قضايا

سارة طالب السهيل: التعدد العرقي واللغوي وأثره على ثقافة التعايش

التعدد العرقي واللغوي وأثره على ثقافة التعايش الحضاري والديني في المغرب

ما ان تطأ قدم أي مواطن عربي لأرض المغرب ويتجول في مناطقها المختلفة، حتى يستشعر الثراء الثقافي والحضاري، والجمال الأخاذ الذي يشع من جنبات البيوت،القصور، والجوامع والصوامع، والبساتين الفسيحة، والحدائق.

القادم لبلاد المغرب سرعان ما يتذوق جماليات فنونها وطقوسها وعاداتها وتقاليدها الاجتماعية والدينية المتنوعة، والذي تتميز به كل منطقة ومدينة وقرية عن الاخرى رغم الرابط الوطني الذي يجمعهم.

يظل للتعدد العرقي والديني واللغوي بالمغرب نكهته الخاصة في اصباغ الحياة الثقافية والاجتماعية والفكرية بطابع قبول الاخر والتفاعل معه ومعايشته على ارضية من التسامح والتعاون مع احتفاظ كل مكون عرقي بمكوناته الثقافية المتوارثة في نسيج يكمل بعضه بعضا وينصهر في فسيفساء بديع التكوين والجمال.

وكان للموقع الجغرافي للمغرب دور في اشاعة هذا التنوع الثقافي بمدلولاته العرقية والدينية واللغوية فالمغرب جغرافيا يعد معبرا لتلاقي الغرب والشرق معا، حيث يتقارب مكانيا مع شبه جزيرة ايبيريا ويتماس مع الصحراء الكبرى وأفريقيا ودول المشرق العربي.

ولذلك عبرت الى المغرب العديد من الحضارات واللغات والثقافات القديمة كالفينيقية واللاتينية واليهودية والمسيحية والعربية والإسلام، وايضا الفرنسية والإسبانية والبرتغالية.

وهذه الثقافات مع انحسار بعضها بفعل تقادم الازمنة، الا ان اثارها قد انصهرت بالثقافة المغربية وامتزجت بها لتشكل هويتها الخاصة، وهو ما يتجلى في العديد من المظاهر الحضارية، منها على ـ سبيل المثال لا الحصر ـ الاثر الاندلسي في الموسيقى والمعمار، خاصة مدينة تطوان وطرازها المعماري الغرناطي.

وتعكس فنون المعمار بالذات عبقرية التلاقح الثقافي والحضاري المغربي، وتبرز في روعة العمارة الفنون الإسلامية التقليدية، مثل الصوامع التي تحذب السياح صومعتي الكتبية بمراكش، وحسّان بالرباط، وشبيهتهما “لاخيرالدا ” بمدينة إشبيلية بإسبانيا. والتي هي من بناء الموحّدين.

وايضا روعة الحصون، والأبواب الشامخة، والأضرحة، والمساجد المشهورة بالأسقف الخشبية المنقوشة والأعمدة الرخامية، والزلّيج الملوّن، الموزاييك ذي الرسوم والألوان والخطوط البديعة الزاهية.

ويتجلى التعايش اللغوي والعرقي من خلال اللغة العربية واللغة الامازيغية، والتلاقح بينهما قد لعب دورا في تشكيل الهوية الثقافية للمغرب، بجانب الثقافة الحسانية الشفهية والتي يمتزج فيها ثقافة عرب المغاربة بموريتانيا، ولا تزال تحافظ على ذاكرتها الجماعية عبر اللغة العربية العامية حتى اليوم عبر جلسات السمر واحتساء الشاي، بجانب حضور اللغات الأجنبية الفرنسية والإسبانية والإنجليزية.

والبصمة الافريقية لا يزال حضورها في المشهد الثقافي المغربي انطلاقا من دورها في نشر الدين الاسلامي بالمغرب والعلاقات القديمة مع الزنوج ومع السودان تجاريا وثقافيا واجتماعيا، قد ترك ارثه الثقافي بالمشهد المغربي وانعكس بالعديد من الطقوس المغربية التي تزال حية خاصة في مدينة مراكش وما تذخر به من فنون الحكايات والطرز المعمارية الافريقية.

