي في القرنين التاسع عشر و العشرين / علما، انه تم تثبيت المصادر باللغة الروسية والانكليزية بعد كل فصل من تلك الفصول، واعتقد اعتقادا جازما، ان هذا العرض السريع لمفردات مناهج مادة علم الادب المقارن في جامعة موسكو كافيا للاجابة عن (اسئلتنا !!!).

 

أ.د. ضياء نافع

 

 

 

في المثقف اليوم