قضايا

حاتم حميد محسن: ماذا نشعر ونحن في كون هو لغز بالكامل؟

منذ ان طاف الانسان في الارض، سعى ليجد مكانه في الكون. من دولة المدينة في أثينا القديمة الى معالم القبور الأنيقة للأهرامات المصرية، وعبر الصحاري المترامية الاطراف والجبال الشاهقة للصين القديمة نزولا الى السهول المنبسطة لأمريكا الوسطى، حاول الانسان فهم الكيفية التي يعمل بها الكون. هو طوّر الرياضيات لتعقّب حركة الكواكب، وقام بتقدير محيط الأرض عبر السير من مدينة الى اخرى، فخلق قائمة بالنجوم ومخطوطات لضبط الوقت، وحتى قام بتسجيل الأحداث الفلكية مثل مذنب هالي والسوبرنوفا والخسوف.

وبمرور الزمن، قام الانسان بصقل وتطوير النماذج المتوفرة لديه عن الكون.، كيبلر أعاد ترتيب حركات الاجرام السماوية . غاليلو غيّر جذريا نموذج مركزية الشمس للنظام الشمسي مكتشفا ان الشمس وليس الارض هي التي تدور حول كل عناصر النظام الشمسي. اسحق نيوتن طوّر نظرية الجاذبية التي حلّت محلها لاحقا النظرية النسبية لاينشتاين.

اكتشاف وراء اكتشاف، فيها نسعى لسد الفجوات في صورة الكون، ولكن مع ذلك، وفي كل عملية،تتغير الصورة لتتحول الى شيء جديد دائم التغيير يصعب فهمه. الكون الذي فهمه كبلر وغاليلو وكوبرنيكوس ونيوتن وحتى اينشتاين يختلف عن الكون الذي نعرفه اليوم.

الفهم الحالي للكون غير مستقر. ليس من النوع الذي يناسب صندوق صغير مرتّب ذو خطوط أنيقة وغطاء مثالي. كوننا الحالي محيّر ومعقد جدا. انه يتحدى التوقعات.

بالنسبة للمبتدئين، الكون ليس ثابتا، كيان مغلق. يتوسع باستمرار. نسيج الزمكان يتمدد من كل مكان فجأة وبعيدا عن أي مكان آخر مثل بالون منتفخ، يحمل معه المجرات. الفوتونات تسافر في مسارات الكون ممتدة على طول الزمكان، أطوال موجاتها تزداد طولا، وتصبح أكثر احمرارا، وهكذا يحصل التمدد الأحمر red shifting مع توسع الفضاء.

كوننا لايتمدد الى أي شيء. لا وجود هناك لبُعد إضافي حول الكون، بل ان الفضاء ذاته يتمدد، جاعلا من الفضاء الذي بين مجموعة المجرات يصبح أكبر وأكبر بمرور الزمن. وهذا يقودنا للاستنتاج التالي غير المستقر: لا وجود هناك لمركز للكون. في كل مكان هناك "مركز" لأن كل شيء وفي كل مكان يتحرك بعيدا عن أي شيء آخر، فجأة ودفعة واحدة.

لكن الكون لا يتمدد فقط . انه يتسارع. مع مرور كل لحظة، هناك قوة مستمرة يُطلق عليها "الطاقة المظلمة" تمدد نسيج الكون. الطاقة المظلمة هي خاصية اساسية للفضاء ذاته، غير مرئية، سلسة، وثابتة – ومع ذلك نحن في الحقيقة غير متأكدين منها كليا .

وهناك ايضا المادة المظلمة – مادة ثقيلة وسميكة غير مرئية تشد المجرات الى بعضها. في عدة طرق، المادة المظلمة هي نتيجة مباشرة للطاقة المظلمة: حينما تقوم الطاقة المظلمة بتمديد الفضاء بعيدا، تقوم المادة المظلمة بحياكة المادة وشدها الى بعضها. هما كلاهما غير مرئيين – لا تتفاعلان مع الاشعاع او الضوء – ومع هذا هما حاضرتان دائما، المادة المظلمة تعمل كلاصق كوني لتكوين بناء بنطاق واسع، والطاقة المظلمة مكوّن رئيسي في تطور الكون.

 شفق الانفجار الكبير Big Bang، المعروف بخلفيات المايكروويف الكونية، منحوت في نسيج الزمكان، هو بقايا اشعاع من الفترة التي كان فيها الكون ساخنا جدا وكثيفا وسلسا. ومن خلال رسم خرائط المطبات واللاانتظام والمقارنة مع استطلاع المجرات، وجد العلماء ان 70% من الكون صُنع من طاقة مظلمة. بينما 25% من الكون صُنع من مادة مظلمة. فقط 5% من الكون مادة عادية.

تلك المادة العادية في كل يوم من حياتنا هي الشعر، الملابس، الذرات والأعضاء، الطعام الذي نأكله والكلاب التي معنا، الهواء والبحر والشمس والقمر. كل شيء نعرفه – كل شيء نراه – هو فقط 5% من كل شيء في الكون. المتبقي 95% من الكون هو شيء لا نستطيع رؤيته ولم نتمكن بعد من فهمه. جزء هائل من الكون لايزال غير معروف. وبالرغم من التقدم التكنلوجي في القرن الماضي، حتى بوجود الكومبيوتر وشبكة الانترنيت العالمية واستعمال المراصد الفضائية في رسم خرائط لأبعاد الكون البعيدة، لايزال هناك الكثير لم نعرفه.

لقد حقق العلم قفزات كبيرة منذ أيام الاغريق القديمة والمصريين، و منذ كوبرنيكوس و كبلر. ولكن بالمحصلة، نحن لا نزال مبتدئين في لعبة بسيطة نسعى فيها لفهم النجوم. وفي نهاية اليوم، نحن في كوكب وحيد يتدلّى في الفضاء، يدور حول الشمس وسط ملايين النجوم الاخرى في زاوية صغيرة من مجرة معلّقة في كون يتوسّع الى ما لانهاية .

من طبيعتنا كبشر البحث عن معنى في النجوم. ولكن أحيانا نجد جوابا ليس هو الذي كنا نبحث عنه.

***

حاتم حميد محسن

.....................

Big Think, June21, 2023

 

في المثقف اليوم