وللثقافة العبرية حضورها بالمشهد الثقافي والاجتماعي المغربي كجزء أصيل من مكونات المجتمع عبر اليهود المغاربة، والتي تتجلى في العديد من الشواهد الحضارية كالمخطوطات المكتوبة بالعبرية على الطريقة المغربية، وصناعات الملابس، وأحياء الملاح السكنية التي يسكنون بها، والمعابد والمواقع الاثرية، كما ساهم اليهود المغاربة في تنشيط حركة الصناعة خاصة الحرف اليدوية وصناعات الذهب والفضة.

وألقى التنوع العرقي والحضاري بتأثيراته القوية على المطبخ فشهد تنوعا واسعا وابتكارات في أصنافه ارتباطا بانفتاح المغاربة منذ القدم بالحضارات المجاورة او التي هربت اليه واستوطنته، او التي حكمته.

فنجد ابداعات للمطبخ الامازيغي والاندلسي والتركي والمغاربي والشرق أوسطي والافريقي تتمازج فيما بينها لتقديم هوية خاصة للطبخ والذائقة المغربية.

الثراء والتنوع في الفلكلور المغربي يفتح شهية عشاق الفنون حيث تتعدد الايقاعات في الفنون الشعبية ارتباطا بتعدد البيئات بالقرى والبوادي، والمداشر، والأرباض، ونجد انعكاس الثقافات في الطرب الأندلسي، والغرناطي، والمدائح والفنون الأمازيغية، ورقصات اكناوة، ورقصات أحيدوس، والركادة، والدقّة المرّاكشية، والطقطوقة الجبليّة وغيرها

وللازياء خصوصية تاريخية بالمغرب وعلى رأسه " القفطان " الذي يرجعه المؤرخون الى عصر المرينييّن، فان للتبادل والتنوع الثقافي للمغرب أثره في نبوغ مبدعيه وفلاسفته مثل الفيلسوف والفقيه العلاّمة ابن طفيل صاحب ” حيّ ابن يقظان”، وتلميذه قاضي إشبيلية، وعالمها، وطبيبها، أبو الوليد محمّد بن رشد

هذا الغني الثقافي والحضاري التي يعيشه المغرب نتاج طبيعي لتعايش انساني بديع لكل المكونات الثقافية واللغوية والعرقية التي تحيا على هذه الارض الطيبة فهل كان هذا التمازج الثقافي الحضاري وقبول الآخر وعدم نبذ الثقافات والحضارات والديانات الاخرى و المختلقة سببا في التعايش السلمي السياسي والمجتمعي وهل كان عدم تصنيف وتوصيف المواطن بناء على دينه وعرقه سببا في الاستقرار السياسي ادامه الله عليهم ووهبه لجميع خلقه (آمين) وهل كان هذا التعايش والتبادل والانسجام سببا في تنوع مصادر التجارة والصناعة بل والسياحة في المغرب مما ادى لاستقرار اصحاب الثقافات المختلفة والديانات المتنوعة في وطنهم وحال دون هجرتهم وانقراض نوع معين او عدة انواع عن الساحة الوطنية؟ وهل كان لكل هذا دور في عدم تعرض المغرب لهجوم خارجي من قبل اصحاب المؤامرات او اصحاب اجندات الانتقام التاريخي؟ وهل المواطنة والانتماء مبني على عرق او لون او دين ام مبني على المساواة في الحقوق والواجبات واعطاء الفرص وهل سيأخذ باقي العرب المغرب نموذجا للاحتذاء به للمحافظة على مكوناته كل هذه اسئلة تطرح وربما اجوبة تستدعي النظر اليها ودراستها من قبل من يحب وطنه ويتمنى له الاستقرار والتقدم.

***

بقلم سارة طالب السهيل

في المثقف اليوم