قضايا

لمى ابوالنجا: برجوازية الطبقة المتوسطة الحديثة والتأطير الإجتماعي

تاريخياً في القرنين الخامس عشر والسادس عشر ظهرت الطبقة االبُرجوازية [١] وهي الطبقة المسيطرة والحاكمة في المجتمع الرأسمالي، وهي طبقة غير منتجة لكن تعيش من فائض قيمة عمل العمال، حيث أن البرجوازيين هم الطبقة المسيطرة على وسائل الإنتاج حتى قامت الثورة الفرنسية كأول ثورة شيوعية كبرى للعمال والفلاحين ونجحت بعدة عوامل بالإطاحة بالنبلاء والأرستقراطيين وأنهت الطبقية الجائرة وتقسيم المجتمع إلى فئات لها الحق في العيش بكرامة وأخرى مسلوبة منها.لن أدخل في تعقيدات أسباب سقوط الشيوعية وعودة الرأسمالية ومابعدها من نظم إقتصادية سياسية لأني لست منظّرة في هذا المجال حديثي هو مجرد نظرة تأملية لواقعنا والأبعاد المترتبة على هذا الموضوع

هل عادت البرجوازية في العصر الحديث؟

هنا أستطيع القول أن البرجوازية الحديثة عادت بصورة مغايرة عن الماضي حيث أن برجوازيين العصر الحديث لم يعودو يملكون وسائل الإنتاج والحقوق المدنية على حساب الطبقة العاملة بالمعنى الحرفي للكلمة فلم يعد هناك برجوازي يمتلك قطعة أرض مثلاً وعبيداً يشتغلون بالحقول بلا رحمة لزيادة الإنتاج.

برجوازيين العصر الحديث الآن طبقة مازالت غير منتجة تمتلك رؤوس الأموال  وتتحكم بشكل مباشر في الطبقية الإجتماعية بدلاً من سبل الإنتاج وتقسيم الناس بناءً على معايير سخيفة شديدة السطحية لا علاقة لها بالتربية أو المكانة او الإنتاج الفكري والبعد الأخلاقي قدر مالها من علاقة بالرصيد البنكي وحجم الممتلكات والعقارات والبذخ في السفر والشراء والحفلات والسهرات.

لكن ماهو أسوأ من البرجوازيين الفعليين هم برحوازيين الطبقة المتوسطة والفقيرة أشخاص يستدينون مبالغ طائلة أو قروضاً ضخمة لشراء شنطة او ساعة او سيارة ويقضون بقية حياتهم بسداد تلك الديون بغية الدخول عنوة في المجتمع المخملي والسعي المضني للإنتماء لطبقة معينة لاتملك قيمة عليا في شيء سوى المال وحينما يصبح المال والغنى الفاحش مسعى ينتشر الفساد والنفعية ونرى مع الوقت أبشع صور الرأسمالية. في التجمعات النسائية على سبيل المثال تشكّل هذه الرغبة الملّحة للظهور بالصورة الغنية المترفة ضغطاً إجتماعياً كبيراً مما يجعل الخروج في سهرة أو عزومة مرهق نفسياً ومادياًّ للواتي يعبدن المظاهرالأمر المحزن هو أن معايير (البرجوازية ) لايمكن أن تتناسب مع دخلهن المادي مهما بذلن من مال مما يدفعهن إما لشراء التقليد أو ماركات الدرجة الثانية أو الكذب والحرج الشديد من الإفصاح عن سعر الملابس أو علامتها التجارية.

أنا لا أعترض على شراء الماركات العالمية لكن إعتراضي هو أن لاتتجاوز نسبة شراء شيء ما ٥٪؜ من الدخل الشهري كلٌ حسب ظروفه المادية سواء كانت ماركة عالمية أم لا وأن يعكس الناس مستواهم المادي والمعيشي دون حرج أو نبذ أو تقزيم أما أن أقترض مبلغ من البنك لشراء شنطة أو ساعة بأقساط كبيرة فهذه الحماقة بعينها، عدا عن حقيقة أن مهما بذل أصحاب الطبقة المتوسطة من جهد كبير بمجاراة البرجوازيين سوف يظلون طبقة متوسطة بنظرهم ويدرجون تحت (low class).

محزن أن نرى هذه الطبقية والتقسيم والعنصرية المقيتة في المجتمع وضيق النظرة للآخرين بوصفهم (راقيين) لمجرد أنهم أغنياء ولاشيء آخر حتى بغض النظر عن مصادر هذا الغنى والترف التي ستؤدي إلى إنحدار في مستوى الوعي والقيم الإنسانية والأخلاقية.

المال والملابس والماركات لن تجعل من الإنسان شخصاً راقياً بل هو السلوك والوعي والإنتاج الفكري والمعرفي، هو العمل بشرف ونزاهه والعصامية والمسؤولية والإنسانية.

القيمة الحقيقية والجمالية للأشياء نحن من نضيفها فلا نجعل مانرتديه يرتدينا ويشل تفكيرنا ويعمي بصائرنا.

وبالمناسبة شخصياً أجد أن كل من يتمسك بهذه المفاهيم الحمقاء ويردد كلمات طبقية هم الأكثر بربرية وكثيراً ما واجهت صعوبة بالتواجد معهم بالأماكن العامة بسبب سوء سلوكهم وإستعلائهم عالآخرين

***

لمى ابوالنجا

مراجع

[١] المعجم المدرسيّ: محمد خير أبو حرب (1985)، المعجم المدرسي، مراجعة: ندوة النوري (ط. 1)، دمشق: وزارة التربية، ص. 138، OCLC 1136027329، ويكي بيانات Q116176016

في المثقف اليوم